الباحث القرآني
ولَمّا بَيَّنَ ما نَشَأ عَنْ رُؤْيَتِهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ والسُّلَّمُ مِن قِلَّتِهِمْ وما كانَ يَنْشَأُ عَنْ رُؤْيَتِهِ الكَثْرَةَ لَوْ وقَعَتْ؛ لِأنَّهُ ﷺ - لِما هو عَلَيْهِ مِنَ النَّصِيحَةِ والشَّفَقَةِ - كانَ يُخْبِرُهم بِما رَأى كَما أخْبَرَهم في غَزْوَةِ أُحُدٍ بِالبَقَرِ المُذَبَّحَةِ؛ أتْبَعَهُ ما فَعَلَ مِنَ اللُّطْفِ في رُؤْيَتِهِمْ بِأنْفُسِهِمْ يَقَظَةً فَقالَ: ﴿وإذْ﴾ أيْ: واذْكُرُوا أيْضًا إذْ ﴿يُرِيكُمُوهُمْ﴾ أيْ: يُبْصِرُكم إيّاهم ﴿إذِ﴾ أيْ: حِينَ ﴿التَقَيْتُمْ﴾ ونَبَّهَ عَلى أنَّ الرُّؤْيَةَ لَيْسَتْ عَلى حَقِيقَةِ ما هم عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: ﴿فِي أعْيُنِكُمْ﴾ أيْ: لا في نَفْسِ الأمْرِ حالَ كَوْنِهِمْ ﴿قَلِيلا﴾ أيْ: عَدَدُهم يَسِيرًا أمْرُهم مُصَدِّقًا لِما أخْبَرَكم بِهِ النَّبِيُّ ﷺ عَنْ رُؤْياهُ لِتَجْتَرِئُوا عَلَيْهِمْ؛ رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّهُ قالَ: لَقَدْ قُلِّلُوا في أعْيُنِنا يَوْمِ بَدْرٍ حَتّى قُلْتُ لِرَجُلٍ إلى جَنْبِي: أتَراهم سَبْعِينَ؟ قالَ: أراهم مِائَةً، فَأسَرْنا رَجُلًا مِنهم فَقُلْنا: كَمْ كُنْتُمْ؟ قالَ: ألْفًا، قالَ الحَرالِّيُّ في آلِ عِمْرانَ: فَجَعَلَ القَلِيلَ وصْفًا لَهم لازِمًا ثابِتًا دائِمًا عَلَيْهِمْ بِما أوْجَبَ فِيهِمْ مِن نَقْصِ ذَواتِهِمْ بِخَفاءِ فِطْرَتِهِمْ وما وراءَ خَلْقِ الفِطْرَةِ (p-٢٩١)مِنَ الذَّواتِ، قالَ تَعالى: ﴿ويُقَلِّلُكُمْ﴾ صِيغَةُ فِعْلٍ واقِعٍ وقْتًا لا وصْفًا لَهم مِن حَيْثُ إنَّهُ لَوْ أراهم إيّاهم عَلى الإراءَةِ الحَقِيقِيَّةِ لَزادَهم مُضاعَفِينَ بِالعَشْرِ، فَكانُوا يَرَوْنَهم ثَلاثَةَ آلافٍ ومِائَتَيْنِ وثَلاثِينَ. انْتَهى.
﴿فِي أعْيُنِهِمْ﴾ قَبْلَ اللِّقاءِ لِيَجْتَرِئُوا عَلى مُصادَمَتِكم حَتّى قالَ أبُو جَهْلٍ: إنَّما هم أكَلَةُ جَزُورٍ، ثُمَّ كَثَّرَكم في أعْيُنِهِمْ حِينَ المُصادَفَةِ حَتّى انْهَزَمُوا حِينَ فاجَأتْهُمُ الكَثْرَةُ فَظَنُّوا الظُّنُونَ؛ قالَ الحَرالِّيُّ: قَلَّلَهم حِينَ لَمْ يَرَهم إيّاهم عَلى الإراءَةِ - الحَقِيقِيَّةَ العَشْرِيَّةَ، ولا أراهم إيّاهم عَلى الصُّورَةِ الحِسِّيَّةِ؛ فَكانَ ذَلِكَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ عَلى قِراءَةِ ياءِ الغائِبِ - أيْ: في آلِ عِمْرانَ - وكانَتْ آيَةً لِلْكُفّارِ عَلى قِراءَةِ: ﴿تَرَوْنَهُمْ﴾ [الأعراف: ٢٧] - بِتاءِ الخِطابِ، فَكانَ في ذَلِكَ في إظْهارِ الإراءَةِ في أعْيُنِ الفِئَتَيْنِ نَحْوَ مِمّا كانَ مِنَ الإراءَتَيْنِ الواقِعَةِ بَيْنَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ والسَّحَرَةِ في أنَّ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ ومَن مَعَهُ خُيِّلَ إلَيْهِمْ مِن سِحْرِهِمْ أنَّها تَسْعى وأنَّ فِرْعَوْنَ ومَن مَعَهُ رَأوْا ثُعْبانًا مُبِينًا يَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ رُؤْيَةً حَقِيقَةً، فَتَناسَبَ ما بَيْنَ الآياتِ الماضِيَةِ القائِمَةِ لِهَذِهِ الآيَةِ بِوَجْهٍ ما، وكانَتْ هَذِهِ الآيَةُ أشْرَفَ وألْطَفَ بِما هي في مُدافَعَةٍ بِغَيْرِ آلَةٍ مِن عِصِيٍّ ولا حَبْلٍ في ذَواتِ الفِئَتَيْنِ وإحْساسِهِمْ. انْتَهى.
ولَمّا ذَكَرَ ما أحالَهُ سُبْحانَهُ مِن إحْساسِ الفِئَتَيْنِ، عَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿لِيَقْضِيَ اللَّهُ﴾ أيِ: الَّذِي لَهُ العِزَّةُ البالِغَةُ والحِكْمَةُ الباهِرَةُ مِن نَصْرِكم وخِذْلانِهِمْ بِأنْ تُفاجِئَهم كَثْرَتُكم بَعْدَ رُؤْيَتِكم قَلِيلًا فَيُشَجِّعُهم ذَلِكَ، ويَهْزِمُهم (p-٢٩٢)﴿أمْرًا كانَ مَفْعُولا﴾ أيْ: مِن إعْجالِهِمْ - بِما فَجَعَهم مِنَ الكَثْرَةِ بَعْدَ القِلَّةِ - عَنِ الحَذَرِ والِاسْتِعْدادِ لِذَلِكَ وبِما فَعَلَ بِأيْدِيكم في هَذِهِ الغَزْوَةِ مِنَ القَتْلِ والأسْرِ والهَزِيمَةِ المُثْمِرِ لِذُلِّ جَمِيعِ أهْلِ الكُفْرِ، كانَ مُقَدَّرًا في الأزَلِ فَلا بُدَّ مِن وُقُوعِهِ عَلى ما حَدَّهُ لِأنَّهُ لا رادَّ لِأمْرِهِ ولا يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيْهِ، فَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ وحْدَهُ.
ولَمّا كانَ التَّقْدِيرُ: فَبِيَدِهِ سُبْحانَهُ ابْتِداءُ الأُمُورِ بِتَقْدِيرِهِ إيّاها في الأزَلِ لا بِيَدِ أحَدٍ غَيْرِهِ، عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: ﴿وإلى اللَّهِ﴾ أيِ: المَلِكِ الأعْلى الَّذِي بِيَدِهِ وحْدَهُ كُلُّ أمْرٍ ﴿تُرْجَعُ الأُمُورُ﴾ أيْ: كُلُّها فَلا يُنَفَّذُ إلّا ما يُرِيدُ إنْفاذَهُ، فَلا تَجْرِي الأُمُورُ عَلى ما يَظُنُّهُ العِبادُ، وهو مِن قَوْلِكَ: هَذا الأمْرُ راجِعٌ إلَيْكَ، أيْ: مَهْما أرَدْتَهُ فِيهِ مَضى، ولَوْ فُرِضَ أنَّ غَيْرَكَ عالَجَهُ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ؛ ولا يَزالُ كَذَلِكَ حَتّى يَرْجِعَ إلَيْكَ فَيَمْضِي، فالحاصِلُ أنَّ فِيهِ قُوَّةَ الرُّجُوعِ بِهَذا الِاعْتِبارِ وإنْ لَمْ يَكُنْ هُناكَ رُجُوعٌ بِالفِعْلِ، وفي هَذا تَنْبِيهٌ عَلى أنَّ أُمُورَ الدُّنْيا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ لِذَواتِها، وإنَّما المُرادُ مِنها ما يَصْلُحُ أنْ يَكُونَ زادًا لِيَوْمِ المَعادِ،
{"ayah":"وَإِذۡ یُرِیكُمُوهُمۡ إِذِ ٱلۡتَقَیۡتُمۡ فِیۤ أَعۡیُنِكُمۡ قَلِیلࣰا وَیُقَلِّلُكُمۡ فِیۤ أَعۡیُنِهِمۡ لِیَقۡضِیَ ٱللَّهُ أَمۡرࣰا كَانَ مَفۡعُولࣰاۗ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











