الباحث القرآني
قال ابن عباس: "تغريهم إغراء" وفي رواية: "تُشْلِيهِمْ إشْلاءً"
وفي لفظ: "تحرضهم تحريضا" وفي آخر: "تزعجهم إلى المعاصي إزعاجا" وفي آخر: "توقدهم"
أي تحركهم كما يحرك الماء بالإيقاد تحته، قال الأخفش: "توهجهم".
وحقيقة ذلك: أن "الأزَّ" هو التحريك والتهييج، ومنه يقال لغليان القدر: الأزيز؛ لأن الماء يتحرك عند الغليان. ومنه الحديث: "لجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء".
قال أبو عبيدة "الأزيز" الالتهاب والحركة، كالتهاب النار في الحطب، يقال: إزَّ قِدْرَك، أي ألْهِب تحتها بالنار، وأيزت القدر إذا اشتد غليانها، فقد حصل للأزِّ معنيان: أحدهما: التحريك، والثاني: الإيقاد والإلهاب، وهما متقاربان، فإنه تحريك خاص بإزعاج وإلهاب.
فهذا من السلطان الذي له على أوليائه وأهل الشرك، ولكن ليس له على ذلك سلطان حجة وبرهان، وإنما استجابوا له بمجرد دعوته إياهم، لما وافقت أهواءهم وأغراضهم، فهم الذين أعانوا على أنفسهم ومكنوا عدوهم من سلطانه عليهم، بموافقته ومتابعته فلما أعطوا بأيديهم واستأسروا له سُلِّط عليهم؛ عقوبة لهم. وبهذا يظهر معنى قوله سبحانه: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلى المُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾ [النساء: ١٤١].
* (فصل)
قال تعالى: ﴿ألمْ تَرَ أنّا أرْسَلْنا الشَّياطِينَ عَلى الكافِرِينَ تَؤُزُّهم أزا﴾
أي تزعجهم إلى المعاصي إزعاجا كلما فتروا أو ونوا أزعجتهم الشياطين وأزتهم وأثارتهم فلا تزال بالعبد تقوده إلى الذنب وتنظم شمل الاجتماع بألطف حيلة وأتم مكيدة قد رضي لنفسه بالقيادة لفجرة بني آدم وهو الذي استكبر وأبى أن يسجد لأبيهم بتلك النخوة والكبر ولا يرضاه أن يصير قوادا لكل من عصى الله كما قال بعضهم:
؎عجبت من إبليس في تيهه ∗∗∗ وقبح ما أظهر من نخوته
تاه على آدم في سجدة ... وصار قوادا لذريته
فأصل كل معصية وبلاء إنما هو الوسوسة، فلهذا وصفه بها لتكون الاستعاذة من شرها أهم من كل مستعاذ منه وإلا فشره بغير الوسوسة حاصل أيضا فمن شره أنه لص سارق لأموال الناس فكل طعام أو شراب لم يذكر اسم الله تعالى عليه فله فيه حظ بالسرقة والخطف وكذلك يبيت في البيت إذا لم يذكر فيه اسم الله تعالى فيأكل طعام الإنس بغير إذنهم ويبيت في بيوتهم بغير أمرهم فيدخل سارقا ويخرج مغيرا ويدل على عوراتهم فيأمر العبد بالمعصية ثم يلقي في قلوب الناس يقظة ومناما إنه فعل كذا وكذا ومن هذا أن العبد يفعل الذنب لا يطلع عليه أحد من الناس فيصبح والناس يتحدثون به وما ذاك إلا أن الشيطان زينه له وألقاه في قلبه ثم وسوس إلى الناس بما فعل وألقاه فأوقعه في الذنب ثم فضحه به فالرب تعالى يستره والشيطان يجهد في كشف ستره وفضيحته فيغتر العبد ويقول هذا ذنب لم يره إلا الله تعالى ولم يشعر بأن عدوه ساع في إذاعته وفضيحته وقل من يتفطن من الناس لهذه الدقيقة ومن شره أنه إذا نام العبد عقد على رأسه عقدا تمنعه من اليقظة كما في صحيح البخاري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله قال ويعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقدة يضرب على كل عقدة مكانها عليك ليل طويل فارقد فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقده فإن توضأ انحلت عقدة فإن صلى انحلت عقدة كلها فأصبح نشيطا طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان رواه البخاري ومسلم ومن شره أن يبول في أذن العبد حتى ينام إلى الصباح كما ثبت عن النبي أنه ذكر عنده رجل نام ليله حتى أصبح قال ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه أو قال في أذنيه رواه البخاري رواه البخاري ومن شره أنه قعد لابن آدم بطرق الخير كلها فما من طريق من طرق الخير إلا والشيطان مرصد عليه يمنعه بجهده أن يسلكه فإن خالفه وسلكه ثبطه فيه وعوقه وشوش عليه بالمعارضات والقواطع فإن عمله وفرغ منه قيض له ما يبطل أثره ويرده على حافرته.
ويكفي من شره أنه أقسم بالله ليقعدن لبني آدم صراطه المستقيم وأقسم ليأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولقد بلغ شره أن أعمل المكيدة وبالغ في الحيلة حتى أخرج آدم من الجنة ثم لم يكفه ذلك حتى استقطع من أولاده شرطة النار من كل ألف وتسعة وتسعين ثم لم يكفه ذلك حتى أعمل الحيلة في إبطال دعوة الله من الأرض وقصد أن تكون الدعوة له وأن يعبد من دون الله فهو ساع بأقصى جهده على إطفاء نور الله وإبطال دعوته وإقامة دعوة الكفر والشرك ومحو التوحيد وأعلامه من الأرض ويكفي من شره أنه تصدى لإبراهيم خليل الرحمن حتى رماه قومه بالمنجنيق في النار فرد الله تعالى كيده عليه وجعل النار على خليله بردا وسلاما وتصدى حتى أراد اليهود قتله وصلبه فرد الله كيده وصان المسيح ورفعه إليه وتصدى لزكريا ويحيى حتى قتلا واستثار فرعون حتى زين له الفساد العظيم في الأرض ودعوى أنه ربهم الأعلى وتصدى للنبي ﷺ وظاهر الكفار على قتله بجهده والله تعالى يكبته ويرده خاسئا وتفلت على النبي ﷺ بشهاب من نار يريد أن يرميه به وهو في الصلاة فجعل النبي ﷺ يقول ألعنك بلعنة الله وأعان اليهود على سحرهم للنبي ﷺ فإذا كان هذا شأنه وهمته في الشر فكيف الخلاص منه إلا بمعونة الله وتأييده وإعاذته.
* (فصل)
ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ألَمْ تَرَ أنّا أرْسَلْنا الشَّياطِينَ عَلى الكافِرِينَ تَؤُزُّهم أزًّا﴾
فالإرسال هاهنا إرسال كوني قدري كإرسال الرياح وليس بإرسال ديني شرعي فهو إرسال تسليط، بخلاف قوله في المؤمنين: ﴿إنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ﴾ فهذا السلطان المنفي عنه على المؤمنين هو الذي أرسل به جنده على الكافرين.
قال أبو إسحاق: "ومعنى الإرسال هاهنا التسليط تقول قد أرسلت فلانا على فلان إذا سلطته عليه كما قال: ﴿إنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الغاوِينَ﴾ " فأعلم أن من اتبعه هو مسلط عليه.
قلت ويشهد له قوله تعالى: ﴿إنَّما سُلْطانُهُ عَلى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ والَّذِينَ هم بِهِ مُشْرِكُون﴾ وقوله: ﴿تَؤُزُّهم أزًّا﴾ فالأز في اللغة التحريك والتهييج ومنه يقال لغليان القدر الأزيز لتحرك الماء عند الغليان وفي الحديث: "كان لصدر رسول الله ﷺ أزيزا كأزيز المرجل من البكاء"
وعبارات السلف تدور على هذا المعنى قال ابن عباس: "تغريهم إغراء"
وفي رواية أخرى عنه "تسلهم سلا"
وفي رواية أخرى "تحرضهم تحريضا"
وفي أخرى "تزعجهم للمعاصي إزعاجا" وفي أخرى "توقدهم إيقادا"
أي كما يتحرك الماء بالوقد تحته قال أبو عبيدة: "الأزيز الإلهاب" والحركة كالتهاب النار في الحطب يقال إز قدرك أي ألهب تحتها النار وائتزت القدر إذا اشتد غليانها وهذا اختيار الأخفش والتحقيق أن اللفظة تجمع المعنيين جميعا قالت القدرية "معنى أرسلنا الشياطين على الكافرين خلينا بينهم وبينها ليس معناه التسليط" قال أبو علي "الإرسال يستعمل بمعنى التخلية بين المرسل وما يريد"
فمعنى الآية خلينا بين الشياطين وبين الكافرين ولم يمنعهم منهم ولم يعدهم بخلاف المؤمنين الذين قيل فيهم (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان}
قال الواحدي "وإلى هذا الوجه يذهب القدرية في معنى الآية.
قال وليس المعنى على ما ذهبوا إليه" وقال أبو إسحاق "والمختار أنهم أرسلوا عليهم وقيضوا لهم بكفرهم كما قال تعالى: ﴿وَمَن يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطانًا فَهو لَهُ قَرِينٌ﴾ وقال: ﴿وَقَيَّضْنا لَهم قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهم ما بَيْنَ أيْدِيهِمْ وما خَلْفَهُمْ﴾ وإنما معنى الإرسال التسليط" قلت وهذا هو المفهوم من معنى الإرسال كما في الحديث: "إذا أرسلت كلبك المعلم أي سلطته ولو خلى بينه وبين الصيد من غير إرسال منه لم يبح صيده" وكذلك قوله: ﴿وفي وفي عادٍ إذْ أرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ العَقِيمَ﴾ أي سلطناها وسخرناها عليهم وكذلك قوله: ﴿وَأرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أبابِيلَ﴾ وكذلك قوله: ﴿إنّا أرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً﴾ والتخلية بين المرسل وبين ما أرسل عليه من لوازم هذا المعنى ولا يتم التسليط إلا به فإذا أرسل الشيء الذي من طبعه وشأنه أن تفعل فعلا ولم تمنعه من فعله فهذا هو التسليط، ثم إن القدرية تناقضوا في هذا القول فإنهم إن جوزوا منعهم منهم وعصمتهم وإعادتهم فقد نقضوا أصلهم فإن منع المختار من فعله الاختياري مع سلامة النية وصحة بنيته تدل على أن فعله وتركه مقدور للرب وهذا عين قول أهل السنة وإن قالوا لا يقدر على منعهم وعصمهم منهم وإعادتهم فقد جعلوا قدرتهم ومشيئتهم بفعل ما لا يقدر الرب على المنع منه وهذا أبطل الباطل.
ثم قالت القدرية ﴿تؤزهم أزا﴾ تأمرهم بالمعاصي أمرا، وحكوا ذلك عن الضحاك.
وهذا لا يلتفت إليه إذ لا يقال لمن أمر غيره بشيء قد أزه ولا تساعد اللغة على ذلك ولو كان ذلك صحيحا لكان يؤز المؤمنين أيضا فإنه يأمرهم بالمعاصي أكثر من أمر الكافرين فإن الكافر سريع الطاعة والقبول من الشيطان فلا يحتاج من أمره ما يحتاج إليه من أمر المؤمنين بل يأمر الكافر مرة، ويأمر المؤمن مرات، فلو كان الأز الأمر لم يكن له اختصاص بالكافرين.
{"ayah":"أَلَمۡ تَرَ أَنَّاۤ أَرۡسَلۡنَا ٱلشَّیَـٰطِینَ عَلَى ٱلۡكَـٰفِرِینَ تَؤُزُّهُمۡ أَزࣰّا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق