الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ﴾ الآية، قال الليث: (هَلُم كلمة دعوة إلى شيء، الواحد والاثنان والجميع والذكر والأنثى فيه سواء، إلا في لغة بني سعد [[بنو سعد: هم بنو سعد العشيرة، حي من كهلان من القحطانية، وهم بنو سعد العَشيرة ابن مالك، وهو مذحج بن أَدد بن يزيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان. انظر: "الاشتقاق" ص 397، و"نهاية الأرب" ص 268.]] فإنهم يحملونه على تصريف الفعل يقولون: هَلُمَّا هَلُمُّوا) [["تهذيب اللغة" 4/ 3788، وانظر: "مجاز القرآن" 1/ 208.]]، ونحو ذلك قال ابن السكيت فيما أخبرناه أبو الفضل العروضي، [أخبرنا] [[في (أ): (انباء).]] الأزهري، عن المنذري، عن الحَرَّاني، عنه يقول: (هَلُمَّ يا رجل، وكذلك للاثنين والجميع والمؤنت مُوَحَّد، قال الله عز وجل: ﴿قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ﴾ [الأنعام:150] وقال عز وجل: ﴿وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ﴾ [الأحزاب: 18] ولغة أخرى يقال للاثنين: هَلُمَّا ، وللجميعِ: هَلُمُّوا، وللمرأة: هَلُمِّي، وللاثنين: هلُمَّا ، وللجميع: هَلُمْنَ، والأول أصح وإذا قال لك: هَلُمَّ إلى كذا، قلت: [إلاَمَ أَهَلُمُّ، وإذا قال لك: هَلمُّ كذا قلت: [[ما بين المعقوفين ساقط من (ش).]]] لا أَهَلُمُّه مفتوحة الألف والهاء، أي: لا أعطيكه) [["إصلاح المنطق" ص 290، وبعضه في "تهذيب اللغة" 4/ 3788، وانظر: "تهذيب إصلاح المنطق" 2/ 120 - 121.]] انتهى كلامه.
قال النحويون: [[انظر: "معاني الأخفش" 2/ 290، و"تأويل مشكل القرآن" ص 557، و"المقتضب" 3/ 202 - 203، و"الأصول" 1/ 141 - 146، و"حروف المعاني" للزجاجي ص 73 - 74، و"الخصائص" 3/ 35 - 37، و"الصاحبي" ص 279، و"المشكل" 1/ 277، و"البيان" 1/ 348، و"التبيان" 1/ 363.]] (هلم على اللغة الأولى لا تصرف له وهو بمنزلة نعم وبئس، وإذا زال التصرف لم يبن عليه في الجواب إلا أهلم [[في (أ): (في الجواب لا أهلم أو أهلم). وقد ضبط إلا أهلم بفتح الهاء، وضم اللام وأهَلِم: بكسر اللام.]] وأهلم فإن هذا تصرف، وإنما تصرف هذا إلى اللغة الثانية المجراة [[في (ش): (والمجراة)، بالواو.]] مجرى الأفعال المتصرفة في التثنية والجمع). فأما أصل هذه الكلمة وإعرابها، فقال الخليل وسيبويه: (إنها هاء ضمت إليها لُمّ، ومعنى لمّ، أي: جمع، ويكون معنى: ادنُ، يقال: لفلان لمه، أي: دنو، ثم جعلتا كالكلمة الواحدة) [[انظر: "الكتاب" 3/ 529 و3/ 332 و1/ 246.]].
وقال الفراء: (أصلها هل أُمَّ، أرادوا بهل: أقبل، وأُم، أي: اقصد) [["معاني الفراء" 1/ 203. وانظر: "الصاحبي" ص 279.]]، وهذا قول ابن دريد أيضًا [["جمهرة اللغة" 2/ 988.]].
وقال أبو إسحاق: (وفتحت هلم [[في (ش): (هل)، وهو تحريف.]]؛ لأنها مدغمة كما فتحت رُدَّ في الأمر لالتقاء الساكنين، ولا يجوز فيها هَلُمَّ بالضم كما يجوز في رُد بالضم [[في "معاني الزجاج" 2/ 303: (كما يجوز في رد: الفتح والضم والكسر؛ لأنها لا تتصرف) ا. هـ، وانظر: "إعراب النحاس" 2/ 105.]] لأنها لا تتصرف).
قال أبو علي الفارسي: (اعلم أن في قولنا: هلم، لغتين، إحداهما: وهو قول أهل الحجاز ولغة التنزيل: أن تكون في جميع الأحوال للواحد والواحدة والاثنين والثنتين، والجماعة من الرجال والنساء على لفظ واحد، لا يظهر فيه علامة تثنية ولا جمع، فيكون بمنزلة رُوَيْدَ وصَهْ ومَهْ ونحو ذلك من الأسماء التي سميت بها الأفعال، وتستعمل للواحد والجميع والتأنيث والتذكير على صورة واحدة، والأخرى: أن تكون بمنزلة رُدَّ في ظهور علامات الفاعلين على حسب ما يظهر في رُدّ وسائر ما أشبهها من الأفعال، فأما الهاء اللاحق بها أولاً فهي من هَاء التي للتنبيه لحقت أولًا؛ لأن لفظ الأمر قد يحتاج له إلى استعطاف المأمور واستدعاء إقباله على الأمر، فهو لذلك [[في (ش): فهو كذلك.]] يقرب من المنادى، ومن ثم دخل حرف التنبيه في قوله: (ألا [[جاء في النسخ (أَلَا يَا اسْجُدُوا)، وقد قرأ الكسائي بتخفيف اللام ووقف (أَلاَ يَا) ثم ابتدأ (اسْجُدُوا) وقرأ الباقون: بتشديد اللام (ألَّا يَسْجُدُوا). انظر: "السبعة" ص 480، و"المبسوط" ص 279، والاستشهاد هنا على تخفيف (ألا)، وأبو علي الفارسي يعتبر (يا) لمجرد التنبيه، انظر: "الحجة" لأبي علي 5/ 383، و"كتاب الشعر" 1/ 66.]] يسجدوا) [النمل: 25]، ألا ترى أنه أمر كما أن [هذا أمر] [[في (أ): (هذا الأمر)، وهو تحريف.]] إلا أنه كثر الاستعمال مع هاء، فغير بالحذف؛ لكثرة الاستعمال كأشياء [تغير] [[في النسخ (يغير) بالياء، والأصح بالتاء كما في "الإغفال" ص 713.]] لذلك بالحذف نحو: لم أُبَلْ [[انظر "اللسان" 1/ 9]] ولا أَدْرِ ولم يَكْ، وما أشبه ذلك مما يُغير للكثرة، ومما حسن حذف الألف من ها في هلم أنها في موضع كان يجب أن يسقط في الأصل لالتقاء الساكنين، ألا ترىَ أن فاء الفعل [[في "الإغفال" ص 715 (أفعل)، وأشار المحقق في الهامش إلى ورود لفظ، الفعل في بعض النسخ.]] كانت في موضع سكون قبل الإدغام، وقد نجد الحركات التي تُلقى على الحرف لحرف غيره لا يخرج الحرف به عن أن يكون في نية سكون، يدلك على ذلك تركهم قلب الياء في جيل، فحسن الحذف لسكون الألف، [ولأن] [[في (ش): (لأن).]] الفاء كأنها ساكنة إذ حركتها لغيرها كما كانت الياء في جيلٍ كأنها ساكنة، ولولا ذلك لوجب الإعلال والقلب فمن حيث لم يجب القلب حسن الحذف في الألف من هلم.
فأما ما حُكي عن الفراء أنه قال في هلم: أن أصله هَلْ أُمّ، فالدليل على فساد هذا القول وفَسالته أن هل لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون بمعنى: قد، وهذا يدخل في الخبر، وإما أن يكون بمعنى: الاستفهام، وليس لواحد من الحرفين متعلق بهلم ولا له مدخل [[قال أبو علي في "العضديات" ص 223: (لا يجوز أن يكون للاستفهام لاستحالة دخول الاستفهام على الأمر، ولا يجوز أيضًا أن يكون هل التي بمعنى قد التي تدخل على الخبر؛ لأن ذلك لا تدخل على الأمر، لا يجوز قد أذهب) اهـ.]]، ألا ترى أنه يراد بها الأمر دون غيره، فلا وجه لها هنا، ألا ترى أنه لا يكون هل أضرب وأنت تأمر، وأيضاً فإن أمّ بعد هل لا يخلو من أن يكون مثله رُدَّ ومُدَّ وأنت تأمر، أو يكون مثل فُعِلَ إذا أخبرت، فلا يجوز على قوله أن يكون التي للأمر من حيث لا تقول: هل اضْرِبْ، ولا هل اقْتُلْ، ولا يجوز أن يكون بمعنى فُعِلَ؛ لأن ذلك للخبر، والخبر لا وجه له [هنا] [[في (ش): (هاهنا).]] لأن المراد [الأمر]. وهذا قول فاسد جدًّا لا يجب أن يُعرّج عليه، والقول فيه ما قدمنا ذكره.
وأما قول أبي إسحاق: فتحت؛ لأنها مدغمة كما فتحت رُدّ في الأمر لالتقاء الساكنين، فليس يخلو الفتح فيه من أن يكون لالتقاء الساكنين كما قال، أو من أن [[لفظ: (أن) ساقط من (ش)، وفي "الإغفال" ص 720: (أو يكون لأنه بني).]] يكون؛ لأنه بُني مع الحرف المضموم إليه على الفتح كخمسة [[أي فتحت من أجل التركيب كما فتحت خمسة عشر وبابها. انظر: "التبيان" 1/ 363.]]، فلو كان الفتح لالتقاء الساكنين كما قال لجاز أن يحرك بالكسر أيضًا لالتقاء الساكنين، وإذا لقيته ألف [[في (ش): (الألف)، وفي "الإغفال" ص 720: (إذا لقيته الألف واللام) ا. هـ.]] ولام مثل غُض الطرف فلما لم يحركه لا التميميون الذين يجمعون ويثنون ولا الحجازيون الذين يفردون ولا يغيرون دل ذلك من أمرها على أن الجميع أجمعوا فيها على البناء على فتحها وحركوها لذلك، ولم يكن حركتها عند الجميع لالتقاء الساكنين، ألا ترى أن ما كان حركته لالتقاء الساكنين من هذا الضرب لا يمتنع اختلاف الحركات فيه [وأن ذلك] [[لفظ: (وأن ذلك) ساقط من (أ)، وفي "الإغفال" ص 721: (فإن ذلك مطرد).]] مطرد في جميعه [[كذا في "النسخ"، وفي "الإغفال" ص 721 (جمعه)، وأشار المحقق في الهامش إلى ورود (جميعه).]] فيخصص هذا من بين ذلك كله دلالة على أن حركته لما قلنا دون ما ذهب إليه، وهو مذهب سيبويه فإنه [["الكتاب" 3/ 534.]] قال: لا يكسر هلم البتة) [[هذا ملخص ما ذكره أبو علي في "الإغفال" ص 711 - 721، ونحوه ذكر في "المسائل العضديات" ص 221، وانظر: "الدر المصون" 5/ 211 - 213.]].
فأما معنى ﴿هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ﴾ فقال الزجاج: (هاتوا شهداءكم [وقربوا شهداءكم]) [[لفظ: (وقربوا شهداءكم) ساقط من (ش).]] [["معاني الزجاج" 2/ 303.]]، وهذه الكلمة تستعمل تارة بمعنى دعاء المخاطب كقولك: هلم إليّ، أي: ادن مني وتعال، وتارة تستعمل بمعنى التعدية كقولك: هلم الطعام والشراب، وبالمعنيين ورد القرآن قال الله تعالى: ﴿وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا﴾ [الأحزاب: 18]. وقال في هذه الآية: ﴿هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ﴾، فإذا كان بمعنى التعدية فاشتقاقه من اللم الذي هو الجمع، وإذا [[في (ش): (فإذا).]] كان بمعنى دعاء المخاطب فاشتقاقه من اللمم بمعنى: الدنو [[انظر: "الصحاح" 5/ 2060، و"المجمل" 4/ 907، و"المفردات" ص 844، و"اللسان" 8/ 4694 (هلم)، وقال السمين في "الدر" 5/ 213: (هلم تكون متعدية بمعنى أَحْضر، ولازمة بمعنى أقبل، فمن جعلها متعدية أخذها من اللمِّ وهو الجمع، ومن جعلها قاصرة أخذها من اللمَمِ وهو الدنو والقرب) اهـ.]].
{"ayah":"قُلۡ هَلُمَّ شُهَدَاۤءَكُمُ ٱلَّذِینَ یَشۡهَدُونَ أَنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَ هَـٰذَاۖ فَإِن شَهِدُوا۟ فَلَا تَشۡهَدۡ مَعَهُمۡۚ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَاۤءَ ٱلَّذِینَ كَذَّبُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَا وَٱلَّذِینَ لَا یُؤۡمِنُونَ بِٱلۡـَٔاخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمۡ یَعۡدِلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق