الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾ الآية، هذه اللام تسمى لام الجحود، تدخل في النفي دون الإيجاب لتعلق ما دخلت عليه بحرف النفي، كقوله تعالى: ﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 179]، كما دخلت (الباء) في خبر (ما) ولم تدخل في الإيجاب، ولعل هذا مما سبق الكلام فيه.
قال المفسرون: ما كان الله ليعذب هؤلاء المشركين وأنت فيهم، مقيم بين أظهرهم [[انظر: "تفسير الثعلبي" 6/ 57 ب، وقد نسب هذا القول إلى سعيد بن عبد الرحمن ابن أبزى وأبي مالك والضحاك، ورواه بمعناه ابن جرير 9/ 234 - 239، عن جمع عن مفسري الصحابة والتابعين وغيرهم.]]، قال ابن عباس: لم تعذب قرية حتى يخرج النبي منها والذين آمنوا، ويلحق بحيث أمر [[رواه ابن جرير 9/ 235، وابن أبي حاتم 5/ 1692، والثعلبي 6/ 58 أ، والبغوي 3/ 353.]].
وقال أهل المعاني: لم يجز أن يعذبوا مع كون النبي فيهم؛ لأن إرساله رحمة للعالمين يقتضي أن لا يعذبوا وهو فيهم حتى يستحقوا سلب النعمة بأخذه [[في المصدر التالي: بإخراجه. ولم أجده عند أهل المعاني، وانظره في: "النكت والعيون" 2/ 314.]] عنهم [[رواه عنهم ابن جرير 9/ 235 - 236، والثعلبي 6/ 57 أ.]].
وقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ أي: وما كان الله معذب هؤلاء الكفار وفيهم المؤمنون يستغفرون [[في (ح): (المستغفرون).]].
وهذا قول أبي مالك والضحاك وابن أبزى [[هناك ثلاثة رجال بهذا الاسم: عبد الرحمن بن أبزى الخزاعي مولاهم الصحابي وابناه سعيد وعبد الله.
والمذكور هو: سعيد كما نص على ذلك ابن أبي حاتم في "تفسيره" 5/ 1692، وقد روى الأثر ابن جرير عن جعفر بن أبي المغيرة عن ابن أبزى، وجعفر من رواة سعيد، وهو تابعي ثقة حسن الحديث، توفي بعد المائة الأولى من الهجرة.
انظر: "التاريخ الكبير" 3/ 494 (649)، و"تهذيب التهذيب" 2/ 29، و"تقريب التهذيب" ص 238 (2346).]]، وإحدى الروايات عن ابن عباس، قال: ﴿وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ يعني المسلمين [[روى هذا القول عن المذكورين ابن جرير 9/ 234 - 235، والثعلبي 6/ 57 - 58 أ، ورواه النحاس في "الناسخ والمنسوخ" 2/ 382 - 384، عن الضحاك وابن أبزى.]].
قال ابن الأنباري على هذا القول: أي: وما كان الله معذبهم والمؤمنون بين أظهرهم يستغفرون، فأوقع العموم على الخصوص، ووصفوا بصفة بعضهم كما يقال: قتل أهل المحلة [[في "زاد المسير" 3/ 350: المسجد.]] رجلاً، وأخذ أهل البصرة فلانًا ، ولعله لم يأخذ منهم إلا رجل [[نقل ابن الجوزي قول ابن الأنباري هذا إلى هذا الموضع، مع تقديم بعض الجمل على بعض، انظر: "زاد المسير" 3/ 350.]] أو رجلان، وكما تقول العرب: قتلناكم وهزمناكم، يريدون البعض، وعلى هذا قراءة من قرأ: ﴿فإن قتلوكم فاقتلوهم﴾ [[البقرة: 191، وقد قرأ حمزة والكسائي وخلف بحذف الألف، والباقون بإثبات انظر: "الغاية في القراءات العشر" ص 113، و"التبصرة في القراءات" ص 159 و"النشر" 2/ 227.]].
وروي عن [[من (ح).]] عبد الوهاب [[هو: عبد الوهاب بن مجاهد بن جبر المكي المخزومي بالولاء، مجمع على تركه، وكذبه سفيان الثوري، وروايته عن أبيه مرسلة، توفي بعد المائة.
انظر: "التاريخ الكبير" 3/ 2/ 98، و"الضعفاء الصغير" ص 156، و"تهذيب التهذيب" 6/ 395، و"تقريب التهذيب" 1/ 528.]]، عن مجاهد في قوله: ﴿وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ أي: وفي أصلابهم من يستغفر [[رواه الثعلبي 6/ 58 ب، والبغوي 3/ 354.]]، قال أبو بكر: والمعنى على هذا القول: وما كان الله مهلكهم وقد سبق في علمه أنه يكون لهم أولاد يؤمنون به ويستغفرونه؛ فوصفوا بصفة ذراريهم وأولادهم وغلبوا عليهم كما غلب بعضهم على كلهم في القول الأول [[انظر: "زاد المسير" 3/ 351 مع اختلاف يسير في بعض الكلمات.]].
وقال قتادة والسدي وابن زيد: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾، أي: لو استغفروا لم يعذبوا [[رواه عنهم ابن جرير 9/ 236، والثعلبي 6/ 58/ ب، ورواه البغوي 3/ 353، عن قتادة والسدي.]]، كأنه استدعاء إلى الاستغفار يقول: إن القوم لم يكونوا يستغفرون ولو كانوا يستغفرون لم يعذبوا؛ لأنهم لو استغفروا وأقروا بالذنوب لكانوا مؤمنين؛ ولهذا ذهب بعضهم إلى أن الاستغفار هاهنا بمعنى الإسلام فقال: ﴿وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ أي: يسلمون [[هذا نص قول مجاهد، انظر: "تفسير ابن جرير" 9/ 237، والثعلبي 6/ 58 ب، والبغوي 3/ 353، و"تفسير الإمام مجاهد" ص 354.]]، يقول: لو أسلموا لما عذبوا، وهذا قول عكرمة [[انظر: المصادر السابقة، عدا "تفسير مجاهد"، نفس المواضع.]]، قال أبو بكر: ومعنى هذا القول: وما كان الله معذبهم لو كانوا يستغفرون؛ فأما ليسوا يستغفرون فإنهم مستحقون للعذاب، قال: وهذا كقول العرب: ما كنت لأكرمك وأنت تهينني، وما كنت لأهينك وأنت تكرمني، يريد: ما كنت لأهينك لو أكرمتني؛ فأما إذ [[في (ح) و (س): (إذا).]] لست تكرمني فإنك مستحق لإهانتي، قال: وهذا قول يختاره اللغويون [[لم أجد من اختار هذا القول من اللغويين سوى الزمخشري في "الكشاف" 2/ 156، فابن قتيبة في "تأويل مشكل القرآن" ص 71 اختار أن المراد: وفيهم قوم يستغفرون، وهم المسلمون واستحسنه أيضًا النحاس في "معاني القرآن" 3/ 150، واختار الزجاج في "معاني القرآن" 2/ 412 المعنى القائل: وما كان الله ليعذبهم ومنهم من يؤول أمره إلى الإسلام، وقال أبو علي الفارسي في "الحجة" 4/ 348: وهم يستغفرون أي: ومؤمنوهم يستغفرون ويصلون. بينما لم يتطرق لمعنى الآية كل من: الفراء، وأبي عبيدة، والأخفش، واليزيدي، والأزهري.]]، ويذهب إليه المفسرون [[رجحه ابن جرير 9/ 238، وهو قول مجاهد وعكرمة وقتادة والسدي وابن زيد كما في "تفسير الثعلبي" 6/ 58 ب، والبغوي 3/ 353.]]، وهو المختار عندنا.
وقال ابن عباس في رواية الوالبي: ﴿وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ أي: وفيهم من سبق له من الله الدخول في الإيمان [[رواه ابن جرير 9/ 237 ، وابن أبي هاشم 5/ 1692، والنحاس في "الناسخ والمنسوخ" 2/ 381، والثعلبي 6/ 58 ب، والبغوي 3/ 353.]]، وشرح أكثر من [[ساقط من (س).]] هذا في رواية عطاء فقال: يريد أنه كان معهم قوم كان في علم الله أن يسلموا، منهم أبو سفيان بن حرب، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب [[هو: أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم، ابن عم النبي ﷺ وأخوه من الرضاعة، واحد اللذين يشبّهون به، واسمه المغيرة، وقيل: اسمه كنيته، وكان شاعرًا، وممن يؤذي النبي ﷺ ويهجوه، ثم أسلم قبيل الفتح، وشهد حنينًا وثبت مع النبي ﷺ، مات بالمدينة سنة عشرين للهجرة.= انظر: "المحبر" ص 46، و"سير أعلام النبلاء" 1/ 202، و"الإصابة" 4/ 90 (538)]]، والحارث بن هشام [[هو: الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي القرشي، أبو عبد الرحمن، أخو أبي جهل وابن عم خالد بن الوليد، كان حربًا على الإسلام مع أخيه، ثم أسلم يوم الفتح وحسن إسلامه، وكان خيرًا شريفًا كبير القدر، مات في طاعون عمواس سنة 18/هـ وقيل: بل قتل في معركة اليرموك.
انظر: "سير أعلام النبلاء" 4/ 419، و"الإصابة" 1/ 293 (1504)، و"تهذيب التهذيب" 1/ 473.]] وحكيم بن حزام [[هو: حكيم بن حزام بن خويلد الأسدي القرشي، أبو خالد المكي، وعمته خديجة أم المؤمنين. كان من أشراف قريش وعقلائها ونبلائها وأجوادها، ومع ذلك تأخر إسلامه إلى يوم الفتح، وشهد حنينًا والطائف وكان من المؤلفة، توفي سنة 60 هـ، وقيل غير ذلك.
انظر: "التاريخ الكبير" 3/ 11 (42)، و"سير أعلام النبلاء" 3/ 44، و"الإصابة" 1/ 349 (1800).]]، وعدد كثير، وهذا الاقول اختيار الزجاج، قال: وما كان الله معذبهم وفيهم من يؤول أمره إلى الإِسلام [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 412.]].
والتعذيب في هذه الآية يراد به تعذيب الاستئصال [[يعني العذاب الذي يبيدهم كعذاب الأمم السابقة في عاقبة أمرهم، أما ما دون ذلك كنقص الأموال والأنفس والثمرات، فلا يمنع وجود الرسول ﷺ من ذلك، كما دل عليه قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130) فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ﴾ [الأعراف: 131 - 132]، فوجود موسى -عليه السلام- لم يحل دون أخذ آل فرعون بالسنين، وترادف العقوبات عليهم.]].
قال أهل المعاني: ودلت هذه الآية على أن في الاستغفار أمانة وسلامة من العذاب، كما في كون النبي ﷺ كانت [[كذا في جميع النسخ.]] لهم سلامة من تعجيل العقوبة عليهم؛ وذلك أن الذنوب سبب البلاء فلا يبعد أن يكون الاستغفار سبب دفعه؛ ولهذا قال ابن عباس: كان فيهم أمانات: نبي الله والاستغفار [[رواه ابن جرير 9/ 235، وابن أبي حاتم 5/ 1692، وذكره السيوطي في "الدر" 3/ 328، وزاد نسبته إلى ابن المنذر وأبي الشيخ وابن مردويه.]]، وقال أبو موسى: إنه كان فيكم [[في (س): (فيهم).]] أمانات: النبي [[في (م): (نبي الله).]] والاستغفار، فأما النبي ﷺ فقد مضى، وأما الاستغفار فهو فيكم إلى يوم القيامة [[رواه ابن جرير 9/ 236 مع زيادة: دائر، ولفظه: فهو دائر فيكم، والثعلبي 6/ 58/ ب، والبغوي 3/ 353 مع زيادة: كائن، ولفظهما: فهو كائن فيكم، وقد روى الأثر مرفوعًا الترمذي (3277) "سننه"، و" أبواب تفسير القرآن" (3277)، وقال: هذا حديث غريب، وإسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر يضعف في الحديث.]].
{"ayah":"وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِیُعَذِّبَهُمۡ وَأَنتَ فِیهِمۡۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمۡ وَهُمۡ یَسۡتَغۡفِرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق