الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ﴾ قال ابن عباس: يريد بيّنا له سبل الهدى [[لم أعثر على مصدر لقوله، وقد ورد بمثله عن عطاء في الوسيط: 4/ 398.]].
وقال الفراء: هديناه السبيل، وإلى السبيل، كل ذلك جائز، يقول عرفناه السبيل [["معاني القرآن" 3/ 214 بيسير من التصرف.]].
وقوله تعالى: ﴿إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾ قال ابن عباس: يريد إما موحّدًا طائعًا لله، و (إمّا) مشركًا بالله [[غير واضحة في (ع).]] في علم الله [[لم أعثر على مصدر لقوله.]].
قال الفراء: و (إمَّا) هاهنا تكون جزاء، أي إن شكروا [[في (ع). اشكروا.]] أو كفروا [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 214 بيسير من التصرف.]].
ومعنى الآية: إن الله تعالى ذكر أنه بين سبيل التوحيد، ودل عليه بنصب الأدلة، وبعث الرسل، شكر الإنسان فآمن، أو كفر فجحد.
ومعنى: (هدينا) هاهنا: بيَّنَّا ، وليس معناه خلقنا الهداية، ألا ترى [[في (أ): ترا.]] أنه ذكر السبيل فقال: {هديناه السبيل [[في (ع). للسبيل.]] (أي: أريناه ذلك، ثم إن وفقه للسلوك سلك فآمن، وإن خذله كفر [[وهذا المعنى للهداية هو المرتبة الثانية من مراتب الهدى الأربعة، والتي أولها: الهدى العام، وثانيها: هدى البيان والدلالة -وهو ما جاء بيانه-، وثالثها: هداية == التوفيق والإلهام، ورابعها: الهداية إلى الجنة والنار يوم القيامة. انظرت "شفاء العليل" لابن قيم الجوزية: 117.]].
وفي الآية قول آخر: قال مقاتل: يعني بينا له سبيل الهدي، وسبيل الضلالة، إما أن يكون موحدًا فيما بيّن له، أو كافرًا فلا يوحده [["تفسير مقاتل" 219/ ب.]].
وقال مجاهد: (إنا هديناه السبيل) قال: الشقاء والسعادة [["جامع البيان" 29/ 206، "النكت والعيون" 6/ 164، "الجامع لأحكام القرآن" 19/ 120. وانظر مجموع "فتاوى ابن تيمية" 16/ 143، وعزاه إلى ابن أبي حاتم. والهداية بقول مجاهد -هي هداية التوفيق والإلهام، وهي المرتبة الثالثة من مراتب الهدى، وهذه المرتبة تستلزم أمرين:
أحدهما: فعل الرب، وهو الهدى. والثاني: فعل العبد، وهو الاهتداء، وهو أثر فعله الله تعالى، فهو الهادي، والعبد المهتدي. قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ﴾ [الإسراء: 97]، ولا سبيل إلى وجود الأثر إلا بمؤثره التام، فإن لم يحصل فعله لم يحصل فعل العبد، ولهذا قال تعالى: ﴿إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ﴾ [النحل: 37]. "شفاء العليل" 141.]].
والمعنى على هذا: بينا له سبيل الحق، والباطل، وعرفناه طريق الخير والشر، كقوله: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ [[سورة البلد: 10.]]
قال الفراء: و (إما) (أنْ) [[ساقط من (ع).]] تكون على: (إما) التي في قوله: ﴿إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ﴾ [[سورة التوبة: 106. قال تعالى: ﴿وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾.]] فكأنه قال: خلقناه شقيًا، أو سعيدًا [["معاني القرآن" 3/ 214 بنصه.]].
وقال الزجاج: معناه: هديناه الطريق إما الشِقْوة، وإما السَّعادة [["معاني القرآن وإعرابه" 5/ 257.]].
والآية حجة على القدرية [[القائلة بأن العبد يخلق فعله، وأن الله لا يخلق أفعال العباد، ورتبوا عليها مسألة الهدى والضلالة، فقالت المعتزلة: الهدى من الله بيان طريق الصواب، والإضلال: تسمية العبد ضالاً، وحكمه تعالى على العبد بالضلال عند خلق العبد الضلال في نفسه، -وهذا مبني على أصلهم الفاسد، أن أفعال العباد مخلوقة لهم-. والصحيح: أن الله سبحانه وتعالى يهدي من يشاء، ويعصم ويعافي فضلاً، ويُضل من يشاء، ويخذل ويبتلي عدلًا، ودليله قوله تعالى: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [القصص: 56]. ولو كان الهدى بيان الطريق لما صح هذا النفي عن نبيه؛ لأنه -ﷺ- بين الطريق لمن أحب وأبغض. وقال تعالى: ﴿يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ ولو كان الهدى من الله البيان، وهو عاصم في كل نفس لما صح التقييد بالمشيئة. انظر: "شرح العقيدة الطحاوية" 98. وللاستزادة والتفصيل يراجع كتاب: "المعتزلة في أصولهم الخمسة ورأي أهل السنة فيها"، رسالة ماجستير، إعداد: عبد الله المعتق: 209 - 229.]]؛ لأن الله تعالى ذكر أنه هدى الإنسان (إلى) [[ما بين القوسين ساقط من (ع).]] طرق السعادة، والشقاوة، وانتصب شاكرًا أو كفورًا على القول الأول بإضمار على التقدير [[في (ع): تقدير.]]: إما (كان) [[ساقطة من (أ).]] شاكرًا، وإما جعلناه [[في (أ): جعلاه.]] كفورًا، ودل عليه قوله: هديناه السبيل على هذا المضمر.
ويجوز أن ينتصب على الجار بتقدير: هديناه السبيل شاكرًا أو كفورًا كأنك لم تذكر (إما) وهو قول الأخفش [[لم أعثر على مصدر لقوله.]].
ثم بين ما أعد للكافرين، فقال: ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ﴾
قال ابن عباس [[لم أعثر على مصدر لقوله.]]، ومقاتل [["تفسير مقاتل" 219/ ب.]]: يريد في جهنم طولها سبعون ذراعًا كقوله: ﴿ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا﴾ [الحاقة: 32] الآية. وتقرأ: (سلاسلًا) بالتنوين [[قرأ نافع، وأبو بكر عن عاصم، والكسائي، وأبو جعفر: "سلاسلاً" منونة.
وقرأ الباقون: "سلاسل" بغير تنوين. انظر كتاب "السبعة" 664، "القراءات وعلل النحويين " فيها: 2/ 733، الحجة: 6/ 348 - 349، "المبسوط" 389، "حجة القراءات" 738 - 739، "الكشف عن وجوه القراءات السبع" 2/ 352 - 354، "إتحاف فضلاء البشر" 428 - 429.]]، وكذلك: (قواريرًا قواريرًا) [[سورة الإنسان: 15 - 16.]].
ومنهم من يصل بغير تنوين، ويقف بالألف [[قرأ نافع، وأبو بكر، والكسائي، وأبو جعفر: "قواريرًا قواريرًا" منونًا كلاهما، وإذا وقفوا وقفوا عليهما بألف.
وقرأ ابن كثير، وخلف: "قواريرًا" منونًا، والوقف بغير ألف، و"قواريرا من فضة" بغير تنوين، والوقف عليه بالألف. وقرأ أبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، وحفص: "قواريرَ قواريرَ" بغير تنوين، ووقفوا على الأولى بالألف؛ لأنها رأس آية، ووقفوا على الثانية بغير ألف لأنها ليست برأس آية. ووقف حمزة، ويعقوب: "قوارير" بغير تنوين في جميعها، والوقف بغير ألف عليهما. [المرجع]]].
ولمن نون وصرف وجهان: أحدهما: أن أبا الحسن الأخفش قال: قد سمعنا من العرب [[وهم بنو أسد. انظر: "الإتحاف" 429.]] من يصرف هذا الجنس، ويصرف جميع ما لا ينصرف، وقال: هذا لغة الشعراء؛ (لأنهم اضطروا إليه في الشعر) [[انظر شواهد ذلك من الشعر في: "الحجة" 6/ 348 - 349، "حجة القراءات" 738 - 739.]] [[ساقطة من (أ).]]، فصرفوه، فجرت ألسنتهم على ذلك.
والوجه الثاني: أن هذه الجموع أشبهت الآحاد؛ لأنهم قد قالوا: (صواحبات يوسف) [[نص الحديث كما في الصحيح: ما رواه أبو موسى، قال: مرض النبي -ﷺ- فاشتد مرضه، فقال: مُروا أبا بكر فليُصَلِّ بالناس. فقالت عائشة: إنه رجل رقيق، إذا قام مقامك لم يستطع أن يُصلِّيَ بالناس، قال: مُروا أبا بكر فليُصلِّ بالناس، فعادت. فقال: مُري أبا بكر فليُصل بالناس، فإنكن صواحب يوسف. فأتاه الرسول، فصلى بالناس في حياة النبي -ﷺ-" الحديث. الجامع الصحيح للبخاري: 1/ 224 - 225: ح: 678، 679، 682، كتاب الأذان، باب: 46. كما أخرجه مالك في: "الموطأ" 1/ 155 - 156: ح: 83، كتاب فضل الصلاة في السفر، باب: 24. والإمام أحمد في "المسند" 6/ 210، 224، 229، 270. ومعنى: "إنكن صواحب يوسف" جمع صاحبة، والمراد: أنهن مثلهن في إظهار خلاف ما في الباطن، والخطاب -وإن كان بلفظ الجمع- فالمراد به عائشة فقط. انظر: "الموطأ" 155 - 156 حاشية (أ).]]، فلما جمعوه جمع الآحاد المنصرفة، جعلوها في حكمها [[في (أ): حكها.]]، فصرفوها، وكثير من العرب يقولون: (موالياتٌ) يريدون: الموالي، ومن ترك الصرف فإنه جعله كقوله تعالى: ﴿لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ﴾ [الحج: 40].
وأما إلحاق (الألف) في الوقف فهو كإلحاقها في قوله [[غير مقروءة لسواد في النسخة (أ).]]: (الظنونا) [[الأحزاب: 10.]]، و (الرسولا) [[الأحزاب: 66.]]، و (السبيلا) [[الأحزاب: 67.]] أشبه [[في (ع): شبه.]] ذلك بالإطلاق في القوافي [[والشبه من حيث كانت مثلها في أنها كلام تام نحو: * أقلي اللوم عاذِلَ والعتابا * انظر الحجة: 6/ 351.]] [[ما ذكره المؤلف هنا من القراءات وتوجيهها نقله عن أبي علي من الحجة باختصار شديد: 6/ 348 - 351.]].
وقوله تعالى: ﴿وَأَغْلَالًا﴾ يعني في أيديهم تغل [[الغُلُّ: مختص بما يقيد به، فيجعل الأعضاء وسطه، وجمعه أغلال، وغُل فلان: قُيد به. انظر المفردات في غريب القرآن: 363.]] أعناقهم ﴿وَسَعِيرًا﴾ وقودًا لا تُوصف شدته، قاله ابن عباس [[أعثر على مصدر لقوله، وقد ورد بنحوه في: الوسيط من غير عزو: 4/ 399.]]، ومقاتل [[لم أعثر على مصدر لقوله، والذي ورد عنه في تفسيره: 219/ ب، قال: "وقودًا لا يطفأ".]].
ثم ذكر ما أعد [[في (أ): وأما.]] للشاكرين الموحدين فقال: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ﴾ قال عطاء: هم الذين بروا الآباء، والأمهات، والأبناء، مع اليقين والمعرفة بالله [[لم أعثر على مصدر لقوله.]].
وقال مقاتل: يعني المطيعين (لله) [[ساقطة من (أ).]] في التوحيد [["تفسير مقاتل" 219/ ب، "النكت والعيون" 6/ 164 مختصرًا. قال الخازن: الأبرار: واحدهم: بار، وبر، وأصله التوسع، فمعنى البر: المتوسع في الطاعة. لباب التأويل: 4/ 338 - 339. وعن ابن عاشور: الأبرار جمع: بَر -بفتح الباء-، وجمع بار أيضًا، والبار، أو البَرّ: المكثر من البِر- بكسر الباء- وهو فعل الخير. التحرير والتنوير: 29/ 379.]].
وقوله تعالى: ﴿يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ﴾ يعني: (من إناء فيه الشراب) [[ما بين القوسين نقله عن الزجاج. انظر معاني القرآن وإعرابه: 5/ 258.]]، ولهذا قال ابن عباس: يريد الخمرة [["التفسير الكبير" 30/ 240، الجامع لأحكام القرآن: 19/ 123.]]. وقال مقاتل: يعني الخمر [["تفسير مقاتل" 219/ ب، "التفسير الكبير" 30/ 240.]]. ﴿كَانَ مِزَاجُهَا﴾ ما يمازجها، ومنه: مزاج البدن، وهو ما يمازجه من الصفراء، والسوداء، والحرارة، والبرودة [[مَزَج الشَّراب: خلطه بغيره، ومِزاج الشراب: ما يُمزج به، ومِزاج البدن ما رُكب عليه من الطبائع. انظر: "الصحاح" 1/ 341: مادة: (مزج).]].
وقوله: ﴿كَافُورًا﴾ قال عطاء [[ورد عن عطاء من قوله: معالم التنزيل: 4/ 427، "زاد المسير" 8/ 144. عن ابن عباس من غير ذكر الطريق إليه في: "الجامع لأحكام القرآن" 19/ 123، و"لباب التأويل" 4/ 239.]]، والكلبي [[ورد عن الكلبي من قوله: معالم التنزيل: 4/ 427، "زاد المسير" 8/ 144، "البحر المحيط" 8/ 395.]] عن ابن عباس: هو اسم عين ماءٍ في الجنة يقال: هو عين الكافور [[في (أ): الكافون. ومعنى الكافور: هو أخلاط تجمع من الطيب تُركب من كافور الطلع. انظر: "لسان العرب" 5/ 149 مادة: (كفر).]].
والمعنى: أن ذلك الشراب يمازجه ماء هذه العين التي تسمى كافورًا.
وقال آخرون: يعني الكافور الذي له رائحة طيبة. وهو قول مقاتل [[ورد بمعناه في: معالم التنزيل: 4/ 427، ولم أعثر عليه في تفسيره.]]، ومجاهد [[المصدر السابق.]].
وعلى هذا له معنيان:
أحدهما: أن يمازجه ريح الكافور، فيكون طيب الريح.
والآخر: أن يمازجه عين الكافور، ولا يكون في ذلك ضرر لأهل الجنة، لا يمسهم الضرر فيما يأكلون ويشربون. (ذكرهما الزجاج) [["معاني القرآن وإعرابه" 5/ 258 بتصرف.]] [[ما بين القوسين ساقط من (أ).]].
وقال مقاتل: ليس ككافور الدنيا؛ ولكن الله سمى ما عنده بما عندكم حتى يهدي له القلوب [["تفسير مقاتل" 219/ ب، وبمعناه في: "معالم التنزيل" 4/ 427، "الجامع لأحكام القرآن" 19/ 124، "فتح القدير" 5/ 346.]].
ويدل على صحة القول الأول قوله: (عينًا).
قال الفراء: إن شئت جعلتها متابعة للكافور كالمفسرة، وإن شئت نصبتها على القطع [[يعبر عن الحال بالقطع عند الكوفيين. انظر: "نحو القراء الكوفيين" 349.]] من (الهاء) في: (مزاجها) [[غير واضحة في (ع).]] [["معاني القرآن" 3/ 215 بنصه.]].
وهذا على أن يجعل (العين) حالاً للكأس؛ لأن ضميرها معرفة، ويكون التقدير: كان مزاج الكأس، وهي [[في (أ): هي.]] عين كافورًا، وهذا يوجب أن تكون العين الكأس، وليس المعنى على هذا.
وقال الأخفش: وإن شئت نصبت على وجه المدح، كما يذكر لك الرجل، فتقول: العاقل اللبيب، أي ذكرتم العاقل اللبيب، فتجعل النصب هاهنا على أعْني: [عينًا] [[في كلا النسختين: هاهنا، والمثبت من كتاب الأخفش: "معاني القرآن" 2/ 722.]].
وقال أبو إسحاق: الأجود أن يكون المعنى من عين [["معاني القرآن وإعرابه" 5/ 258 بنصه.]].
وقوله تعالى: ﴿يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ﴾ قال الفراء: (يشرب بها) وَيشْرَبها سواء، المعنى: كأن [[في (ع): وكان.]] يشرب بها، يريد ينقع بها، ويروى بها [["معاني القرآن" 3/ 215 بيسير من التصرف.]].
قال ابن عباس: يشرب بها أولياء الله [[معالم التنزيل: 4/ 428، "لباب التأويل" 4/ 339.]].
وقال مقاتل: يشربها المقربون، وهم الصديقون، والشهداء صِرفًا، وتمزج لسائر أهل الجنة الخمر، واللبن، والعسل [["النكت والعيون" 6/ 165 بنحوه، والذي ورد عنه في تفسيره: 219/ ب قال: "عباد الله يعني أولياء الله، يمزجون ذلك الخمر مزجًا".]].
وقوله تعالى: ﴿يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا﴾ قال الكلبي: يقول: يفجرون تلك العيون الكافور في الجنة حيث يريدون؛ كما يفجر الرجل النهر يكون له في الدنيا -هاهنا- وهاهنا حيث يريد [[لم أعثر على مصدر لقوله.]].
وذكرنا معنى التفجير عند قوله: ﴿فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ﴾ [[سورة الإسراء: 91، وعند تعرضه للآية أحال إلى سورة البقرة في بيان معنى التفجير، [البقرة: 60]، ومما جاء في تفسيرها: قال: "وأصل الفجر في اللغة: الشق، وسمي فجر النهار لانصداعه، أو لشقه ظلمة الليل، ويقال: انفجر الصبح إذا سال ضوؤه في سواد الليل كانفجار الماء في النهر، ويقال: فَجَرَ وأفجَرَ ينبوعًا من ماء، أي: شقه وأخرجه، قال الليث: والمَفْجَر: الموضع الذي يُفْجَر منه".]] الآية.
ثم نعتهم فقال: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ﴾ قال صاحب النظم: (كان) في قوله: ﴿كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا﴾ زائدة لا يحتاج إليها، والعرب تزيدها في أضعاف الكلام، ولا معنى لها، كما قال:
وَجِيرانٍ لنا كانوا كرامِ [[البيت للفرزدق من قصيدة يمدح فيها هشام بن عبد الملك، وصدر البيت:
فَكَيْفَ إذا رأيت ديارَ قوْمي
ورد البيت في ديوانه: 2/ 290 ط دار صادر.]]
قال: وكما يزيدون [كان] [[ساقطة من النسختين، وأثبت ما يستقيم به المعنى.]] وليس لها معنى، يحذفونها من مواضع يحتاجون إليها كقوله: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ﴾ (والمعنى: كانوا يوفون بالنذر) [[ما بين القوسين ساقط من (أ).]]، لأن هذا إخبار عما كانوا عليه في الدنيا [[لم أعثر على مصدر لقوله، وقد قال بقوله أبو علي في: "المسائل البصريات" 2/ 875.]].
وهذا قول الفراء، قال: هذه من صفاتهم في الدنيا كأن فيها إضمار (كانوا) [["معاني القرآن" 3/ 316 بيسير من التصرف.]].
ونحو هذا قال مقاتل، فقال: كانوا في الدنيا يوفون بالنذر [[بمعناه في: "تفسير مقاتل" 219/ ب، وعبارته "قال: يعني من نذر لله نذرا فقضى الله حاجته، فيوفي لله بما قد نذره".]].
ومعنى ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ﴾ قال قتادة: بطاعة الله، والصلاة [[في (ع): الصلوات.]]، والحج [["تفسير عبد الرزاق" 2/ 336، "جامع البيان" 29/ 208، وبنحوه في: "الكشف والبيان" 13/ 14/ أ، "زاد المسير" 8/ 145 بمعناه، "القرطبي" 19/ 125.]].
وعلى هذا معنى النذر: ما أوجبه الله [عليهم] [[في كلا النسختين: عنهم، ولا تستقيم العبارة بذلك، والأوفق للسياق لفظ: عليهم. والله أعلم.]]. النذر معناه: الإيجاب [[قال الليث: النَّذْر: النَّحْب، وهو ما ينذره الإنسان فيجعله على نفسه نحبًا واجبًا، ومنه قولك: نذرت على نفسي، أي أوجبت. انظر مادة: (نذر) في: تهذيب اللغة: 14/ 420،"لسان العرب" 5/ 200، وأيضًا "مقاييس اللغة" 5/ 414.]].
وقال الكلبي: يتممون العهود [["النكت والعيون" 6/ 166 بمعناه، "التفسير الكبير" 3/ 242، "الجامع لأحكام القرآن" 19/ 125، "فتح القدير" 5/ 347.]].
وقال مجاهد [["الكشف والبيان" 13: 14/ أ، "زاد المسير" 8/ 145، "الجامع لأحكام القرآن" 19/ 125 بنحوه.]]، وعكرمة [[المراجع السابقة.]]: يعني: إذا نذروا في طاعة الله وثوابه.
وقوله تعالى: ﴿وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا﴾ قال أبو عبيدة [[مجاز القرآن: 2/ 279، وعبارته: "فاشيًا".]]، وغيره [[قال بذلك: ابن عباس، ومقاتل، وإليه ذهب الأخفش. انظر: "تفسير مقاتل" 219/ ب، "النكت والعيون" 6/ 166، معالم التنزيل: 4/ 428، "الجامع لأحكام القرآن" 19/ 126.]]: فاشيًا منتشرًا.
وقال الزجاج: بالغًا أقصى المبالغ [[معاني القرآن وإعرابه: 5/ 258 بنحوه]].
وقال الفراء: ممتدًا قال: والعرب تقول: استطار الصَّدع في القارورة، واستطال، ولا يقال في الحائط [["معاني القرآن" 3/ 216 بإضافة عبارة: "ولا يقال في الحائط".]].
وقال ابن قتيبة: يقال: استطار الحريق إذا انتشر، واستطار الصبح إذا انتشر ضوؤه [["تفسير غريب القرآن" 502 بيسير من التصرف.]].
وأنشدوا [[وممن أنشد قول الأعشى: "جامع البيان" 29/ 209، "الكشف والبيان" 13/ 14/ أ، "النكت والعيون" 6/ 166. وبه قال أيضا: "المحرر الوجيز" 5/ 410، "زاد المسير" 8/ 145، "الجامع لأحكام القرآن" 19/ 126، "ابن كثير" 4/ 484.]] للأعشى:
فَبَانَتْ وقَدْ أَسْأرتْ في الفؤاد ... صَدْعًا على نأيها مسْتطيرا [[ديوانه: 89 برواية: (وقد أورثت) بدلًا من: (أسأرت)، و (يخالط عثَّارها) بدلاً من: (على نأيها مستطيرا)، وليس فيه موطن الشاهد، وله في شعر يمدح فيه هوذة بن علي الحنفي، وليس فيه موضع شاهد أيضًا:
بانَتْ وقدْ أسْأرَتْ في النَّفْسِ حاجَتَها ... بَعْدَ ائتلاف وخَيْرُ الوُدِّ ما نَفَعا]] قال الكلبي: قد علن شره، وفشا، وعم [[لم أعثر على مصدر لقوله.]].
وقال عطاء: استطار خوفه في أهل السموات وأهل الأرض في أولياء الله، وفي أعدائه [[لم أعثر على مصدر لقوله.]].
وقال مقاتل: يعني كان شره فاشيًا في السموات، فانشقت وتناثرت الكواكب، وفزعت الملائكة، وكورت الشمس، والقمر في الأرض، فنسفت الجبال، وغارت المياه، وتكسر كل شىء على (وجه) [[ساقط من (ع).]] الأرض من جبل، وبناء، ففشا شر يوم القيامة فيهما [["تفسير مقاتل" 219/ ب، "معالم التنزيل" 4/ 428، "زاد المسير" 8/ 145، "الجامع لأحكام القرآن" 19/ 126، "فتح القدير" 5/ 347.]].
قال ابن عباس في هذه الآية: نزلت في علي بن أبي طالب، وفاطمة رضي الله عنهما كانا نذرا نذرًا في مرض الحسين، فوفوا لله عَزَّ وَجَلَّ بما نذروا له [["التفسير الكبير" 30/ 243 - 244.]].
{"ayah":"إِنَّا هَدَیۡنَـٰهُ ٱلسَّبِیلَ إِمَّا شَاكِرࣰا وَإِمَّا كَفُورًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق