الباحث القرآني
(p-٤٢٣)سُورَةُ النّاسِ مَقْصُودُها الِاعْتِصامُ بِالإلَهِ الحَقِّ مِن شَرِّ الخَلْقِ الباطِنِ، واسْمُها دالٌّ عَلى ذَلِكَ لِأنَّ الإنْسانَ مَطْبُوعٌ عَلى الشَّرِّ، وأكْثَرُ شَرِّهِ بِالمَكْرِ والخِداعِ، وأحْسَنُ مِن هَذا أنَّها لِلِاسْتِعاذَةِ مِنَ الشَّرِّ الباطِنِ المَأْنُوسِ بِهِ المُسْتَرْوِحِ إلَيْهِ، فَإنَّ الوَسْوَسَةَ لا تَكُونُ إلّا بِما يَشْتَهِي، والنّاسُ مُشْتَقٌّ مِنَ الأُنْسِ، فَإنَّ أصْلَهُ أُناسٌ، وهو أيْضًا اضْطِرابُ الباطِنِ المُشِيرِ إلَيْهِ الِاشْتِقاقِ مِنَ النَّوْسِ، فَطابَقَ حِينَئِذٍ الِاسْمَ المُسَمّى، ومَقْصُودُ هَذِهِ السُّورَةِ مَعْلُولٌ لِمَقْصُودِ الفاتِحَةِ الَّذِي هو المُراقَبَةُ، وهي شامِلَةٌ لِجَمِيعِ عُلُومِ القُرْآنِ الَّتِي هي مُصادَقَةُ اللَّهِ ومُعاداةُ الشَّيْطانِ بِبَراعَةِ الخِتامِ وفَذْلَكَةِ النِّظامِ، كَما أنَّ الفاتِحَةَ شامِلَةٌ لِذَلِكَ لِأنَّها بَراعَةُ الِاسْتِهْلالِ، ورِعايَةُ الجَلالِ والجَمالِ، فَقَدِ اتَّصَلَ الآخَرُ بِالأوَّلِ اتِّصالَ العِلَّةِ بِالمَعْلُولِ، والدَّلِيلُ بِالمَدْلُولِ، والمَثَلُ بِالمَمْثُولِ، واللَّهُ المَسْؤُولُ في تَيْسِيرِ السُّؤْلِ، وتَحْقِيقِ المَأْمُولِ، فَإنَّهُ الجَوادُ ذُو الطَّوْلِ، وبِهِ يُسْتَعانُ وعَلَيْهِ التُّكْلانُ: ”بِسْمِ اللَّهِ“ المُحِيطِ [عِلْمًا -] بِكُلِّ (p-٤٢٤)باطِنٍ كَإحاطَتِهِ بِكُلِّ ظاهِرٍ ”الرَّحْمَن“ الَّذِي عَمَّتْ نِعْمَتُهُ كُلَّ بادٍ وحاضِرٍ ”الرَّحِيم“ الَّذِي خَصَّ أوْلِياءَهُ بِإتْمامِ النِّعْمَةِ عَلَيْهِمْ في جَمِيعِ أُمُورِهِمُ الأوَّلُ مِنها والأثْناءُ والآخِرُ.
* * *
لَمّا جاءَتْ سُورَةُ الفَلَقِ لِلِاسْتِعاذَةِ مِن شَرِّ ما خَلَقَ مِن جَمِيعِ المَضارِّ البَدَنِيَّةِ وغَيْرِها العامَّةِ لِلْإنْسانِ وغَيْرِهِ، وذَلِكَ هو جُمْلَةُ الشَّرِّ المَوْجُودِ في جَمِيعِ الأكْوانِ والأزْمانِ، ثُمَّ وقَعَ فِيها التَّخْصِيصُ بِشُرُورٍ بِأعْيانِها مِنَ الفاسِقِ والسّاحِرِ والحاسِدِ، فَكانَتِ الِاسْتِعاذَةُ فِيها عامَّةً لِلْمَصائِبِ الخارِجَةِ الَّتِي تَرْجِعُ إلى ظُلْمِ الغَيْرِ، والمَعايِبِ الدّاخِلَةِ الَّتِي تَرْجِعُ إلى ظُلْمِ النَّفْسِ ولَكِنَّها في المَصائِبِ أظْهَرُ، وخَتَمَتْ بِالحَسَدِ فَعَلِمَ أنَّهُ أضَرَّ المَصائِبِ، وكانَ أصْلَ ما بَيْنَ الجِنِّ والإنْسِ مِنَ العَداوَةِ الحَسَدُ، جاءَتْ سُورَةُ النّاسِ مُتَضَمِّنَةً لِلِاسْتِعاذَةِ مِن شَرٍّ خاصٍّ، وهو الوَسْواسُ، وهو أخَصُّ مِن مُطْلَقِ الحاسِدِ، ويَرْجِعُ إلى المَعايِبِ الدّاخِلَةِ اللّاحِقَةِ لِلنُّفُوسِ البَشَرِيَّةِ الَّتِي أصْلُها كُلُّها الوَسْوَسَةُ، وهي سَبَبُ الذُّنُوبِ والمَعاصِي كُلِّها، وهي مِنَ الجِنِّ أمْكَنُ وأضَرُّ، والشَّرُّ كُلُّهُ يَرْجِعُ إلى المَصائِبِ والمَعايِبِ، فَقَدْ تَضَمَّنَتِ السُّورَةُ كالفَلَقِ اسْتِعاذَةً ومُسْتَعاذًا بِهِ ومُسْتَعاذًا مِنهُ وأمْرًا بِإيجادِ ذَلِكَ، فالأمْرُ: ﴿قُلْ﴾ والِاسْتِعاذَةُ ﴿أعُوذُ﴾ والمُسْتَعاذُ بِهِ هو (p-٤٢٥)اللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى، لَكِنْ لَمّا كانَتْ صِفَةُ الرُّبُوبِيَّةِ مِن صِفاتِ كَمالِهِ سُبْحانَ ألْيَقَ بِالحِمايَةِ والإعانَةِ والرِّعايَةِ والخَلْقِ والتَّدْبِيرِ والتَّرْبِيَةِ والإصْلاحِ، المُتَضَمِّنِ لِلْقُدْرَةِ التّامَّةِ والرَّحْمَةِ الواسِعَةِ، والإحْسانِ الشّامِلِ والعِلْمِ الكامِلِ، قالَ تَعالى: ﴿بِرَبِّ النّاسِ﴾ [أيْ أعْتَصِمُ بِهِ -] أيْ أسْألُهُ أنْ يَكُونَ عاصِمًا لِي مِنَ العَدُوِّ أنْ يُوقِعَنِي في المَهالِكِ، قالَ المَلْوِيُّ: والرَّبُّ مَن لَهُ مَلْكُ الرِّقِّ وجَلْبُ الخَيْراتِ مِنَ السَّماءِ والأرْضِ وإبْقاؤُها، ودَفْعُ الشُّرُورِ ورَفْعُها، والنَّقْلُ مِنَ النَّقْصِ إلى الكَمالِ، والتَّدْبِيرِ العامِّ العائِدِ بِالحِفْظِ والتَّتْمِيمِ عَلى المَرْبُوبِ، وخَصَّ الإضافَةَ بِالمُزَلْزِلِينَ المُضْطَرِبِينَ في الأبْدانِ والأدْيانِ مِنَ الإنْسِ والجانِّ لِخُصُوصِ المُسْتَعاذِ مِنهُ، وهو الأضْرارُ الَّتِي تَعْرِضُ لِلنُّفُوسِ العاقِلَةِ وتَخُصُّها، بِخِلافِ ما في الفَلَقِ فَإنَّهُ المَضارُّ البَدَنِيَّةُ الَّتِي تَعُمُّ الإنْسانَ وغَيْرَهُ.
وقالَ الإمامُ أبُو جَعْفَرِ بْنُ الزُّبَيْرِ: وجْهُ تَأخُّرِها عَنْ شَقِيقَتِها عُمُومُ الأُولى وخُصُوصُ الثّانِيَةِ، ألا تَرى عُمُومَ قَوْلِهِ ﴿مِن شَرِّ ما خَلَقَ﴾ [الفلق: ٢] وإبْهامٌ (p-٤٢٦)”ما“ وتَنْكِيرٌ ﴿غاسِقٍ﴾ [الفلق: ٣] و﴿حاسِدٍ﴾ [الفلق: ٥] والعَهْدُ فِيها اسْتُعِيذَ مِن شَرِّهِ في سُورَةِ النّاسِ وتَعْرِيفِهِ ونَعْتِهِ، فَبَدَأ بِالعُمُومِ ثُمَّ أتْبَعَ بِالخُصُوصِ لِيَكُونَ أبْلَغَ في تَحْصِيلِ ما قَصَدَتِ الِاسْتِعاذَةُ مِنهُ، وأوْفى بِالمَقْصُودِ، ونَظِيرُ هَذا في تَقْدِيمِ المَعْنى الأعَمِّ ثُمَّ إتْباعُهُ بِالأخَصِّ بِتَناوُلِ الدَّقائِقِ والجَلائِلِ قَوْلُهُ سُبْحانَهُ وتَعالى ”بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم“ في مَعْنى الرَّحْمَنِ ومَعْنى الرَّحِيمِ واحِدٌ لا في عُمُومِ الصِّفَةِ الأُولى وكَوْنُها لِلْمُبالَغَةِ، وقَدْ تَعَرَّضَ لِبَيانِ ذَلِكَ المُفَسِّرُونَ ولِذَلِكَ نَظائِرُ - انْتَهى.
{"ayah":"قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











