الباحث القرآني

الحَقُّ سُبْحانَهُ غايَةُ كُلِّ مَطْلَبٍ ﴿وَأنَّ إلى رَبِّكَ المُنْتَهى﴾ وَلَيْسَ وراءَ اللَّهِ مَرْمى، ولا دُونَهُ مُسْتَقَرٌّ، ولا تَقَرُّ العَيْنُ بِغَيْرِهِ ألْبَتَّةَ، وكُلُّ مَطْلُوبٍ سِواهُ فَظِلٌّ زائِلٌ، وخَيالٌ مُفارِقٌ مائِلٌ وإنْ تَمَتَّعَ بِهِ صاحِبُهُ فَمَتاعُ الغُرُورِ. * وقال في (المدارج) أيضا: والغاياتُ والنِّهاياتُ كُلُّها إلَيْهِ تَنْتَهِي ﴿وَأنَّ إلى رَبِّكَ المُنْتَهى﴾ فانْتَهَتْ إلَيْهِ الغاياتُ والنِّهاياتُ. ولَيْسَ لَهُ سُبْحانَهُ غايَةٌ ولا نِهايَةٌ. لا في وُجُودِهِ، ولا في مَزِيدِ جُودِهِ. إذْ هو الأوَّلُ الَّذِي لَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ. والآخِرُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ. ولا نِهايَةَ لِحَمْدِهِ وعَطائِهِ. بَلْ كُلَّما ازْدادَ لَهُ العَبْدُ شُكْرًا زادَهُ فَضْلًا. وكُلَّما ازْدادَ لَهُ طاعَةً زادَهُ لِمَجْدِهِ مَثُوبَةً. وَكُلَّما ازْدادَ مِنهُ قُرْبًا لاحَ لَهُ مِن جَلالِهِ وعَظَمَتِهِ ما لَمْ يُشاهِدْهُ قَبْلَ ذَلِكَ. وَهَكَذا أبَدًا لا يَقِفُ عَلى غايَةٍ ولا نِهايَةٍ. وَلِهَذا جاءَ أنَّ أهْلَ الجَنَّةِ في مَزِيدٍ دائِمٍ بِلا انْتِهاءٍ فَإنَّ نَعِيمَهم مُتَّصِلٌ مِمَّنْ لا نِهايَةَ لِفَضْلِهِ ولا لِعَطائِهِ، ولا لِمَزِيدِهِ ولا لِأوْصافِهِ. فَتَبارَكَ اللَّهُ ذُو الجَلالِ والإكْرامِ ﴿إنَّ هَذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِن نَفادٍ﴾ [ص: ٥٤]. «يا عِبادِي لَوْ أنَّ أوَّلَكم وآخِرَكم وإنْسَكم وجِنَّكم قامُوا في صَعِيدٍ واحِدٍ فَسَألُونِي فَأعْطَيْتُ كُلَّ إنْسانٍ مَسْألَتَهُ ما نَقَصَ ذَلِكَ مِمّا عِنْدِي إلّا كَما يُنْقِصُ المِخْيَطُ إذا أُدْخِلَ البَحْرَ». (فائِدَة) قَول الله تَعالى ﴿وَإن من شَيْء إلّا عندنا خزائنه﴾ مُتَضَمّن لكنز من الكُنُوز وهو أن يطْلب كل شَيْء لا يطْلب إلّا مِمَّن عِنْده خزائنه ومفاتيح تِلْكَ الخزائن بيدَيْهِ وأن طلبه من غَيره طلب مِمَّن لَيْسَ عِنْده ولا يقدر عَلَيْهِ وقَوله ﴿وَأنَّ إلى رَبِّكَ المُنْتَهى﴾ مُتَضَمّن لكنز عَظِيم وهو أن كل مُراد إن لم يرد لأجله ويتصل بِهِ، وإلّا فَهو مضمحل مُنْقَطع فَإنَّهُ لَيْسَ إلَيْهِ المُنْتَهى، ولَيْسَ المُنْتَهى إلّا إلى الَّذِي انْتَهَت إلَيْهِ الأُمُور كلها فانتهت إلى خلقه ومشيئته وحكمته وعلمه. فَهُوَ غايَة كل مَطْلُوب، وكل مَحْبُوب لا يحب لأجله فمحبته عناء وعَذاب. وكل عمل لا يُراد لأجله فَهو ضائع وباطل، وكل قلب لا يصل إلَيْهِ فَهو شقي مَحْجُوب عَن سعادته وفلاحه. فاجْتمع ما يُراد مِنهُ كُله في قَوْله ﴿وَإن من شَيْء إلّا عندنا خزائنه﴾ واجْتمعَ ما يُراد لَهُ كُله في قَوْله ﴿وَأنَّ إلى رَبِّكَ المُنْتَهى﴾ فَلَيْسَ وراءه سُبْحانَهُ غايَة تطلب ولَيْسَ دونه غايَة إلَيْها المُنْتَهى. وَتَحْت هَذا سر عَظِيم من أسرار التَّوْحِيد وهو أن القلب لا يسْتَقرّ ولا يطمئن ويسكن إلّا بالوصول إلَيْهِ. وكل ما سواهُ مِمّا يحب ويُراد فمراد لغيره، ولَيْسَ المُراد المحبوب لذاته إلّا واحِد إلَيْهِ المُنْتَهى. ويستحيل أن يكون المُنْتَهى إلى اثْنَيْنِ كَما يَسْتَحِيل أن يكون ابْتِداء المَخْلُوقات من اثْنَيْنِ، فَمن كانَ انْتِهاء محبته ورغبته وإرادته وطاعته إلى غَيره بَطل عَلَيْهِ ذَلِك وزالَ عَنهُ وفارقه أحْوج ما كانَ إلَيْهِ. وَمن كانَ انْتِهاء محبته ورغبته ورهبته وطَلَبه هو سُبْحانَهُ ظفر بنعمه ولذته وبهجته وسعادته أبَد الآباد.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب