الباحث القرآني
أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿اقْرَأْ ورَبُّكَ الأكْرَمُ﴾ ﴿الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ﴾ فَفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: قالَ بَعْضُهم: اقْرَأْ أوَّلًا لِنَفْسِكَ، والثّانِيَ لِلتَّبْلِيغِ أوِ الأوَّلَ لِلتَّعَلُّمِ مِن جِبْرِيلَ والثّانِيَ لِلتَّعْلِيمِ. أوِ اقْرَأْ في صَلاتِكَ، والثّانِيَ خارِجَ صَلاتِكَ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: الكَرَمُ إفادَةُ ما يَنْبَغِي لا لِعِوَضٍ، فَمَن يَهَبُ السِّكِّينَ مِمَّنْ يَقْتُلُ بِهِ نَفْسَهُ فَهو لَيْسَ بِكَرِيمٍ، ومَن أعْطى ثُمَّ طَلَبَ عِوَضًا فَهو لَيْسَ بِكَرِيمٍ، ولَيْسَ يَجِبُ أنْ يَكُونَ العِوَضُ عَيْنًا بَلِ المَدْحُ والثَّوابُ والتَّخَلُّصُ عَنِ المَذَمَّةِ كُلُّهُ عِوَضٌ، ولِهَذا قالَ أصْحابُنا: إنَّهُ تَعالى يَسْتَحِيلُ أنْ يَفْعَلَ فِعْلًا لِغَرَضٍ لِأنَّهُ لَوْ فَعَلَ فِعْلًا لِغَرَضٍ لَكانَ حُصُولُ ذَلِكَ الغَرَضِ أوْلى لَهُ مِن لا حُصُولِهِ، فَحِينَئِذٍ يَسْتَفِيدُ بِفِعْلِ ذَلِكَ الشَّيْءِ حُصُولَ تِلْكَ الأوْلَوِيَّةِ، ولَوْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ الفِعْلَ لَما كانَ يَحْصُلُ لَهُ تِلْكَ الأوْلَوِيَّةُ، فَيَكُونُ ناقِصًا بِذاتِهِ مُسْتَكْمِلًا بِغَيْرِهِ وذَلِكَ مُحالٌ، ثُمَّ ذَكَرُوا في بَيانِ أكْرَمِيَّتِهِ تَعالى وُجُوهًا:
أحَدُها: أنَّهُ كَمْ مِن كَرِيمٍ يَحْلُمُ وقْتَ الجِنايَةِ، لَكِنَّهُ لا يَبْقى إحْسانُهُ عَلى الوَجْهِ الَّذِي كانَ قَبْلَ الجِنايَةِ، وهو تَعالى أكْرَمُ لِأنَّهُ يَزِيدُ بِإحْسانِهِ بَعْدَ الجِنايَةِ، ومِنهُ قَوْلُ القائِلِ:
؎مَتى زِدْتُ تَقْصِيرًا تَزِدْ لِي تَفَضُّلا كَأنِّي بِالتَّقْصِيرِ أسْتَوْجِبُ الفَضْلا
وثانِيها: إنَّكَ كَرِيمٌ لَكِنَّ رَبَّكَ أكْرَمُ وكَيْفَ لا وكُلُّ كَرِيمٍ يَنالُ بِكَرَمِهِ نَفْعًا إمّا مَدْحًا أوْ ثَوابًا أوْ يَدْفَعُ ضَرَرًا. أمّا أنا فالأكْرَمُ إذْ لا أفْعَلُهُ إلّا لِمَحْضِ الكَرَمِ.
وثالِثُها: أنَّهُ الأكْرَمُ لِأنَّ لَهُ الِابْتِداءَ في كُلِّ كَرَمٍ وإحْسانٍ وكَرَمُهُ غَيْرُ مَشُوبٍ بِالتَّقْصِيرِ.
ورابِعُها: يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ هَذا حَثًّا عَلى القِراءَةِ أيْ هَذا الأكْرَمُ لِأنَّهُ يُجازِيكَ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرًا أوْ حَثًّا عَلى الإخْلاصِ، أيْ لا تَقْرَأْ لِطَمَعٍ ولَكِنْ لِأجْلِي ودَعْ عَلَيَّ أمْرَكَ فَأنا أكْرَمُ مِن أنْ لا أُعْطِيَكَ ما لا يُخْطَرُ بِبالِكَ، ويُحْتَمَلُ أنَّ المَعْنى تَجَرَّدْ لِدَعْوَةِ الخَلْقِ ولا تَخَفْ أحَدًا فَأنا أكْرَمُ مِن أنْ آمُرَكَ بِهَذا التَّكْلِيفِ الشّاقِّ ثُمَّ لا أنْصُرُكَ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: أنَّهُ سُبْحانَهُ وصَفَ نَفْسَهُ بِأنَّهُ: ﴿خَلَقَ الإنْسانَ مِن عَلَقٍ﴾ .
وثانِيًا: بِأنَّهُ عَلَقَةٌ وهي ﴿بِالقَلَمِ﴾، ولا مُناسَبَةَ في الظّاهِرِ بَيْنَ الأمْرَيْنِ، لَكِنَّ التَّحْقِيقَ أنَّ أوَّلَ أحْوالِ الإنْسانِ كَوْنُهُ عَلَقَةً وهي أخَسُّ الأشْياءِ وآخِرُ أمْرِهِ هو صَيْرُورَتُهُ عالِمًا بِحَقائِقِ الأشْياءِ، وهو أشْرَفُ مَراتِبِ المَخْلُوقاتِ فَكَأنَّهُ تَعالى يَقُولُ: انْتَقَلْتَ مِن أخَسِّ المَراتِبِ إلى أعْلى المَراتِبِ فَلا بُدَّ لَكَ مِن مُدَبِّرٍ مُقَدِّرٍ يَنْقُلُكَ مِن تِلْكَ الحالَةِ الخَسِيسَةِ إلى هَذِهِ الحالَةِ الشَّرِيفَةِ، ثُمَّ فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلى أنَّ العِلْمَ أشْرَفُ الصِّفاتِ الإنْسانِيَّةِ، كَأنَّهُ تَعالى يَقُولُ: الإيجادُ والإحْياءُ والإقْدارُ والرِّزْقُ كَرَمٌ ورُبُوبِيَّةٌ، أمّا الأكْرَمُ هو الَّذِي أعْطاكَ العِلْمَ لِأنَّ العِلْمَ هو النِّهايَةُ في الشَّرَفِ.
المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: قَوْلُهُ: ﴿بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ ﴿خَلَقَ الإنْسانَ مِن عَلَقٍ﴾ إشارَةٌ إلى الدَّلالَةِ العَقْلِيَّةِ الدّالَّةِ عَلى كَمالِ القُدْرَةِ والحِكْمَةِ والعِلْمِ والرَّحْمَةِ، وقَوْلُهُ: ﴿الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ﴾ إشارَةٌ إلى الأحْكامِ المَكْتُوبَةِ الَّتِي لا سَبِيلَ إلى مَعْرِفَتِها إلّا بِالسَّمْعِ، فالأوَّلُ كَأنَّهُ إشارَةٌ إلى مَعْرِفَةِ الرُّبُوبِيَّةِ، والثّانِي إلى النُّبُوَّةِ، وقُدِّمَ الأوَّلُ عَلى الثّانِي تَنْبِيهًا عَلى أنَّ مَعْرِفَةَ الرُّبُوبِيَّةِ غَنِيَّةٌ عَنِ النُّبُوَّةِ، وأمّا النُّبُوَّةُ فَإنَّها مُحْتاجَةٌ إلى مَعْرِفَةِ الرُّبُوبِيَّةِ.
المَسْألَةُ الخامِسَةُ: في قَوْلِهِ: ﴿عَلَّمَ بِالقَلَمِ﴾ وجْهانِ:
أحَدُهُما: أنَّ المُرادَ مِنَ القَلَمِ الكِتابَةُ الَّتِي (p-١٨)تُعْرَفُ بِها الأُمُورُ الغائِبَةُ، وجُعِلَ القَلَمُ كِنايَةً عَنْها.
والثّانِي: أنَّ المُرادَ عَلَّمَ الإنْسانَ الكِتابَةَ بِالقَلَمِ وكِلا القَوْلَيْنِ مُتَقارِبٌ، إذِ المُرادُ التَّنْبِيهُ عَلى فَضِيلَةِ الكِتابَةِ، يُرْوى أنَّ سُلَيْمانَ عَلَيْهِ السَّلامُ سَألَ عِفْرِيتًا عَنِ الكَلامِ، فَقالَ: رِيحٌ لا يَبْقى، قالَ: فَما قَيْدُهُ ؟ قالَ: الكِتابَةُ، فالقَلَمُ صَيّادٌ يَصِيدُ العُلُومَ يَبْكِي ويَضْحَكُ، بِرُكُوعِهِ تَسْجُدُ الأنامُ، وبِحَرَكَتِهِ تَبْقى العُلُومُ عَلى مَرِّ اللَّيالِي والأيّامِ، نَظِيرُهُ قَوْلُ زَكَرِيّا: ﴿إذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا﴾ [مَرْيَمَ: ٣] أخْفى وأسْمَعَ، فَكَذا القَلَمُ لا يَنْطِقُ ثُمَّ يُسْمِعُ الشَّرْقَ والغَرْبَ، فَسُبْحانَهُ مِن قادِرٍ بِسَوادِها جَعَلَ الدِّينَ مُنَوَّرًا، كَما أنَّهُ جَعَلَكَ بِالسَّوادِ مُبْصِرًا، فالقَلَمُ قَوامُ الإنْسانِ والإنْسانُ قَوامُ العَيْنِ، ولا تَقُلْ: القَلَمُ نائِبُ اللِّسانِ، فَإنَّ القَلَمَ يَنُوبُ عَنِ اللِّسانِ واللِّسانُ لا يَنُوبُ عَنِ القَلَمِ، التُّرابُ طَهُورٌ، ولَوْ إلى عَشْرِ حِجَجٍ، والقَلَمُ بَدَلٌ [عَنِ اللِّسانِ] ولَوْ [بُعِثَ] إلى المَشْرِقِ والمَغْرِبِ.
{"ayahs_start":3,"ayahs":["ٱقۡرَأۡ وَرَبُّكَ ٱلۡأَكۡرَمُ","ٱلَّذِی عَلَّمَ بِٱلۡقَلَمِ","عَلَّمَ ٱلۡإِنسَـٰنَ مَا لَمۡ یَعۡلَمۡ"],"ayah":"عَلَّمَ ٱلۡإِنسَـٰنَ مَا لَمۡ یَعۡلَمۡ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق