الباحث القرآني
﴿وقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ ولَدًا﴾ ﴿لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إدًّا﴾ ﴿يَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنهُ وتَنْشَقُّ الأرْضُ وتَخِرُّ الجِبالُ هَدًّا﴾ ﴿أنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ ولَدًا﴾ ﴿وما يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أنْ يَتَّخِذَ ولَدًا﴾ ﴿إنْ كُلُّ مَن في السَّماواتِ والأرْضِ إلّا آتِي الرَّحْمَنَ عَبْدًا﴾ ﴿لَقَدْ أُحْصاهم وعَدَّهم عَدًّا﴾ ﴿وكُلُّهم آتِيهِ يَوْمَ القَيِّمَةِ فَرْدًا﴾ .
عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ (﴿ويَقُولُ الإنْسانُ أإذا ما مِتُّ﴾ [مريم: ٦٦]) أوْ عَلى جُمْلَةِ (﴿واتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً﴾ [مريم: ٨١]) إتْمامًا لِحِكايَةِ أقْوالِهِمْ، وهو القَوْلُ بِأنَّ لِلَّهِ ولَدًا، وهو قَوْلُ المُشْرِكِينَ: المَلائِكَةُ بَناتُ اللَّهِ. وقَدْ تَقَدَّمَ في سُورَةِ النَّحْلِ وغَيْرِها؛ فَصَرِيحُ الكَلامِ رَدٌّ عَلى المُشْرِكِينَ، وكِنايَتُهُ تَعْرِيضٌ بِالنَّصارى الَّذِينَ شابَهُوا المُشْرِكِينَ في نِسْبَةِ الوَلَدِ إلى اللَّهِ، فَهو تَكْمِلَةٌ لِلْإبْطالِ الَّذِي في قَوْلِهِ تَعالى آنِفًا (﴿ما كانَ لِلَّهِ أنْ يَتَّخِذَ مِن ولَدٍ سُبْحانَهُ﴾ [مريم: ٣٥]) إلَخْ. والضَّمِيرُ عائِدٌ إلى المُشْرِكِينَ، فَيُفْهَمُ مِنهُ أنَّ المَقْصُودَ مِن حِكايَةِ قَوْلِهِمْ لَيْسَ مُجَرَّدَ الإخْبارِ عَنْهم، أوْ تَعْلِيمَ دِينِهِمْ ولَكِنْ تَفْظِيعُ قَوْلِهِمْ وتَشْنِيعَهُ، وإنَّما قالُوا ذَلِكَ تَأْيِيدًا لِعِبادَتِهِمُ المَلائِكَةَ والجِنَّ واعْتِقادِهِمْ شُفَعاءَ لَهم. (p-١٧٠)وذِكْرُ الرَّحْمَنِ هُنا حِكايَةٌ لِقَوْلِهِمْ بِالمَعْنى، وهم لا يَذَكُرُونَ اسْمَ الرَّحْمَنِ ولا يُقِرُّونَ بِهِ، وقَدْ أنْكَرُوهُ كَما حَكى اللَّهُ عَنْهم (﴿وإذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قالُوا وما الرَّحْمَنُ﴾ [الفرقان: ٦٠]) . فَهم إنَّما يَقُولُونَ (اتَّخَذَ اللَّهُ ولَدًا) كَما حُكِيَ عَنْهم في آياتٍ كَثِيرَةٍ مِنها آيَةُ سُورَةِ الكَهْفِ. فَذِكْرُ الرَّحْمَنِ هُنا وضَعٌ لِلْمُرادِفِ في مَوْضِعِ مُرادِفِهِ. فَذِكْرُ اسْمِ الرَّحْمَنِ لِقَصْدِ إغاظَتِهِمْ بِذِكْرِ اسْمٍ أنْكَرُوهُ. وفِيهِ أيْضًا إيماءٌ إلى اخْتِلالِ قَوْلِهِمْ لِمُنافاةِ وصْفِ الرَّحْمَنِ اتِّخاذَ الوَلَدِ كَما سَيَأْتِي في قَوْلِهِ (﴿وما يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أنْ يَتَّخِذَ ولَدًا﴾) . والخِطابُ في (﴿لَقَدْ جِئْتُمْ﴾) لِلَّذِينِ قالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ ولَدًا، فَهو التِفاتٌ لِقَصْدِ إبْلاغِهِمُ التَّوْبِيخَ عَلى وجْهٍ شَدِيدِ الصَّراحَةِ لا يَلْتَبِسُ فِيهِ المُرادُ. كَما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ آنِفًا (﴿وإنْ مِنكم إلّا وارِدُها﴾ [مريم: ٧١]) فَلا يَحْسُنُ تَقْدِيرُ: قُلْ لَقَدْ جِئْتُمْ. وجُمْلَةُ (﴿لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إدًّا﴾) مُسْتَأْنَفَةٌ لِبَيانِ ما اقْتَضَتْهُ جُمْلَةُ (﴿وقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ ولَدًا﴾) مِن التَّشْنِيعِ والتَّفْظِيعِ.
وقَرَأ نافِعٌ، والكِسائِيُّ بِياءٍ تَحْتِيَّةٍ عَلى عَدَمِ الِاعْتِدادِ بِالتَّأْنِيثِ. وذَلِكَ جائِزٌ في الِاسْتِعْمالِ إذا لَمْ يَكُنِ الفِعْلُ رافِعًا لِضَمِيرٍ مُؤَنَّثٍ مُتَّصِلٍ، وقَرَأ البَقِيَّةُ (تَكادُ) بِالتّاءِ المُثَنّاةِ الفَوْقِيَّةِ، وهو الوَجْهُ الآخَرُ.
والتَّفَطُّرُ: الِانْشِقاقُ، والجَمْعُ بَيْنَهُ وبَيْنَ (﴿وتَنْشَقُّ الأرْضُ﴾) تَفَنَّنٌ في اسْتِعْمالِ المُتَرادِفِ لِدَفْعِ ثِقَلِ تَكْرِيرِ اللَّفْظِ. والخُرُورُ: السُّقُوطُ.
و(مَن) في قَوْلِهِ (مِنهُ) لِلتَّعْلِيلِ، والضَّمِيرُ المَجْرُورُ بِ (مِن) عائِدٌ إلى (( ﴿شَيْئًا إدًّا﴾) )، أوْ إلى القَوْلِ المُسْتَفادِ مِن (﴿قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ ولَدًا﴾) . (p-١٧١)والكَلامُ جارٍ عَلى المُبالَغَةِ في التَّهْوِيلِ مِن فَظاعَةِ هَذا القَوْلِ بِحَيْثُ أنَّهُ يُبَلَّغُ إلى الجَماداتِ العَظِيمَةِ فَيُغَيِّرُ كِيانَها.
وقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ كَثِيرٍ، وحَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ، والكِسائِيُّ يَتَفَطَّرُنَّ بِمُثَنّاةٍ تَحْتِيَّةٍ بَعْدَها تاءٌ فَوْقِيَّةٌ. وقَرَأ أبُو عَمْرٍو، وابْنُ عامِرٍ، وحَمْزَةُ، وأبُو جَعْفَرٍ، ويَعْقُوبُ، وخَلَفٌ، وأبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ بِتَحْتِيَّةٍ بَعْدَها نُونٌ مِنَ الِانْفِطارِ. والوَجْهانِ مُطاوِعُ فَطَرَ المُضاعَفِ أوْ فَطَرَ المُجَرَّدِ، ولا يَكادُ يَنْضَبِطُ الفَرْقُ بَيْنَ البِنْيَتَيْنِ في الِاسْتِعْمالِ. ولَعَلَّ مُحاوَلَةُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُما كَما في الكَشّافِ والشّافِيَةِ لا يَطَّرِدُ.
قالَ تَعالى (﴿ويَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالغَمامِ﴾ [الفرقان: ٢٥])، وقالَ (﴿إذا السَّماءُ انْشَقَّتْ﴾ [الإنشقاق: ١]) . وقُرِئَ في هَذِهِ الآيَةِ (يَتَفَطَّرُونَ) و(يَنْفَطِرُونَ) . والأصْلُ تَوافُقُ القِراءَتَيْنِ في البَلاغَةِ.
والهَدُّ: هَدْمُ البِناءِ. وانْتَصَبَ (هَدًّا) عَلى المَفْعُولِيَّةِ المُطْلَقَةِ لِبَيانِ نَوْعِ الخُرُورِ. أيْ سُقُوطَ الهَدْمِ، وهو أنْ يَتَساقَطَ شَظايا وقِطَعًا.
و(( ﴿أنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ ولَدًا﴾) ) مُتَعَلِّقٌ بِكُلٍّ مِن (يَتَفَطَّرْنَ، وتَنْشَقُّ، وتَخِرُّ)، وهو عَلى حَذْفِ لامِ الجَرِّ قَبْلَ أنِ المَصْدَرِيَّةِ وهو حَذْفٌ مُطَّرِدٌ. والمَقْصُودُ مِنهُ تَأْكِيدُ ما أُفِيدَ مِن قَوْلِهِ مِنهُ. وزِيادَةُ بَيانٍ لِمَعادِ الضَّمِيرِ المَجْرُورِ في قَوْلِهِ مِنهُ اعْتِناءً بِبَيانِهِ.
ومَعْنى (دَعَوْا): نَسَبُوا، كَقَوْلِهِ تَعالى (( ﴿ادْعُوهم لِآبائِهِمْ﴾ [الأحزاب: ٥]) )، ومِنهُ يُقالُ: ادَّعى إلى بَنِي فُلانٍ، أيِ انْتَسَبَ. قالَ بَشامَةُ بْنُ حَزْنٍ النَّهْشَلِيُّ:
؎إنّا بَنِي نَهْشَلٍ لا نَدَّعِي لِأبٍ عَنْهُ ولا هو بِالأبْناءِ يَشْرِينا
وجُمْلَةُ (( ﴿وما يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أنْ يَتَّخِذَ ولَدًا﴾) ) عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ (( ﴿وقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ ولَدًا﴾) ) . (p-١٧٢)ومَعْنى (( ما يَنْبَغِي) ) ما يَتَأتّى، أوْ ما يَجُوزُ. وأصْلُ الِانْبِغاءِ: أنَّهُ مُطاوِعُ فِعْلِ بَغى الَّذِي بِمَعْنى طَلَبَ. ومَعْنى مُطاوَعَتِهِ: التَّأثُّرُ بِما طُلِبَ مِنهُ، أيِ اسْتِجابَةُ الطَّلَبِ.
نَقَلَ الطِّيبِيُّ عَنِ الزَّمَخْشَرِيِّ أنَّهُ قالَ في كِتابِ سِيبَوَيْهِ: كُلُّ فِعْلٍ فِيهِ عِلاجٌ يَأْتِي مُطاوِعُهُ عَلى الِانْفِعالِ كَصَرَفَ وطَلَبَ وعَلِمَ، وما لَيْسَ فِيهِ عِلاجٌ كَعَدِمَ وفَقَدَ لا يَتَأتّى في مُطاوَعِهِ الِانْفِعالُ ألْبَتَّةَ اهـ.
فَبانَ أنَّ أصْلَ مَعْنى يَنْبَغِي يَسْتَجِيبُ الطَّلَبَ. ولِمّا كانَ الطَّلَبُ مُخْتَلِفُ المَعانِي بِاخْتِلافِ المَطْلُوبِ لَزِمَ أنْ يَكُونَ مَعْنى (يَنْبَغِي) مُخْتَلِفًا بِحَسْبِ المَقامِ فَيُسْتَعْمَلُ بِمَعْنى: يَتَأتّى، ويُمْكِنُ، ويَسْتَقِيمُ، ويَلِيقُ. وأكْثَرُ تِلْكَ الإطْلاقاتِ أصْلُهُ مِن قَبِيلِ الكِنايَةِ واشْتُهِرَتْ فَقامَتْ مَقامَ التَّصْرِيحِ.
والمَعْنى في هَذِهِ الآيَةِ: وما يَجُوزُ أنْ يَتَّخِذَ الرَّحْمَنُ ولَدًا. بِناءً عَلى أنَّ المُسْتَحِيلَ لَوْ طُلِبَ حُصُولُهُ لَما تَأتّى لِأنَّهُ مُسْتَحِيلٌ لا تَتَعَلَّقُ بِهِ القُدْرَةُ، لا لِأنَّ اللَّهَ عاجِزٌ عَنْهُ. ونَحْوَ قَوْلِهِ (﴿قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أنْ نَتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِن أوْلِياءَ﴾ [الفرقان: ١٨]) يُفِيدُ مَعْنى: لا يَسْتَقِيمُ لَنا، أوْ لا يُخَوَّلُ لَنا أنْ نَتَّخِذَ أوْلِياءَ غَيْرَكَ، ونَحْوَ قَوْلِهِ (﴿لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أنْ تُدْرِكَ القَمَرَ﴾ [يس: ٤٠]) يُفِيدُ مَعْنى لا تَسْتَطِيعُ. ونَحْوَ (﴿وما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وما يَنْبَغِي لَهُ﴾ [يس: ٦٩]) يُفِيدُ مَعْنى: أنَّهُ لا يَلِيقُ بِهِ. ونَحْوَ (﴿وهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأحَدٍ مِن بَعْدِي﴾ [ص: ٣٥]) يُفِيدُ مَعْنى: لا يُسْتَجابُ طَلَبُهُ لِطالِبِهِ إنْ طَلَبَهُ، وفَرْقٌ بَيْنَ قَوْلِكَ: يَنْبَغِي لَكَ أنْ لا تَفْعَلْ هَذا، وبَيْنَ لا يَنْبَغِي لَكَ أنْ تَفْعَلَ كَذا، أيْ ما يَجُوزُ لِجَلالِ اللَّهِ أنْ يَتَّخِذَ ولَدًا لِأنَّ جَمِيعَ المَوْجُوداتِ غَيْرُ ذاتِهِ تَعالى يَجِبُ أنْ تَكُونَ مُسْتَوِيَةً في المَخْلُوقِيَّةِ لَهُ والعُبُودِيَّةِ لَهُ. وذَلِكَ يُنافِي البُنُوَّةَ لِأنَّ بُنُوَّةَ الإلَهِ جُزْءٌ مِنَ الإلَهِيَّةِ، وهو أحَدُ الوَجْهَيْنِ في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعالى (﴿قُلْ إنْ كانَ لِلرَّحْمَنِ ولَدٌ فَأنا أوَّلُ العابِدِينَ﴾ [الزخرف: ٨١])، أيْ لَوْ كانَ لَهُ ولَدٌ لَعَبَدْتُهُ قَبْلَكم.
(p-١٧٣)ومَعْنى (﴿آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا﴾): الإتْيانُ المَجازِيُّ، وهو الإقْرارُ والِاعْتِرافُ، مِثْلُ: باءَ بِكَذا، أصْلُهُ رَجَعَ، واسْتُعْمِلَ بِمَعْنى اعْتَرَفَ. وعَبْدًا حالٌ، أيْ مُعْتَرِفٌ لِلَّهِ بِالإلَهِيَّةِ غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ عَنْهُ في شَيْءٍ في حالِ كَوْنِهِ عَبْدًا. ويَجُوزُ جَعْلُ (﴿آتِي الرَّحْمَنِ﴾) بِمَعْنى صائِرٌ إلَيْهِ بَعْدَ المَوْتِ، ويَكُونُ المَعْنى أنَّهُ يَحْيا عَبْدًا ويُحْشَرُ عَبْدًا بِحَيْثُ لا تَشُوبُهُ نِسْبَةُ البُنُوَّةِ في الدُّنْيا ولا في الآخِرَةِ. وتَكْرِيرُ اسْمِ الرَّحْمَنِ في هَذِهِ الآيَةِ أرْبَعَ مَرّاتٍ إيماءٌ إلى أنَّ وصْفَ الرَّحْمَنِ الثّابِتِ لِلَّهِ، والَّذِي لا يُنْكِرُ المُشْرِكُونَ ثُبُوتَ حَقِيقَتِهِ لِلَّهِ وإنْ أنْكَرُوا لَفْظَهُ. يُنافِي ادِّعاءَ الوَلَدِ لَهُ لِأنَّ الرَّحْمَنَ وصْفٌ يَدُلُّ عَلى عُمُومِ الرَّحْمَةِ وتَكَثُّرِها. ومَعْنى ذَلِكَ أنَّها شامِلَةٌ لِكُلِّ مَوْجُودٍ مُفْتَقِرٍ إلى رَحْمَةِ اللَّهِ تَعالى. ولا يَتَقَوَّمُ ذَلِكَ إلّا بِتَحْقِيقِ العُبُودِيَّةِ فِيهِ. لِأنَّهُ لَوْ كانَ بَعْضُ المَوْجُوداتِ ابْنًا لِلَّهِ تَعالى لاسْتَغْنى عَنْ رَحْمَتِهِ لِأنَّهُ يَكُونُ بِالنُّبُوَّةِ مُساوِيًا لَهُ في الإلَهِيَّةِ المُقْتَضِيَةِ الغِنى المُطْلَقَ، ولِأنَّ اتِّخاذَ الِابْنِ يَتَطَلَّبُ بِهِ مُتَّخِذُهُ بَرَّ الِابْنِ بِهِ ورَحْمَتَهُ لَهُ، وذَلِكَ يُنافِي كَوْنَ اللَّهِ مُفِيضُ كُلِّ رَحْمَةٍ.
فَذِكْرُ هَذا الوَصْفَ عِنْدَ قَوْلِهِ (﴿وقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ ولَدًا﴾) وقَوْلِهِ (﴿أنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ ولَدًا﴾) تَسْجِيلٌ لِغَباوَتِهِمْ. وذِكْرُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ (﴿وما يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أنْ يَتَّخِذَ ولَدًا﴾) إيماءٌ إلى دَلِيلِ عَدَمِ لِياقَةِ اتِّخاذِ الِابْنِ بِاللَّهِ.
وذِكْرُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ (﴿إلّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا﴾) اسْتِدْلالٌ عَلى احْتِياجِ جَمِيعِ المَوْجُوداتِ إلَيْهِ وإقْرارِها لَهُ بِمُلْكِهِ إيّاها.
(p-١٧٤)وجُمْلَةُ (﴿لَقَدْ أحْصاهُمْ﴾) عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ (﴿لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إدًّا﴾)، مُسْتَأْنَفَةٌ ابْتِدائِيَّةٌ لِتَهْدِيدِ القائِلِينَ هَذِهِ المَقالَةَ. فَضَمائِرُ الجَمْعِ عائِدَةٌ إلى ما عادَ إلَيْهِ ضَمِيرُ (﴿وقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ ولَدًا﴾) وما بَعْدَهُ. ولَيْسَ عائِدًا عَلى (﴿مَن في السَّماواتِ والأرْضِ﴾)، أيْ لَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ كُلَّ مَن قالَ ذَلِكَ وعَدَّهم فَلا يَنْفَلِتُ أحَدٌ مِنهم مِن عِقابِهِ.
ومَعْنى (﴿وكُلُّهم آتِيهِ يَوْمَ القِيامَةِ فَرْدًا﴾) إبْطالُ ما لِأجْلِهِ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ ولَدًا؛ لِأنَّهم زَعَمُوا ذَلِكَ مُوجِبُ عِبادَتِهِمُ المَلائِكَةَ والجِنَّ لِيَكُونُوا شُفَعاءَهم عِنْدَ اللَّهِ، فَأيْأسَهُمُ اللَّهُ مِن ذَلِكَ بِأنَّ كُلَّ واحِدٍ يَأْتِي يَوْمَ القِيامَةِ مُفْرَدًا لا نَصِيرَ لَهُ كَما في قَوْلِهِ في الآيَةِ السّالِفَةِ (﴿ويَأْتِينا فَرْدًا﴾ [مريم: ٨٠]) .
وفِي ذَلِكَ تَعْرِيضٌ بِأنَّهم آتُونَ لِما يَكْرَهُونَ مِنَ العَذابِ والإهانَةِ إتْيانَ الأعْزَلِ إلى مَن يَتَمَكَّنُ مِنَ الِانْتِقامِ.
{"ayahs_start":88,"ayahs":["وَقَالُوا۟ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحۡمَـٰنُ وَلَدࣰا","لَّقَدۡ جِئۡتُمۡ شَیۡـًٔا إِدࣰّا","تَكَادُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتُ یَتَفَطَّرۡنَ مِنۡهُ وَتَنشَقُّ ٱلۡأَرۡضُ وَتَخِرُّ ٱلۡجِبَالُ هَدًّا","أَن دَعَوۡا۟ لِلرَّحۡمَـٰنِ وَلَدࣰا","وَمَا یَنۢبَغِی لِلرَّحۡمَـٰنِ أَن یَتَّخِذَ وَلَدًا","إِن كُلُّ مَن فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ إِلَّاۤ ءَاتِی ٱلرَّحۡمَـٰنِ عَبۡدࣰا","لَّقَدۡ أَحۡصَىٰهُمۡ وَعَدَّهُمۡ عَدࣰّا","وَكُلُّهُمۡ ءَاتِیهِ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ فَرۡدًا"],"ayah":"تَكَادُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتُ یَتَفَطَّرۡنَ مِنۡهُ وَتَنشَقُّ ٱلۡأَرۡضُ وَتَخِرُّ ٱلۡجِبَالُ هَدًّا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق