الباحث القرآني

ولَمّا نَبَّهَ بِذَلِكَ عَلى [ ما فِي] الكِتابَةِ مِنَ المَنافِعِ الَّتِي لا يُحِيطُ بِها غَيْرُهُ سُبْحانَهُ وتَعالى، لِأنَّها انْبَنَتْ عَلَيْها اسْتِقامَةُ أُمُورِ الدُّنْيا والدِّينِ في الدُّنْيا والآخِرَةِ، وهي كافِيَةٌ في الدَّلالَةِ عَلى دَقِيقِ حِكْمَتِهِ تَعالى ولَطِيفِ تَدْبِيرِهِ، زادَ ذَلِكَ عَظَمَةً عَلى وجْهٍ يَعُمُّ غَيْرَهُ فَقالَ: ﴿عَلَّمَ﴾ أيِ العِلْمَ الضَّرُورِيَّ والنَّظَرِيَّ ﴿الإنْسانَ﴾ أيِ الَّذِي مِن شَأْنِهِ الأُنْسُ بِما هو فِيهِ لا يَنْتَقِلُ إلى غَيْرِهِ بَلْ يَنْساهُ إنْ لَمْ يُلْهِمْهُ رَبُّهُ إيّاهُ ﴿ما لَمْ يَعْلَمْ﴾ أيْ بِلُطْفِهِ وحِكْمَتِهِ لِيَنْتَظِمَ بِهِ حالُهُ [فِي دِينِهِ] مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ ودُنْياهُ مِنَ المُعامَلاتِ والصَّنائِعِ، فَيَفِيضُ عَلَيْهِ مِن عِلْمِهِ اللَّدُنْيِّ الَّذِي لا سَبَبَ لَهُ ظاهِرُ ما يُعْرَفُ بِهِ تَرْتِيبُ المُقَدِّماتِ بِالحُدُودِ والوُسْطى، فَيَعْلَمُ النَّتائِجَ، وما يُعْرَفُ بِهِ الحَدْسِيّاتُ، وذَلِكَ بَعْدَ خَلْقِ القُوى ونَصْبِ الدَّلائِلِ وإنْزالِ الآياتِ، ولَوْ كانَ ذَلِكَ بِالأسْبابِ فَقَطْ لَتَساوى النّاسُ في مُدَّةِ التَّعْلِيمِ [و] في أصْلِ المَعْلُومِ كَما تَساوَوْا في مُدَّةِ الحَمْلِ وأصْلِ الإنْسانِيَّةِ، وقَدْ ذَكَرَ سُبْحانَهُ مَبْدَأ الإنْسانِ ومُنْتَهاهُ بِنَقْلِهِ مِن أخَسِّ الحالاتِ إلى أعْلاها تَقْرِيرًا لِرُبُوبِيَّتِهِ وتَحْقِيقًا لِأكْرَمِيَّتِهِ، (p-١٦١)قالَ المَلَّوِيُّ: ولَوْ كانَ شَيْءٌ مِنَ العَطاءِ والنِّعَمِ أشْرَفَ مِنَ العِلْمِ لِذَكَرَهُ عَقِبَ صِفَةِ الأكْرَمِيَّةِ - انْتَهى، وفي ذَلِكَ إشارَةٌ إلى مَزِيدِ كَرَمِ العُلَماءِ بِالتَّعْلِيمِ، وفي الآيَةِ الإشارَةُ إلى مُطالَعَةِ عالَمَيِ الخَلْقِ والأمْرِ، قالَ الرّازِيُّ، وفي كُلٍّ مِنَ العالَمَيْنِ خُصُوصٌ وعُمُومٌ - انْتَهى، فالمَعْنى أنَّهُ يُعَلِّمُكَ أيُّها النَّبِيُّ الكَرِيمُ وإنْ كُنْتَ أُمِّيًّا لا تَعْلَمُ الآنَ شَيْئًا كَما عَلَّمَ بِالقَلَمِ مَن لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ، فَتَكُونُ أنْتَ - بِما أشارَتْ إلَيْهِ صِفَةُ الأكْرَمِيَّةِ عَلى ما أنْتَ فِيهِ مِنَ الأُمِّيَّةِ - أعْلَمُ مِن أهْلِ الأقْلامِ - وأعْلى مِن [كُلِّ] مَقامٍ سامٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب