الباحث القرآني

(فأكلا) أي آدم وحواء (منها) أي من الشجرة (فبدت لهما سوءآتهما) يعني عَريَا من الثياب التي كانت عليهما بسبب تساقط حلل الجنة عنهما، لما أكلا من الشجرة حتى ظهر لكل واحد منهما قُبَله وقُبُل الآخر ودُبُرَه وسمي كلاًّ منهما سوأة لأن انكشافه يسوء صاحبه ويحزنه. (وطفقا) طفق يفعل كذا مثل جعل يفعل وهو ككاد في وقوع الخبر فعلاً مضارعاً إلا أنه للشروع في أول الأمر وكاد للْمُدنو منه، قال الفراء: معنى طفقا في العربية أقبلا، وقيل أخذا وجعلا (يخصفان) يلصقان (عليهما) ويلزقان لأجل سوءآتهما أي يسترهما، فَعَلى تعليلية. (من ورق الجنة) أي من ورق التين بعضه ببعض حتى يصير طويلاً عريضاً يصلح للاستتار به (وعصى آدم ربه) أي خالف نهيه بالأكل من الشجرة فالعصيان هو المخالفة لكنه خالف بتأويل لأنه اعتقد أن أحداً لا يحلف بالله كاذباً أو لأنه اعتقد أن النهي قد نسخ لما حلف له إبليس أو اعتقد أن النهي عن شجرة معينة وأن غيرها من بقية أفراد الجنس ليس منهياً عنه. (فغوى) أي فضلّ عن الصواب أو عن مطلوبه وهو الخلود بالأكل من تلك الشجرة أي حاد عنه ولم يظفر به هذا هو الحق في تقرير هذا المقام، وقيل فسد عليه عيشه بنزوله إلى الدنيا، وقيل جهل موضع رشده، وقيل بشم [[البشم: التخمة يقال بشمت من الطعام بالكسر أهـ صحاح.]] من كثرة الأكل، قال ابن قتيبة: أكل آدم من الشجرة التي نهى عنها باستزلال إبليس وخدعه إياه، والقسم له بالله إنه له لمن الناصحين حتى دلاه بغرور، ولم يكن ذنبه عن اعتقاد متقدم ونية صحيحة، فنحن نقول عصى آدم ربه فغوى انتهى. قال القاضي أبو بكر بن العربي: لا يجوز لأحد أن يخير اليوم بذلك عن آدم. قلت لا مانع من هذا بعد أن أخبرنا الله سبحانه في كتابه بأنه عصاه، وكما يقال: حسنات الأبرار سيئات المقربين، قال في المدارك: وفي التصريح بقوله: (وعصى آدم ربه فغوى) والعدول عن قوله: وزل آدم، مزجرة عظيمة وموعظة بليغة للمكلفين كافة كأنه قيل له انظروا واعتبروا كيف نعيت على النبي المعصوم زلته بهذه الغلظة فلا تتهاونوا بما يفرط منكم من الصغائر فضلاً عن الكبائر، ومما قال الشوكاني في هذا المعنى: عصى أبو الْعَالَمَ وهو الذي ... من طينة صوره الله وأسْجَدَ الأملاك من أجله ... وصير الجنة مأواه أغواه إبليس فمن ذا أنا الـ ... ـمسكينُ إنْ إبليسُ أغواه وحديث محاجة آدم وموسى في الصحيحين عن أبي هريرة كما سيأتي، وفيه: أتلومني على أمر قدره الله عليَّ قبل أن يخلقني بأربعين سنة، وقد أطال الرازي في بيان اختلاف الناس في عصمة الأنبياء في هذا المقام بما عنه غنى وفي تركه سعة وتبعه في ذلك الخازن في تفسيره فلا نطول الكلام بذكره.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب