الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإذْ واعَدْنا مُوسى أرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾: (p-١٢٠)
أمّا مُوسى، فاسْمٌ يَجْمَعُ بَيْنَ كَلِمَتَيْنِ بِالقِبْطِيَّةِ وهُما: ماءٌ وشَجَرٌ، فَـ(مُو) هو الماءُ، و(سا) هو الشَّجَرُ، وإنَّما سُمِّيَ بِهَذا الِاسْمِ الجامِعِ لِهاتَيْنِ الكَلِمَتَيْنِ، لِما ذَكَرَهُ السُّدِّيُّ مِن أنَّ أُمَّهُ لَمّا خافَتْ عَلَيْهِ جَعَلَتْهُ في التّابُوتِ، وألْقَتْهُ في اليَمِّ، كَما أُوحِيَ إلَيْها، فَألْقاهُ بَيْنَ أشْجارٍ عِنْدَ بَيْتِ فِرْعَوْنَ، فَخَرَجَتْ حَوارِيُّ آسِيَةَ امْرَأةِ فِرْعَوْنَ يَغْتَسِلْنَ، فَوَجَدْنَهُ، فَسُمِّيَ بِاسْمِ المَكانِ.
قالَ ابْنُ إسْحاقَ: وهو مُوسى بْنُ عِمْرانَ بْنِ يَصْهَرَ بْنِ فاهِتَ بْنِ لاوِيَ بْنِ يَعْقُوبَ (إسْرائِيلَ) بْنِ إسْحاقَ بْنِ إبْراهِيمَ.
وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿أرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾ قالَ ابْنُ الكَلْبِيِّ: لَمّا جاوَزَ مُوسى بِبَنِي إسْرائِيلَ البَحْرَ، قالَ لَهُ بَنُو إسْرائِيلَ: ألَيْسَ وعَدْتَنا أنْ تَأْتِيَنا بِكِتابٍ مِنَ اللَّهِ تَعالى؟ فَوَعَدَهُ اللَّهُ أرْبَعِينَ لَيْلَةً، ووَعَدَها بَنِي إسْرائِيلَ، قالَ أبُو العالِيَةِ: هي ذُو القِعْدَةِ وعَشْرٌ مِن ذِي الحِجَّةِ، ثُمَّ اقْتَصَرَ عَلى ذِكْرِ اللَّيالِي دُونَ الأيّامِ، وإنْ كانَتِ الأيّامُ تَبَعًا مَعَها، لِأنَّ أوَّلَ الشُّهُورِ اللَّيالِي، فَصارَتِ الأيّامُ لَها تَبَعًا.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ العِجْلَ مِن بَعْدِهِ﴾ يَعْنِي اتَّخَذْتُمُوهُ إلَهًا مِن بَعْدِ خُرُوجِ مُوسى إلى المِيقاتِ، واسْتِخْلافِهِ هارُونَ عَلَيْهِمْ.
وَسَبَبُ ذَلِكَ فِيما ذَكَرَ ابْنُ عَبّاسٍ، أنَّ السّامِرِيَّ كانَ مِن قَوْمٍ يَعْبُدُونَ البَقَرَ، فَكانَ حُبُّ ذَلِكَ في نَفْسِهِ بَعْدَ إظْهارِهِ الإسْلامَ، وكانَ قَدْ عَرَفَ جِبْرِيلَ لِأنَّ أُمَّهُ حِينَ خافَتْ عَلَيْهِ أنْ يُذْبَحَ خَلَّفَتْهُ في غارٍ، وأطْبَقَتْ عَلَيْهِ، وكانَ جِبْرِيلُ يَأْتِيهِ، فَيَغْذُوهُ بِأصابِعِهِ، فَلَمّا رَآهُ حِينَ عَبَرَ البَحْرَ عَرَفَهُ، فَقَبَضَ قَبْضَةً مِن أثَرِ فَرَسِهِ، وكانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقْرَأُ: ( فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِن أثَرِ فَرَسِ الرَّسُولِ ) ولَمْ تَزَلِ القَبْضَةُ في يَدِهِ، حَتّى فَصَلَ مُوسى إلى رَبِّهِ، وخَلَّفَ هارُونَ في بَنِي إسْرائِيلَ، فَقالَ لَهم هارُونُ: قَدْ تَحَمَّلْتُمْ أوْزارًا مِن زِينَةِ القَوْمِ، يَعْنِي أمْتِعَةً وحُلِيًّا، فَتَطَهَّرُوا مِنها فَإنَّها نَجَسٌ، فَأوْقَدَ لَهم نارًا، وأمَرَهم بِقَذْفِ ما كانَ مَعَهم فَفَعَلُوا، فَأقْبَلَ السّامِرِيُّ إلى النّارِ وقالَ: يا نَبِيَّ اللَّهِ أُلْقِي ما في يَدِي؟ قالَ: نَعَمْ، وهو يَظُنُّ أنَّهُ حُلِيٌّ، فَقَذَفَهُ، وقالَ: كُنْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوارٌ.
واخْتَلَفُوا: هَلْ صارَ حَيَوانًا لَحْمًا ودَمًا أمْ لا؟ (p-١٢١)
فَقالَ الحَسَنُ: انْقَلَبَ حَيَوانًا لَحْمًا ودَمًا، وقالَ غَيْرُهُ لا يَجُوزُ لِأنَّ ذَلِكَ مِن آياتِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ الَّتِي لا يُظْهِرُها إلّا لِمُعْجِزَةِ نَبِيٍّ، وإنَّما جَعَلَ فِيهِ خُرُوقًا تَدْخُلُها الرِّيحُ، فَيَحْدُثُ فِيهِ صَوْتٌ كالخُوارِ.
وَدافَعَ مَن تابَعَ الحَسَنَ عَلى قَوْلِهِ هَذا، بِوَجْهَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّهُ لَمّا قالَ: هَذا إلَهُكم وإلَهُ مُوسى، فَقَدْ أبْطَلَ عَلى نَفْسِهِ أنْ يَدَّعِيَ بِذَلِكَ إعْجازَ الأنْبِياءِ، فَجازَ أنْ يَصِحَّ ذَلِكَ مِنهُ امْتِحانًا.
والثّانِي: أنَّ ذَلِكَ لا يَجُوزُ في غَيْرِ زَمانِ الأنْبِياءِ، ويَجُوزُ في زَمانِ الأنْبِياءِ، لِأنَّهم يُظْهِرُونَ إبْطالَهُ، وقَدْ كانَ ذَلِكَ في زَمانِ نَبِيَّيْنِ.
واخْتَلَفُوا في تَسْمِيَتِهِ عِجْلًا: فَقالَ أبُو العالِيَةِ: لِأنَّهم عَجِلُوا، فاتَّخَذُوهُ إلَهًا، قَبْلَ أنْ يَأْتِيَهم مُوسى، وقالَ غَيْرُهُ: بَلْ سُمِّيَ بِذَلِكَ، لِأنَّهُ صارَ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوارٌ.
ثُمَّ إنَّهم عَكَفُوا عَلى العِجْلِ يَعْبُدُونَهُ، فَقالَ لَهم هارُونُ مِن قَبْلُ: يا قَوْمِ إنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ، وإنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ، فاتَّبِعُونِي، وأطِيعُوا أمْرِي، قالُوا: لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ، حَتّى يَرْجِعَ إلَيْنا مُوسى.
قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَإذْ آتَيْنا مُوسى الكِتابَ والفُرْقانَ﴾ [طه: ٩٠;٩١]: أمّا (إذْ) فاسْمٌ لِلْوَقْتِ الماضِي، و(إذا) اسْمٌ لِلْوَقْتِ المُسْتَقْبَلِ، و(الكِتابُ) هو التَّوْراةُ.
وَفي الفُرْقانِ أرْبَعَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّ الفُرْقانَ هو الكِتابُ فَذَكَرَهُ بِاسْمَيْنِ تَأْكِيدًا، وهو قَوْلُ الفَرّاءِ.
والثّانِي: أنَّ الفُرْقانَ: ما في التَّوْراةِ مِن فَرْقٍ بَيْنَ الحَقِّ والباطِلِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ نَعْتًا لِلتَّوْراةِ، وهَذا قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ وأبِي العالِيَةِ.
والثّالِثُ: أنَّ الفُرْقانَ النَّصْرُ، الَّذِي فَرَّقَ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ مُوسى وفِرْعَوْنَ، حَتّى أنْجى مُوسى وقَوْمَهُ، وأغْرَقَ فِرْعَوْنَ وقَوْمَهُ، وهَذا قَوْلُ أبِي زَيْدٍ. (p-١٢٢)
والرّابِعُ: أنَّ الفُرْقانَ: انْفِراقُ البَحْرِ لِبَنِي إسْرائِيلَ، حَتّى عَبَرُوا فِيهِ.
{"ayahs_start":51,"ayahs":["وَإِذۡ وَ ٰعَدۡنَا مُوسَىٰۤ أَرۡبَعِینَ لَیۡلَةࣰ ثُمَّ ٱتَّخَذۡتُمُ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَنتُمۡ ظَـٰلِمُونَ","ثُمَّ عَفَوۡنَا عَنكُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَ ٰلِكَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ","وَإِذۡ ءَاتَیۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡفُرۡقَانَ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ"],"ayah":"ثُمَّ عَفَوۡنَا عَنكُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَ ٰلِكَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق