الباحث القرآني
قوله تعالى ﴿ص والقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾
فإن في المقسم به من تعظيم القرآن ووصفه بأنه ذي الذكر المتضمن
لتذكير العباد ما يحتاجون إليه وللشرف والقدر ما يدل على المقسم عليه وكونه حقًا من عند الله غير مفترى كما يقوله الكافرون.
وهذا معنى قول كثير من المفسرين متقدميهم ومتأخريهم إن الجواب محذوف تقديره إن القرآن لحق.
وهذا مطرد في كل ما شأنه ذلك.
وأما قول بعضهم إن الجواب قوله تعالى ﴿كَمْ أهْلَكْنا مِن قَبْلِهِمْ مِن قَرْنٍ﴾ فاعترض بين القسم وجوابه بقوله ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا في عِزَّةٍ وشِقاقٍ﴾
فبعيد لأن كم لا يتلقى بها القسم فلا تقول والله كم أنفقت مالًا وبالله كم أعتقت عبدًا.
وهؤلاء لما لم يخف عليهم ذلك احتاجوا أن يقدروا ما يتلقى بها الجواب أي لكم أهلكنا.
وأبعد من هذا قول من قال الجواب في قوله ﴿إنْ كُلٌّ إلّا كَذَّبَ الرُّسُل﴾
وأبعد منه قول من قال الجواب ﴿إنَّ هَذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِن نَفادٍ﴾
وأبعد منه قول من قال الجواب قوله ﴿إنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أهْلِ النّارِ﴾
وأقرب ما قيل في الجواب لفظًا وإن كان بعيدًا معنى عن قتاده وغيره إنه في قوله ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾
كما قال ﴿ق والقُرْآنِ المَجِيدِ بَلْ عَجِبُوا أنْ جاءَهم مُنْذِرٌ مِنهُمْ﴾
وشرح صاحب النظم هذا القول فقال معنى ﴿بل﴾ توكيد الخبر الذي بعده فصار كـ (إنّ) الشديدة في تثبيت ما بعدها.
وقيل هاهنا بمنزلة (إن) لأنه يؤكد ما بعده من الخبر، وإن كان له معنى سواه في نفي خبر متقدم فكأنه عز وجل قال: ص والقرآن ذي الذكر إن الذين كفروا في عزة وشقاق.
كما تقول والله إن زيدًا لقائم.
قال واحتج صاحب هذا القول بأن هذا النظم وإن لم يكن للعربية فيه أصل ولا لها رسم، فيحتمل أن يكون نظما أحدثه الله عز وجل لما بينا من احتمال أن تكون ﴿بل﴾ بمعنى (إنّ) اهـ
وقال أبو القاسم الزجاج قال النحويون إن (بل) تقع في جواب القسم كما تقع (إنّ) لأن المراد بها توكيد الخبر.
وهذا القول اختيار أبي حاتم وحكاه الأخفش عن الكوفيين.
وقرره بعضهم بأن قال أصل الكلام ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا في عِزَّةٍ وشِقاقٍ﴾ ﴿والقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾ فلما قدم القسم ترك على حاله.
قال الأخفش: وهذا يقوله الكوفيون وليس بجيد في العربية لو قلت: والله قام وأنت تريد قام والله لم يحسن.
وقال النحاس: هذا خطأ على مذهب النحويين لأنه إذا ابتدأ بالقسم وكان الكلام معتمدًا عليه لم يكن بد من الجواب.
وأجمعوا أنه لا يجوز والله قام عمرو بمعنى قام عمرو والله، لأن الكلام يعتمد على القسم.
وذكر الأخفش وجهًا آخر في جواب القسم فقال يجوز أن يكون لـ (ص) معنى يقع عليه القسم لا ندري نحن ما هو كأنه يقول الحق والله.
قال أبو الحسن الواحدي وهذا الذي قاله الأخفش صحيح المعنى على قول من يقول ﴿ص﴾ الصادق الله أو صدق محمد.
وذكر الفراء هذا الوجه أيضًا فقال ﴿ص﴾ جواب القسم وقال هو كقولك وجب والله وترك والله فهي جواب لقوله ﴿والقرآن﴾.
وذكر النحاس وغيره وجهًا آخر في الجواب وهو أنه محذوف تقديره والقرآن ذي الذكر فالأمر كما يقوله هؤلاء الكفار، ودل على المحذوف قوله تعالى ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾
وهذا اختيار ابن جرير وهو مخرج من قول قتادة وشرحه الجرجاني فقال بل رافع لخبر قبله ومثبت لخبر بعده فقد ظهر ما قبله وما بعده دليل على ما قبله فالظاهر يدل على الباطن فإذا كان كذلك وجب أن يكون قوله ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا في عِزَّةٍ وشِقاقٍ﴾ مخالفًا لهذا المضمر فكأنه قيل: والقرآن ذي الذكر إن الذين كفروا يزعمون أنهم على الحق أو كل ما في هذا المعنى فهذه ستة أوجه سوى ما بدأنا به في جواب القسم والله أعلم.
* (لطيفة)
تأمل السور التي اشتملت على الحروف المفردة كيف تجد السورة مبنية على كلمة ذلك الحرف فمن ذلك (ق) والسورة مبنية على الكلمات القافية من ذكر القرآن، وذكر الخلق وتكرير القول ومراجعته مرارا، والقرب من ابن آدم، وتلقي الملكين قول العبد، وذكر الرقيب، وذكر السائق والقرين، والإلقاء في جهنم، والتقدم بالوعيد، وذكر المتقين، وذكر القلب والقرون والتنقيب في البلاد، وذكر القيل مرتين، وتشقق الأرض وإلقاء الرواسي فيها، وبسوق النخل والرزق، وذكر القوم وحقوق الوعيد.
ولو لم يكن إلا تكرار القول والمحاورة، وسر آخر وهو أن كل معاني هذه السورة مناسبة لما في حرف القاف من الشدة والجهر والعلو والانفتاح.
وإذا أردت زياة إيضاح هذا فتأمل ما اشتملت عليه سورة (ص) من الخصومات المتعددة فأولها خصومة الكفار مع النبي ﷺ ﴿أجعل الآلهة إلها واحد﴾ إلى آخر كلامهم ثم اختصام الخصمين عند داود ثم تخاصم أهل النار ثم اختصم الملأ الأعلى في العلم وهو الدرجات والكفارات ثم مخاصمة إبليس واعتراضه على ربه في أمره بالسجود لآدم ثم خصامة ثانيا في شأن بنيه حلفه ليغوينهم أجمعين إلا أهل الإخلاص منهم.
فليتأمل اللبيب الفطن هل يليق بهذه السورة غير (ص) وسورة (ق) غير حرفها وهذه قطرة من بحر من بعض أسرار هذه الحروف. والله أعلم.
* (فصل: في الفرق بين صبر الكرام وصبر اللئام)
كل أحد لا بد أن يصبر على بعض ما يكره إما اختيارا وإما اضطرارا.
فالكريم يصبر اختيارا لعلمه بحسن عاقبة الصبر وأنه يحمد عليه ويذم على الجزع وأنه أن لم يصبر لم يرد الجزع عليه فائتا ولم ينتزع عنه مكروها وأن المقدور لا حيلة في دفعه وما لم يقدر لا حيلة في تحصيله فالجزع ضره أقرب من نفعه قال بعض العقلاء:
"العاقل عند نزول المصيبة يفعل ما يفعله الأحمق بعد شهر" كما قيل
وأن الأمر يفضي إلى آخر ... فيصير آخره أولا
فإذا كان آخر الأمر الصبر والعبد غير محمود فما أحسن به أن يستقبل الأمر في أوله بما يستدبره الأحمق في آخره وقال بعض العقلاء من لم يصبر صبر الكرام سلا سلو البهائم فالكريم ينظر إلى المصيبة فإن رأى الجزع يردها ويدفعها فهذا قد ينفعه الجزع وإن كان الجزع لا ينفعه فإنه يجعل المصيبة مصيبتين.
* فصل: وأما اللئيم فإنه يصبر اضطرارا فإنه يحوم حول ساحة الجزع فلا يراها تجدى عليه شيئا فيصبر صبر الموثق للضرب وأيضا فالكريم يصبر في طاعة الرحمن واللئيم يصبر في طاعة الشيطان فاللئام أصبر الناس في طاعة أهوائهم وشهواتهم وأقل الناس صبرا في طاعة ربهم فيصبر على البذل في طاعة الشيطان أتم صبر ولا يصبر على البذل في طاعة الله في أيسر شيء ويصبر في تحمل المشاق لهوى نفسه في مرضاة عدوه ولا يصبر على أدنى المشاق في مرضاة ربه ويصبر على ما يقال في عرضه في المعصية ولا يصبر على ما يقال في عرضه إذا أوذى في الله بل يفر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خشية أن يتكلم في عرضه في ذات الله، ويبذل عرضه في هوى نفسه ومرضاته صابرا على ما يقال فيه، وكذلك يصبر على التبذل بنفسه وجاهه في هوى نفسه ومراده، ولا يصبر على التبذل لله في مرضاته وطاعته، فهو أصبر شيء على التبذل في طاعة الشيطان ومراد النفس، وأعجز شيء عن الصبر على ذلك في الله.
وهذا أعظم اللؤم، ولا يكون صاحبه كريما عند الله، ولا يقوم مع أهل الكرم إذا نودي بهم يوم القيامة على رءوس الأشهاد ليعلم أهل الجمع من أولى بالكرم اليوم أين المتقون؟
{"ayahs_start":1,"ayahs":["صۤۚ وَٱلۡقُرۡءَانِ ذِی ٱلذِّكۡرِ","بَلِ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ فِی عِزَّةࣲ وَشِقَاقࣲ","كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّن قَرۡنࣲ فَنَادَوا۟ وَّلَاتَ حِینَ مَنَاصࣲ","وَعَجِبُوۤا۟ أَن جَاۤءَهُم مُّنذِرࣱ مِّنۡهُمۡۖ وَقَالَ ٱلۡكَـٰفِرُونَ هَـٰذَا سَـٰحِرࣱ كَذَّابٌ","أَجَعَلَ ٱلۡـَٔالِهَةَ إِلَـٰهࣰا وَ ٰحِدًاۖ إِنَّ هَـٰذَا لَشَیۡءٌ عُجَابࣱ"],"ayah":"صۤۚ وَٱلۡقُرۡءَانِ ذِی ٱلذِّكۡرِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق