الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿قالَ نُوحٌ رَبِّ إنَّهم عَصَوْنِي واتَّبَعُوا مَن لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ ووَلَدُهُ إلا خَسارًا﴾ ﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبّارًا﴾ ﴿وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكم ولا تَذَرُنَّ ودًّا ولا سُواعًا ولا يَغُوثَ ويَعُوقَ ونَسْرًا﴾ ﴿وَقَدْ أضَلُّوا كَثِيرًا ولا تَزِدِ الظالِمِينَ إلا ضَلالا﴾ ﴿مِمّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهم مِن دُونِ اللهِ أنْصارًا﴾
المَعْنى: فَلَمّا لَمْ يُطِيعُوا ويَئِسَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَلامُ مِن إيمانِهِمْ قالَ نُوحٌ: رَبِّ إنَّهم عَصَوْنِي واتَّبَعُوا أشْرافَهم وغُواتَهُمْ، فَعَبَّرَ عنهم بِأنَّ أمْوالَهم وأولادَهم زادَتْهم خَسارًا، أيْ خُسْرانًا.
وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، ونافِعٌ - في رِوايَةٍ خارِجَةٍ عنهُ-: "وَوُلْدُهُ" بِضَمِّ الواوِ وسُكُون اللامِ، وهي قِراءَةُ ابْنِ الزُبَيْرِ، والحَسَنِ، والأعْرَجِ، والنَخْعِيِّ، ومُجاهِدٍ. وقَرَأ نافِعٌ، وعاصِمٌ، وابْنُ عامِرٍ: "وَوَلَدُهُ" بِفَتْحِ الواوِ واللامِ وهُما بِمَعْنًى واحِدٍ كَبُخْلٍ وبَخَلٍ، وهي قِراءَةُ أبِي عَبْدِ الرَحْمَنِ، والحَسَنِ، وأبِي رَجاءٍ، وابْنِ وثّابٍ، وأبِي جَعْفَرٍ، وشَيْبَةَ، وقَرَأ: "وَوِلْدُهُ" بِكَسْرِ الواوِ والجَحْدَرِيِّ، وزِرٍّ، والحَسَنِ، وابْنِ أبِي إسْحاقَ، وطَلْحَةَ، قالَ أبُو عَمْرٍو: "وُلْدٌ" بِضَمِّ الواوِ وسُكُونِ اللامِ: العَشِيرَةُ والقَوْمُ، وقالَ أبُو حاتِمٍ: يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ "الوُلْدُ" بِضَمِّ الواوِ جَمْعُ "الوَلَدِ" وذَلِكَ كَخَشَبٍ وخُشُبٍ، وقَدْ قالَ حَسّانُ بْنُ ثابِتٍ:(p-٤٢١)
؎ يا بَكْرَ آمِنَةَ المُبارَكِ ذِكْرُها ∗∗∗ مِن ولَدِ مُحْصَنَةٍ بِسَعْدِ الأسْعَدِ
وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "كُبّارًا" بِشَدِّ الباءِ وهو بِناءُ مُبالِغَةٍ نَحْوُ حَسّانَ، قالَ عِيسى: هي لُغَةٌ يَمانِيَةٌ، وعَلَيْها قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ والمَرْءُ يَلْحَقُهُ بِفِتْيانِ النَدى ∗∗∗ ∗∗∗ خَلْقَ الكَرِيمِ ولَيْسَ بِالوَضّاءِ
بِضَمِّ الواوِ، وقَرَأ ابْنُ مُحَيْصِنٍ، وعِيسى ابْنُ عُمَرَ: "كُبارًا" بِتَخْفِيفِ الباءِ، وهو بِناءُ مُبالِغَةٍ إلّا أنَّهُ دُونَ الأوَّلِ، وقَرَأ ابْنُ مُحَيْصِنٍ، فِيما رَوى عنهُ أبُو الأُخْرِيطِ وهْبُ بْنُ واضِحٍ-: "كِبارًا" بِكَسْرِ الكافِ، قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: هو جَمْعٌ كَبِيرٌ، فَكَأنَّهُ جَعَلَ "مَكْرَ" مَكانَ ذُنُوبٍ وأفاعِيلَ ونَحْوِهِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ﴾ إخْبارٌ عن تَواصِيهِمْ بِأصْنامِهِمْ عَلى العُمُومِ، وما كانَ مِنها مَشْهُورُ المَكانَةِ، وما كانَ مِنها يَخْتَصُّ بِواحِدٍ مِنَ الناسِ، ثُمَّ أخَذُوا يَنُصُّونَ عَلى المَشْهُورِ مِنَ الأصْنامِ، وهَذِهِ الأصْنامُ رُوِيَ أنَّها أسْماءُ رِجالٍ صالِحِينَ كانُوا في صَدْرِ الدُنْيا، فَلَمّا ماتُوا صَوَّرَهم أهْلُ ذَلِكَ العَصْرِ مِن حَجَرٍ وقالُوا: نَنْظُرُ إلَيْها فَنَذْكُرُ أفْعالَهُمْ، فَهَلَكَ ذَلِكَ الجِيلُ وكَثُرَ تَعْظِيمُ الآخَرِ لِتِلْكَ الحِجارَةِ ثُمَّ كَذَلِكَ حَتّى عُبِدَتْ ثُمَّ انْتَقَلَتْ تِلْكَ الأصْنامُ بِأعْيانِها -وَقِيلَ: بَلِ الأسْماءُ فَقَطْ- إلى قَبائِلَ مِنَ العَرَبِ، فَكانَتْ "وُدُّ" في كَلْبٍ بِدَوْمَةِ الجَنْدَلِ، وكانَتْ "سُواعُ" في هُذَيْلٍ، وكانَتْ "يَغُوثَ" في مُرادٍ، وكانَتْ "يَعُوقَ" في هَمَذانَ، وكانَتْ "نَسْرُ" في ذِي الكُلاعِ مِن حَمِيرٍ.
(p-٤٢٢)وَقَرَأ نافِعٌ وحْدَهُ -وَرُوِيَتْ عن عاصِمٍ -: "وُادٍ" بِضَمِّ الواوِ، وقَرَأ الباقُونَ، والأعْمَشُ، والحَسَنُ، وطَلْحَةُ، وشَيْبَةُ، وأبُو جَعْفَرٍ -بِخِلافٍ عَنِ الثَلاثَةِ-: "وَدًّا" بِفَتْحِ الواوِ، قالَ الشاعِرُ:
؎ حَيّاكَ ودَّ فَإنّا لا يَحِلُّ لَنا ∗∗∗ ∗∗∗ لَهْوُ النِساءِ وإنَّ الدِينَ قَدْ عَزَما
فَيُقالُ: إنَّهُ أرادَ بِذَلِكَ الصَنَمَ، ويُرْوى بِضَمِّ الواوِ وفَتْحِها.
وقَرَأ الأعْمَشُ: "وَلا يَغُوثا ويَعُوقا" بِالصَرْفِ، وذَلِكَ وهم لِأنَّ التَعْرِيفَ لازِمٌ ووَزْنُ الفِعْلِ. وقَوْلُهُ: ﴿وَقَدْ أضَلُّوا كَثِيرًا﴾ هو إخْبارُ نُوحٍ عَلَيْهِ السَلامُ عنهُمْ، وهو مُنْقَطِعٌ مِمّا حَكاهُ عنهُمْ، والمَعْنى: قَدْ أضَلَّ هَؤُلاءِ القائِلُونَ كَثِيرًا مِنَ الناسِ والأتْباعِ والعَوامِّ، ثُمَّ دَعا عَلَيْهِمْ إلى اللهِ تَعالى بِألّا يَزِيدَهم إلّا ضَلالًا، وذَكَرَ الظالِمِينَ لِتَعُمَّ الدَعْوَةُ كُلَّ مَن جَرى مُجْراهم. وقالَ الحَسَنُ -فِي كِتابِ النَقّاشِ -: أرادَ بِقَوْلِهِ: "وَقَدْ أضَلُّوا" الأصْنامُ المَذْكُورَةُ، وعَبَّرَ عنها بِضَمِيرِ مَن يَعْقِلُ مِن حَيْثُ يُعامِلُها جُمْهُورُ أهْلِها مُعامَلَةَ مَن يَعْقِلُ ويُسْنَدُ إلَيْها أفْعالُ العَقْلِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: "مِمّا خَطِيئاتِهِمْ" ابْتِداءُ إخْبارٍ مِنَ اللهِ تَعالى لِمُحَمَّدٍ ﷺ، أيْ أنَّ دَعْوَةَ نُوحٍ عَلَيْهِ السَلامُ أُجِيبَتْ فَآلَ أمْرُهم إلى هَذا، و"ما" في قَوْلُهُ تَعالى: "مِمّا" زائِدَةٌ، فَكَأنَّهُ تَعالى قالَ: مِن خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا، وهي لِابْتِداءِ الغايَةِ، وقَرَأ "مِمّا خَطِيئَتِهِمْ" عَلى الإفْرادِ الجَحْدَرِيُّ والحَسَنُ، وقَرَأ أبُو عَمْرٍو وحْدَهُ، والحَسَنُ، وعِيسى، والأعْرَجُ، وقَتادَةُ -بِخِلافٍ عنهُمْ-: "مِمّا خَطاياهُمْ" عَلى تَكْسِيرِ الجَمْعِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَأُدْخِلُوا نارًا﴾ يَعْنِي جَهَنَّمَ، وعَبَّرَ عن ذَلِكَ بِفِعْلِ المُضِيِّ مِن حَيْثُ الأمْرُ مُتَحَقِّقٌ، وقِيلَ: أرادَ عَرْضَهم عَلى النارِ غُدُوًّا وعَشِيًّا عَبَّرَ عنهم بِالإدْخالِ، وقَوْلُهُ تَعالى: "فَلَمْ يَجِدُوا" أيْ: لَمْ يَجِدِ المُغْرِقُونَ أحَدًا سِوى اللهِ تَعالى يَنْصُرُهم ويَصْرِفُ عنهم بَأْسَ اللهِ.
{"ayahs_start":21,"ayahs":["قَالَ نُوحࣱ رَّبِّ إِنَّهُمۡ عَصَوۡنِی وَٱتَّبَعُوا۟ مَن لَّمۡ یَزِدۡهُ مَالُهُۥ وَوَلَدُهُۥۤ إِلَّا خَسَارࣰا","وَمَكَرُوا۟ مَكۡرࣰا كُبَّارࣰا","وَقَالُوا۟ لَا تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمۡ وَلَا تَذَرُنَّ وَدࣰّا وَلَا سُوَاعࣰا وَلَا یَغُوثَ وَیَعُوقَ وَنَسۡرࣰا","وَقَدۡ أَضَلُّوا۟ كَثِیرࣰاۖ وَلَا تَزِدِ ٱلظَّـٰلِمِینَ إِلَّا ضَلَـٰلࣰا","مِّمَّا خَطِیۤـَٔـٰتِهِمۡ أُغۡرِقُوا۟ فَأُدۡخِلُوا۟ نَارࣰا فَلَمۡ یَجِدُوا۟ لَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَنصَارࣰا"],"ayah":"قَالَ نُوحࣱ رَّبِّ إِنَّهُمۡ عَصَوۡنِی وَٱتَّبَعُوا۟ مَن لَّمۡ یَزِدۡهُ مَالُهُۥ وَوَلَدُهُۥۤ إِلَّا خَسَارࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق