الباحث القرآني

وقوله سبحانه: وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى أي: مُنْتَهَى الخلق ومصيرُهم، اللَّهمَّ أطلعنا على خيرك بفضلك، ولا تفضحْنا بين خلقك، / وجُدْ علينا بسترك في الدارين! وَحُقَّ لعبد يعلم أَنَّه إلى ربه منتهاه أَنْ يرفض هواه ويزهدَ في دنياه، ويُقْبِلَ بقلبه على مولاه ويقتدي بنبيٍّ فَضَّلَهُ اللَّهُ على خلقه وارتضاه ويتأمل كيف كان زهده ﷺ في دنياه وإِقباله على مولاه قال عياض في «شفاه» : وأما زهده ﷺ، فقد قدمنا من الأخبار أثناء هذه السيرة ما يكفي، وحَسْبُكَ من تقلُّله منها وإِعراضِهِ عَنْهَا وعن زَهْرَتِها، وقد سِيقَتْ إليه بحذافيرها، وترادفت عليه فتوحاتها- أنّه توفّي ﷺ ودِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ [[أخرجه البخاري (4/ 302) كتاب «البيوع» باب: شراء النبي بالنسيئة، حديث (2069) ، وأحمد (3/ 133) ، والنسائي (7/ 288) كتاب «البيوع» باب: الرهن في الحضر، وابن ماجه (2/ 815) ، كتاب «الرهون» باب: (1) ، حديث (2437) ، والترمذي (3/ 519- 520) ، كتاب «البيوع» باب: ما جاء في الرخصة في الشراء إلى أجل، حديث (1215) ، وأبو يعلى (5/ 394) (3061) ، وأبو الشيخ في أخلاق النبي (ص: 263) ، والبيهقي (6/ 36) ، كتاب «الرهن» باب: جواز الرهن، كلهم من حديث قتادة عن أنس، أنه مشى إلى النبي ﷺ بخبز شعير، وإهالة سنخة، ولقد رهن النبي ﷺ درعا له بالمدينة، عند يهودي وأخذ منه شعيرا لأهله، ولقد سمعته يقول: ما أمسى عند آل محمّد ﷺ صاع بر ولا صاع حب، وإن عنده لتسع نسوة. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.]] ، وهو يدعو، ويقول: «اللَّهُمَّ اجعل رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتاً» . وفي «صحيح مسلم» عن عائشة- رضي اللَّه عنها- قالت: ما شبع آل رسول الله ﷺ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ تِبَاعاً حتى مضى لِسَبِيلِهِ [[أخرجه مسلم في «صحيحه» (4/ 2882) ، كتاب «الزهد والرقائق» باب: (25/ 2971) ، بهذا اللفظ.]] . وعنها- رضي اللَّه عنها- قالت: «لَمْ يَمْتَلِىءْ جَوْفُ نبيّ الله ﷺ شِبَعاً قَطُّ، وَلَمْ يَبُثَّ شكوى إلى أَحَدٍ، وَكَانَتِ الْفَاقَةُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنَ الغنى، وَإِنْ كَانَ لَيَظَلُّ جَائِعاً يَلْتَوِي طُولَ لَيْلَتِهِ مِنَ الْجُوعِ، فَلاَ يَمْنَعُهُ ذَلِكَ صِيَامَ يَوْمِهِ، وَلَوْ شَاءَ سَأَلَ رَبَّهُ جَمِيعَ كُنُوزِ الأَرْضِ وَثِمَارِهَا وَرَغْدِ عَيْشِهَا، وَلَقَدْ كُنْتُ أَبْكِي لَهُ رَحْمَةً مِمَّا أرى بِهِ، وَأَمْسَحُ بِيَدِي على بَطْنِهِ ممّا به من الجوع، وأقول: نفسي لَكَ الْفِدَاءُ لَوْ تَبَلَّغْتَ مِنَ الدُّنْيَا بِمَا يَقُوتُكَ! فَيَقُولُ: يَا عَائِشَةُ، مَا لِي وَلِلدُّنْيَا! إخْوَانِي مِنْ أُولي الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ صَبَرُوا على مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْ هذا، فَمَضَوْا على حَالِهِمْ، فَقَدِمُوا على رَبِّهِمْ فَأَكْرَمَ مَآبَهُمْ، وَأَجْزَلَ ثَوَابَهُمْ، فَأَجِدُنِي أَسْتَحِيي إنْ تَرَفَّهْتُ فِي مَعِيشَتِي/ أنْ يُقَصِّرَ بِي غَداً دُونَهُمْ، وَمَا مِنْ شَيْءٍ هُوَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنَ اللُّحُوقِ بإخْوَانِي وأَخِلاَّئِي، قَالَتْ: فَمَا أَقَامَ بَعْدُ إلاَّ أَشْهُراً حتى تُوُفِّيَ- صلواتُ اللَّهُ وسَلاَمُهُ عليه-» انتهى، وباقي الآية دَلالة على التوحيد واضحة، والنَّشْأَةَ الْأُخْرى: هي إعادة الأجسام إلى الحشر بعد البِلَى، وأَقْنى معناه: أَكْسَبَ ما يُقْتَنَى تقول: قنيت المالَ، أي: كسبْته، وقال ابن عباس: أَقْنى: قنَّع [[ذكره ابن عطية (5/ 208) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 171) ، وعزاه للفريابي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.]] ، قال ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (5/ 208) .]] : والقناعة خير قُنْيَةٍ، والغِنَى عرض زائل، فلله درّ ابن عبّاس! والشِّعْرى: نجم في السماء، قال مجاهد وابن زيد [[أخرجه الطبري (11/ 537) عن مجاهد برقم: (32637) وعن ابن زيد برقم: (32640) ، وذكره ابن عطية (5/ 208) ، وابن كثير في «تفسيره» (4/ 259) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 172) ، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير، وأبي الشيخ.]] : هو مرزم الجَوْزاء، وهما شِعْرَيَانِ: إحداهما الغُمَيْصَاءُ، والأُخرى العَبُور لأَنَّها عَبَرَتِ المجرَّةَ، وكانت خُزَاعَةُ مِمَّنْ يَعْبُدُ هذه الشعْرَى العَبُورَ، ومعنى الآية: وَأَنَّ اللَّه سبحانه رَبُّ هذا المعبودِ الذي لكم وعاداً الْأُولى: اختلف في معنى وصفها بالأُولى، فقال الجمهور: سُمِّيتْ «أولى» بالإضافة إلى الأمم المتأخِرة عنها، وقال الطبريُّ [[ينظر: «تفسير الطبري» (11/ 537) .]] وغيره: سُمِّيتْ أولى لأَنَّ ثَمَّ عاداً آخرةً، وهي قبيلة كانت بمكَّةَ مع العماليق، وهم بنو لقيم بن هزال، والله أعلم، وقرأ الجمهور [[وقرأها غير مصروفة حمزة، وعاصم، والحسن وعصمة. ينظر: «المحرر الوجيز» (5/ 208) ، و «البحر المحيط» (8/ 166) ، و «معاني القراءات» (3/ 40) ، و «العنوان» (182) ، و «حجة القراءات» (688) ، و «إتحاف فضلاء البشر» (2/ 503) .]] : «وَثَمُودَا» بالنصب عطفاً على «عاداً» «وقومَ نوحٍ» عطفاً على «ثمود» . وقوله: مِنْ قَبْلُ لأَنَّهم كانوا أَوَّلَ أُمَّة كَذَّبت من أهل الأرض، والْمُؤْتَفِكَةَ: قرية قومِ لوطٍ أَهْوى أي: طرحها من هواء عالٍ إلى سفل.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب