الباحث القرآني

وأمّا ثالِثًا فَلِأنَّ قَوْلَهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿قالُوا أجِئْتَنا﴾ إلَخْ مَسُوقٌ لِبَيانِ أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ ألْقَمَهُمُ الحَجَرَ فانْقَطَعُوا عَنِ الإتْيانِ بِكَلامٍ لَهُ تَعَلُّقٌ بِكَلامِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ فَضْلًا عَنِ الجَوابِ الصَّحِيحِ واضْطُرُّوا إلى التَّشَبُّثِ بِذَيْلِ التَّقْلِيدِ الَّذِي هو دَأْبُ كُلِّ عاجِزٍ مَحْجُوجٍ ودَيْدَنُ كُلِّ مُعالِجٍ لَجُوجٍ عَلى أنَّهُ اسْتِئْنافٌ وقَعَ جَوابًا عَمّا قَبْلَهُ مِن كَلامِهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَلى طَرِيقَةِ ﴿قالَ مُوسى﴾ كَما أُشِيرَ إلَيْهِ كَأنَّهُ قِيلَ: فَماذا قالُوا لِمُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ حِينَ قالَ لَهم ما قالَ فَقِيلَ: قالُوا عاجِزِينَ عَنِ المُحاجَّةِ: أجِئْتَنا ﴿لِتَلْفِتَنا﴾ أيْ لِتَصْرِفْنا، وبَيْنَ اللَّفْتِ والفَتْلِ مُناسِبَةٌ مَعْنَوِيَّةٌ واشْتِقاقِيَّةٌ وقَدْ نَصَّ غَيْرُ واحِدٍ عَلى أنَّهُما أخَوانِ ولَيْسَ أحَدُهُما مَقْلُوبًا مِنَ الآخَرِ كَما قالَ الأزْهَرِيُّ ﴿عَمّا وجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا﴾ أيْ مِن عِبادَةِ غَيْرِ اللَّهِ تَعالى ولا رَيْبَ في أنَّ ذَلِكَ إنَّما يَتَسَنّى بِكَوْنِ ما ذُكِرَ مِن تَتِمَّةِ كَلامِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلى الوَجْهِ الَّذِي شُرِحَ إذْ عَلى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ مَحْكِيًّا مِن قِبَلِهِمْ يَكُونُ جَوابُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ خالِيًا عَنِ التَّبْكِيتِ المُلْجِئِ لَهم إلى العُدُولِ عَنْ سُنَنِ المُحاجَّةِ ولا رَيْبَ في أنَّهُ لا عَلاقَةَ بَيْنَ قَوْلِهِمْ: ﴿أجِئْتَنا﴾ إلَخْ وبَيْنَ إنْكارِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ لِما حَكى عَنْهم مُصَحِّحَةٌ لِكَوْنِهِ جَوابًا عَنْهُ وهَذا ظاهِرٌ إلّا عَلى مَن حُجِبَ عَنْ إدْراكِ البَدِيهِيّاتِ، وبِالجُمْلَةِ الحَقُّ أنْ لا وجْهَ لِذَلِكَ التَّجْوِيزِ بِوَجْهٍ والِانْتِصارُ لَهَ مِنَ الفُضُولِ كَما لا يَخْفى ﴿وتَكُونَ لَكُما الكِبْرِياءُ﴾ أيِ المُلْكُ، كَما رُوِيَ عَنْ مُجاهِدٍ فَهو مِن إطْلاقِ المَلْزُومِ وإرادَةِ اللّازِمِ، وعَنِ الزَّجّاجِ أنَّهُ إنَّما سُمِّيَ المُلْكُ كِبْرِياءَ لِأنَّهُ أكْبَرُ ما يُطْلَبُ مِن أمْرِ الدُّنْيا وقِيلَ: أيِ العَظَمَةُ والتَّكَبُّرُ عَلى النّاسِ بِاسْتِتْباعِهِمْ. وقَرَأ حَمّادُ بْنُ يَحْيى عَنْ أبِي بَكْرٍ. وزَيْدُ عَنْ يَعْقُوبَ (يَكُونَ) بِالياءِ التَّحْتانِيَّةِ لِأنَّ التَّأْنِيثَ غَيْرُ حَقِيقِيٍّ مَعَ وُجُودِ الفاصِلِ. ﴿فِي الأرْضِ﴾ أيْ أرْضِ مِصْرَ وقِيلَ: أُرِيدَ الجِنْسُ والجارُّ مُتَعَلِّقٌ بِتَكُونَ أوْ بِالكِبْرِياءِ أوْ بِالِاسْتِقْرارِ في لَكُما لِوُقُوعِهِ خَبَرًا أوْ لِمَحْذُوفٍ وقَعَ حالًا مِنَ ﴿الكِبْرِياءُ﴾ أوْ مِنَ الضَّمِيرِ في ﴿لَكُما﴾ لِتَحَمُّلِهِ إيّاهُ ﴿وما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ 78﴾ أيْ بِمُصَدِّقِينَ فِيما جِئْتُما بِهِ أصْلًا، وفِيهِ تَأْكِيدٌ لِما يُفْهَمُ مِنَ الإنْكارِ السّابِقِ والمُرادُ بِضَمِيرِ المُخاطَبِينَ مُوسى وهارُونُ عَلَيْهِما السَّلامُ وإنَّما لَمْ يَفْرِدُوا مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ بِالخِطابِ هُنا كَما أفْرَدُوهُ بِهِ فِيما تَقَدَّمَ لِأنَّهُ المُشافِهُ لَهم بِالتَّوْبِيخِ والإنْكارِ تَعْظِيمًا لِأمْرٍ ما هو أحَدُ سَبَبَيِ الإعْراضِ مَعْنى ومُبالَغَةً في (p-166)إغاظَةِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ وإقْناطِهِ عَنِ الإيمانِ بِما جاءَ بِهِ وفي إرْشادِ العَقْلِ السَّلِيمِ أنَّ تَثْنِيَةَ الضَّمِيرِ في هَذَيْنَ المَوْضِعَيْنِ بَعْدَ إفْرادِهِ فِيما تَقَدَّمَ مِنَ المَقامَيْنِ بِاعْتِبارِ شُمُولِ الكِبْرِياءِ لَهُما عَلَيْهِما السَّلامُ واسْتِلْزامِ التَّصْدِيقِ لِأحَدِهِما التَّصْدِيقَ لِلْآخَرِ، وأمّا اللَّفْتُ والمَجِيءُ لَهُ فَحَيْثُ كانا مِن خَصائِصِ صاحِبِ الشَّرِيعَةِ أُسْنِدَ إلى مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ خاصَّةً انْتَهى فَتَدَبَّرْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب