الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿واضْمُمْ يَدَكَ إلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِن غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى﴾ ﴿لِنُرِيَكَ مِن آياتِنا الكُبْرى﴾ ﴿اذْهَبْ إلى فِرْعَوْنَ إنَّهُ طَغى﴾ . اعْلَمْ أنَّ هَذا هو المُعْجِزَةُ الثّانِيَةُ وفِيهِ مَسائِلُ: المَسْألَةُ الأُولى: يُقالُ لِكُلِّ ناحِيَتَيْنِ جَناحانِ كَجَناحَيِ العَسْكَرِ لِطَرَفَيْهِ، وجَناحا الإنْسانِ جَنْباهُ والأصْلُ المُسْتَعارُ مِنهُ جَناحا الطّائِرِ؛ لِأنَّهُ يَجْنَحُهُما عِنْدَ الطَّيَرانِ، ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما - ”إلى جَناحِكَ“ إلى صَدْرِكَ والأوَّلُ أوْلى؛ لِأنَّ يَدَيِ الإنْسانِ يُشْبِهانِ جَناحَيِ الطّائِرِ؛ لِأنَّهُ قالَ: ﴿تَخْرُجْ بَيْضاءَ﴾ ولَوْ كانَ المُرادُ بِالجَناحِ الصَّدْرَ لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ: ﴿تَخْرُجْ﴾ مَعْنًى. واعْلَمْ أنَّ مَعْنى ضَمِّ اليَدِ إلى الجَناحِ ما قالَ في آيَةٍ أُخْرى: ﴿وأدْخِلْ يَدَكَ في جَيْبِكَ﴾ [النمل: ١٢]؛ لِأنَّهُ إذا أدْخَلَ يَدَهُ في جَيْبِهِ كانَ قَدْ ضَمَّ يَدَهُ إلى جَناحِهِ، واللَّهُ أعْلَمُ. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: السُّوءُ الرَّداءَةُ والقُبْحُ في كُلِّ شَيْءٍ، فَكَنّى بِهِ عَنِ البَرَصِ كَما كَنّى عَنِ العَوْرَةِ بِالسَّوْأةِ والبَرَصُ أبْغَضُ شَيْءٍ إلى العَرَبِ، فَكانَ جَدِيرًا بِأنْ يُكَنّى عَنْهُ، يُرْوى أنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - كانَ شَدِيدَ الأُدْمَةِ فَكانَ إذا أدْخَلَ يَدَهُ اليُمْنى في جَيْبِهِ وأدْخَلَها تَحْتَ إبِطِهِ الأيْسَرِ وأخْرَجَها كانَتْ تَبْرُقُ مِثْلَ البَرْقِ، وقِيلَ مِثْلَ الشَّمْسِ مِن غَيْرِ بَرَصٍ ثُمَّ إذا رَدَّها عادَتْ إلى لَوْنِها الأوَّلِ بِلا نُورٍ. المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: (بَيْضاءَ) و(آيَةً) حالانِ مَعًا و(مِن غَيْرِ سُوءٍ) (مِن) صِلَةُ البَيْضاءِ كَما تَقُولُ ابْيَضَّتْ مِن غَيْرِ سُوءٍ وفي نَصْبِ (آيَةً) وجْهٌ آخَرُ وهو أنْ يَكُونَ بِإضْمارٍ نَحْوَ خُذْ ودُونَكَ وما أشْبَهَ ذَلِكَ حُذِفَ لِدَلالَةِ الكَلامِ، وقَدْ تَعَلَّقَ بِهَذا المَحْذُوفِ لِنُرِيَكَ أيْ خُذْ هَذِهِ الآيَةَ أيْضًا بَعْدَ قَلْبِ العَصا لِنُرِيَكَ بِهاتَيْنِ الآيَتَيْنِ بَعْضَ آياتِنا الكُبْرى أوْ لِنُرِيَكَ بِهِما (p-٢٧)الكُبْرى مِن آياتِنا أوْ لِنُرِيَكَ مِن آياتِنا الكُبْرى فِعْلَنا ذَلِكَ، فَإنْ قِيلَ الكُبْرى مِن نَعْتِ الآياتِ فَلِمَ لَمْ يَقُلِ: الكُبَرَ ؟ قُلْنا: بَلْ هي نَعْتُ الآيَةِ والمَعْنى لِنُرِيَكَ الآيَةَ الكُبْرى ولَئِنْ سَلَّمْنا ذَلِكَ فَهو كَما قَدَّمْنا في قَوْلِهِ: ﴿مَآرِبُ أُخْرى﴾، ﴿الأسْماءُ الحُسْنى﴾ [ الأعْرافِ: ١٨٠] . المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: قالَ الحَسَنُ: اليَدُ أعْظَمُ في الإعْجازِ مِنَ العَصا؛ لِأنَّهُ تَعالى: ذَكَرَ ﴿لِنُرِيَكَ مِن آياتِنا الكُبْرى﴾ عَقِيبَ ذِكْرِ اليَدِ وهَذا ضَعِيفٌ؛ لِأنَّهُ لَيْسَ في اليَدِ إلّا تَغَيُّرُ اللَّوْنِ، وأمّا العَصا فَفِيهِ تَغَيُّرُ اللَّوْنِ وخَلْقُ الزِّيادَةِ في الجِسْمِ وخَلْقُ الحَياةِ والقُدْرَةِ والأعْضاءِ المُخْتَلِفَةِ وابْتِلاعُ الحَجَرِ والشَّجَرِ، ثُمَّ عادَ عَصًا بَعْدَ ذَلِكَ. فَقَدْ وقَعَ التَّغَيُّرُ مَرَّةً أُخْرى في كُلِّ هَذِهِ الأُمُورِ فَكانَتِ العَصا أعْظَمَ، وأمّا قَوْلُهُ: ﴿لِنُرِيَكَ مِن آياتِنا الكُبْرى﴾ فَقَدْ بَيَّنّا أنَّهُ عائِدٌ إلى الكُلِّ وأنَّهُ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِاليَدِ. المَسْألَةُ الخامِسَةُ: أنَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى لَمّا أظْهَرَ لَهُ هَذِهِ الآيَةَ عَقَّبَها بِأنْ أمَرَهُ بِالذَّهابِ إلى فِرْعَوْنَ وبَيَّنَ العِلَّةَ في ذَلِكَ وهي أنَّهُ طَغى، وإنَّما خَصَّ فِرْعَوْنَ بِالذِّكْرِ مَعَ أنَّ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - كانَ مَبْعُوثًا إلى الكُلِّ؛ لِأنَّهُ ادَّعى الإلَهِيَّةَ وتَكَبَّرَ وكانَ مَتْبُوعًا فَكانَ ذِكْرُهُ أوْلى. قالَ وهْبٌ: قالَ اللَّهُ تَعالى لِمُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ -: ”اسْمَعْ كَلامِي واحْفَظْ وصِيَّتِي وانْطَلِقْ بِرِسالَتِي فَإنَّكَ بِعَيْنِي وسَمْعِي وإنَّ مَعَكَ يَدِي وبَصَرِي وإنِّي ألْبَسْتُكَ جُنَّةً مِن سُلْطانِي لِتَسْتَكْمِلَ بِها القُوَّةَ في أمْرِي أبْعَثُكَ إلى خَلْقٍ ضَعِيفٍ مِن خَلْقِي بَطَرَ نِعْمَتِي وأمِنَ مَكْرِي وغَرَّتْهُ الدُّنْيا حَتّى جَحَدَ حَقِّي وأنْكَرَ رُبُوبِيَّتِي، وإنِّي أُقْسِمُ بِعِزَّتِي لَوْلا الحُجَّةُ والعُذْرُ الَّذِي وضَعْتُ بَيْنِي وبَيْنَ خَلْقِي لَبَطَشْتُ بِهِ بَطْشَةَ جَبّارٍ ولَكِنْ هانَ عَلَيَّ وسَقَطَ مِن عَيْنِي فَبَلِّغْهُ عَنِّي رِسالَتِي وادْعُهُ إلى عِبادَتِي وحَذِّرْهُ نِقْمَتِي: ﴿فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا﴾ [طه: ٤٤] لا يَغْتَرَّنَّ بِلِباسِ الدُّنْيا فَإنَّ ناصِيَتَهُ بِيَدِي، لا يَطْرِفُ ولا يَتَنَفَّسُ إلّا بِعِلْمِي. في كَلامٍ طَوِيلٍ، قالَ فَسَكَتَ مُوسى سَبْعَةَ أيّامٍ لا يَتَكَلَّمُ ثُمَّ جاءَهُ مَلَكٌ فَقالَ:“أجِبْ رَبَّكَ فِيما أمَرَكَ بِعَبْدِهِ " .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب