الباحث القرآني
الغشاوة: هي الغطاء. وهذا الغطاء سرى إليها من غطاء القلب. فإن ما في القلب من الخير والشر يظهر على العين، فالعين مرآة القلب، تظهر ما فيه. وأنت إذا بغضت رجلا بغضا شديدا أبغضت كلامه ومجالسته، فتجد على عينك غشاوة عند رؤيته ومخالطته.
فذلك أثر البغض والإعراض عنه.
وغلطت الغشاوة على الكفار عقوبة لهم على إعراضهم ونفورهم عن الرسول ﷺ، وعما جاء به من الهدى ومن الحق. وجعل الغشاوة عليها يشعر بالإحاطة على ما تحتها كالغمامة، ولما غشوا عن ذكره الذي أنزله صار ذلك الغشي غشاوة على أعينهم، فلا تبصر مواقع الهدى.
* (فصل)
قوله تعالى: ﴿أفَرَأيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَواهُ وأضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ﴾
قال ابن عباس: علم ما يكون قبل أن يخلقه
وقال أيضا على علم قد سبق عنده
وقال أيضا: يريد الأمر الذي سبق له في أم الكتاب
وقال سعيد بن جبير ومقاتل: على علمه فيه
وقال أبو إسحاق: أي على ما سبق في علمه أنه ضال قبل أن يخلقه
وهذا الذي ذكره جمهور المفسرين
وقال الثعلبي: على علم منه بعاقبة أمره
قال وقيل على ما سبق في علمه أنه ضال قبل أن يخلقه.
وكذلك ذكر البغوي وأبو الفرج بن الجوزي قال: على علمه السابق فيه أنه لا يهتدي.
وذكر طائفة منهم المهدوي وغيره: قولين في الآية هذا أحدهما.
قال المهدوي: فأضله الله على علم علمه منه بأنه لا يستحقه
قال: وقيل على علم من عابد الصنم أنه لا ينفع ولا يضر.
وعلى الأول يكون على علم حال من الفاعل.
المعنى أضله الله عالما بأنه من أهل الضلال في سابق علمه.
وعلى الثاني حال من المفعول. أي أضله الله في حال علم الكافر بأنه ضال.
قلت وعلى الوجه الأول فالمعنى أضله الله عالما به وبأقواله وما يناسبه ويليق به، ولا يصلح له غيره قبل خلقه وبعده، وأنه أهل للضلال، وليس أهلا أن يهدى وأنه لو هدى لكان قد وضع الهدى في غير محله، وعند من لا يستحقه.
والرب تعالى حكيم إنما يضع الأشياء في محالها اللائقة بها.
فانتظمت الآية على هذا القول في إثبات القدر والحكمة التي لأجلها قدر عليه الضلال، وذكر العلم إذ هو الكاشف المبين لحقائق الأمور، ووضع الشيء في مواضعه، وإعطاء الخير من يستحقه، ومنعه من لا يستحقه، فإن هذا لا يحصل بدون العلم فهو سبحانه أضله على علمه بأحواله التي تناسب ضلاله وتقتضيه وتستدعيه، وهو سبحانه كثيرا ما يذكر ذلك مع إخباره بأنه أضل الكافر كما قال: ﴿فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ ومَن يُرِدْ أنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأنَّما يَصَّعَّدُ في السَّماءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ﴾ وقال تعالى: ﴿يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا ويَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وما يُضِلُّ بِهِ إلاَّ الفاسِقِينَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثاقِهِ ويَقْطَعُونَ ما أمَرَ اللَّهُ بِهِ أنْ يُوصَلَ ويُفْسِدُونَ في الأرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الخاسِرُونَ﴾ وقال تعالى: ﴿واللَّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الظّالِمِينَ﴾: ﴿واللَّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الفاسِقِينَ﴾
﴿إنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَن هو كاذِبٌ كَفّارٌ﴾، ﴿وَيُضِلُّ اللَّهُ الظّالِمِينَ﴾، ﴿كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن هو مُسْرِفٌ مُرْتابٌ﴾،
﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبّارٍ﴾، ﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ وقد أخبر سبحانه أنه يفعل ذلك عقوبة لأرباب هذه الجرائم وهذا إضلال ثان بعد الإضلال الأول كما قال تعالى: ﴿وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إلاَّ قَلِيلًا﴾ وقال تعالى: ﴿وَما يُشْعِرُكم أنَّها إذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ ونُقَلِّبُ أفْئِدَتَهم وأبْصارَهم كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أوَّلَ مَرَّةٍ ونَذَرُهم في طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾.
* (فصل)
وفي قوله تعالى: ﴿وَأضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ﴾ قول آخر أنه على علم الضال كما قيل على علم منه أن معبوده لا ينفع ولا يضر فيكون المعنى أضله الله مع علمه الذي تقوم به عليه الحجة لم يضله على جهل وعدم علم.
هذا يشبه قوله: ﴿فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أنْدادًا وأنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ وقوله: ﴿فَصَدَّهم عَنِ السَّبِيلِ وكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ﴾ وقوله: ﴿وَجَحَدُوا بِها واسْتَيْقَنَتْها أنْفُسُهُمْ﴾ وقوله: ﴿وَآتَيْنا ثَمُودَ النّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها﴾
وقول موسى لفرعون: ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ ما أنْزَلَ هَؤُلاءِ إلّا رَبُّ السَّماواتِ والأرْضِ بَصائِرَ﴾ وقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أبْناءَهم وإنَّ فَرِيقًا مِنهم لَيَكْتُمُونَ الحَقَّ وهم يَعْلَمُونَ﴾ وقوله: ﴿فَإنَّهم لا يُكَذِّبُونَكَ ولَكِنَّ الظّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ وقوله: ﴿وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إذْ هَداهم حَتّى يُبَيِّنَ لَهم ما يَتَّقُونَ﴾
ونظائره كثيرة.
وعلى هذا التقدير فهو ضال عن سلوك طريق رشده وهو يراها عيانا كما في الحديث:
"أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه"
فإن الضال عن الطريق قد يكون متبعا لهواه عالما بأن الرشد والهدى في خلاف ما يعمل، ولما كان الهدى هو معرفة الحق والعمل به كان له ضدان الجهل وترك العمل به، فالأول ضلال في العلم، والثاني ضلال في القصد والعمل فقد وقع قوله ﴿على علم﴾ في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدِ اخْتَرْناهم عَلى عِلْم﴾ وفي قوله: ﴿وَأضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ﴾ وفي قوله: ﴿قالَ إنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ﴾ فالأول يرجع العلم فيه إلى الله قولا واحدا.
والثاني والثالث فيهما قولان، والراجح في قوله: ﴿وَأضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ﴾ أن يكون كالأول، وهو قول عامة السلف.
والثالث فيه قولان محتملان. وقد ذكر توجيههما.
والله أعلم والمقصود ذكر مراتب القضاء والقدر علما وكتابة ومشيئة وخلقا.
* (فصل)
وإذا تأملت حال عشاق الصور المتيمين فيها، وجدت هذه الآية منطبقة عليهم، مخبرة عن حالهم.
قال بعض العلماء: ليس شيء من المحبوبات يستوعب محبة القلب إلا محبة الله، أو محبة بشر مثلك، أما محبة الله فهي التي خلق لها العباد، وبها غاية سعادتهم، وكمال نعيمهم وأما البشر المماثل من ذكر أو أنثى، فإن فيه من المشاكلة والمناسبة بين العاشق وبينه ما ليس مثله وبين جنس آخر من المخلوقات. ولهذا لا يعرف في محبة شيء من المحبوبات المخالفة للمحب في الجنس ما يزيل العقل، ويفسد الإدراك، ويوجب انقطاع الإرادة لغير ذلك المحبوب، وإنما يعرف ذلك في محبته لجنسه، فتستوعب قلبه، وتسلب لبه، ويصير لمعشوقه سامعًا مطيعًا كما قيل:
؎إنّ هَواكَ الَّذِي بِقَلبي ∗∗∗ صَيَّرَنِي سامِعًا مُطِيعا
ويقوى هذا السمع والطاعة عند كثير من العشاق، حتى يبذل نفسه، ويسلمها للتلف في طاعة معشوقه، كما يبذل المجاهد نفسه لربه، حتى يقتل في سبيله، وإذا كان النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قد قال في الحديث الذي رواه أحمد وغيره:
"شارِبُ الخَمرِ - أو قال مُدْمِنُ الخَمْرِ - كَعابِدِ وثَنٍ".
ومر على بن طالب رضي الله عنه بقوم يلعبون بالشطرنج فقال "ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟ ".
فما الظن بالعاشق المتيم الفاني في معشوقه؟
ولهذا قرن الله سبحانه بين الخمر والأنصاب وهي الأصنام التي تعبد من دون الله، فقال: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إنَما الخَمَرُ والمَيْسِرُ والأنْصابُ والأزْلاَمُ رِجْسُ مِن عَمَلِ الشَّيطًانِ فاجْتَنبِوُهُ لَعَلّكم تَفْلِحُونَ * إنما يُرِيدُ الشّيْطانُ أنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العَّداوَةَ والبَغْضاءَ في الخَمْرِ والمَيْسِرِ ويَصُدَّكم عَنْ ذِكْرِ اللهِ وعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أنْتُمْ مُنْتهُونَ﴾ [المائدة: ٩٠-٩١].
ومعلوم أن شارب الخمر لا يدوم سكره، بل لا بد أن يفيق، ولعل أوقات إفاقته أكثر من أوقات سكره.
وأما سكرة العشق فقل أن يستفيق صاحبها إلا إذا جاءت الرسل تطلبه للقدوم على الله تعالى.
{"ayah":"أَفَرَءَیۡتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُۥ هَوَىٰهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلۡمࣲ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمۡعِهِۦ وَقَلۡبِهِۦ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِۦ غِشَـٰوَةࣰ فَمَن یَهۡدِیهِ مِنۢ بَعۡدِ ٱللَّهِۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق