الباحث القرآني
﴿كَذَلِكَ﴾
اعْتِراضٌ وقَدْ تَقَدَّمَ بَيانُ مَعْناهُ عَنْ قَوْلِهِ تَعالى ﴿كَذَلِكَ وقَدْ أحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْرًا﴾ [الكهف: ٩١] في سُورَةِ الكَهْفِ. وتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ آنِفًا في هَذِهِ السُّورَةِ.
* * *
﴿وزَوَّجْناهم بِحُورٍ عِينٍ﴾ ﴿يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ﴾ ﴿لا يَذُوقُونَ فِيها المَوْتَ إلّا المَوْتَةَ الأُولى﴾ [الدخان: ٥٦]
مَعْنى ”زَوَّجْناهم“ جَعَلْناهم أزْواجًا جَمْعَ زَوْجٍ ضِدِّ الفَرْدِ، أيْ جَعَلْنا كُلَّ فَرْدٍ مِنَ المُتَّقِينَ زَوْجًا بِسَبَبِ نِساءٍ حُورِ العُيُونِ.
والزَّوْجُ هُنا كِنايَةٌ عَنِ القَرِينِ، أيْ قَرَنّا بِكُلِّ واحِدٍ نِساءً حُورًا عِينًا، ولَيْسَ فِعْلُ ”زَوَّجْناهم“ هُنا مُشْتَقًّا مِنَ الزَّوْجِ الشّائِعِ إطْلاقُهُ عَلى امْرَأةِ الرَّجُلِ وعَلى رَجُلِ المَرْأةِ لِأنَّ ذَلِكَ الفِعْلَ يَتَعَدّى بِنَفْسِهِ يُقالُ: زَوَّجَهُ ابْنَتَهُ وتَزَوَّجَ بِنْتَ فُلانٍ، قالَ تَعالى ”﴿زَوَّجْناكَها﴾ [الأحزاب: ٣٧]“، ولَيْسَ ذَلِكَ بِمُرادٍ هُنا إذْ لا طائِلَ تَحْتَهُ، إذْ لَيْسَ في الجَنَّةِ عُقُودُ نِكاحٍ، وإنَّما المُرادُ أنَّهم مَأْنُوسُونَ بِصُحْبَةِ حَبائِبَ مِنَ النِّساءِ كَما أنِسُوا بِصُحْبَةِ الأصْحابِ والأحِبَّةِ مِنَ الرِّجالِ اسْتِكْمالًا لِمُتَعارَفِ الأُنْسِ بَيْنَ النّاسِ. وُفي كِلا الأُنْسَيْنِ نَعِيمٌ نَفْسانِيٌّ مُنْجَرٌّ لِلنَّفْسِ مِنَ النَّعِيمِ الجُثْمانِيِّ، وهَذا مَعْنًى سامٍ مِن مَعانِي الِانْبِساطِ الرُّوحِيِّ وإنَّما أفْسَدَ بَعْضَهُ في الدُّنْيا ما يُخالِطُ بَعْضَهُ مِن أحْوالٍ تَجُرُّ إلى فَسادٍ مَنهِيٍّ عَنْهُ مِثْلَ ارْتِكابِ المُحَرَّمِ شَرْعًا ومِثْلَ الِاعْتِداءِ عَلى المَرْأةِ قَسْرًا، (p-٣١٩)ومِن مُصْطَلَحاتِ مُتَكَلَّفَةٍ، وقَدْ سَمّى اللَّهَ سُكُونًا فَقالَ ﴿ومِن آياتِهِ أنْ خَلَقَ لَكم مِن أنْفُسِكم أزْواجًا لِتَسْكُنُوا إلَيْها وجَعَلَ بَيْنَكم مَوَدَّةً ورَحْمَةً﴾ [الروم: ٢١] .
والحُورُ: جَمْعُ الحَوْراءِ، وهي البَيْضاءُ، أيْ بِنِساءٍ بَضِيضاتِ الجِلْدِ.
والعَيْنُ: جَمْعُ العَيْناءِ، وهي واسِعَةُ العَيْنِ، وتَقَدَّمَ في سُورَةِ الصّافّاتِ. وشَمِلَ الحُورُ العِينِ النِّساءَ اللّاءِ كُنَّ أزْواجَهم في الدُّنْيا، ونِساءً يَخْلُقُهُنَّ اللَّهُ لِأجْلِ الجَنَّةِ قالَ تَعالى ﴿إنّا أنْشَأْناهُنَّ إنْشاءً﴾ [الواقعة: ٣٥] وقالَ تَعالى ﴿هم وأزْواجُهم في ظِلالٍ﴾ [يس: ٥٦] .
ومَعْنى ﴿يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ﴾ أيْ هم يَأْمُرُونَ بِأنْ تَحَضُرَ لَهُمُ الفاكِهَةُ، أيْ فَيُجابُونَ.
والدُّعاءُ نَوْعٌ مِنَ الأمْرِ أيْ يَأْذَنُونَ بِكُلِّ فاكِهَةٍ، أيْ بِإحْضارِ كُلِّ فاكِهَةٍ.
و”كُلِّ“ هُنا مُسْتَعْمَلَةٌ في الكَثْرَةِ الشَّدِيدَةِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنهم. ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ بِمَعْنى الإحاطَةِ، أيْ بِكُلِّ صِنْفٍ مِن أصْنافِ الفاكِهَةِ.
والفاكِهَةُ: ما يُتَفَكَّهُ بِهِ، أيْ يُتَلَذَّذُ بِطَعْمِهِ مِنَ الثِّمارِ ونَحْوِها.
وجُمْلَةُ يَدْعُونَ حالٌ مِنَ المُتَّقِينَ، و”آمِنِينَ“ حالٌ مِن ضَمِيرِ يَدْعُونَ. والمُرادُ هُنا أمْنٌ خاصٌّ غَيْرُ الَّذِي في قَوْلِهِ ﴿فِي مَقامٍ أمِينٍ﴾ [الدخان: ٥١] وهو الأمْنُ مِنَ الغَوائِلِ والآلامِ مِن تِلْكَ الفَواكِهِ عَلى خِلافِ حالِ الإكْثارِ مِنَ الطَّعامِ في الدُّنْيا كَقَوْلِهِ في خَمْرِ الجَنَّةِ ﴿لا فِيها غَوْلٌ ولا هم عَنْها يُنْزَفُونَ﴾ [الصافات: ٤٧]، أوْ آمَنِينَ مِن نَفادِ ذَلِكَ وانْقِطاعِهِ.
وجُمْلَةُ ﴿لا يَذُوقُونَ فِيها المَوْتَ إلّا المَوْتَةَ الأُولى﴾ [الدخان: ٥٦] حالٌ أُخْرى. وهَذِهِ بِشارَةٌ بِخُلُودِ النِّعْمَةِ لِأنَّ المَوْتَ يَقْطَعُ ما كانَ في الحَياةِ مِنَ النَّعِيمِ لِأصْحابِ النَّعِيمِ كَما كانَ الإعْلامُ بِأنَّ أهْلَ الشِّرْكِ لا يَمُوتُونَ نِذارَةً بِدَوامِ العَذابِ.
والِاسْتِثْناءُ في قَوْلِهِ ﴿إلّا المَوْتَةَ الأُولى﴾ [الدخان: ٥٦] مِن تَأْكِيدِ الشَّيْءِ بِما يُشْبِهُ ضِدَّهُ لِزِيادَةِ تَحْقِيقِ انْتِفاءِ ذَوْقِ المَوْتِ عَنْ أهْلِ الجَنَّةِ فَكَأنَّهُ قِيلَ لا يَذُوقُونَ المَوْتَ ألْبَتَّةَ وقَرِينَةُ ذَلِكَ وصْفُها بِ ”الأُولى“ . والمُرادُ بِـ ”الأُولى“ السّالِفَةُ، كَما تَقَدَّمَ آنِفًا في قَوْلِهِ ﴿إنْ هي إلّا مَوْتَتُنا الأُولى﴾ [الدخان: ٣٥] .
{"ayahs_start":54,"ayahs":["كَذَ ٰلِكَ وَزَوَّجۡنَـٰهُم بِحُورٍ عِینࣲ","یَدۡعُونَ فِیهَا بِكُلِّ فَـٰكِهَةٍ ءَامِنِینَ"],"ayah":"كَذَ ٰلِكَ وَزَوَّجۡنَـٰهُم بِحُورٍ عِینࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق