الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ قال الكلبي: (نزلت في المستهزئين بالقرآن) [["بحر العلوم" 2/ 333.]]. وذكر أبو إسحاق في قوله: ﴿أَرْسَلْنَا﴾ وجهين:
أحدهما: (أن المعنى خلينا الشياطين وإياهم فلم نعصمهم من القبول منهم) [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 345.]].
قال أبو علي: (الإرسال يستعمل على معنى التخلية بين المرسل وبين ما يريد وليس يراد به معنى البعث، كما قال الراجز [[لم أهتد إلى قائله. بازلاً: يقال للبعير إذا استكمل السنة الثامنة وطعن في التاسعة وفطر نابه فهو حينئذ بازل، وهو أقصى أسنان البعير، وسميي بازلًا من البزل، ويقال للأنثى بازل وجمعها بوازل. بخبخة البعير: هدير يملأ الفم شقشقته.
انظر: "تهذيب اللغة" (بزل) 1/ 328، "لسان العرب" (بزل) 1/ 276.]]:
أَرْسَلَ فِيْهَا بَازِلًا يَقدمه
وَهُوَ بِهَا بخوا طَرِيْقًا يَعْلَمُه
يريد خلى، يريد: بين الفحل وبن طروقته ولم يمنعه منها. قال فمعنى الآية: خلينا بين الشياطين وبين الكافرين. أي: لم نعصمهم منهم ولم نعذهم، بخلاف المؤمنين الذين قيل فيهم: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَان﴾ [الحجر: 42]، [الإسراء:65] هذا كلام أبي علي في شرح أحد وجهي الإرسال [[لم أقف عليه.]]. وإلى هذا الوجه يذهب القدرية في معنى الآية. وليس المعنى على ما يذهبون إليه [[وقال الشنقيطي -رحمه الله- في "أضواء البيان" 4/ 389: أي: سلطانهم عليهم وقيضناهم لهم وهذا هو الصواب. خلافًا لمن زعم أن المعنى: ﴿أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ﴾ الآية، أي: خلينا بينهم وبينهم، ولم نعصمهم من شرهم. يقال أرسلت البعير أي: خليته.
قال الرازي في "تفسيره" 11/ 251: وقد تعلق المجبرة بذلك لأن عندهم أن ضلال الكافر من قبله تعالى بأن خلق فيهم الكفر وقدر الكفر فلا تأثير لما يكون من الشيطان، وإذا بطل حمل اللفظ في ظاهره فلابد من التأويل فتحمله على أنه تعالى خلى بين الشياطين وبين الكفار وما منعهم من إغوائهم وهذه التخلية تسمى إرسالاً في سعة اللغة، وهذه التخلية وإن كان فيها تشديد للمحنة عليهم فهم متمكنون من أن لا يقبلوا منهم ويكون ثوابهم على ترك القبول أعظم والدليل عليه قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ﴾، == والله تعالى ما أرسل الشياطين إلى الكفار بل أرسلها عليهم والإرسال عليهم هو التسليط لا إرادة أن يصبر مستوليًا عليه ..... وكما خلى بين الشياطين والكفرة فقد خلى بينهم وبين الأنبياء.
انظر: "شرح العقيدة الطحاوية" 1/ 34، "العقيدة الواسطية" ص 58.]].
قال أبو إسحاق: (والوجه الثاني وهو المختار: أنهم أرسلوا عليهم وقيضوا لهم بكفرهم كما قال: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ [الزخرف: 36]، وكما قال: ﴿وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ﴾ [فصلت: 25] الآية. قال: ومعنى الإرسال هاهنا: التسليط، تقول: قد أرسلت فلانًا علي فلان، إذا سلطته عليه كما قال: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾ [الحجر: 42] فأعلم أن من اتبعه هو مسلط عليه) [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 345. انظر: "تفسير القرآن العظيم" 3/ 152، "أضواء البيان" 4/ 389.]]. وقد بان بما ذكره أبو إسحاق أن الوجه في معنى الآية هذا.
وقوله تعالى: ﴿تَؤُزُّهُمْ أَزًّا﴾ معنى الأز في اللغة: التحريك والتهييج [[انظر: "تهذيب اللغة" (أز) 1/ 155، "مقاييس اللغة" (أز) 1/ 13، "القاموس المحيط" (أزت) (146)، "الصحاح" (أزز) 3/ 864، "لسان العرب" (أزز) 1/ 72.]]. قاله ابن الأعرابي وأبو عبيدة [["مجاز القرآن" لأبي عبيدة 2/ 11، "تهذيب اللغة" (أز) 1/ 155.]]، وأنشد لرؤبة [[البيت لرؤبة.
التأفيك: من الإفك وهو الكذب. والتحزي: التكهن. والطيخ: الجهل، ويطلق على الكبر.
انظر: "ديوانه" ص 64، "مجاز القرآن" 2/ 11، "الجمهرة" 1/ 17، "تهذيب اللغة" (أز) 1/ 155، "لسان العرب" (أزز) 1/ 72.]]: لاَ يَأْخُذُ التَّأْفِيْكُ والتَّحَزَّي ... فِيْنَا ولاَ طَيْخُ العِدَى ذُو الأَزَّ
ومنه يقال لغليان القدر: الأزيز، وذلك أن الماء يتحرك عند الغليان، ومنه الحديث: (إنه كان لجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء) [[أخرجه النسائي في "سننه" كتاب الصلاة، باب: البكاء في الصلاة 3/ 13، وأبو داود في "سننه" كتاب الصلاة (157)، والإمام أحمد في "مسنده" 4/ 25 عن مطرق بن عبد الله عن أبيه، وأخرجه ابن ماجة في المقدمة 1/ 3، والطبري في "جامع البيان" 16/ 125، وابن عطية في "المحرر الوجيز" 9/ 532، وذكره القرطبي في "تفسيره" 16/ 150، وذكره ابن حجر في "فتح الباري" 2/ 206، وقال: الحديث رواه أبو داود والنسائي والترمذي في "الشمائل" وإسناده قوي وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، ووهم من زعم أن سلمًا أخرجه.]].
قال أبو عبيدة: (الأزيز الإلتهاب والحركة كالتهاب النار في الحطب، يقال: أُزَّ قِدْرَك، أي: ألهب تحتها النار، وائْتَزَّتِ القدر إذا اشتد غليانها) [["تهذيب اللغة" (أز) 1/ 155.]].
وقال شمر: (أقرأنا ابن الأعرابي عن المفضل: أن لقيم بن لقمان قال لأبيه: اطْبَخْ جَزُورَكَ فَأُزَّ مَاء أو وغَلَّه حَتى ترى الكَرَاديْسَ [[الكَرَادِيس: رؤوس العظام، واحدها: كردوس. ولك عظم تام ضخم فهو كردوس. انظر: "تهذيب اللغة" (كردس) 4/ 3122، "مقاييس اللغة" (الكردوس) 5/ 194، "القاموس المحيط" (الكردوسة) (570)، "اللسان" (كردس) 7/ 3850.]] كأنها رُؤُوس شُيُوخٍ صُلْعٍ، في كلام ذكر) [["تهذيب اللغة" (أز) 1/ 155، "لسان العرب" (أزز) 1/ 72.]].
وقد حصل للأز معنيان، أحدهما: التحريك. والثاني: الإيقاد والإلهاب، وأحدهما قريب من الآخر. وكلام المفسرين غير خارج عن الأصلين، واختلفت عبارات ابن عباس وغيره في تفسير الأَزّ، فقال في رواية الوالبي: (﴿تَؤُزُّهُمْ أَزًّا﴾ أي: تغويهم إغواء) [["جامع البيان" 16/ 125، "النكت والعيون" 3/ 389، "تفسير القرآن العظيم" 3/ 152، "الجامع لأحكام القرآن" 16/ 150.]]. وهو قول سعيد بن جبير [["الكشف والبيان" 3/ 9 أ.]]، وسفيان [["تفسير القرآن العظيم" 3/ 141.]]، ومجاهد إلا أنه ذكر لفظًا آخر فقال: (تشليهم أشلًا) [["المحرر الوجيز" 9/ 532، "تفسير القرآن العظيم" 3/ 152، "الدر المنثور" 4/ 507، "أضواء البيان" 4/ 389.]]. وقال في رواية الضحاك: (تحرضهم تحريضًا) [[ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة.
انظر: "الكشف والبيان" 3/ 9 أ، "لباب التأويل" 4/ 260، "الدر المنثور" 4/ 507، "روح المعاني" 16/ 134، "فتح القدير" 3/ 501.]]. وقال في رواية عطاء: (تزعجهم إلى المعاصي إزعاجًا) [["الجامع لأحكام القرآن" 16/ 150.]]. وهو قول قتادة [["تفسير القرآن" للصنعاني 2/ 12، "جامع البيان" 16/ 125، "النكت والعيون" 3/ 389 "تفسير القرآن العظيم" 3/ 151، "الدر المنثور" 4/ 507.]]، واختيار أبي إسحاق، وابن قتيبة [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 345، "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة 2/ 4.]].
وروى ميمون بن مهران أن نافع بن الأزرق قال لابن عباس: (أخبرني عن قول الله: ﴿تَؤُزُّهُمْ أَزًّا﴾ قال: توقدهم) [["الدر المنثور" 4/ 507 وعزاه لابن الأنباري.]].
والمعنى أنها تحركهم كما تحرك الماء بالإيقاد تحته، وهذا كما قال الأخفش والمؤرج: (توهجهم وتحركهم) [[ذكرته كتب اللغة بدون نسبة.= انظر: "تهذيب اللغة" (أز) 13/ 280، "مقاييس اللغة" (أز) 1/ 13، "القاموس المحيط" (أزت) ص 502، "لسان العرب" (أزز) 1/ 72، "الصحاح" (أزز) 3/ 864، "تاج العروس" (أزز) 8/ 7.]].
وقال الضحاك: (تأمرهم أمرًا) [["بحر العلوم" 2/ 333، "الكشف والبيان" 3/ 9 أ.]]. وهذا أضعف العبارات.
{"ayah":"أَلَمۡ تَرَ أَنَّاۤ أَرۡسَلۡنَا ٱلشَّیَـٰطِینَ عَلَى ٱلۡكَـٰفِرِینَ تَؤُزُّهُمۡ أَزࣰّا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق