الباحث القرآني
﴿فَأكَلا﴾ أيْ هو وزَوْجَتُهُ ﴿مِنها﴾ أيْ: مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي سَمّاها اللَّعِينُ شَجَرَةَ الخُلْدِ ﴿فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما: عَرِيا عَنِ النُّورِ الَّذِي كانَ اللَّهُ تَعالى ألْبَسَهُما حَتّى بَدَتْ فُرُوجُهُما، وفي رِوايَةٍ أُخْرى عَنْهُ أنَّهُ كانَ لِباسُهُما الظُّفُرُ فَلَمّا أصابا الخَطِيئَةَ نُزِعَ عَنْهُما وتُرِكَتْ هَذِهِ البَقايا في أطْرافِ الأصابِعِ، واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ بِصِحَّةِ ذَلِكَ، ثُمَّ إنَّ ما ذُكِرَ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ عُقُوبَةً لِلْأكْلِ ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مُرَتَّبًا عَلَيْهِ لِمَصْلَحَةٍ أُخْرى ﴿وطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِن ورَقِ الجَنَّةِ﴾ قَدْ مَرَّ تَفْسِيرُهُ.
﴿وعَصى آدَمُ رَبَّهُ﴾ بِما ذُكِرَ مِن أكْلِ الشَّجَرَةِ ﴿فَغَوى﴾ ضَلَّ عَنْ مَطْلُوبِهِ الَّذِي هو الخُلُودُ أوْ عَنِ المَطْلُوبِ مِنهُ وهو تَرْكُ الأكْلِ مِنَ الشَّجَرَةِ أوْ عَنِ الرُّشْدِ حَيْثُ اغْتَرَّ بِقَوْلِ العَدُوِّ، وقِيلَ: غَوى أيْ فَسَدَ عَلَيْهِ عَيْشُهُ. ومِنهُ يُقالُ: الغِواءُ لِسُوءِ الرِّضاعِ. وقُرِئَ ( فَغَوِيَ ) بِفَتْحِ الغَيْنِ وكَسْرِ الواوِ وفَتْحِ الياءِ أيْ فَبَشِمَ مِن كَثْرَةِ الأكْلِ مِن غَوِيَ الفَصِيلُ إذا اتَّخَمَ مِنَ اللَّبَنِ وبِهِ فُسِّرَتِ القِراءَةُ الأُخْرى، وتَعَقَّبَ ذَلِكَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَقالَ وهَذا وإنْ صَحَّ عَلى لُغَةِ مَن يَقْلِبُ الياءَ المَكْسُورَ ما قَبْلَها ألِفًا فَيَقُولُ في فَنِيَ وبَقِيَ فَنا وبَقا بِالألِفِ وهم بَنُو طَيِّءٍ تَفْسِيرٌ خَبِيثٌ، وظاهِرُ الآيَةِ يَدُلُّ عَلى أنَّ ما وقَعَ مِنَ الكَبائِرِ وهو المَفْهُومُ مِن كَلامِ الإمامِ فَإنْ كانَ صُدُورُهُ بَعْدَ البَعْثَةِ تَعَمُّدًا مِن غَيْرِ نِسْيانٍ ولا تَأْوِيلٍ أشْكَلَ عَلى ما اتَّفَقَ عَلَيْهِ المُحَقِّقُونَ والأئِمَّةُ المُتْقِنُونَ مِن وُجُوبِ عِصْمَةِ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ بَعْدَ البَعْثَةِ عَنْ صُدُورٍ مِثْلِ ذَلِكَ مِنهم عَلى ذَلِكَ الوَجْهِ، ولا يَكادُ يَقُولُ بِذَلِكَ إلّا الأزارِقَةُ مِنَ الخَوارِجِ فَإنَّهم عَلَيْهِمْ ما يَسْتَحِقُّونَ جَوَّزُوا الكُفْرَ عَلَيْهِمْ وحاشاهم فَما دُونَهُ أوْلى بِالتَّجْوِيزِ، وإنْ كانَ صُدُورُهُ قَبْلَ البَعْثَةِ كَما قالَ بِهِ جَمْعٌ وقالَ الإمامُ: إنَّهُ مَذْهَبُنا فَإنْ كانَ تَعَمُّدًا أشْكَلَ عَلى قَوْلِ أكْثَرِ المُعْتَزِلَةِ والشِّيعَةِ بِعِصْمَتِهِمْ عَلَيْهِمُ السَّلامُ عَنْ صُدُورِ مِثْلِ ذَلِكَ تَعَمُّدًا قَبْلَ البَعْثَةِ أيْضًا.
نَعَمْ لا إشْكالَ فِيهِ عَلى ما قالَهُ القاضِي أبُو بَكْرٍ مِن أنَّهُ لا يَمْتَنِعُ عَقْلًا ولا سَمْعًا أنْ يَصْدُرَ مِنَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ قَبْلَ نُبُوَّتِهِ مَعْصِيَةٌ مُطْلَقًا بَلْ لا يَمْتَنِعُ عَقْلًا إرْسالُ مَن أسْلَمَ بَعْدَ كُفْرِهِ، ووافَقَهُ عَلى ذَلِكَ كَما قالَ الآمِدِيُّ في أبْكارِ الأفْكارِ أكْثَرُ الأصْحابِ وكَثِيرٌ مِنَ المُعْتَزِلَةِ وإنْ كانَ سَهْوًا كَما يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَنَسِيَ ولَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾ بِناءً عَلى أحَدِ القَوْلَيْنِ فِيهِ أشْكَلَ عَلى ما نُقِلَ عَنِ الشِّيعَةِ مِن مَنعِ صُدُورِ الكَبِيرَةِ سَهْوًا قَبْلَ البَعْثَةِ أيْضًا، ولا إشْكالَ فِيهِ عَلى ما سَمِعْتَ عَنِ القاضِي أبِي بَكْرٍ، وإنْ كانَ بَعْدَ البَعْثَةِ سَهْوًا أشْكَلَ أيْضًا عِنْدَ بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ، فَقَدْ قالَ عَضُدُ المِلَّةِ في المَواقِفِ إنَّ الأكْثَرِينَ جَوَّزُوا صُدُورَ الكَبِيرَةِ يَعْنِي ما عَدا الكُفْرَ والكَذِبَ فِيما دَلَّتِ المُعْجِزَةُ عَلى صِدْقِهِمْ عَلَيْهِمُ السَّلامُ فِيهِ سَهْوًا وعَلى سَبِيلِ الخَطَأِ مِنهم، وقالَ العَلّامَةُ الشَّرِيفُ المُخْتارُ خِلافَهُ، وذَهَبَ كَثِيرٌ إلى أنَّ ما وقَعَ صَغِيرَةٌ والأمْرُ عَلَيْهِ هَيِّنٌ فَإنَّ الصَّغائِرَ الغَيْرَ المُشْعِرَةِ بِالخِسَّةِ يَجُوزُ عَلى ما ذَكَرَهُ العَلّامَةُ الثّانِي في شَرْحِ العَقائِدِ صُدُورُها مِنهم عَلَيْهِمُ السَّلامُ عَمْدًا بَعْدَ البِعْثَةِ عِنْدَ الجُمْهُورِ خِلافًا لِلْجُبّائِيِّ وأتْباعِهِ ويَجُوزُ صُدُورُها سَهْوًا بِالِاتِّفاقِ لَكِنِ المُحَقِّقُونَ اشْتَرَطُوا أنْ يُنَبَّهُوا عَلى ذَلِكَ فَيَنْتَهُوا عَنْهُ.
نَعَمْ ذُكِرَ في شَرْحِ المَقاصِدِ عِصْمَتُهم عَنْ صُدُورِ ذَلِكَ عَمْدًا. والأحْوَطُ نَظَرًا إلى مَقامِ آدَمَ عَلَيْهِمُ السَّلامُ أنْ يُقالَ: إنَّ صُدُورَ ما ذُكِرَ مِنهُ كانَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وكانَ سَهْوًا أوْ عَنْ تَأْوِيلٍ إلّا أنَّهُ عَظُمَ الأمْرُ عَلَيْهِ وعَظُمَ لَدَيْهِ (p-275)نَظَرًا إلى عُلُوِّ شَأْنِهِ ومَزِيدِ فَضْلِ اللَّهِ تَعالى عَلَيْهِ، وإحْسانِهِ وقَدْ شاعَ: حَسَناتُ الأبْرارِ سَيِّئاتُ المُقَرَّبِينَ، ومِمّا يَدُلُّ عَلى اسْتِعْظامِ ذَلِكَ مِنهُ لِعُلُوِّ شَأْنِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ ما أخْرَجَهُ البَيْهَقِيُّ في شُعَبِ الإيمانِ عَنْ أبِي عَبْدِ اللَّهِ المَغْرِبِيِّ قالَ: تَفَكَّرَ إبْراهِيمُ في شَأْنِ آدَمَ عَلَيْهِما السَّلامُ فَقالَ: يا رَبِّ خَلَقْتَهُ بِيَدِكَ ونَفَخْتَ فِيهِ مِن رُوحِكَ وأسْجَدْتَ لَهُ مَلائِكَتِكَ ثُمَّ بِذَنْبٍ واحِدٍ مَلَأْتَ أفْواهَ النّاسِ مِن ذِكْرِ مَعْصِيَتِهِ فَأوْحى اللَّهُ تَعالى إلَيْهِ يا إبْراهِيمُ أما عَلِمْتَ أنَّ مُخالَفَةَ الحَبِيبِ عَلى الحَبِيبِ شَدِيدَةٌ.
وذَكَرَ بَعْضُهم أنَّ في اسْتِعْظامِ ذَلِكَ مِنهُ عَلَيْهِ المَلامُ زَجْرًا بَلِيغًا لِأوْلادِهِ عَنْ أمْثالِهِ، وعَلى العِلّاتِ لا يَنْبَغِي لِأحَدٍ أنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ العِصْيانُ اليَوْمَ وأنْ يُخْبِرَ بِذَلِكَ إلّا أنْ يَكُونَ تالِيًا لِما تَضَمَّنَ ذَلِكَ أوْ راوِيًا لَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وأمّا أنْ يَكُونَ مُبْتَدِئًا مِن قِبَلِ نَفْسِهِ فَلا، وقَدْ صَرَّحَ القاضِي أبُو بَكْرِ بْنُ العَرَبِيِّ بِعَدَمِ جَوازِ نِسْبَةِ العِصْيانِ لِلْآباءِ الأدْنِينَ إلَيْنا المُماثِلِينَ لَنا فَكَيْفَ يَجُوزُ نِسْبَتُهُ لِلْأنْبِياءِ الأقْدامِ والنَّبِيُّ المُقَدَّمُ الأكْرَمُ، وارْتَضى ذَلِكَ القُرْطُبِيُّ وادَّعى أنَّ ابْتِداءَ الأخْبارِ بِشَيْءٍ مِن صِفاتِ اللَّهِ تَعالى المُتَشابِهَةِ كاليَدِ والإصْبَعِ والنُّزُولِ أوْلى بِالمَنعِ وعَدَمِ الجَوازِ، ثُمَّ إنَّ ما وقَعَ كانَ في الحَقِيقَةِ بِمَحْضِ قَضاءِ اللَّهِ تَعالى وقَدَرِهِ، وإلّا فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أبِي أُمامَةَ الباهِلِيِّ والحَسَنِ أنَّ عَقْلَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ مِثْلُ عَقْلِ جَمِيعِ ولَدِهِ وعَداوَةُ إبْلِيسَ عَلَيْهِ اللَّعْنَةُ لَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ في غايَةِ الظُّهُورِ، وفي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلى أنَّهُ لا يَنْفَعُ عَقْلٌ ولا يُغْنِي شَيْءٌ في جَنْبِ تَقْدِيرِ اللَّهِ تَعالى وقَضائِهِ
{"ayah":"فَأَكَلَا مِنۡهَا فَبَدَتۡ لَهُمَا سَوۡءَ ٰ تُهُمَا وَطَفِقَا یَخۡصِفَانِ عَلَیۡهِمَا مِن وَرَقِ ٱلۡجَنَّةِۚ وَعَصَىٰۤ ءَادَمُ رَبَّهُۥ فَغَوَىٰ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق