الباحث القرآني
{هُوَ الَّذِي أنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكم مِنهُ شَرابٌ ومِنهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (١٠) يُنْبِتُ لَكم بِهِ الزَّرْعَ والزَّيْتُونَ والنَّخِيلَ والأعْنابَ ومِن كُلِّ الثَّمَراتِ إنَّ في ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١١) وسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ والنَّهارَ والشَّمْسَ والقَمَرَ والنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأمْرِهِ إنَّ في ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (١٢) وما ذَرَأ لَكم في الأرْضِ مُخْتَلِفًا ألْوانُهُ إنَّ في ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (١٣) وهو الَّذِي سَخَّرَ البَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنهُ لَحْمًا طَرِيًّا وتَسْتَخْرِجُوا مِنهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وتَرى الفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ ولِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ ولَعَلَّكم تَشْكُرُونَ (١٤)
* (فصل)
وَتَأمل كَيفَ وحد سُبْحانَهُ الآية من قَوْله ﴿هُوَ الَّذِي أنزل من السَّماء ماء لكم مِنهُ شراب﴾ إلى آخرها
وختمها بأصحاب الفكرة.
فأما تَوْحِيد الآية فَلِأن مَوضِع الدّلالَة واحِد وهو الماء الَّذِي أنزله من السَّماء فَأخرج بِهِ كلما ذكره من الأرض وهو على اخْتِلاف أنواعه لقاحه واحِد وأمه واحِدَة، فَهَذا نوع واحِد من آياته.
وَأما تَخْصِيصه ذَلِك بِأهْل الفِكر فَلِأن هَذِه المَخْلُوقات الَّتِي ذكرها من الماء مَوضِع فكر وهو نظر القلب وتأمله لا مَوضِع نظر مُجَرّد بِالعينِ فَلا ينْتَفع النّاظر بِمُجَرَّد رُؤْيَة العين حَتّى ينْتَقل مِنهُ إلى نظر القلب في حِكْمَة ذَلِك وبديع صنعه والِاسْتِدْلال بِهِ على خالقه وباريه وذَلِكَ هو الفِكر بِعَيْنِه.
وأما قوله تَعالى في الآية الَّتِي بعْدها ﴿إن في ذَلِك لآيات لقوم يعْقلُونَ﴾ فَجمع الآيات لأنها تَضَمَّنت اللَّيْل والنَّهار والشَّمْس والقَمَر والنجوم وهِي آيات مُتعَدِّدَة مُخْتَلفَة في أنفسها وخلقها وكيفياتها، فَإن إظلام الجو لغروب الشَّمْس ومجيء اللَّيْل الَّذِي يلبس العالم كالثَّوْبِ ويسكنون تَحْتَهُ آيَة باهرة، ثمَّ ورد جَيش الضياء يقدمهُ بشير الصَّباح فينهزم عَسْكَر الظلام وينتشر الحَيَوان وينكشط ذَلِك اللباس بجملته آيَة أخرى، ثمَّ في الشَّمْس الَّتِي هي آيَة النَّهار آيَة أُخْرى، وفي القَمَر الَّذِي هو آيَة اللَّيْل آيَة أخرى وفي النُّجُوم آيات أخر كَما قدمْناهُ، هَذا مَعَ ما يتبعها من الآيات المُقارنَة لَها من الرِّياح واختلافها وسائِر ما يحدثه الله بِسَبَبِها آيات أخر، فالموضع مَوضِع جمع، وخص هَذِه الآيات بِأهْل العقل لأنها أعظم مِمّا قبلها وأدل وأكبر والأولى كألباب لهَذِهِ، فَمن اسْتدلَّ بِهَذِهِ الآيات وأعطاها حَقّها من الدّلالَة اسْتحق من الوَصْف ما يسْتَحقّهُ صاحب الفِكر وهو العقل، ولِأن منزله المنزلَة العقل بعد منزلَة الفِكر فَلَمّا دلهم بالآية الأولى على الفِكر نقلهم بالآية الثّانِيَة الَّتِي هي أعظم مِنها إلى العقل الَّذِي هو فَوق الفِكر فَتَأمّله.
فَأما قَوْله في الآية الثّالِثَة ﴿إن في ذَلِك لآيَة لقوم يذكرُونَ﴾ فَوحد الآية وخصها بِأهْل التَّذَكُّر فَأما توحيدها فكتوحيد الأولى سَواء فَإن ما ذَرأ في الأرض على اختلافه من الجَواهِر والنبات والمعادن والحَيَوان كُله في مَحل واحِد، فَهو نوع من أنواع آياته وإن تعدّدت أصنافه وأنواعه.
وأما تَخْصِيصه إياها بِأهْل التَّذَكُّر فطريقة القُرْآن في ذَلِك أن يَجْعَل آياته للتبصر والتذكر كَما قالَ تَعالى في سُورَة ق ﴿والأرْض مددناها وألقينا فِيها رواسي وأنبتنا فِيها من كل زوج بهيج تبصرة وذكرى لكل عبد منيب﴾
فالتبصرة التعقل والتذكرة التَّذَكُّر والفكر باب ذَلِك ومدخله فَإذا فكر تبصر، وإذا تبصر تذكر، فجاء التَّذْكِير في الآية لترتيبه على العقل المُرَتّب على الفِكر فَقدم الفِكر إذْ هو الباب والمدخل، ووسط العقل إذْ هو ثَمَرَة الفِكر ونتيجته، وأخر التَّذَكُّر إذْ هو المَطْلُوب من الفِكر والعقل فَتَأمل ذَلِك حق التَّأمُّل.
فَإن قلت فَما الفرق بَين التَّذَكُّر والتفكر؟ فَإذا تبين الفرق ظَهرت الفائِدَة؟
قلت التفكر والتذكر أصل الهدى والفلاح وهما قطبا السَّعادَة، ولِهَذا وسعنا الكَلام في التفكر في هَذا الوَجْه لعظم المَنفَعَة وشدَّة الحاجة إليه قالَ الحسن ما زالَ أهل العلم يعودون بالتذكر على التفكر، وبالتفكر على التَّذَكُّر ويناطقون القُلُوب حَتّى نطقت فَإذا لَها أسماع وأبصار
فاعْلَم أن التفكر طلب القلب ما لَيْسَ بحاصل من العُلُوم من أمْر هو حاصِل مِنها هَذا حَقِيقَته فَإنَّهُ لَو لم يكن ثمَّ مُراد يكون موردا للفكر اسْتَحالَ الفِكر، لأن الفِكر بِغَيْر مُتَعَلق متفكر فِيهِ محال، وتلك المواد هي الأمور الحاصِلَة ولَو كانَ المَطْلُوب بها حاصِلا عِنْده لم يتفكر فِيهِ، فَإذا عرف هَذا فالمتفكر ينْتَقل من المُقدمات والمبادي الَّتِي عِنْده إلى المَطْلُوب الَّذِي يُريدهُ فَإذا ظفر بِهِ وتحصل لَهُ تذكر بِهِ وأبصر مواقع الفِعْل والتّرْك، وما يَنْبَغِي إيثاره، وما يَنْبَغِي اجتنابه، فالتذكر هو مَقْصُود التفكر وثمرته فَإذا تذكر عاد بتذكرة على تفكره فاستخرج ما لم يكن حاصِلا عِنْده، فَهو لا يزال يُكَرر بتفكره على تذكره، وبتذكره على تفكره ما دامَ عاقِلا، لأن العلم والإرادة لا يقفان على حد بل هو دائِما سائِر بن العلم والإرادة، وإذا عرفت معنى كَون آيات الرب تبارك وتَعالى ﴿تبصرة وذكرى﴾ يتبصر بها من عمى القلب ويتذكر بها من غفلته، فإن المضاد للْعلم إما عمى القلب وزواله بالتبصر، وإمّا غفلته وزواله بالتذكر، والمَقْصُود تَنْبِيه القلب من رقدته بالإشارة إلى شَيْء من بعض آيات الله، ولَو ذَهَبْنا نتتبع ذَلِك لنفذ الزَّمان ولم نحط بتفصيل واحِدَة من آياته على التَّمام، ولَكِن ما لا يدْرك جملَة لا يتْرك جملَة، وأحسن ما أنفقت فِيهِ الأنفاس التفكر في آيات الله وعجائب صنعه، والانتقال مِنها إلى تعلق القلب والهمة بِهِ دون شَيْء من مخلوقاته.
{"ayahs_start":10,"ayahs":["هُوَ ٱلَّذِیۤ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰۖ لَّكُم مِّنۡهُ شَرَابࣱ وَمِنۡهُ شَجَرࣱ فِیهِ تُسِیمُونَ","یُنۢبِتُ لَكُم بِهِ ٱلزَّرۡعَ وَٱلزَّیۡتُونَ وَٱلنَّخِیلَ وَٱلۡأَعۡنَـٰبَ وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَ ٰتِۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَةࣰ لِّقَوۡمࣲ یَتَفَكَّرُونَ","وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّیۡلَ وَٱلنَّهَارَ وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ وَٱلنُّجُومُ مُسَخَّرَ ٰتُۢ بِأَمۡرِهِۦۤۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّقَوۡمࣲ یَعۡقِلُونَ","وَمَا ذَرَأَ لَكُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ مُخۡتَلِفًا أَلۡوَ ٰنُهُۥۤۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَةࣰ لِّقَوۡمࣲ یَذَّكَّرُونَ"],"ayah":"یُنۢبِتُ لَكُم بِهِ ٱلزَّرۡعَ وَٱلزَّیۡتُونَ وَٱلنَّخِیلَ وَٱلۡأَعۡنَـٰبَ وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَ ٰتِۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَةࣰ لِّقَوۡمࣲ یَتَفَكَّرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق