الباحث القرآني

سورتا المعوِّذَتَيْنِ اختُلِفَ فيهما، فقيل: نزَلَتا بالمدينةِ، وقيل: نزَلَتا بمكةَ، والأكثرُ على مدَنيَّتِهما، ولابنِ عبّاسٍ وقتادةَ قولانِ في ذلك[[ينظر: «تفسير ابن عطية» (٥ /٥٣٨ و٥٤٠)، و«زاد المسير» (٤ /٥٠٧ و٥١٠)، و«تفسير القرطبي» (٢٢ /٥٦٧).]]، وهي في تعليمِ النبيِّ ﷺ وأُمَّتِهِ الالتجاءَ إلى اللهِ، والتعوُّذَ به وحدَهُ مِن كلِّ سوءٍ وشرٍّ ظاهرٍ أو باطنٍ، خفيٍّ أو علنيٍّ. قال تعالى: ﴿قُلْ أعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ ۝﴾ [الفلق: ١]، وقال تعالى: ﴿قُلْ أعُوذُ بِرَبِّ النّاسِ ۝﴾ [الناس: ١]. أمَر اللهُ نبيَّه بالاستعاذةِ به سبحانَهُ مِن شرِّ كلِّ ذي شرٍّ، وذلك يُشرَعُ على سبيلِ العمومِ، وذلك لقولِهِ تعالى: ﴿مِن شَرِّ ما خَلَقَ ۝﴾ [الفلق: ٢]، فهذا عامٌّ، ويُشرَعُ عندَ الشعورِ بأسبابٍ يحتاجُ معها العبدُ إلى اللُّجوءِ إلى اللهِ، وذلك عندَ مَوارِدِ الشيطانِ على النَّفْسِ بالخطَراتِ، وعندَ القُرْبِ مِن أماكنِ شياطينِ الجنِّ، كالحُشُوشِ والنجاساتِ والخَلَواتِ وبعضِ الفلَواتِ المُوحِشَةِ، وأماكنِ شياطينِ الإنسِ كمَجالِسِ الكفرِ والفجورِ ومَواردِ الشُّبُهاتِ فيها، وكثيرٌ مِن الشُّبُهاتِ تَرِدُ على الأسماعِ وترفُضُها العقولُ، وتُدخِلُها الشياطينُ إلى النفوسِ وتُسوِّلُ لها حتى تَستسيغَها بعدَ نُكْرانِها، وكم ممَّن يَسمَعُ باطلًا يُنكِرُهُ ثمَّ يُعيدُهُ الشيطانُ عليه مِرارًا حتى تتشرَّبَه نفسُهُ، ولهذا تُشرَعُ الاستعاذةُ مِن أذى الخَلْقِ وشرورِهم جِنًّا وإنسًا. وقد تقدَّم الكلامُ على أحكامِ الاستعاذةِ عندَ قولِهِ تعالى في سورةِ الأعرافِ: ﴿وإمّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ۝﴾ [٢٠٠]. وتقدَّم الكلامُ على صِيَغِها عندَ قولِهِ تعالى: ﴿فَإذا قَرَأْتَ القُرْآنَ فاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ ۝﴾ [النحل: ٩٨]. وهذا ختامُ ما تيسَّرَ مِن الكلامِ على أحكامِ القرآنِ، وكان مُبتداهُ في الرابعِ مِن شهرِ ربيعٍ الأولِ مِن عامِ ألفٍ وأربعِ مِئَةٍ وثلاثةٍ وثلاثينَ للهجرةِ، ونَحمَدُ اللهَ على عَوْنِهِ وتسديدِه، ونسألُهُ الثباتَ على الحقِّ إلى يومِ اللِّقاءِ، وصلّى اللهُ وسلَّمَ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِهِ أجمعِين.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب