الباحث القرآني

﴿لِنُرِيَكَ مِن آياتِنا الكُبْرى﴾ مُتَعَلِّقًا بِذَلِكَ المَحْذُوفِ. ومَن قَدَّرَ خُذْ ونَحْوَهُ جَوَّزَ تَعَلُّقَهُ بِهِ، وجَوَّزَ الحُوفِيُّ تَعَلُّقَهُ بِاضْمُمْ، وتَعَلُّقَهُ بِتَخْرُجْ، وأبُو البَقاءِ تَعَلُّقَهُ بِما دَلَّ عَلَيْهِ (آيَةً) أيْ دَلَّلْنا بِها لِنُرِيَكَ. ومَنَعَ تَعَلُّقَهُ بِها لِأنَّها قَدْ وُصِفَتْ. وبَعْضُهم تَعَلَّقَهُ بِألْقِ، واخْتارَ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ أنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِمُضْمَرٍ يَنْساقُ إلَيْهِ النَّظْمُ الكَرِيمُ كَأنَّهُ قِيلَ: فَعَلْنا ما فَعَلْنا لِنُرِيَكَ بَعْضَ آياتِنا الكُبْرى عَلى أنَّ (الكُبْرى) صِفَةٌ لِآياتِنا عَلى حَدِّ (مَآرِبُ أُخْرى) و(مِن آياتِنا) في مَوْضِعِ المَفْعُولِ الثّانِي ومِن فِيهِ لِلتَّبْعِيضِ أوْ لِنُرِيَكَ بِذَلِكَ الكُبْرى مِن آياتِنا عَلى أنَّ (الكُبْرى) هو المَفْعُولُ الثّانِي لِنُرِيَكَ و(مِن آياتِنا) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ حالٍ مِنهُ، ومِن فِيهِ لِلِابْتِداءِ أوْ لِلتَّبْعِيضِ. وتَقْدِيمُ الحالِ مَعَ أنَّ صاحِبَهُ مَعْرِفَةٌ لِرِعايَةِ الفَواصِلِ. وجَوَّزَ كِلا الإعْرابَيْنِ في ﴿مِن آياتِنا الكُبْرى﴾ الحُوفِيُّ وابْنُ عَطِيَّةَ وأبُو البَقاءِ وغَيْرُهم. واخْتارَ في البَحْرِ الإعْرابَ الأوَّلَ ورَجَّحَهُ بِأنَّ فِيهِ دَلالَةً عَلى أنَّ آياتِهِ تَعالى كُلَّها كُبْرى بِخِلافِ الإعْرابِ الثّانِي وبِأنَّهُ عَلى الثّانِي لا تَكُونُ (الكُبْرى) صِفَةَ العَصا واليَدِ مَعًا وإلّا لَقِيلَ: الكُبْرَيَيْنِ. ولا يُمْكِنُ أنْ يُخَصَّ أحَدُهُما لِأنَّ في كُلٍّ مِنهُما مَعْنى التَّفْضِيلِ، ويَبْعُدُ ما قالَ الحَسَنُ ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما مِن أنَّ اليَدَ أعْظَمُ في الإعْجازِ مِنَ العَصا لِأنَّهُ لَيْسَ في اليَدِ إلّا تَغْيِيرُ اللَّوْنِ، وأمّا العَصا فَفِيها تَغْيِيرُ اللَّوْنِ وخَلْقُ الزِّيادَةِ في الجِسْمِ وخَلْقُ الحَياةِ والقُدْرَةِ والأعْضاءِ المُخْتَلِفَةِ مَعَ عَوْدِها عَصًا بَعْدَ ذَلِكَ، فَكانَتْ أعْظَمَ في الإعْجازِ مِنَ اليَدِ، وجُوِّزَ أنْ تَكُونَ (الكُبْرى) صِفَةً لَهُما ولِاتِّحادِ المَقْصُودِ جُعِلَتا آيَةً واحِدَةً وأفْرَدَتِ الصِّفَةَ لِذَلِكَ. وأنْ تَكُونَ صِفَةً لِلْيَدِ والعَصا غَنِيَّةٌ عَنِ الوَصْفِ بِها لِظُهُورِ كَوْنِها كُبْرى. وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هَذا كُلَّهُ خِلافُ الظّاهِرِ. وكَذا ما قِيلَ: مِن أنَّ مِن عَلى الإعْرابِ الثّانِي لِلْبَيانِ بِأنْ يَكُونَ المُرادُ لِنُرِيَكَ الآياتِ الكُبْرى مِن آياتِنا لِيَصِحَّ الحَمْلُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ البَيانُ ولا يَتَرَجَّحُ بِذَلِكَ الإعْرابِ الثّانِي عَلى الأوَّلِ ولا يُساوِيهِ أصْلًا. ولا يَخْفى عَلَيْكَ أنَّ كُلَّ احْتِمالٍ مِنِ احْتِمالاتِ مُتَعَلِّقِ اللّامِ خَلا مِنَ الدَّلالَةِ عَلى وصْفِ آيَةِ (p-181)العَصا بِالكِبَرِ، لا يَنْبَغِي أنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ، ويُعْتَذَرَ بِأنَّ عَدَمَ الوَصْفَ لِلظُّهُورِ مَعَ ظُهُورِ الِاحْتِمالِ الَّذِي لا يَحْتاجُ مَعَهُ إلى الِاعْتِذارِ عَنْ ذَلِكَ المَقالِ فَتَأمَّلْ واللَّهُ تَعالى العاصِمُ مِنَ الزَّلَلِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب