الباحث القرآني

وقوله تعالى: ﴿وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ﴾ إن قلنا في الآية الأولى إنه أراهم النبي ﷺ في المنام فهذه الثانية كررت لأنها في اليقظة، وإن قلنا أن الأولى كانت في اليقظة على ما حكينا عن ابن جريج والحسن، فهذه الثانية كررت لأن النبي ﷺ أفرد في الأولى بالذكر وعمم هو وأصحابه في هذه، وهذا الذي ذكرنا معنى قول ابن الأنباري وأبي إسحاق [[انظر: "معاني القرآن وإعرابه" لأبي إسحاق الزجاج 2/ 419، ولم أقف على قول ابن الأنباري.]]. قال أبو إسحاق: هذه رؤية الإلتقاء، وتلك رؤية النوم، وعلى مذهب الحسن: الأول خطاب للنبي ﷺ والثاني خطاب له ولجميع من شاهد الحرب [[المصدر السابق، نفس الجزء والصفحة، وقد تصرف الواحدي في النص المنقول.]]. وقوله تعالى: ﴿فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا﴾، قال مقاتل: لما التقوا ببدر قلّل الله المشركين في أعين المؤمنين تصديقًا لرؤيا رسوله [["تفسير مقاتل" ل 122 أ.]]. وقال ابن مسعود: لقد قللوا في أعيننا يوم بدر حتى قلت لرجل إلى جنبي: تراهم سبعين قال: أراهم مائة، فأسرنا رجلاً [[في (م): (رجلاً منهم).]] فقلنا: كم كنتم؟ قال: ألفًا! [[رواه ابن جرير 10/ 13، وابن أبي شيبة في "المصنف" 14/ 374، وابن أبي حاتم 5/ 1710.]]. وقوله تعالى: ﴿وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ﴾، قال ابن عباس: ليجترؤا عليكم ولا ينهزموا ولا يرجعوا عن قتالكم [[روى نحوه مختصرًا الفيروزأبادي في "تنوير المقباس" ص 182، وسنده واهٍ، وانظر: "الوسيط" 2/ 463.]]، كما قال أبو جهل ذلك اليوم: إنما محمد وأصحابه أكلة جزور [[يعني الناقة الواحدة تكفيهم طعامًا لقلتهم.]]، خذوهم أخذًا واربطوهم بالحبال [[رواه ابن جرير 10/ 14، عن السدي، ورواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 14/ 361، عن عكرمة.]]، قال الكلبي: استقل المؤمنون المشركين والمشركون المؤمنين ليجترئ بعضهم على بعض [[رواه الثعلبي 6/ 64 ب، والبغوي 3/ 364، وذكره ابن الجوزي 3/ 564، عن أبي صالح، عن ابن عباس.]]. قال أبو بكر بن الأنباري: إنه قلل المؤمنين في عيون الكافرين ليغتروا بقتلهم فلا يتأهبوا لملاقاتهم ولا يلبسوا من السلاح ما يمنعهم، فإذا لابسهم المسلمون ألفوهم غير مستعدين فظفروا بهم [[لم أقف عليه، وقد ذكره بلا نسبة ابن الجوزي 3/ 364.]]، وقيل: إنه قللهم في أعينهم ليحملوا عليهم من غير جبن فيغلبهم المسلمون في قلة عددهم عندهم فيكون ذلك آية للمشركين، ومنبهًا لهم على نفاذة قدرة الله تعالى [[انظر: "زاد المسير" 3/ 364.]]. فإن قيل: ما المعنى الذي به قللوا في أعينهم مع رؤيتهم لهم؟ قيل: لطف من ألطاف الله تعالى صدهم به عن رؤية الجميع بحيث ستر بعضهم دون بعض [[ذهب الزمخشري أيضًا إلى هذا التعليل، انظر: "الكشاف" 2/ 161، ولا داعي له، إذ لا شك في قدرة الله على تقليلهم بغير هذا السبب.]]. وقال بعض المفسرين: تقليل المسلمين في أعين المشركين كان في أول الأمر فلما نشب القتال وحمي الوطيس [[الوطيس: كلمة تطلق على المعركة والتنور والحجارة المدورة والضراب في الحرب ووطء الخيل والإبل، وقولهم: حمي الوطيس. عبارة عن اشتباك الحرب وشدتها وقيامها على ساق. انظر: "لسان العرب" (وطس) 1/ 4866.]] كثُر المسلمون في أعينهم [[ذكر معنى ذلك الزمخشري 2/ 161، وابن كثير 2/ 349، وأبو حيان 4/ 502.]]، وذلك قوله تعالى: ﴿يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ﴾ [آل عمران: 13]. وقوله تعالى: ﴿لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا﴾، قال ابن عباس: يريد ما وعد النبي ﷺ وهو بمكة وبعدما هاجر [[لم أجد من خرّج هذا القول، ومعناه: أن الله تعالى وعد رسوله بنصره وهزيمة أعدائه وهو في مكة كما قال تعالى: ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾ [القمر: 45]، ثم حقق هذا الوعد بعد ما هاجر إلى المدينة، انظر: "تفسير البغوي" 7/ 434.]]، وكذلك سبق في علمه في اللوح المحفوظ. وقال الكلبي: كان مفعولًا في علمه بنصر الإسلام وأهله وذل الشرك وأهله [[رواه الثعلبي 6/ 64 ب، وبنحوه البغوي 3/ 364.]]، وقال ابن إسحاق: ﴿كَانَ مَفْعُولًا﴾ [في علمه] [[من (م).]] للنقمة ممن أراد الانتقام منه، والإنعام على من أراد النعمة عليه [["السيرة النبوية" 2/ 319، و"تفسير ابن جرير" 10/ 14.]]. وقال بعض أهل المعاني: إنما كرر: ﴿لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا﴾ [لآن معناه في الأول: ﴿وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ﴾ ، ﴿وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا﴾] [[ما بين المعقوفين ساقط من (س).]] من الالتقاء على الصفة التي حصلتم عليها، ومعناه في الثاني: يقلل كل فريق في عين صاحبه ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا من إعزاز الدين وأهله [[لم أقف عليه عند أهل المعاني، وقد ذكر نحوه الرازي في "تفسيره" 5/ 170.]]. وقوله تعالى: ﴿وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾، قال ابن عباس: وبعد هذا إليّ مصيركم فأكرم أوليائي وأعاقب أعدائي [["الوسيط" 2/ 463.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب