الباحث القرآني
(p-١٨٠)(سُورَةُ النّاسِ) .
وهِيَ سِتُّ آياتٍ، مَدَنِيَّةٌ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿قُلْ أعُوذُ بِرَبِّ النّاسِ﴾ ﴿مَلِكِ النّاسِ﴾ ﴿إلَهِ النّاسِ﴾ .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿قُلْ أعُوذُ بِرَبِّ النّاسِ﴾ ﴿مَلِكِ النّاسِ﴾ ﴿إلَهِ النّاسِ﴾ فِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: قُرِئَ: (قُلْ أعُوذُ) بِحَذْفِ الهَمْزَةِ ونَقْلِ حَرَكَتِها إلى اللّامِ ونَظِيرُهُ: ﴿فَخُذْ أرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ﴾ وأيْضًا أجْمَعَ القُرّاءُ عَلى تَرْكِ الإمالَةِ في النّاسِ، ورُوِيَ عَنِ الكِسائِيِّ الإمالَةُ في النّاسِ إذا كانَ في مَوْضِعِ الخَفْضِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: أنَّهُ تَعالى رَبُّ جَمِيعِ المُحْدَثاتِ، ولَكِنَّهُ هَهُنا ذَكَرَ أنَّهُ رَبُّ النّاسِ عَلى التَّخْصِيصِ وذَلِكَ لِوُجُوهٍ:
أحَدُها: أنَّ الِاسْتِعاذَةَ وقَعَتْ مِن شَرِّ المُوَسْوِسِ في صُدُورِ النّاسِ فَكَأنَّهُ قِيلَ: أعُوذُ مِن شَرِّ المُوَسْوِسِ إلى النّاسِ بِرَبِّهِمُ الَّذِي يَمْلِكُ عَلَيْهِمْ أُمُورَهم وهو إلَهُهم ومَعْبُودُهم كَما يَسْتَغِيثُ بَعْضُ المَوالِي إذا اعْتَراهم خَطْبٌ بِسَيِّدِهِمْ ومَخْدُومِهِمْ ووالِي أمْرِهِمْ.
وثانِيها: أنَّ أشْرَفَ المَخْلُوقاتِ في العالَمِ هُمُ النّاسُ.
وثالِثُها: أنَّ المَأْمُورَ بِالِاسْتِعاذَةِ هو الإنْسانُ، فَإذا قَرَأ الإنْسانُ هَذِهِ صارَ كَأنَّهُ يَقُولُ: يا رَبِّ يا مَلِكِي يا إلَهِي.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مَلِكِ النّاسِ﴾ ﴿إلَهِ النّاسِ﴾ هُما عَطْفُ بَيانٍ كَقَوْلِهِ: سِيرَةُ أبِي حَفْصٍ عُمَرَ الفارُوقِ، فَوُصِفَ أوَّلًا بِأنَّهُ رَبُّ النّاسِ ثُمَّ الرَّبُّ قَدْ يَكُونُ مَلِكًا وقَدْ لا يَكُونُ، كَما يُقالُ: رَبُّ الدّارِ ورَبُّ المَتاعِ قالَ تَعالى: ﴿اتَّخَذُوا أحْبارَهم ورُهْبانَهم أرْبابًا مِن دُونِ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٣١] فَلا جَرَمَ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿مَلِكِ النّاسِ﴾ ثُمَّ المَلِكُ قَدْ يَكُونُ إلَهًا، وقَدْ لا يَكُونُ فَلا جَرَمَ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿إلَهِ النّاسِ﴾ لِأنَّ الإلَهَ خاصٌّ بِهِ وهو سُبْحانُهُ لا يُشْرِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ وأيْضًا بَدَأ بِذِكْرِ الرَّبِّ وهو اسْمٌ لِمَن قامَ بِتَدْبِيرِهِ وإصْلاحِهِ، وهو مِن أوائِلِ نِعَمِهِ إلى أنْ رَبّاهُ وأعْطاهُ العَقْلَ فَحِينَئِذٍ عَرَفَ بِالدَّلِيلِ أنَّهُ عَبْدٌ مَمْلُوكٌ وهو مِلْكُهُ، فَثَنّى بِذِكْرِ المُلْكِ، ثُمَّ لَمّا عَلِمَ أنَّ (p-١٨١)العِبادَةَ لازِمَةٌ لَهُ واجِبَةٌ عَلَيْهِ، وعَرَفَ أنَّ مَعْبُودَهُ مُسْتَحِقٌّ لِتِلْكَ العِبادَةِ عَرَفَ أنَّهُ إلَهٌ، فَلِهَذا خَتَمَ بِهِ، وأيْضًا أوَّلُ ما يَعْرِفُ العَبْدُ مِن رَبِّهِ كَوْنُهُ مُطِيعًا لِما عِنْدَهُ مِنَ النِّعَمِ الظّاهِرَةِ والباطِنَةِ، وهَذا هو الرَّبُّ، ثُمَّ لا يَزالُ يَتَنَقَّلُ مِن مَعْرِفَةِ هَذِهِ الصِّفاتِ إلى مَعْرِفَةِ جَلالَتِهِ واسْتِغْنائِهِ عَنِ الخَلْقِ، فَحِينَئِذٍ يَحْصُلُ العِلْمُ بِكَوْنِهِ مَلِكًا؛ لِأنَّ المَلِكَ هو الَّذِي يَفْتَقِرُ إلَيْهِ غَيْرُهُ ويَكُونُ هو غَنِيًّا عَنْ غَيْرِهِ، ثُمَّ إذا عَرَفَهُ العَبْدُ كَذَلِكَ عَرَفَ أنَّهُ في الجَلالَةِ والكِبْرِياءِ فَوْقَ وصْفِ الواصِفِينَ وأنَّهُ هو الَّذِي ولِهَتِ العُقُولُ في عِزَّتِهِ وعَظَمَتِهِ، فَحِينَئِذٍ يَعْرِفُهُ إلَهًا.
المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: السَّبَبُ في تَكْرِيرِ لَفْظِ النّاسِ أنَّهُ إنَّما تَكَرَّرَتْ هَذِهِ الصِّفاتُ؛ لِأنَّ عَطْفَ البَيانِ يَحْتاجُ إلى مَزِيدِ الإظْهارِ؛ ولِأنَّ هَذا التَّكْرِيرَ يَقْتَضِي مَزِيدَ شَرَفِ النّاسِ؛ لِأنَّهُ سُبْحانَهُ كَأنَّهُ عَرَّفَ ذاتَهُ بِكَوْنِهِ رَبًّا لِلنّاسِ، مَلِكًا لِلنّاسِ، إلَهًا لِلنّاسِ، ولَوْلا أنَّ النّاسَ أشْرَفُ مَخْلُوقاتِهِ وإلّا لَما خَتَمَ كِتابَهُ بِتَعْرِيفِ ذاتِهِ بِكَوْنِهِ رَبًّا ومَلِكًا وإلَهًا لَهم.
المَسْألَةُ الخامِسَةُ: لا يَجُوزُ هَهُنا مالِكُ النّاسِ ويَجُوزُ: ﴿مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الفاتحة: ٤] في سُورَةِ الفاتِحَةِ، والفَرْقُ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿بِرَبِّ النّاسِ﴾ أفادَ كَوْنَهُ مالِكًا لَهم فَلا بُدَّ وأنْ يَكُونَ المَذْكُورُ عَقِيبَهُ هَذا المَلِكَ لِيُفِيدَ أنَّهُ مالِكٌ ومَعَ كَوْنِهِ مالِكًا فَهو مَلِكٌ، فَإنْ قِيلَ: ألَيْسَ قالَ في سُورَةِ الفاتِحَةِ: ﴿رَبِّ العالَمِينَ﴾ [الفاتحة: ٢] ثُمَّ قالَ: ﴿مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ فَيَلْزَمُ وُقُوعُ التِّكْرارِ هُناكَ ؟ قُلْنا: اللَّفْظُ دَلَّ عَلى أنَّهُ رَبُّ العالَمِينَ، وهي الأشْياءُ المَوْجُودَةُ في الحالِ، وعَلى أنَّهُ مالِكٌ لِيَوْمِ الدِّينِ أيْ قادِرٌ عَلَيْهِ فَهُناكَ الرَّبُّ مُضافٌ إلى شَيْءٍ والمالِكُ إلى شَيْءٍ آخَرَ، فَلَمْ يَلْزَمِ التَّكْرِيرُ، وأمّا هَهُنا لَوْ ذَكَرَ المالِكَ لَكانَ الرَّبُّ والمالِكُ مُضافَيْنِ إلى شَيْءٍ واحِدٍ، فَيَلْزَمُ مِنهُ التَّكْرِيرُ فَظَهَرَ الفَرْقُ، وأيْضًا فَجَوازُ القِراءاتِ يَتْبَعُ النُّزُولَ لا القِياسَ، وقَدْ قُرِئَ: ”مالِكِ“ لَكِنْ في الشَّواذِّ.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ","مَلِكِ ٱلنَّاسِ","إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ"],"ayah":"قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق