الباحث القرآني
قال البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما
"هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم: أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسخ العلم عبدت".
وقال ابن جرير عن محمد بن قيس قال: "كانوا قوما صالحين من بني آدم، كان لهم أتباع يقتدون بهم، فلما ماتوا قال أصحابهم، الذين كانوا يقتدون بهم: لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة، إذا ذكرناهم، فصوروهم، فلما ماتوا وجاء آخرون دب إليهم إبليس، فقال: إنما كانوا يعبدونهم، وبهم يسقون المطر، فعبدوهم".
وقال هشام بن محمد بن السائب الكلبي: أخبرني أبي قال:
"أول ما عبدت الأصنام أن آدم عليه السلام لما مات جعله بنو شيث بن آدم في مغارة في الجبل الذي أهبط عليه آدم بأرض الهند، ويقال للجبل: نوذ، وهو أخصب جبل في الأرض".
قال هشام: فأخبرني أبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: "فكان بنو شيث عليه السلام يأتون جسد آدم في المغارة، فيعظمونه، ويترحمون عليه، فقال رجل من بني قابيل بن آدم: يا بني قابيل، إن لبني شيث دوارا يدورون حوله ويعظمونه، وليس لكم شيء فنحت لهم صنمًا، فكان أول من عملها".
قال هشام: وأخبرني أبي قال: "كان ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر: قوما صالحين، فماتوا في شهر، فجزع عليهم ذوو أقاربهم، فقال رجل من بني قابيل: يا قوم، هل لكم أن أعمل لكم خمسة أصنام على صورهم؟ غير أنى لا أقدر أن أجعل فيها أرواحًا، قالوا: نعم، فنحت لهم خمسة أصنام على صورهم، ونصبها لهم، فكان الرجل يأتي أخاه وعمه وابن عمه، فيعظمه ويسعى حوله، حتى ذهب ذلك القرن الأول وكانت عملت على عهد برد ابن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم، ثم جاء قرن آخر فعظموهم أشد من تعظيم القرن الأول، ثم جاء من بعدهم القرن الثالث، فقالوا: ما عظم أولونا هؤلاء إلا يرجون شفاعتهم عند الله تعالى، فعبدوهم، وعظموا أمرهم، واشتد كفرهم، فبعث الله إليهم إدريس عليه السلام نبيا فدعاهم، فكذبوه، فرفعه الله مكانا عليا، ولم يزل أمرهم يشتد فيما قال ابن الكلبي عن أبي الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: - حتى أدرك نوح عليه السلام، فبعثه الله تعالى نبيا، وهو يومئذ ابن أربعمائة وثمانين سنة، فدعاهم إلى الله تعالى في نبوته عشرين ومائة سنة، فعصوه وكذبوه، فأمره الله تعالى أن يصنع الفلك، ففرغ منها وركبها، وهو ابن ستمائة سنة، وغرق من غرق، ومكث بعد ذلك ثلاثمائة وخمسين سنة فدعاهم إلى الله.
وكان بين آدم ونوح ألفا سنة ومائتا سنة: فأهبط الماء هذه الأصنام من أرض إلى أرض حتى قذفها إلى أرض جدة، فلما نضب الماء وبقيت على الشط فسفت الريح عليها حتى وارتها".
قلت: ظاهر القرآن يدل على خلاف هذا، وأن نوحا عليه السلام لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا، وأن الله عز وجل أهلكهم بالغرق بعد أن لبث فيهم هذه المدة.
قال الكلبي: وكان عمرو بن لحي كاهنا وله رئى من الجن: عجل المسير والظعن من تهامة، بالسعد والسلامة قال: جير ولا إقامة، قال: ائت ضف جدة، تجد فيها أصناما معدة، فأوردها تهامة ولا تهب، ثم ادع العرب إلى عبادتها تجب. فأتى نهر جدة فاستثارها، ثم حملها حتى ورد تهامة، وحضر الحج، فدعا العرب إلى عبادتها قاطبة، فأجابه عوف بن عذرة بن زيد اللات، ابن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة بن تغلب ابن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة فدفع إليه ودا، فحمله فكان بوادي القرى بدومة الجندل، وسمى ابنه عبدود، فهو أول من سمى به، وجعل عرف ابنه عامرا الذي يقال له: عامر الأجدار سادنا له. فلم يزل بنوه يسد نونه حتى جاء الله بالإسلام.
قال الكلبي: فحدثني مالك بن حارثة أنه رأى ودا. قال: وكان أبي يبعثنى باللبن إليه، فيقول: اسقه إلهك، فأشربه. قال: ثم رأيت خالد بن الوليد رضي الله عنه بعد كسره فجعله جذاذا.
وكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بعث خالد بن الوليد لهدمه، فحالت بينه وبين هدمه بنو عذرة وبنو عامر الأجدار. فقاتلهم، فقتلهم وهدمه وكسره.
قال الكلبى: فقلت لمالك بن حارثة: صف لي ودا، حتى كأنى أنظر إليه. قال: كان تمثال رجل كأعظم ما يكون من الرجال، قد دُبِّر - أي نقش - عليه حلتان، متزر بحلة مرتد بأخرى، عليه سيف قد تقلده، وقد تنكب قوسا، وبين يديه حربة فيها لواء ووفضة فيها نبل، يعني جعبة.
قال: ورجع الحديث.
قال: وأجابت عمرو بن لحي مضر بن نزار. فدفع إلى رجل من هذيل يقال له: الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر: سواعا، فكان بأرض يقال لها: وهاط من بطن نخلة، يعبده من يليه من مضر.
وفي ذلك يقول رجل من العرب:
؎تَراهم حَوْلَ قِبْلَتهِمْ عُكُوفا ∗∗∗ كَما عَكَفَتْ هُذَيْلُ عَلى سُواعِ
؎تَظَلُّ جَنابَهُ صَرْعى لَدَيْهِ ∗∗∗ عَتائِرَ مِن ذَخائِرِ كُلّ راعِ
وأجابته مذحج، فدفع إلى أنعم بن عمرو المرادى يغوث. وكان بأكمة باليمن تعبده مذحج ومن والاها.
وأجابته همدان. فدفع إلى مالك بن مرثد بن جشم بن حاشد بن جشم بن خيران بن نوف بن همدان: يعوق. فكان بقرية يقال لها: خيوان. تعبده همدان ومن والاها من اليمن.
وأجابت حمير: فدفع إلى رجل من ذى رعين. يقال له: معد يكرب نسرا. فكان بموضع من أرض سبأ، يقال له: بلخع تعبده حمير ومن والاها. فلم يزل يعبدونه حتى هوّدهم ذو نواس.
فلم تزل هذه الأصنام تعبد حتى بعث الله النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فهدمها وكسرها.
قلت: هذا شرح ما ذكره البخاري في صحيحه عن ابن عباس قال
"صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب تعبد. أما ود، فكانت لكلب بدومة الجندل. وأما سواع فكانت لهذيل. وأما يغوث، فكان لمراد، ثم لبني غطيف، بالحرف عند سبأ. وأما يعوق فكانت لهمدان، وأما نسر، فكانت لحمير، لآل ذى الكلاع، قال: وهؤلاء أسماء رجال صالحين من قوم نوح"
وذكر ما تقدم.
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم:
"رَأيْتُ عَمْرَو بْنَ عامِرٍ الخُزاعِي يَجُرُّ قُصْبَهُ في النّارِ. وكانَ أوَّلَ مَنَ سَيَّبَ السَّوائِبَ".
وفي لفظ "وَغَيَّرَ دِينَ إبراهيم".
وقال بن إسحاق: حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي أن أبا صالح السمان حدثه أنه سمع أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول لأكثم ابن الجون الخزاعي
"يا أكثم رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجر قصبه في النار فما رأيت رجلا أشبه برجل منك به، ولا به منك، فقال أكثم: عسى أن يضرني شبهه يا رسول الله، قال: لا، إنك مؤمن وهو كافر، إنه كان أول من غير دين إسماعيل، فنصب الأوثان، وبحر البحيرة، وسيب السائبة، ووصل الوصيلة، وحمى الحام".
قال ابن هشام: وحدثني بعض أهل العلم
"إن عمرو بن لحي خرج من مكة إلى الشام في بعض أموره، فلما قدم مآب من أرض البلقاء، وبها يومئذ العماليق، وهم ولد عملاق بن لاوذ بن سام بن نوح، رآهم يعبدون الأصنام. فقال لهم: ما هذه الأصنام التي تعبدون؟
فقالوا: نستمطر بها فتمطرنا. ونستنصرها فتنصرنا.
فقال: أفلا تعطوني منها صنما، فأسير به إلى أرض العرب فيعبدونه؟ فأعطوه صنما يقال له: هبل. فقدم به مكة، فنصبه، وأمر الناس بعبادته وتعظيمه".
قال هشام: وحدثني أبي وغيره "أن إسماعيل عليه السلام لما سكن مكة وولد بها أولاده، فكثروا، حتى ملؤوا مكة، ونفوا من كان بها من العماليق ضاقت عليهم مكة، ووقعت بينهم الحروب والعداوات، وأخرج بعضهم بعضا، فتفسحوا في البلاد والتماس المعاش، فكان الذي حملهم على عبادة الأوثان والحجارة: أنه كان لا يظعن من مكة ظاعن إلا احتمل معه حجرا من حجارة الحرم، تعظيما للحرم، وصبابة بمكة.
فحيثما حلوا وضعوه وطافوا به كطوافهم بالبيت، حبا للبيت وصبابة به، وهم على ذلك يعظمون البيت ومكة، ويحجون ويعتمرون، على إرث إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام. ثم عبدوا ما استحسنوا ونسوا ما كانوا عليه، واستبدلوا بدين إبراهيم غيره، فعبدوا الأوثان، وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم من قبلهم، واستخرجوا ما كان يعبد قوم نوح عليه السلام منها على إرث ما بقى من ذكرها فيهم وفيهم على ذلك بقايا من عهد إبراهيم وإسماعيل، يتنسكون بها من تعظيم البيت والطواف به، والحج والعمرة والوقوف على عرفة والمزدلفة. وإهداء البدن مع إدخالهم فيه ما ليس منه وكانت نزار تقول في إهلالها:
؎لَبَّيْكَ الّلهُمَّ لَبَّيْكْ ∗∗∗ لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكْ
؎إلا شَرِيكٌ هو لَكْ ∗∗∗ تَمْلكُهُ وما مَلَكْ
ويوحدونه بالتلبية، ويدخلون معه آلهتهم، ويجعلون ملكها بيده. يقول الله عز وجل لنبيه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم:
﴿وَما يُؤْمِنُ أكْثَرُهم بِاللهِ إلا وهم مُشْرِكُونَ﴾ [يوسف: ١٠٦].
أي ما يوحدونني بمعرفة حقي إلا جعلوا معي شريكا من خلقي.
وكانت تلبية عك، إذا خرجوا حجاجا، قدموا أمامهم غلامين أسودين. فكانا أمام ركبهم فيقولان:
نَحْنُ غُرابا عَكٍّ
فتقول عك من بعدهما:
؎عَك إلَيْكَ عانِيَهْ ∗∗∗ عِبادُكَ اليَمانِيَهْ
وكانت ربيعة إذا حجت فقضت المناسك ووقفت في المواقف، نفرت في النفر الأول، ولم تقم إلى آخر التشريق.
وكان أول من غير دين إسماعيل، فنصب الأوثان، وسيب السائبة وبحر البحيرة ووصل الوصيلة، وحمى الحامى: عمرو بن ربيعة. وهو لحي بن حارثة ابن عمرو بن عامر الأزدي - وهو أبو خزاعة.
وكانت أم عمرو فهيرة بنت عامر بن الحارث. ويقال قمعة بنت مضاض وكان الحرث الذي يلي أمر الكعبة، فلما بلغ عمرو بن لحي نازعه في الولاية، وقاتل جرهما ببني إسماعيل، فظفر بهم وأجلاهم عن الكعبة، ونفاهم من بلاد مكة.
وتولى حجابة البيت بعدهم ثم إنه مرض مرضا شديدا فقيل له: إن بالبلقاء من الشام حمة إن أتيتها برأت فأتاها، فاستحم فيها فبرأ، ووجد أهلها يعبدون الأصنام، فقال: ما هذه؟ فقالوا: نستسقي بها المطر، ونستنصر بها على العدو، فسألهم أن يعطوه منها، ففعلوا، فقدم بها مكة، ونصبها حول الكعبة.
واتخذت العرب الأصنام، فكان أقدمها مناة وقد كانت العرب تسمى: عبد مناة وزيد مناة وكان منصوبا على ساحل البحر من ناحية المشلل بقديد، بين مكة والمدينة وكانت العرب جميعها تعظمه. وكانت الأوس والخرزج ومن ينزل المدينة ومكة وما قارب من المواضع يعظمونه، ويذبحون له، ويهدون له وكان أولاد معد على بقية من دين إسماعيل. وكانت ربيعة ومضر على بقية من دينه ولم يكن أحد أشد إعظاما له من الأوس والخزرج.
قال هشام: وحدثنا رجل من قريش عن أبي عبيدة بن عبد الله بن أبي عبيدة ابن محمد بن عمار بن ياسر قال:
"كانت الأوس والخزرج ومن جاورهم من عرب أهل يثرب، وغيرها يحجون، فيقفون مع الناس المواقف كلها. ولا يحلقون رؤوسهم. فإذا نفروا أتوه، فحلقوا عنده رؤوسهم، وأقاموا عنده لا يرون لحجهم تمام إلا بذلك".
وكانت مناة لهذيل وخزاعة. فبعث رسول الله عليه السلام عليا فهدمها عام الفتح.
ثم اتخذوا اللات بالطائف. وهي أحدث من مناة. وكانت صخرة مربعة وكان يهودى يلت عندها السويق وكان سدنتها من ثقيف بنو عتاب بن مالك. وكانوا قد بنوا عليها. وكانت قريش وجميع العرب تعظمها. وبها كانت العرب تسمى زيد اللات. وتيم اللات. وكانت في موضع منارة مسجد الطائف اليسرى اليوم.
فلم تزل كذلك حتى أسلمت ثقيف. فبعث رسول الله صلى الله تعالى وآله وسلم المغيرة بن شعبة فهدمها وحرقها بالنار.
ثم اتخذوا العزى. وهي أحدث من اللات ومناة، اتخذها ظالم بن أسعد. وكانت بواد من نخلة الشامية. يقال له: حُراض، بإزاء الغُمَير، عن يمين المصعد إلى العراق من مكة. وذلك، فوق ذات عرق، وبنوا عليها بيتا. وكانوا يسمعون منه الصوت.
قال هشام: وحدثني أبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: كانت العزى شيطانة تأتى ثلاث سمرات ببطن نخلة. فلما افتتح رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مكة بعث خالد بن الوليد، فقال: ائت بطن نخلة. فإنك ستجد ثلاث سمرات، فاعضد الأولى. فأتاها فعضدها. فلما جاء إليه قال: هل رأيت شيئًا؟ قال: لا. قال: فاعضد الثانية. فأتاها فعضدها. ثم أتى النبي ﷺ، فقال: هل رأيت شيئا؟ قال: لا. قال: فاعضد الثالثة. فأتاها فإذا هو بحبشية نافشة شعرها واضعة يديها على عاتقها، تصرف بأنيابها، وخلفها دبَيَّة ابن حرمي الشيباني ثم السلمي وكان سادنها فلما نظر إلى خالد قال:
؎أعُزّاء شُدّي شَدّةً لا تُكَذِّبي ∗∗∗ عَلى خالد ألْقي الخمارَ وشَمِّرِي
؎فَإنّكِ إلا تَقْتُلِي اليَوْمَ خالِدا ∗∗∗ تَبُوئي بِذُل عاجِلًا وتَنَصَّرِي
فقال خالد:
؎يا عُزّى كُفْرانَكِ لا سُبْحانَكِ ∗∗∗ إنِّي رَأيْتُ اللهَ قَدْ أهانَكِ
ثم ضربها، ففلق رأسها. فإذا هي حممة. ثم عضد الشجرة، وقتل السادن ثم أتى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فأخبره، فقال: تلك العزى، ولا عزى بعدها للعرب أما إنها لن تعبد بعد اليوم.
* (فصل)
ومن أعظم مكايده التي كاد بها أكثر الناس، وما نجا منها إلا من لم يرد الله تعالى فتنته: ما أوحاه قديما وحديثا إلى حزبه وأوليائه من الفتنة بالقبور. حتى آل الأمر فيها إلى
أن عبد أربابها من دون الله، وعبدت قبورهم، واتخذت أوثانا، وبنيت عليها الهياكل، وصورت صور أربابها فيها، ثم جعلت تلك الصور أجسادا لها ظل، ثم جعلت أصناما، وعبدت مع الله تعالى.
وكان أول هذا الداء العظيم في قوم نوح، كما أخبر سبحانه عنهم في كتابه، حيث يقول:
﴿قالَ نُوحٌ رَبِّ إنَّهم عَصَوْنِي واتَّبَعُوا مَن لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ ووَلَدُهُ إلّا خَسارًا (٢١) ومَكَرُوا مَكْرًا كُبّارًا (٢٢) وقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكم ولا تَذَرُنَّ ودًّا ولا سُواعًا ولا يَغُوثَ ويَعُوقَ ونَسْرًا (٢٣) وقَدْ أضَلُّوا كَثِيرًا ... (٢٤)﴾ [نوح: ٢١-٢٤].
قال ابن جرير:
"وكان من خبر هؤلاء فيما بلغنا ما حدثنا به ابن حميد حدثنا مهران عن سفيان عن موسى عن محمد بن قيس: أن يغوث ويعوق ونسرًا كانوا قومًا صالحين من بني آدم. وكان لهم أتباع يقتدون بهم، فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم: لو صورّناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم. فصوروهم، فلما ماتوا وجاء آخرون دبّ إليهم إبليس، فقال: إنما كانوا يعبدونهم، وبهم يسقون المطر، فعبدوهم".
قال سفيان عن أبيه عن عكرمة قال: "كان بين آدم ونوح عليهما السلام عشرة قرون، كلهم على الإسلام".
حدثنا ابن عبد الأعلى حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في هذه الآية قال: "كانت آلهة يعبدها قوم نوح، ثم عبدتها العرب بعد ذلك، فكان ودّ لكلب بدومة الجندل، وكان سواع لهذيل.
وكان يغوث لبني غطيف من مراد. وكان يعوق لهمدان. وكان نسر لذي الكلاع من حمير".
وقال الوالبي، عن ابن عباس: "هذه أصنام كانت تعبد في زمان نوح عليه السلام".
وقال البخاري: حدثنا إبراهيم بن موسى حدثنا هشام عن ابن جريج قال: قال عطاء عن ابن عباس:
"صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد.
أما ود فكانت لكلب بدومة الجندل.
وأما سواع فكانت لهذيل.
وأما يغوث فكانت لمراد، ثم لبني غطيف بالجرف عند سبأ.
وأما يعوق فكانت لهمدان.
وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع.
أسماء رجال صالحين من قوم نوح. فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انْصُبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابًا، وسموها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك، ونسي العلم، عبدت".
وقال غير واحد من السلف: كان هؤلاء قومًا صالحين في قوم نوح عليه السلام، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوّروا تماثيلهم، ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم.
فهؤلاء جمعوا بين الفتنتين: فتنة القبور، وفتنة التماثيل. وهما الفتنتان اللتان أشار إليهما رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في الحديث المتفق على صحته عن عائشة رضي الله عنها:
"أنَّ أُمَّ سَلمَةَ رَضيَ اللهُ عَنْها ذَكَرَتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ تَعالي عليهِ وآلِه وسلمَ كَنِيسَة رَأتْها بِأرْضِ الحَبَشَةِ، يُقالُ لها: مارِيَة. فَذَ كَرَتْ لَهُ ما رَأتْ فِيها مِنَ الصُّوَرِ. فَقالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله تعالى عليه وآله وسَلّم: أُولِئكَ قَوْمٌ إذا ماتَ فِيهِمُ العَبْدُ الصّالِحُ، أوِ الرَّجُلُ الصّالِحُ، بَنَوْا عَلى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، أُولِئكَ شِرارُ الخَلقِ عِنْدَ اللهِ تَعالى".
وفي لفظ آخر في الصحيحين:
"أنّ أُمَّ حَبيبَةَ وأُمَّ سَلمَةَ ذَكَرَتا كنَيِسَةً رَأيْنَها".
فجمع في هذا الحديث بين التماثيل والقبور، وهذا كان سبب عبادة اللات.
فروى ابن جرير بإسناده عن سفيان عن منصور عن مجاهد:
﴿أفَرَأيْتُمُ الَّلاتَ والعُزّى﴾ [النجم: ١٩].
قال: "كان يلت لهم السويق. فمات، فعكفوا على قبره". وكذلك قال أبو الجوزاء عن ابن عباس رضي الله عنهما:
"كان يلت السويق للحاج".
فقد رأيت أن سبب عبادة ودّ ويغوث ويعوق ونسرًا واللات إنما كانت من تعظيم قبورهم ثم اتخذوا لها التماثيل وعبدوها كما أشار إليه النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم.
قال شيخنا: "وهذه العلة التي لأجلها نهي الشارع عن اتخاذ المساجد على القبور هي التي أوقعت كثيرًا من الأمم إما في الشرك الأكبر، أو فيما دونه من الشرك. فإن النفوس قد أشركت بتماثيل القوم الصالحين، وتماثيل يزعمون أنه طلاسم للكواكب ونحو ذلك. فإن الشرك بقبر الرجل الذي يعتقد صلاحه أقرب إلى النفوس من الشرك بخشبة أو حجر. ولهذا نجد أهل الشرك كثيرًا يتضرعون عندها، ويخشعون ويخضعون، ويعبدونهم بقلوبهم عبادة
لا يفعلونها في بيوت الله، ولا وقت السحر. منهم من يسجد لها. وأكثرهم يرجون من بركة الصلاة عندها والدعاء ما لا يرجونه في المساجد.
فلأجل هذه المفسدة حسم النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم مادتها حتى نهي عن الصلاة في المقبرة مطلقا، وإن لم يقصد المصلى بركة البقعة بصلاته، كما يقصد بصلاته بركة المساجد، كما نهي عن الصلاة وقت طلوع الشمس وغروبها، لأنها أوقات يقصد المشركون الصلاة فيها للشمس. فنهي أمته عن الصلاة حينئذ، وإن لم يقصد المصلى ما قصده المشركون، سدا للذريعة".
قال: وأما إذا قصد الرجل الصلاة عند القبور متبركًا بالصلاة في تلك البقعة، فهذا عين المخادعة لله ولرسوله، والمخالفة لدينه، وابتداع دين لم يأذن به الله تعالى. فإن المسلمين قد أجمعوا على ما علموه بالاضطرار من دين رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أن الصلاة عند القبور منهي عنها، وأنه لعن من اتخذها مساجد. فمن أعظم المحدثات وأسباب الشرك الصلاة عندها واتخاذها مساجد، وبناء المساجد عليها. وقد تواترت النصوص عن النبي عليه الصلاة والسلام بالنهي عن ذلك والتغليظ فيه. فقد صرح عامة الطوائف بالنهي عن بناء المساجد عليها، متابعة منهم للسنة الصحيحة الصريحة. وصرح أصحاب أحمد وغيرهم من أصحاب مالك والشافعي بتحريم ذلك. وطائفة أطلقت الكراهة. والذي ينبغي أن يحمل على كراهة التحريم إحسانا للظن بالعلماء، وأن لا يظن بهم أن يجوزوا فعل ما تواتر عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لعن فاعله والنهي عنه. ففى صحيح مسلم عن جندب بن عبد الله البجلى قال:
سَمعتُ رسولَ الله صلى اللهُ تعالى عليهِ وآله وسلم قبل أنْ يَموتَ بخمْسٍ وهوَ يقول:
"إني أبْرَأُ إلى اللهِ أنْ يَكُون لِى مِنكمْ خَلِيلا. فَإنّ اللهَ تَعالى قَدِ اتَّخَذَنِي خَلِيلا، كما اتّخَذَ إبْراهِيم خَلِيلًا، ولَوْ كُنْتُ مُتَّخِذا مِن أُمَّتىِ خَلِيلًا لاتّخَذْتُ أبا بكْرٍ خَليلا ألا وإنَّ مَن كانَ قَبْلَكم كانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أنْبِيائهِمْ مَساجِدَ، ألا فَلاَ تَتَّخِذوا القُبُورَ مَساجِدَ، فإنى أنْهاكم عَنْ ذلِكَ".
وعن عائشة وعبد الله بن عباس قالا: "لمّا نُزلَ بِرَسُولِ الله صلى اللهُ تعالى عليه وآله وسلم طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لهُ عَلى وجْهِهِ. فَإذا اغْتَمَّ كَشَفَها فَقالَ: وهو كَذلِكَ، لَعْنَةُ اللهِ عَلى اليَهُودِ والنَّصارى، اتّخَذُوا قُبُورَ أنْبِيائهِم مَساجِدَ، يُحذرُ ما صَنَعُوا"
متفق عليه.
وفي الصحيحين أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه:
أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ تعالى عليه وآله وسلم قالَ:
" قاتَلَ اللهُ اليَهُودَ والنَّصارى، اتّخَذُوا قُبُورَ أنْبِيائهِمْ مَساجِدَ".
وفي رواية مسلم: "لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ والنَّصارى، اتّخَذُوا قُبُورَ أنْبِيائهِمْ مَساجِدَ".
فقد نهي عن اتخاذ القبور مساجد في آخر حياته، ثم إنه لعن وهو في السياق من فعل ذلك من أهل الكتاب، ليحذر أمته أن يفعلوا ذلك.
قالت عائشة رضي الله عنها: قال رسولُ الله صلى اللهُ تعالى عليه وآله وسلمَ في مَرَضِه الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنهُ: "لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ والنَّصارى اتَّخَذُوا قُبُورَ أنْبِيائهِمْ مَساجِدَ، ولَوْلا ذلِكَ لأبْرِزَ قَبُرهُ غَيْرَ أنّهُ خُشِيَ أنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا"
متفق عليه.
وقولها: "خشى" هو بضم الخاء تعليلا لمنع إبراز قبره.
وروى الإمام أحمد في مسنده بإسناد جيد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال:
"إنَّ مِن شِرار النّاسِ مَن تُدْرِكُهُمُ السّاعَةُ وهم أحْياءٌ، والَّذِينَ يَتَّخِذُونَ القُبُورَ مَساجدَ".
وعن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال:
"لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ اتَّخَذُوا قبُورَ أنْبِيائهِمْ مَساجِدَ"
رواه الإمام أحمد.
وعن ابن عباس قال:
"لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلّى اللهُ تعالى عَليْه وسَلمَ زائراتِ القُبُورِ والمُتَّخِذِينَ عَلَيْها المَساجِدَ والسُّرُجَ"
رواه الإمام أحمد وأهل السنن.
وفي صحيح البخاري: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى أنس بن مالك يصلى عند قبر، فقال: القبر، القبر. وهذا يدل على أنه كان من المستقر عند الصحابة رضي الله عنهم ما نهاهم عنه نبيهم من الصلاة عند القبور. وفعل أنس رضي الله عنه لا يدل على اعتقاده جوازه، فإنه لعله لم يره، أو لم يعلم أنه قبر، أو ذهل عنه. فلما نبهه عمر رضي الله تعالى عنه تنبه.
وقال أبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم:
"الأرْضُ كُلها مَسْجِدٌ إلا المَقبَرَةَ والحَمامَ".
رواه الإمام أحمد وأهل السنن الأربعة، وصححه أبو حاتم بن حبان.
وأبلغ من هذا: أنه نهي عن الصلاة إلى القبر، فلا يكون القبر بين المصلي وبين القبلة.
فروى مسلم في صحيحه عن أبي مرثد الغنوى رحمه الله أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال:
"لا تجْلِسُوا عَلى القُبُورِ ولا تُصَلوا إلَيْها".
وفي هذا إبطال قول من زعم أن النهي عن الصلاة فيها لأجل النجاسة، فهذا أبعد شيء عن مقاصد الرسول ﷺ، وهو باطل من عدة أوجه:
منها: أن الأحاديث كلها ليس فيها فرق بين المقبرة الحديثة والمنبوشة، كما يقوله المعللون بالنجاسة.
ومنها: أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لعن اليهود والنصارى على اتخاذ قبور أنبيائهم مساجد. ومعلوم قطعًا أن هذا ليس لأجل النجاسة. فإن ذلك لا يختص بقبور الأنبياء، ولأن قبور الأنبياء من أطهر البقاع، وليس للنجاسة عليها طريق ألبتة، فإن الله حرم على الأرض أن تأكل أجسادهم فهم في قبورهم طريون.
ومنها: أنه نهي عن الصلاة إليها.
ومنها: أنه أخبر أن الأرض كلها مسجد، إلا المقبرة والحمام. ولو كان ذلك لأجل النجاسة لكان ذكر الحشوش والمجازر ونحوها أولى من ذكر القبور.
ومنها: أن موضع مسجده صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كان مقبرة للمشركين، فنبش قبورهم وسواها واتخذه مسجدًا: ولم ينقل ذلك التراب، بل سوى الأرض ومهدها وصلى فيه، كما ثبت في الصحيحين عن أنس بن مالك قال:
"لَمّا قَدِمَ النبيُّ صلى الله تعالى عليه وآلهِ وسلم المدِينَة فَنزَلَ بأعْلى المدِينَةِ في حَيّ يُقالُ لَهُمْ: بَنُو عَمْرو بْنِ عَوْفٍ، فأقامَ النّبيُّ صلى اللهُ تعالى عليهِ وآله وسلمَ فيهِمْ أرْبَعَ عَشَرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أرْسَلَ إلى مَلاء بَنىِ النَّجّارِ، فَجاءُوا مُتَقَلدِي السُّيُوفَ، وكَأنى أنْظُرُ إلى النَّبى ﷺ عَلى راحِلَتهِ، وأبو بكر رِدفَهُ، ومَلأُ بَنِي النَّجّارِ حَوْلَهُ، حتى ألْقى بِفناءِ أبي أيُّوبَ.
وكان يُحِبُّ أنْ يُصَلِّيَ حَيْثُ أدْرَكَتْهُ الصَّلاةُ، ويُصَلّى في مَرابضِ الغَنمِ، وأنّهُ أمَرَ بِبِناءِ المَسْجِدِ، فأرْسَلَ إلى مَلإٍ بَنى النَّجّارِ، فَقالَ: يا بنِي النجّارِ، ثامِنُونى بحائِطِكم هذا.
قالُوا: لا واللهِ، ما نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إلا إلى اللهِ، فكانَ فيه ما أقُولُ لكُمْ: قُبُورُ المُشْرِكِينَ. وفيه خَرِبٌ. وفيه نخْل. فأمَرَ النّبيُّ صَلّى اللهُ تَعالى عَليْهِ واله وسلّم بِقُبُورِ المشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ، ثُمَّ بِالخْرِبِ فَسُويَتْ. وبالنَّخْلِ فَقُطِعَ. فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ المَسْجِدِ، وجّعَلُوا عِضادَتَيْهِ الحِجارَةَ. وجَعَلُوا يَنْقُلُونَ الصَّخْرَ. وهم يَرْيَجِزُونَ"
وذكر الحديث ..
ومنها: أن فتنة الشرك بالصلاة في القبور ومشابهة عباد الأوثان أعظم بكثير من مفسدة الصلاة بعد العصر والفجر. فإذا نهي عن ذلك سدا لذريعة التشبه التي لا تكاد تخطر ببال المصلى، فكيف بهذه الذريعة القريبة التي كثيرا ما تدعو صاحبها إلى الشرك ودعاء الموتى، واستغاثتهم، وطلب الحوائج منهم، واعتقاد أن الصلاة عند قبورهم أفضل منها في المساجد. وغير ذلك، مما هو محادة ظاهرة لله ورسوله.
فأين التعليل بنجاسة البقعة من هذه المفسدة؟
ومما يدل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قصد منع هذه الأمة من الفتنة بالقبور كما افتتن بها قوم نوح ومن بعدهم.
ومنها: أنه لعن المتخذين عليها المساجد. ولو كان ذلك لأجل النجاسة لأمكن أن يتخذ عليها المسجد مع تطيينها بطين طاهر، فتزول اللعنة، وهو باطل قطعًا.
ومنها: أنه قرن في اللعن بين متخذى المساجد عليها وموقدي السرج عليها. فهما في اللعنة قرينان.
وفي ارتكاب الكبيرة صنوان. فإن كل ما لعن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فهو من الكبائر، ومعلوم أن إيقاد السرج عليها إنما لعن فاعله لكونه وسيلة إلى تعظيمها، وجعلها نصبا يوفض إليه المشركون، كما هو الواقع، فهكذا اتخاذ المساجد عليها.
ولهذا قرن بينهما. فإن اتخاذ المساجد عليها تعظيم لها وتعريض للفتنة بها ولهذا حكى الله سبحانه وتعالى عن المتغلبين على أمر أصحاب الكهف، أنهم قالوا: ﴿لَنَتَّخذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا﴾ [الكهف: ٢١].
ومنها: أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال:
"اللهُمَّ لا تجْعَلْ قَبْرِي وثَنًا يُعْبَدُ. اشْتَدَّ غَضبُ اللهِ عَلى قَوْمٍ اتّخَذُوا قُبُورَ أنْبِيائِهِمْ مَساجِدَ".
فذكره ذلك عقيب قوله:
"اللهم لا تجعل قبرى وثنا يعبد"
تنبيه منه على سبب لحوق اللعن لهم. وهو توصلهم بذلك إلى أن تصير أوثانا تعبد.
وبالجملة فمن له معرفة بالشرك وأسبابه وذرائعه، وفهم عن الرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم مقاصده، جزم جزمًا لا يحتمل النقيض أن هذه المبالغة منه باللعن والنهي بصيغتيه: صيغة "لا تفعلوا" وصيغة "إني أنهاكم"
ليس لأجل النجاسة، بل هو لأجل نجاسة الشرك اللاحقة بمن عصاه، وارتكب ما عنه نهاه، واتبع هواه، ولم يخش ربه ومولاه، وقل نصيبه أو عدم في تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله. فإن هذا وأمثاله من النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم صيانة لحمى التوحيد أن يلحقه الشرك ويغشاه، وتجريد له وغضب لربه أن يعدل به سواه.
فأبى المشركون إلا معصية لأمره وارتكابًا لنهيه وغرهم الشيطان.
فقال: بل هذا تعظيم لقبور المشايخ والصالحين.
وكلما كنتم أشد لها تعظيما، وأشد فيهم غلوا، كنتم بقربهم أسعد، ومن أعدائهم أبعد.
ولعمر الله، من هذا الباب بعينه دخل على عبّاد يغوث ويعوق ونسر، ومنه دخل على عباد الأصنام منذ كانوا إلى يوم القيامة. فجمع المشركون بين الغلو فيهم، والطعن في طريقتهم وهدى الله أهل التوحيد لسلوك طريقتهم، وإنزالهم التي أنزلهم الله إياها: من العبودية وسلب خصائص الإلهية عنهم. وهذا غاية تعظيمهم وطاعتهم.
فأما المشركون فعصوا أمرهم، وتنقصوهم في صورة التعظيم لهم.
قال الشافعي:
"أكره أن يعظم مخلوق حتى يجعل قبره مسجدًا، مخافة الفتنة عليه وعلى من بعده من الناس".
وممن علل بالشرك ومشابهة اليهود والنصارى: الأثرم في كتاب (ناسخ الحديث ومنسوخه)
فقال - بعد أن ذكر حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال:
"جعلت لي الأرض مسجدا إلا المقبرة والحمام"
وحديث زيد بن جبير عن داود بن الحصين عن نافع عن ابن عمر: أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم:
"نهي عن الصلاة في سبع مواطن، وذكر منها المقبرة"
قال الأثرم: إنما كرهت الصلاة في المقبرة للتشبه بأهل الكتاب، لأنهم يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد".
{"ayahs_start":21,"ayahs":["قَالَ نُوحࣱ رَّبِّ إِنَّهُمۡ عَصَوۡنِی وَٱتَّبَعُوا۟ مَن لَّمۡ یَزِدۡهُ مَالُهُۥ وَوَلَدُهُۥۤ إِلَّا خَسَارࣰا","وَمَكَرُوا۟ مَكۡرࣰا كُبَّارࣰا","وَقَالُوا۟ لَا تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمۡ وَلَا تَذَرُنَّ وَدࣰّا وَلَا سُوَاعࣰا وَلَا یَغُوثَ وَیَعُوقَ وَنَسۡرࣰا","وَقَدۡ أَضَلُّوا۟ كَثِیرࣰاۖ وَلَا تَزِدِ ٱلظَّـٰلِمِینَ إِلَّا ضَلَـٰلࣰا"],"ayah":"قَالَ نُوحࣱ رَّبِّ إِنَّهُمۡ عَصَوۡنِی وَٱتَّبَعُوا۟ مَن لَّمۡ یَزِدۡهُ مَالُهُۥ وَوَلَدُهُۥۤ إِلَّا خَسَارࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق