الباحث القرآني

قَوْلُهُ: ﴿اللَّهُ يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ أيْ: يَخْلُقُهم أوَّلًا، ثُمَّ يُعِيدُهم بَعْدَ المَوْتِ أحْياءً كَما كانُوا، ثُمَّ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ إلى مَوْقِفِ الحِسابِ، فَيُجازِي المُحْسِنَ بِإحْسانِهِ والمُسِيءَ بِإساءَتِهِ، وأفْرَدَ الضَّمِيرَ في يُعِيدُهُ بِاعْتِبارِ لَفْظِ الخَلْقِ، وجَمَعَهُ في تُرْجَعُونَ بِاعْتِبارِ مَعْناهُ. قَرَأ أبُو بَكْرٍ وأبُو عَمْرٍو " يُرْجَعُونَ " بِالتَّحْتِيَّةِ. وقَرَأ الباقُونَ بِالفَوْقِيَّةِ عَلى الخِطابِ والِالتِفاتِ المُؤْذِنِ بِالمُبالَغَةِ. ﴿ويَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يُبْلِسُ المُجْرِمُونَ﴾ قَرَأ الجُمْهُورُ يُبْلِسُ عَلى البِناءِ لِلْفاعِلِ. وقَرَأ السُّلَمِيُّ عَلى البِناءِ لِلْمَفْعُولِ يُقالُ: أبْلَسَ الرَّجُلُ: إذا سَكَتَ وانْقَطَعَتْ حُجَّتُهُ. قالَ الفَرّاءُ والزَّجّاجُ: المُبْلِسُ السّاكِتُ المُنْقَطِعُ في حُجَّتِهِ الَّذِي أيِسَ أنْ يَهْتَدِيَ إلَيْها، ومِنهُ قَوْلُ العَجاجِ: ؎يا صاحِ هَلْ تَعْرِفُ رَسْمًا مُكْرَسا قالَ: نَعَمْ أعْرِفْهُ وأبْلَسا وقالَ الكَلْبِيُّ أيْ: يَئِسَ المُشْرِكُونَ مِن كُلِّ خَيْرٍ حِينَ عايَنُوا العَذابَ، وقَدْ قَدَّمْنا تَفْسِيرَ الإبْلاسِ عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿فَإذا هم مُبْلِسُونَ﴾ [الأنعام: ٤٤] . ﴿ولَمْ يَكُنْ لَهم مِن شُرَكائِهِمْ شُفَعاءُ﴾ أيْ: لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْرِكِينَ يَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ مِن شُرَكائِهِمُ الَّذِينَ عَبَدُوهم مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعاءُ يُجِيرُونَهم مِن عَذابِ اللَّهِ وكانُوا في ذَلِكَ الوَقْتِ بِشُرَكائِهِمْ أيْ: بِآلِهَتِهِمُ الَّذِينَ جَعَلُوهم شُرَكاءَ لِلَّهِ كافِرِينَ أيْ: جاحِدِينَ لِكَوْنِهِمْ آلِهَةً؛ لِأنَّهم عَلِمُوا إذْ ذاكَ أنَّهم لا يَنْفَعُونَ ولا يَضُرُّونَ، وقِيلَ: إنَّ مَعْنى الآيَةِ: كانُوا في الدُّنْيا كافِرِينَ بِسَبَبِ عِبادَتِهِمْ، والأوَّلُ أوْلى. ﴿ويَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ﴾ أيْ: يَتَفَرَّقُ جَمِيعُ الخَلْقِ المَدْلُولُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: اللَّهُ يَبْدَأُ الخَلْقَ والمُرادُ بِالتَّفَرُّقِ أنَّ كُلَّ طائِفَةٍ تَنْفَرِدُ، فالمُؤْمِنُونَ يَصِيرُونَ إلى الجَنَّةِ، والكافِرُونَ إلى النّارِ، ولَيْسَ المُرادُ تَفَرُّقَ كُلِّ فَرْدٍ مِنهم عَنِ الآخَرِ، ومِثْلُهُ قَوْلُهُ - تَعالى -: (p-١١٣٠)﴿فَرِيقٌ في الجَنَّةِ وفَرِيقٌ في السَّعِيرِ﴾ [الشورى: ٧] وذَلِكَ بَعْدَ تَمامِ الحِسابِ فَلا يَجْتَمِعُونَ أبَدًا. ثُمَّ بَيَّنَ - سُبْحانَهُ - كَيْفِيَّةَ تَفَرُّقِهِمْ فَقالَ: ﴿فَأمّا الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ فَهم في رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ﴾ قالَ النَّحّاسُ: سَمِعْتُ الزَّجّاجَ يَقُولُ مَعْنى " أمّا " دَعْ ما كُنّا فِيهِ وخُذْ في غَيْرِهِ، وكَذا قالَ سِيبَوَيْهِ: إنَّ مَعْناهُ: مَهْما يَكُنْ مِن شَيْءٍ فَخُذْ في غَيْرِ ما كُنّا فِيهِ، والرَّوْضَةُ كُلُّ أرْضٍ ذاتِ نَباتٍ. قالَ المُفَسِّرُونَ: والمُرادُ بِها هُنا الجَنَّةُ، ومَعْنى يُحْبَرُونَ يُسَرُّونَ، والحُبُورُ والحَبْرَةُ السُّرُورُ أيْ: فَهم في رِياضِ الجَنَّةِ يَنْعَمُونَ. قالَ أبُو عُبَيْدٍ: الرَّوْضَةُ ما كانَ في سُفْلٍ، فَإذا كانَ مُرْتَفِعًا فَهو تَلْعَةٌ. وقالَ غَيْرُهُ: أحْسَنُ ما تَكُونُ الرَّوْضَةُ إذا كانَتْ في مَكانٍ مُرْتَفِعٍ، ومِنهُ قَوْلُ الأعْشى: ؎ما رَوْضَةٌ مِن رِياضِ الحَزْنِ مُعْشِبَةٌ ∗∗∗ خَضْراءُ جادَ عَلَيْها مُسْبِلٌ هَطِلُ وقِيلَ: مَعْنى يُحْبَرُونَ يُكْرَمُونَ. قالَ النَّحّاسُ: حَكى الكِسائِيُّ حَبَرْتُهُ أيْ: أكْرَمْتُهُ ونَعَّمْتُهُ، والأوْلى تَفْسِيرُ يُحْبَرُونَ بِالسُّرُورِ كَما هو المَعْنى العَرَبِيُّ، ونَفْسُ دُخُولِ الجَنَّةِ يَسْتَلْزِمُ الإكْرامَ والنَّعِيمَ، وفي السُّرُورِ زِيادَةٌ عَلى ذَلِكَ. وقِيلَ: التَّحْبِيرُ التَّحْسِينُ فَمَعْنى يُحْبَرُونَ يُحْسَنُ إلَيْهِمْ، وقِيلَ: هو السَّماعُ الَّذِي يَسْمَعُونَهُ في الجَنَّةِ، وقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ، والوَجْهُ ما ذَكَرْناهُ. وأمّا الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ وكَذَّبُوا بِآياتِنا وكَذَّبُوا بِلِقاءِ الآخِرَةِ أيِ: البَعْثِ والجَنَّةِ والنّارِ، والإشارَةُ بِقَوْلِهِ: فَأُولَئِكَ إلى المُتَّصِفِينَ بِهَذِهِ الصِّفاتِ، وهو مُبْتَدَأٌ وخَبَرُهُ في العَذابِ مُحْضَرُونَ أيْ: مُقِيمُونَ فِيهِ، وقِيلَ: مَجْمُوعُونَ، وقِيلَ: نازِلُونَ، وقِيلَ: مُعَذَّبُونَ، والمَعانِي مُتَقارِبَةٌ، والمُرادُ دَوامُ عَذابِهِمْ. ثُمَّ لَمّا بَيَّنَ عاقِبَةَ طائِفَةِ المُؤْمِنِينَ وطائِفَةِ الكافِرِينَ أرْشَدَ المُؤْمِنِينَ إلى ما فِيهِ الأجْرُ الوافِرُ والخَيْرُ العامُّ. فَقالَ: ﴿فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وحِينَ تُصْبِحُونَ﴾ والفاءُ لِتَرْتِيبِ ما بَعْدَها عَلى ما قَبْلِها أيْ: فَإذا عَلِمْتُمْ ذَلِكَ فَسَبِّحُوا اللَّهَ أيْ: نَزِّهُوهُ عَمّا لا يَلِيقُ بِهِ في وقْتِ الصَّباحِ والمَساءِ وفي العَشِيِّ وفي وقْتِ الظَّهِيرَةِ. وقِيلَ: المُرادُ بِالتَّسْبِيحِ هُنا الصَّلَواتُ الخَمْسُ، فَقَوْلُهُ حِينَ تُمْسُونَ صَلاةُ المَغْرِبِ والعِشاءِ، وقَوْلُهُ وحِينَ تُصْبِحُونَ صَلاةُ الفَجْرِ، وقَوْلُهُ وعَشِيًّا صَلاةُ العَصْرِ، وقَوْلُهُ حِينَ تُظْهِرُونَ صَلاةُ الظُّهْرِ، كَذا قالَ الضَّحّاكُ وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وغَيْرُهُما. قالَ الواحِدِيُّ: قالَ المُفَسِّرُونَ: إنْ مَعْنى فَسُبْحانَ اللَّهِ فَصَلُّوا لِلَّهِ. قالَ النَّحّاسُ: أهْلُ التَّفْسِيرِ عَلى أنَّ هَذِهِ الآيَةَ في الصَّلَواتِ قالَ: وسَمِعَتْ مُحَمَّدَ بْنَ زَيْدٍ يَقُولُ: حَقِيقَتُهُ عِنْدِي فَسَبِّحُوا لِلَّهِ في الصَّلَواتِ، لِأنَّ التَّسْبِيحَ يَكُونُ في الصَّلاةِ، وجُمْلَةُ ﴿ولَهُ الحَمْدُ في السَّماواتِ والأرْضِ﴾ مُعْتَرِضَةٌ مَسُوقَةٌ لِلْإرْشادِ إلى الحَمْدِ والإيذانِ بِمَشْرُوعِيَّةِ الجَمْعِ بَيْنَهُ وبَيْنَ التَّسْبِيحِ كَما في قَوْلِهِ - سُبْحانَهُ -: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾ [الحجر: ٩٨] وقَوْلِهِ: ﴿ونَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ﴾ [البقرة: ٣٠] وقِيلَ: مَعْنى ولَهُ الحَمْدُ أيِ: الِاخْتِصاصُ لَهُ بِالصَّلاةِ الَّتِي يُقْرَأُ فِيها الحَمْدُ، والأوَّلُ أوْلى. وقَرَأ عِكْرِمَةُ " حِينًا تُمْسُونَ وحِينًا تُصْبِحُونَ " والمَعْنى: حِينًا تُمْسُونَ فِيهِ وحِينًا تُصْبِحُونَ فِيهِ والعَشِيُّ مِن صَلاةِ المَغْرِبِ إلى العَتَمَةِ، قالَهُ الجَوْهَرِيُّ، وقالَ قَوْمٌ: هو مِن زَوالِ الشَّمْسِ إلى طُلُوعِ الفَجْرِ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ: ؎غَدَوْنا غَدْوَةً سَحَرًا بِلَيْلٍ ∗∗∗ عَشِيًّا بَعْدَ ما انْتَصَفَ النَّهارُ وقَوْلُهُ: عَشِيًّا مَعْطُوفٌ عَلى حِينَ، وفي السَّماواتِ مُتَعَلِّقٌ بِنَفْسِ الحَمْدِ أيِ: الحَمْدُ لَهُ يَكُونُ في السَّماواتِ والأرْضِ. ﴿يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ﴾ كالإنْسانِ مِنَ النُّطْفَةِ والطَّيْرِ مِنَ البَيْضَةِ ﴿ويُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ﴾ كالنُّطْفَةِ والبَيْضَةِ مِنَ الحَيَوانِ. وقَدْ سَبَقَ بَيانُ هَذا في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ. قِيلَ: ووَجْهُ تَعَلُّقِ هَذِهِ الآيَةِ بِالَّتِي قَبْلَها أنَّ الإنْسانَ عِنْدَ الصَّباحِ يَخْرُجُ مِن شِبْهِ المَوْتِ، وهو النَّوْمُ إلى شِبْهِ الوُجُودِ، وهو اليَقَظَةُ، وعِنْدَ العِشاءِ يَخْرُجُ مِنَ اليَقَظَةِ إلى النَّوْمِ ﴿ويُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِها﴾ أيْ: يُحْيِيها بِالنَّباتِ بَعْدَ مَوْتِها بِاليَباسِ، وهو شَبِيهٌ بِإخْراجِ الحَيِّ مِنَ المَيِّتِ وكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ أيْ: ومِثْلُ ذَلِكَ الإخْراجِ تُخْرَجُونَ مِن قُبُورِكم. قَرَأ الجُمْهُورُ " تُخْرَجُونَ " عَلى البِناءِ لِلْمَفْعُولِ. وقَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ عَلى البِناءِ لِلْفاعِلِ، فَأسْنَدَ الخُرُوجَ إلَيْهِمْ كَقَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْداثِ﴾ [المعارج: ٤٣] . ﴿ومِن آياتِهِ أنْ خَلَقَكم مِن تُرابٍ﴾ أيْ: مِن آياتِهِ الباهِرَةِ الدّالَّةِ عَلى البَعْثِ أنْ خَلَقَكم أيْ: خَلَقَ أباكم آدَمَ مِن تُرابِ وخَلَقَكم في ضِمْنِ خَلْقِهِ، لِأنَّ الفَرْعَ مُسْتَمَدٌّ مِنَ الأصْلِ ومَأْخُوذٌ مِنهُ، وقَدْ مَضى تَفْسِيرُ هَذا في الأنْعامِ، وأنْ في مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِداءِ ومِن آياتِهِ خَبَرُهُ ﴿ثُمَّ إذا أنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ﴾ إذا هي الفُجائِيَّةُ أيْ: ثُمَّ فاجَأْتُمْ بَعْدَ ذَلِكَ وقْتُ كَوْنِكم بَشَرًا تَنْتَشِرُونَ في الأرْضِ، وإذا الفُجائِيَّةُ وإنْ كانَتْ أكْثَرَ ما تَقَعُ بَعْدَ الفاءِ، لَكِنَّها وقَعَتْ هُنا بَعْدَ ثُمَّ بِالنِّسْبَةِ إلى ما يَلِيقُ بِهَذِهِ الحالَةِ الخاصَّةِ، وهي أطْوارُ الإنْسانِ كَما حَكاهُ اللَّهُ في مَواضِعَ: مِن كَوْنِهِ نُطْفَةً ثُمَّ عَلَقَةً ثُمَّ مُضْغَةً ثُمَّ عَظْمًا مَكْسُوًّا لَحْمًا فاجَأ البَشَرِيَّةَ، والِانْتِشارُ، ومَعْنى تَنْتَشِرُونَ: تَنْصَرِفُونَ فِيما هو قِوامُ مَعايِشِكم. ﴿ومِن آياتِهِ أنْ خَلَقَ لَكم مِن أنْفُسِكم أزْواجًا﴾ أيْ: ومِن عَلاماتِهِ ودَلالاتِهِ الدّالَّةِ عَلى البَعْثِ أنْ خَلَقَ لَكم مِن أنْفُسِكم أزْواجًا أيْ: مِن جِنْسِكم في البَشَرِيَّةِ والإنْسانِيَّةِ، وقِيلَ: المُرادُ حَوّاءُ فَإنَّهُ خَلَقَها مِن ضِلْعِ آدَمَ لِتَسْكُنُوا إلَيْها أيْ: تَأْلَفُوها وتَمِيلُوا إلَيْها، فَإنَّ الجِنْسَيْنِ المُخْتَلِفَيْنِ لا يَسْكُنُ أحَدُهُما إلى الآخَرِ ولا يَمِيلُ قَلْبُهُ إلَيْهِ ﴿وجَعَلَ بَيْنَكم مَوَدَّةً ورَحْمَةً﴾ أيْ: وِدادًا وتَراحُمًا بِسَبَبِ عِصْمَةِ النِّكاحِ يَعْطِفُ بِهِ بَعْضُكم عَلى بَعْضٍ مِن غَيْرِ أنْ يَكُونَ بَيْنَكم قَبْلَ ذَلِكَ مَعْرِفَةٌ، فَضْلًا عَنْ مَوَدَّةٍ ورَحْمَةٍ. وقالَ مُجاهِدٌ: المَوَدَّةُ الجِماعُ، والرَّحْمَةُ الوَلَدُ، وبِهِ قالَ الحَسَنُ. وقالَ السُّدِّيُّ: المَوَدَّةُ المَحَبَّةُ، والرَّحْمَةُ الشَّفَقَةُ. وقِيلَ: المَوَدَّةُ حُبِّ الرَّجُلِ امْرَأتَهُ، والرَّحْمَةُ رَحْمَتُهُ إيّاها مِن أنْ يُصِيبَها بِسُوءٍ، وقَوْلُهُ أنْ خَلَقَ لَكم في مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلى الِابْتِداءِ، ومِن آياتِهِ خَبَرُهُ إنَّ في ذَلِكَ المَذْكُورِ سابِقًا. لَآياتٍ عَظِيمَةَ الشَّأْنِ بَدِيعَةَ البَيانِ واضِحَةَ الدَّلالَةِ عَلى قُدْرَتِهِ - سُبْحانَهُ - عَلى البَعْثِ والنُّشُورِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ لِأنَّهُمُ الَّذِينَ يَقْتَدِرُونَ (p-١١٣١)عَلى الِاسْتِدْلالِ لِكَوْنِ التَّفَكُّرِ مادَّةً لَهُ يَتَحَصَّلُ عَنْهُ، وأمّا الغافِلُونَ عَنِ التَّفَكُّرِ فَما هم إلّا كالأنْعامِ. ﴿ومِن آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ فَإنَّ مَن خَلَقَ هَذِهِ الأجْرامَ العَظِيمَةَ الَّتِي هي أجْرامُ السَّماواتِ والأرْضِ وجَعَلَها باقِيَةً ما دامَتْ هَذِهِ الدّارُ وخَلَقَ فِيها مِن عَجائِبِ الصُّنْعِ وغَرائِبِ التَّكْوِينِ ما هو عِبْرَةٌ لِلْمُعْتَبِرِينَ قادِرٌ عَلى أنْ يَخْلُقَكم بَعْدَ مَوْتِكم ويَنْشُرَكم مِن قُبُورِكم ﴿واخْتِلافُ ألْسِنَتِكُمْ﴾ أيْ: لُغاتِكم مِن عَرَبٍ وعَجَمٍ، وتُرْكٍ، ورُومٍ وغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ اللُّغاتِ، وألْوانِكم مِنَ البَياضِ والسَّوادِ والحُمْرَةِ والصُّفْرَةِ والزُّرْقَةِ والخُضْرَةِ مَعَ كَوْنِكم أوْلادَ رَجُلٍ واحِدٍ وأُمٍّ واحِدَةٍ، ويَجْمَعُكم نَوْعٌ واحِدٌ وهو الإنْسانِيَّةُ، وفَصْلٌ واحِدٌ وهو النّاطِقِيَّةُ، حَتّى صِرْتُمْ مُتَمَيِّزِينَ في ذاتِ بَيْنِكم لا يَلْتَبِسُ هَذا بِهَذا، بَلْ في كُلِّ فَرْدٍ مِن أفْرادِكم ما يُمَيِّزُهُ عَنْ غَيْرِهِ مِنَ الأفْرادِ، وفي هَذا مِن بَدِيعِ القُدْرَةِ ما لا يَعْقِلُهُ إلّا العالَمُونَ، ولا يَفْهَمُهُ إلّا المُتَفَكِّرُونَ ﴿إنَّ في ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ﴾ الَّذِينَ هم مِن جِنْسِ هَذا العالَمِ مِن غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ بَرٍّ وفاجِرٍ. قَرَأ الجُمْهُورُ بِفَتْحِ لامِ العالَمِينَ. وقَرَأ حَفْصٌ وحْدَهُ بِكَسْرِها. قالَ الفَرّاءُ: ولَهُ وجْهٌ جَيِّدٌ لِأنَّهُ قَدْ قالَ: ﴿لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [الرعد: ٤] ﴿لَآياتٍ لِأُولِي الألْبابِ﴾ [آل عمران: ١٩٠] ﴿وما يَعْقِلُها إلّا العالِمُونَ﴾ [العنكبوت: ٤٣] . ﴿ومِن آياتِهِ مَنامُكم بِاللَّيْلِ والنَّهارِ وابْتِغاؤُكم مِن فَضْلِهِ﴾ قِيلَ: في الكَلامِ تَقْدِيمٌ وتَأْخِيرٌ، والتَّقْدِيرُ: ومِن آياتِهِ مَنامُكم بِاللَّيْلِ وابْتِغاؤُكم مِن فَضْلِهِ بِالنَّهارِ. وقِيلَ: المَعْنى صَحِيحٌ مِن دُونِ تَقْدِيمٍ وتَأْخِيرٍ أيْ: ومِن آياتِهِ العَظِيمَةِ أنَّكم تَنامُونَ بِاللَّيْلِ وتَنامُونَ بِالنَّهارِ في بَعْضِ الأحْوالِ لِلِاسْتِراحَةِ كَوَقْتِ القَيْلُولَةِ وابْتِغاؤُكم مِن فَضْلِهِ فِيهِما، فَإنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنهُما يَقَعُ فِيهِ ذَلِكَ، وإنْ كانَ ابْتِغاءُ الفَضْلِ في النَّهارِ أكْثَرَ. والأوَّلُ هو المُناسِبُ لِسائِرِ الآياتِ الوارِدَةِ في هَذا المَعْنى، والآخَرُ هو المُناسِبُ لِلنَّظْمِ القُرْآنِيِّ هاهُنا. ووَجْهُ ذِكْرِ النَّوْمِ والِابْتِغاءِ هاهُنا وجَعْلِهِما مِن جُمْلَةِ الأدِلَّةِ عَلى البَعْثِ أنَّ النَّوْمَ شَبِيهٌ بِالمَوْتِ، والتَّصَرُّفَ في الحاجاتِ والسَّعْيِ في المَكاسِبِ شَبِيهٌ بِالحَياةِ بَعْدَ المَوْتِ إنَّ في ذَلِكَ لِآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ أيْ: يَسْمَعُونَ الآياتِ والمَواعِظَ سَماعَ مُتَفَكِّرٍ مُتَدَبِّرٍ فَيَسْتَدِلُّونَ بِذَلِكَ عَلى البَعْثِ. ﴿ومِن آياتِهِ يُرِيكُمُ البَرْقَ خَوْفًا وطَمَعًا﴾ المَعْنى: أنْ يُرِيَكم، فَحَذْفُ أنْ لِدَلالَةِ الكَلامِ عَلَيْهِ كَما قالَ طَرَفَةُ: ؎ألا أيُّهَذا اللّائِمِي أحْضُرُ الوَغى ∗∗∗ وأنْ أشْهَدَ اللَّذّاتِ هَلْ أنْتَ مُخْلِدِي والتَّقْدِيرُ: أنْ أحْضُرَ، فَلَمّا حُذِفَ الحَرْفُ في الآيَةِ والبَيْتِ بَطُلَ عَمَلُهُ، ومِنهُ المَثَلُ المَشْهُورُ تَسْمَعَ بِالمُعَيْدِيِّ خَيْرٌ مِن أنْ تَراهُ وقِيلَ: هو عَلى التَّقْدِيمِ والتَّأْخِيرِ أيْ: ويُرِيكُمُ البَرْقَ مِن آياتِهِ، فَيَكُونُ مِن عَطْفِ جُمْلَةٍ فِعْلِيَّةٍ عَلى جُمْلَةٍ اسْمِيَّةٍ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ يُرِيكم صِفَةً لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ أيْ: ومِن آياتِهِ آيَةٌ يُرِيكم بِها وفِيها البَرْقَ، وقِيلَ: التَّقْدِيرُ: ومِن آياتِهِ يُرِيكُمُ البَرْقَ خَوْفًا وطَمَعًا مِن آياتِهِ. قالَ الزَّجّاجُ: فَيَكُونُ مِن عَطْفِ جُمْلَةٍ عَلى جُمْلَةٍ. قالَ قَتادَةُ: خَوْفًا لِلْمُسافِرِ وطَمَعًا لِلْمُقِيمِ. وقالَ الضَّحّاكُ: خَوْفًا مِنَ الصَّواعِقِ وطَمَعًا في الغَيْثِ. وقالَ يَحْيى بْنُ سَلّامٍ خَوْفًا مِنَ البَرْدِ أنْ يُهْلِكَ الزَّرْعَ، وطَمَعًا في المَطَرِ أنْ يُحْيِيَ الزَّرْعَ. وقالَ ابْنُ بَحْرٍ: خَوْفًا أنْ يَكُونَ البَرْقُ بَرْقًا خُلَّبًا لا يُمْطِرُ، وطَمَعًا أنْ يَكُونَ مُمْطِرًا، وأنْشَدَ: ؎لا يَكُنْ بَرْقُكَ بَرْقًا خُلَّبًا ∗∗∗ إنَّ خَيْرَ البَرْقِ ما الغَيْثُ مَعَهُ وانْتِصابُ خَوْفًا وطَمَعًا عَلى العِلَّةِ ﴿ويُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِها﴾ أيْ: يُحْيِيها بِالنَّباتِ بَعْدَ مَوْتِها بِاليَباسِ إنَّ في ذَلِكَ لِآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ فَإنَّ مَن لَهُ نَصِيبٌ مِنَ العَقْلِ يَعْلَمُ أنَّ ذَلِكَ آيَةٌ يُسْتَدَلُّ بِها عَلى القُدْرَةِ الباهِرَةِ. ﴿ومِن آياتِهِ أنْ تَقُومَ السَّماءُ والأرْضُ بِأمْرِهِ﴾ أيْ: قِيامُهُما واسْتِمْساكُهُما بِإرادَتِهِ - سُبْحانَهُ - وقُدْرَتِهِ بِلا عَمَدٍ يَعْمِدُهُما، ولا مُسْتَقَرٍّ يَسْتَقِرّانِ عَلَيْهِ. قالَ الفَرّاءُ: يَقُولُ أنْ تَدُوما قائِمَتَيْنِ بِأمْرِهِ ﴿ثُمَّ إذا دَعاكم دَعْوَةً مِنَ الأرْضِ إذا أنْتُمْ تَخْرُجُونَ﴾ أيْ: ثُمَّ بَعْدَ مَوْتِكم ومَصِيرِكم في القُبُورِ إذا دَعاكم دَعْوَةً واحِدَةً فاجَأْتُمُ الخُرُوجَ مِنها بِسُرْعَةٍ مِن غَيْرِ تَلَبُّثٍ ولا تَوَقُّفٍ، كَما يُجِيبُ المَدْعُوُّ المُطِيعُ دَعْوَةَ الدّاعِي المُطاعِ. ومِنَ الأرْضِ مُتَعَلِّقٌ بِدَعا أيْ: دَعاكم مِنَ الأرْضِ الَّتِي أنْتُمْ فِيها، كَما يُقالُ: دَعَوْتُهُ مِن أسْفَلِ الوادِي فَطَلَعَ إلَيَّ، أوْ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ هو صِفَةٌ لِدَعْوَةٍ، أوْ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ تَخْرُجُونَ أيْ: خَرَجْتُمْ مِنَ الأرْضِ، ولا يَجُوزُ أنْ يَتَعَلَّقَ بِـ تَخْرُجُونَ، لِأنَّ ما بَعْدَ إذا لا يَعْمَلُ فِيما قَبْلَها، وهَذِهِ الدَّعْوَةُ هي نَفْخَةُ إسْرافِيلَ الآخِرَةُ في الصُّورِ عَلى ما تَقَدَّمَ بَيانُهُ، وقَدْ أجْمَعَ القُرّاءُ عَلى فَتْحِ التّاءِ في " تَخْرُجُونَ " هُنا، وغَلَطَ مَن قالَ إنَّهُ قُرِئَ هُنا بِضَمِّها عَلى البِناءِ لِلْمَفْعُولِ، وإنَّما قُرِئَ بِضَمِّها في الأعْرافِ. ﴿ولَهُ مَن في السَّماواتِ والأرْضِ﴾ مِن جَمِيعِ المَخْلُوقاتِ مِلْكًا وتَصَرُّفًا وخَلْقًا، لَيْسَ لِغَيْرِهِ في ذَلِكَ شَيْءٌ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ أيْ: مُطِيعُونَ طاعَةَ انْقِيادٍ، وقِيلَ: مُقِرُّونَ بِالعُبُودِيَّةِ، وقِيلَ: مُصَلُّونَ، وقِيلَ: قائِمُونَ يَوْمَ القِيامَةِ كَقَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبِّ العالَمِينَ﴾ [المطففين: ٦] أيْ: لِلْحِسابِ، وقِيلَ: بِالشَّهادَةِ أنَّهم عِبادُهُ، وقِيلَ: مُخْلِصُونَ. ﴿وهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ بَعْدَ المَوْتِ فَيُحْيِيهِ الحَياةَ الدّائِمَةَ ﴿وهُوَ أهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ أيْ: هَيِّنٌ عَلَيْهِ لا يَسْتَصْعِبُهُ، أوْ أهْوَنُ عَلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ إلى قُدْرَتِكم وعَلى ما يَقُولُهُ بَعْضُكم لِبَعْضٍ، وإلّا فَلا شَيْءَ في قُدْرَتِهِ بَعْضُهُ أهْوَنُ مِن بَعْضٍ، بَلْ كُلُّ الأشْياءِ مُسْتَوِيَةٌ يُوجِدُها بِقَوْلِهِ: كُنْ فَتَكُونُ. قالَ أبُو عُبَيْدٍ: مَن جَعَلَ " أهْوَنُ " عِبارَةً عَنْ تَفْضِيلِ شَيْءٍ عَلى شَيْءٍ، فَقَوْلُهُ مَرْدُودٌ بِقَوْلِهِ: ﴿وكانَ ذَلِكَ عَلى اللَّهِ يَسِيرًا﴾ [النساء: ١٦٩] وبِقَوْلِهِ: ﴿ولا يَئُودُهُ حِفْظُهُما﴾ [البقرة: ٢٥٥] والعَرَبُ تَحْمِلُ أفْعَلَ عَلى فاعِلٍ كَثِيرًا كَما في قَوْلِ الفَرَزْدَقِ: ؎إنَّ الَّذِي سَمَكَ السَّماءَ بَنى لَنا ∗∗∗ بَيْتًا دَعائِمُهُ أعَزُّ وأطْوَلُ أيْ: عَزِيزَةٌ طَوِيلَةٌ، وأنْشَدَ أحْمَدُ بْنُ يَحْيى ثَعْلَبٌ عَلى ذَلِكَ: ؎تَمَنّى رِجالٌ أنْ أمُوتَ وإنْ أمُتْ ∗∗∗ فَتِلْكَ سَبِيلٌ لَسْتُ فِيها بِأوْحَدِ (p-١١٣٢)أيْ: لَسْتُ بِواحِدٍ، ومِثْلُهُ قَوْلُ الآخَرِ: ؎لَعَمْرُكَ إنَّ الزِّبْرِقانَ لَباذِلٌ ∗∗∗ لِمَعْرُوفِهِ عِنْدَ السِّنِينَ وأفْضَلُ أيْ: وفاضِلٌ، وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ " وهو عَلَيْهِ هَيِّنٌ " وقالَ مُجاهِدٌ وعِكْرِمَةُ، والضَّحّاكُ: إنَّ الإعادَةَ أهْوَنُ عَلَيْهِ أيْ: عَلى اللَّهِ مِنَ البِدايَةِ أيْ: أيْسَرُ وإنْ كانَ جَمِيعُهُ هَيِّنًا. وقِيلَ: المُرادُ أنَّ الإعادَةَ فِيما بَيْنَ الخَلْقِ أهْوَنُ مِنَ البِدايَةِ، وقِيلَ: الضَّمِيرُ في عَلَيْهِ لِلْخَلْقِ أيْ: وهو أهْوَنُ عَلى الخَلْقِ لِأنَّهُ يُصاحُ بِهِمْ صَيْحَةٌ واحِدَةٌ فَيَقُومُونَ ويُقالُ لَهم كُونُوا فَيَكُونُونَ، فَذَلِكَ أهْوَنُ عَلَيْهِمْ مِن أنْ يَكُونُوا نُطْفَةً ثُمَّ عَلَقَةً ثُمَّ مُضْغَةً إلى آخِرِ النَّشْأةِ ﴿ولَهُ المَثَلُ الأعْلى﴾ قالَ الخَلِيلُ: المَثَلُ الصِّفَةُ أيْ: ولَهُ الوَصْفُ الأعْلى في السَّماواتِ والأرْضِ كَما قالَ: ﴿مَثَلُ الجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ المُتَّقُونَ﴾ [ الرَّعْدِ: ٣٥، ومُحَمَّدٍ: ١٥ ] أيْ: صِفَتُها، وقالَ مُجاهِدٌ: المَثَلُ الأعْلى قَوْلُ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، وبِهِ قالَ قَتادَةُ. وقالَ الزَّجّاجُ ﴿ولَهُ المَثَلُ الأعْلى في السَّماواتِ والأرْضِ﴾ أيْ: قَوْلُهُ ﴿وهُوَ أهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ قَدْ ضَرَبَهُ لَكم مَثَلًا فِيما يَصْعُبُ ويَسْهُلُ. وقِيلَ: المَثَلُ الأعْلى هو أنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وقِيلَ: هو أنَّ ما أرادَهُ كانَ بِقَوْلِ كُنْ، وفي السَّماواتِ والأرْضِ مُتَعَلِّقٌ بِمَضْمُونِ الجُمْلَةِ المُتَقَدِّمَةِ، والمَعْنى: أنَّهُ - سُبْحانَهُ - عُرِفَ بِالمَثَلِ الأعْلى، ووُصِفَ بِهِ في السَّماواتِ والأرْضِ، ويَجُوزُ أنْ يَتَعَلَّقَ بِمَحْذُوفٍ عَلى أنَّهُ حالٌ مِنَ الأعْلى، أوْ مِنَ المَثَلِ، أوْ مِنَ الضَّمِيرِ في الأعْلى، وهو العَزِيزُ في مُلْكِهِ، القادِرُ الَّذِي لا يُغالَبُ، الحَكِيمُ في أقْوالِهِ وأفْعالِهِ. وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: يُبْلِسُ قالَ: يَبْتَئِسُ. وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، يُبْلِسُ قالَ: يَكْتَئِبُ، وعَنْهُ الإبْلاسُ: الفَضِيحَةُ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: يُحْبَرُونَ قالَ: يُكْرَمُونَ. وأخْرَجَ الدَّيْلَمِيُّ عَنْ جابِرٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: «إذا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ قالَ اللَّهُ: أيْنَ الَّذِينَ كانُوا يُنَزِّهُونَ أسْماعَهم وأبْصارَهم عَنْ مَزامِيرِ الشَّيْطانِ مَيِّزُوهم، فَيُمَيَّزُونَ في كَثَبِ المِسْكِ والعَنْبَرِ، ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ: أسْمِعُوهم مِن تَسْبِيحِي وتَحْمِيدِي وتَهْلِيلِي، قالَ: فَيُسَبِّحُونَ بِأصْواتٍ لَمْ يَسْمَعِ السّامِعُونَ بِمِثْلِها قَطُّ» . وأخْرَجَ الدِّينَوَرِيُّ في المُجالَسَةِ عَنْ مُجاهِدٍ قالَ: يُنادِي مُنادٍ يَوْمَ القِيامَةِ فَذَكَرَ نَحْوَهُ، ولَمْ يُسَمِّ مَن رَواهُ لَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي الدُّنْيا في ذَمِّ المَلاهِي، والأصْبِهانِيُّ في التَّرْغِيبِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ نَحْوَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي الدُّنْيا والضِّياءُ المَقْدِسِيُّ كِلاهُما في صِفَةِ الجَنَّةِ، قالَ السُّيُوطِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ في الجَنَّةِ شَجَرَةٌ عَلى ساقٍ قَدْرَ ما يَسِيرُ الرّاكِبُ المُجِدُّ في ظِلِّها مِائَةَ عامٍ، فَيُخْرِجُ أهْلُ الجَنَّةِ أهْلَ الغُرَفِ وغَيْرِهِمْ فَيَتَحَدَّثُونَ في ظِلِّها، فَيَشْتَهِي بَعْضُهم ويَذْكُرُ لَهْوَ الدُّنْيا، فَيُرْسِلُ اللَّهُ رِيحًا مِنَ الجَنَّةِ فَتُحَرِّكُ تِلْكَ الشَّجَرَةَ بِكُلِّ لَهْوٍ كانَ في الدُّنْيا. وأخْرَجَ الحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ في نَوادِرِ الأُصُولِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ. وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: " كُلُّ تَسْبِيحٍ في القُرْآنِ فَهو صَلاةٌ وأخْرَجَ، عَبْدُ الرَّزّاقِ، والفِرْيابِيُّ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والطَّبَرانِيُّ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ عَنْ أبِي رَزِينٍ قالَ: جاءَ نافِعُ بْنُ الأزْرَقِ إلى ابْنِ عَبّاسٍ فَقالَ: هَلْ تَجِدُ الصَّلَواتِ الخَمْسَ في القُرْآنِ ؟ قالَ نَعَمْ، فَقَرَأ ﴿فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ﴾ صَلاةُ المَغْرِبِ ﴿وحِينَ تُصْبِحُونَ﴾ صَلاةُ الصُّبْحِ، وعَشِيًّا صَلاةُ العَصْرِ ﴿وحِينَ تُظْهِرُونَ﴾ صَلاةُ الظُّهْرِ، وقَرَأ ﴿ومِن بَعْدِ صَلاةِ العِشاءِ﴾ [النور: ٥٨] . وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، عَنْهُ قالَ: جَمَعَتْ هَذِهِ الآيَةُ مَواقِيتَ الصَّلاةِ، ﴿فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ﴾ قالَ: المَغْرِبُ والعِشاءُ ﴿وحِينَ تُصْبِحُونَ﴾ الفَجْرُ وعَشِيًّا العَصْرُ ﴿وحِينَ تُظْهِرُونَ﴾ الظُّهْرُ. وأخْرَجَ أحْمَدُ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ السُّنِّيِّ في عَمَلِ يَوْمِ ولَيْلَةٍ، والطَّبَرانِيُّ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ في الدَّعَواتِ عَنْ مُعاذِ بْنِ أنَسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - قالَ: «ألا أُخْبِرُكم لِمَ سَمّى اللَّهُ إبْراهِيمَ خَلِيلَهُ الَّذِي وفّى ؟ لِأنَّهُ كانَ يَقُولُ كُلَّما أصْبَحَ وأمْسى: ﴿فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وحِينَ تُصْبِحُونَ ولَهُ الحَمْدُ في السَّماواتِ والأرْضِ وعَشِيًّا وحِينَ تُظْهِرُونَ﴾» وفي إسْنادِهِ ابْنُ لَهِيعَةَ. وأخْرَجَ أبُو داوُدَ والطَّبَرانِيُّ وابْنُ السُّنِّيِّ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - قالَ: «مَن قالَ حِينَ يُصْبِحُ: ﴿فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وحِينَ تُصْبِحُونَ ولَهُ الحَمْدُ في السَّماواتِ والأرْضِ وعَشِيًّا وحِينَ تُظْهِرُونَ﴾ ﴿يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ ويُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ ويُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ﴾ أدْرَكَ ما فاتَهُ في يَوْمِهِ، ومَن قالَها حِينَ يُمْسِي أدْرَكَ ما فاتَهُ في لَيْلَتِهِ» وإسْنادُهُ ضَعِيفٌ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ يَقُولُ مُطِيعُونَ: يَعْنِي الحَياةَ والنُّشُورَ والمَوْتَ وهم لَهُ عاصُونَ فِيما سِوى ذَلِكَ مِنَ العِبادَةِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿وهُوَ أهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ قالَ: أيْسَرُ. وأخْرَجَ ابْنُ الأنْبارِيِّ عَنْهُ أيْضًا في قَوْلِهِ: ﴿وهُوَ أهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ قالَ: الإعادَةُ أهْوَنُ عَلى المَخْلُوقِ، لِأنَّهُ يَقُولُ لَهُ يَوْمَ القِيامَةِ كُنْ فَيَكُونُ، وابْتَدَأ الخِلْقَةَ مِن نُطْفَةٍ، ثُمَّ مِن عَلَقَةٍ، ثُمَّ مِن مُضْغَةٍ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْهُ أيْضًا في قَوْلِهِ: ﴿ولَهُ المَثَلُ الأعْلى﴾ يَقُولُ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب