الباحث القرآني

* (فصل: مراهنة الصّديق للْمُشْرِكين بِعِلْمِهِ وإذنه ﷺ وَأما مراهنة الصّديق للْمُشْرِكين بِعِلْمِهِ وإذنه فروى التِّرْمِذِيّ في جامِعَة من حَدِيث سُفْيان الثَّوْريّ عَن حبيب بن أبي عمْرَة عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبّاس في قَول الله تَعالى عز وجل ﴿الم غلبت الرّوم في أدنى الأرْض وهم من بعد غلبهم سيغلبون﴾ قالَ: كانَ المُشْركُونَ يحبونَ أن يظْهر أهل فارس على الرّوم لأنهم وإياهم أهل أوثان وكانَ المُسلمُونَ يحبونَ أن يظْهر الرّوم على فارس لأنهم أهل كتاب فذكروه لأبي بكر رَضِي الله عَنهُ فَذكره أبُو بكر لرَسُول الله ﷺ فَقالَ لَهُ رَسُول الله ﷺ: أما إنَّهُم سيغلبون فذكروه لَهُم فَقالُوا اجعلوا بَيْننا وبَيْنك أجَلًا فَإن ظهرنا كانَ لنا كَذا وكَذا وإن ظهرتم كانَ لكم كَذا فَجعل أجل خمس سِنِين فَلم يظهروا فَذكرُوا ذَلِك للنَّبِي ﷺ فَقالَ ألا جعلت إلى دون العشْر. قالَ سعيد: والبضع ما دون العشْر قالَ ثمَّ ظَهرت الرّوم بعد قالَ فَذَلِك قَوْله ﴿الم غلبت الرّوم في أدنى الأرْض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سِنِين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المُؤْمِنُونَ بنصر الله﴾ قالَ سُفْيان سَمِعت أنهم ظَهَرُوا عَلَيْهِم يَوْم بدر قالَ التِّرْمِذِيّ: هَذا حَدِيث حسن صَحِيح. وَفِي جامعه أيْضا عَن نيار بن مكرم الأسْلَمِيّ قالَ: لما نزلت ﴿الم غلبت الرّوم في أدنى الأرْض﴾ إلى قَوْله ﴿فِي بضع سِنِين﴾ وَكانَت فارس يَوْم نزلت هَذِه الآيَة قاهرين للروم وكانَ المُسلمُونَ يحبونَ ظُهُور الرّوم عَلَيْهِم لأنهم وإياهم أهل كتاب وفي ذَلِك قَوْله تَعالى ﴿ويومئذ يفرح المُؤْمِنُونَ بنصر الله ينصر من يَشاء وهو العَزِيز الرَّحِيم﴾ وَكانَت قُرَيْش تحب ظُهُور فارس لأنهم وإياهم لَيْسُوا بِأهْل كتاب ولا إيمان ببعث فَلَمّا أنزل الله هَذِه الآيَة خرج أبُو بكر الصّديق يَصِيح في نواحي مَكَّة ﴿الم غلبت الرّوم في أدنى الأرْض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سِنِين﴾ فَقالَ ناس من قُرَيْش لأبي بكر فَذَلِك بَيْننا وبَيْنكُم بزعم صاحبك أن الرّوم ستغلب فارس في بضع سِنِين افلا نراهنك على ذَلِك قالَ بلى قالَ وذَلِكَ قبل تَحْرِيم الرِّهان فارتهن أبُو بكر والمُشْرِكُونَ وتواضعوا الرِّهان وقالُوا لأبي بكر كم نجْعَل البضْع وهو ثَلاث سِنِين إلى تسع سِنِين فسم بَيْننا وبَيْنك وسطا ننتهي إلَيْهِ قالَ فسموا بَينهم سِتّ سِنِين قالَ فمضت السِّت سِنِين قبل أن يظهروا فَأخذ المُشْركُونَ رهن أبي بكر فَلَمّا دخلت السّنة السّابِعَة ظَهرت الرّوم على فارس فعاب المُسلمُونَ على أبي بكر تَسْمِيَته سِتّ سِنِين لِأن الله قالَ ﴿فِي بضع سِنِين﴾ قالَ وأسلم عند ذَلِك ناس كثير قالَ التِّرْمِذِيّ: هَذا حَدِيث حسن صَحِيح وَفِي الجامِع أيْضا من حَدِيث ابْن عَبّاس أن رَسُول الله ﷺ قالَ لأبي بكر في مناحبته ألا أخفضت (وَفِي لفظ ألا احتطت) فَإن البضْع ما بَين الثَّلاث إلى التسع رَواهُ من حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله بن عتبَة عَن ابْن عَبّاس. وَقَوله في الحَدِيث "مناحبته" فالمناحبة المخاطرة وهِي المُراهنَة من النحب وهو النّذر وكِلاهُما مناحب هَذا بِالعقدِ وهَذا بِالنذرِ وَقَوله "ألا أخفضت" يجوز أن يكون من الخَفْض وهو الدعة والمعْنى هلا نفست المدَّة فَكنت في خفض من أمرك ودعة ويجوز أن يكون من الخَفْض الَّذِي هو من الانخفاض أي هلا استنزلتم إلى أكثر مِمّا اتفقتم عَلَيْهِ. وَقَوله في اللَّفْظ الآخر "هلا احتطت: هو من الاحتياط أي هلا أخذت بالأحوط وجعلت الأجَل أقْصى ما يَنْتَهِي إلَيْهِ البضْع فَإن النَّص لا يتعداه. وَقَوله "وَذَلِكَ قبل تَحْرِيم الرِّهان" من كَلام بعض الرواة لَيْسَ من كَلام أبي بكر ولا من كَلام النَّبِي ﷺ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب