الباحث القرآني
* (فصل)
وأما سورة الناس: فقد تضمنت أيضا استعاذة، ومستعاذا به، ومستعاذا منه.
فالاستعاذة تقدمت.
وأما المستعاذ به: فهو الله بِرَبِّ النّاسِ. مَلِكِ النّاسِ. إلهِ النّاسِ.
فذكر ربوبيته للناس، وملكه إياهم، وإلهيته لهم، ولا بد من مناسبة في ذكر ذلك في الاستعاذة من الشيطان، كما تقدم.
فذكر أولا معنى هذه الإضافات الثلاث. ثم وجه مناسبتها لهذه الاستعاذة، فنقول:
الإضافة الأولى: إضافة الربوبية المتضمنة لحقهم وتدبيرهم، وتربيتهم، وإصلاحهم، وجلب مصالحهم، وما يحتاجون إليه، ودفع الشر عنهم، وحفظهم مما يفسدهم. هذا معنى ربوبيته لهم. وذلك يتضمن قدرته التامة. ورحمته الواسعة، وإحسانه، وعلمه بتفاصيل أحوالهم، وإجابة دعواتهم، وكشف كرباتهم.
الإضافة الثانية: إضافة الملك: فهو ملكهم المتصرف فيهم: وهم عبيده ومماليكه، وهو المتصرف لهم المدبر لهم كما يشاء، النافذ القدرة فيهم، الذي له السلطان التام عليهم، فهو ملكهم الحق: الذي إليه مفزعهم عند الشدائد والنوائب، وهو مستغاثهم ومعاذهم وملجأهم. فلا صلاح لهم ولا قيام إلا به وبتدبيره فليس لهم ملك غيره يهربون إليه إذا دهمهم العدو، ويستصرخون به إذا نزل العدو بساحتهم.
الإضافة الثالثة: إضافة الإلهية. فهو إلههم الحق، ومعبودهم الذي لا إله لهم سواه ولا معبود لهم غيره. فكما أنه وحده هو ربهم ومليكهم لم يشركه في ربوبيته ولا في ملكه أحد، فكذلك هو وحده إلههم ومعبودهم. فلا ينبغي أن يجعلوا معه شريكا في إلهيته، كما لا شريك معه في ربوبيته وملكه.
وهذه طريقة القرآن يحتج عليهم بإقرارهم بهذا التوحيد على ما أنكروه من توحيد الإلهية والعبادة.
وإذا كان وحده هو ربنا وملكنا وإلهنا، فلا مفزع لنا في الشدائد سواه.
ولا ملجأ لنا منه إلا إليه. ولا معبود لنا غيره. فلا ينبغي أن يدعى ولا يخاف ولا يرجى، ولا يحب سواه، ولا يذلّ لغيره، ولا يخضع لسواه، ولا يتوكّل إلا عليه، لأن من ترجوه وتخافه وتدعوه وتتوكل عليه: إما أن يكون مربّيك والقيم بأمورك، ومتولي شأنك وهو ربك، فلا رب سواه، أو تكون مملوكه وعبده الحق، فهو ملك الناس حقا، وكلهم عبيده ومماليكه، أو يكون معبودك وإلهك الذي لا تستغني عنه طرفة عين، بل حاجتك إليه أعظم من حاجتك إلى حياتك وروحك، وهو الإله الحق إله الناس الذي لا إله لهم سواه.
فمن كان ربهم وملكهم وإلههم فهم جديرون أن لا يستعيذوا بغيره، ولا يستنصروا بسواه ولا يلجئوا إلى غير حماه، فهو كافيهم وحسبهم وناصرهم ووليهم، ومتولي أمورهم جميعا بربوبيته وملكه وإلهيته لهم، فكيف لا يلتجئ العبد عند النوازل ونزول عدوه به إلى ربه ومالكه وإلهه؟
فظهرت مناسبة هذه الإضافات الثلاث للاستعاذة: من أعدى الأعداء وأعظمهم عداوة، وأشدهم ضررا، وأبلغهم كيدا.
ثم إنه سبحانه كرر الاسم الظاهر، ولم يوقع المضر موقعه. فيقول:
رب الناس وملكهم وإلههم: تحقيقا لهذا المعنى، وتقوية له. فأعاد ذكرهم عند كل اسم من أسمائه، ولم يعطف بالواو لما فيها من الإيذان بالمغايرة.
والمقصود: الاستعاذة بمجموع هذه الصفات، حتى كأنها صفة واحدة.
وقدم الربوبية لعمومها وشمولها لكل مربوب.
وأخر الإلهية لخصوصها لأنه سبحانه إنما هو إله من عبده ووحده واتخذه دون غيره إلها. فمن لم يعبده ويوحده فليس بإلهه. وإن كان في الحقيقة لا إله له سواه، ولكن المشرك ترك إلهه الحق واتخذ إلها غيره باطلا.
ووسّط صفة الملك بين الربوبية والإلهية لأن الملك هو المتصرف بقوله وأمره. فهو المطاع إذا أمر. وملكه لهم تابع لخلقه إياهم. فملكه من كمال ربوبيته. وكونه إلههم الحق من كمال ملكه. فربوبيته تستلزم ملكه وتقتضيه.
وملكه يستلزم إلهيته: يقتضيها، فهو الرب الحق، الملك الحق، الإله الحق، خلقهم بربوبيته وقهرهم بملكه. واستعبدهم بإلهيته.
فتأمل هذه الجلالة، وهذه العظمة، التي تضمنتها هذه الألفاظ الثلاثة على أبدع نظام، وأحسن سياق «رب الناس، ملك الناس، إله الناس».
وقد اشتملت هذه الإضافات الثلاث على جميع قواعد الإيمان، وتضمنت معاني أسمائه الحسنى.
أما تضمنها لمعاني أسمائه الحسنى. فإن الرب هو القادر الخالق، البارئ المصور، الحي القيوم، العليم السميع البصير، المحسن المنعم، الجواد المعطي. المانع، الضار النافع، المقدم المؤخر، الذي يضل من يشاء، ويهدي من يشاء، ويسعد من يشاء، ويشقي من يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء - إلى غير ذلك من معاني ربوبيته التي له منها ما يستحقه من الأسماء الحسنى.
وأما الملك: فهو الآمر الناهي، المعز المذل، الذي يصرّف أمور عباده كما يحب، ويقلّبهم كما يشاء. وله من معنى الملك ما يستحقه من الأسماء الحسنى، كالعزيز، الجبار المتكبر، الحكم العدل، الخافض الرافع، المعز المذل، العظيم الجليل الكبير، الحسيب المجيد، الوالي المتعالي، مالك الملك، المقسط الجامع - إلى غير ذلك من الأسماء العائدة إلى الملك.
وأما الإله: فهو الجامع لجميع صفات الكمال ونعوت الجلال. فيدخل في هذا الاسم جميع الأسماء الحسنى. ولهذا كان القول الصحيح: أن «الله» أصله الإله. كما هو قول سيبويه وجمهور أصحابه، إلا من شذ منهم، وأن اسم الله تعالى هو الجامع لجميع معاني الأسماء الحسنى والصفات العلى. فقد تضمنت هذه الأسماء الثلاثة جميع معاني أسمائه الحسنى. فكان المستعيذ بها جديرا بأن يعاذ ويحفظ، ويمنع من الوسواس الخناس ولا يسلط عليه.
وأسرار كلام الله أجل وأعظم من أن تدركها عقول البشر. وإنما غاية أولي العلم الاستدلال بما ظهر منها على ما وراءه، وأن نسبة باديه إلى الخافي يسير.
* (فصل)
وهذه السورة مشتملة على الاستعاذة من الشر الذي هو سبب الذنوب والمعاصي كلها. وهو الشر الداخل في الإنسان، الذي هو منشأ العقوبات في الدنيا والآخرة.
فسورة الفلق: تضمنت الاستعاذة من الشر الذي هو ظلم الغير له بالسحر والحسد. وهو شر من خارج.
وسورة الناس: تضمنت الاستعاذة من الشر الذي هو سبب ظلم العبد نفسه وهو شر من داخل.
فالشر الأول: لا يدخل تحت التكليف، ولا يطلب منه الكف عنه.
لأنه ليس من كسبه.
والشر الثاني في سورة الناس: يدخل تحت التكليف، ويتعلق به النهي. فهذا شر المعائب. والأول شر المصائب، والشر كله يرجع إلى العيوب والمصائب. ولا ثالث لهما.
فسورة الفلق تتضمن الاستعاذة من شر المصيبات. وسورة الناس تتضمن الاستعاذة من شر العيوب التي أصلها كلها الوسوسة.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ","مَلِكِ ٱلنَّاسِ","إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ"],"ayah":"قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق