﴿ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكم مِن بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكم تَشْكُرُونَ﴾ ثُمَّ لِتَفاوُتِ ما بَيْنَ فِعْلِهِمُ القَبِيحِ ولُطْفِهِ تَعالى في شَأْنِهِمْ، فَلا يَكُونُ مِن بَعْدِ ذَلِكَ تَكْرارًا، وعَفا بِمَعْنى دَرَسَ يَتَعَدّى ولا يَتَعَدّى، كَعَفَتِ الدّارُ وعَفاها الرِّيحُ، والمُرادُ بِالعَفْوِ هُنا مَحْوُ الجَرِيمَةِ بِالتَّوْبَةِ، وذَلِكَ مَوْضُوعٌ مَوْضِعَ (ذَلِكُمْ)، والإشارَةُ لِلِاتِّخاذِ كَما هو الظّاهِرُ، وإيثارُها لِكَمالِ العِنايَةِ بِتَمْيِيزِهِ، كَأنَّهُ يَجْعَلُ ظُلْمَهم مُشاهِدًا لَهُمْ، وصِيغَةُ البَعِيدِ مَعَ قُرْبِهِ لِتَعْظِيمِهِ لِيَتَوَسَّلَ بِذَلِكَ إلى جَلالَةِ قَدْرِ العَفْوِ، والمُرادُ بِالتَّرَجِّي ما عَلِمْتَ، والمَشْهُورُ هُنا كَوْنُهُ مَجازًا عَنْ طَلَبِ الشُّكْرِ عَلى العَفْوِ، ومَن قَدَّرَ الإرادَةَ مِن أهْلِ السُّنَّةِ أرادَ مُطْلَقَ الطَّلَبِ، ولَيْسَ ذَلِكَ مِنَ الِاعْتِزالِ إذْ لا نِزاعَ في أنَّ اللَّهَ تَعالى قَدْ يَطْلُبُ مِنَ العِبادِ ما لا يَقَعُ، والشُّكْرُ عِنْدَ الجُنَيْدِ هو العَجْزُ عَنِ الشُّكْرِ، وعِنْدَ الشِّبْلِيِّ: التَّواضُعُ تَحْتَ رُؤْيَةِ المِنَّةِ، وقالَ ذُو النُّونِ: الشُّكْرُ لِمَن فَوْقَكَ بِالطّاعَةِ، ولِنَظِيرِكَ بِالمُكافَآتِ، ولِمَن دُونَكَ بِالإحْسانِ.
{"ayah":"ثُمَّ عَفَوۡنَا عَنكُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَ ٰلِكَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ"}