قوله تعالى: ﴿ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾ قال الليث: كل من استحق عقوبة فتركته [[في (ب): (فتركة عنه) وفي "تهذيب اللغة" (عفا) 3/ 2489.]] فقد عفوت عنه [["تهذيب اللغة" (عفا) 3/ 2489. وانظر: "تفسير أسماء الله" للزجاج ص 62، "اشتقاق أسماء الله" للزجاجي ص 134.]]. فكأن معنى العفو عنده: الترك، ومنه قوله: ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ﴾ [البقرة: 178]، أي ترك [[وقيل: إن معنى (فمن عفي): فمن فضل له فضل، انظر "تفسير الطبري" 1/ 107 - 109، وانظر كلام الأزهري على الآية في "تهذيب اللغة" (عفا) 3/ 226.]].
وقال ابن الأنباري: أصل: ﴿عَفَا اللَّهُ عَنْكَ﴾ [التوبة: 43] محا الله عنك، مأخوذ من قولهم: عفت الرياح الآثار، إذا درستها ومحتها، فعفت تعفو عفوا، لفظ [[في (ب): (اللفظ).]] اللازم والمتعدى سواء [["تهذيب اللغة" (عفا) 3/ 2489، "اللسان" (عفا) 5/ 3018، وانظر "الأضداد" لابن الأنباري: ص 86، "الزاهر" 1/ 535.]] إلا في المصدر [[قوله: (إلا في المصدر) لم يرد ضمن كلام ابن الأنباري في "تهذيب اللغة"، قال الأزهري وقرأت بخط شمر لأبي زيد: عفا الله عن العبد عفوا، وعفت الرياح الأثر عفاء، فعفا الأثر عفوا "تهذيب اللغة" (عفا) 3/ 2489.]]. فعفو الله تعالى: محوه الذنوب عن العبيد [[انظر: "اشتقاق أسماء الله" للزجاجي ص 134، "تهذيب اللغة" (عفا) 3/ 2489.]].
وقال بعض أصحاب المعاني: العفو في اللغة: ما فضل عن الكفاية، وسهلت النفس ببذله [[انظر: "تهذيب اللغة" (عفا) 3/ 2491.]] ومنه قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ العَفوَ﴾ [[الواو ساقطة من (أ)، (ج).]] [البقرة: 219] أي: ما فضل عن [[في (ب): (من).]] القوت، ثم كثر ذلك وطال ترداده حتى صار على التدريج والتراخي: الصفح [[في (ب): (والصفح).]] عن الشيء والإعراض عن المؤاخذة به.
قال المفسرون: والمراد بالعفو في هذه الآية: قبوله التوبة من عبدة العجل، وأمره برفع السيف عنهم [[انظر: "تفسير أبي الليث" 1/ 353. و"تفسير الثعلبي" 1/ 72 أ، وقال ابن جرير: المراد بالعفو: ترك معاجلتهم بالعقوبة، "تفسير الطبري" 1/ 284.]].
وقوله تعالى: ﴿مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾ أي من بعد عبادة العجل [[انظر: "تفسير الطبري" 1/ 284، "تفسير الثعلبي" 1/ 72 أ، "تفسير القرطبي" 1/ 338.]]. وإنما وحد والخطاب [[في (ب): (وجد الخطاب).]] للجميع، لاتصال الخطاب بذا وهو مبهم، فمرة يجمع على الأصل في مخاطبة الجميع، ومرة يوحد على مشاكلة اللفظ، إذا [[في (أ)، (ج): (إذ)، وأثبت ما في (ب) لأنه أنسب للسياق.]] كان لفظ المبهم على الواحد، وإن كان معناه على الجمع [[انظر: "معاني القرآن" للزجاج 1/ 286.]].
وقوله تعالى: ﴿لَعَلَّكُم تَشكُرُونَ﴾ إنما ذكرت هاهنا وفي سائر المواضع من القرآن نحو ﴿ولَعَلَّكُم تَهتَدُونَ﴾ [البقرة:53] والله عز وجل يعلم أيشكرون أم لا، على ما يفعل [[في (أ)، (ب): (يعقل)، وما في (ج) أولى، وموافق لما في "معاني القرآن" للزجاج، والكلام منقول منه.]] العباد ويتخاطبون به، أي: أن هذا يرجى به الشكر [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 105، وأكثر المفسرين على أن (لعل) تفيد الإيجاب، وقيل: هي بمعنى (كي). انظر: "تفسير الطبري" 1/ 161، 1/ 284، "تفسير ابن عطية" 1/ 296، "تفسير القرطبي" 1/ 336.]]، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم [[ذكر الوجوه التي تأتي عليها (لعل) في تفسير قوله ﴿لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 21].]].
ومعنى الشكر في اللغة: عرفان الإحسان ونشره، وهو الشكور [[في (ب): (الشكر).]] أيضًا [[ذكره الأزهري عن الليث. "تهذيب اللغة" (شكر) 2/ 1911، وانظر: "اللسان" (شكر) 4/ 2305.]]. وقال بعض أهل اللغة: معنى الشكر إظهار النعمة بالاعتراف بها، ومن هذا يقال: دابة شكور [[في (ب): (شكورا).]]، إذا أظهرت السمن فوق [[في (ب): (من الثمن فوق ما علفت).]] ما يعلف [[انظر: "التهذيب" (شكر) 2/ 1911، "اللسان" 4/ 2306، "تفسير الثعلبي" 1/ 72.]]. وقد ذكرنا أقسام الشكر في ابتداء الفاتحة. وأما معنى الشكور في وصف الله تعالى فمذكور وفي موضعه.
{"ayah":"ثُمَّ عَفَوۡنَا عَنكُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَ ٰلِكَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ"}