قوله تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ﴾ أي بل أيقولون: ﴿شَاعِرٌ﴾ أي هو شاعر ﴿نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ﴾ ريب الدهر صروفه وحوادثه من قولهم: رابه الأمر ريبًا، أي نابه وأصابه [[انظر: "تهذيب اللغة" 15/ 252، "اللسان" 1/ 1263 (ريب).]]. والمنون الدهر في قول الفراء [[انظر: "معاني القرآن" 3/ 93.]]، والأصمعي، والكسائي، وأصله من المنّ بمعنى القطع، وذلك أنه يقطع الأعمال.
قال الفراء: المنون يذكر ويؤنث، فمن ذكره أراد به الدهر، ومن أنث أراد المنية. وقول الهذلي [[البيت في "ديوانه" ص 87، "الخصائص" 1/ 94، "شرح المفصل" لابن يعيش 4/ 10، "المذكر والمؤنث" ص 227.]]:
أَمِنَ الَمُنونِ وَرَيْبِهِ تَتَوَجَّعُ
روي بالوجهين.
وقال الكسائي: المنون واحد في اللفظ، وقد يذهب به مذهب الجماع وأنشد قول عدي: مَنْ رأيْتَ المَنُونَ عَدّيْنَ أم من ... ذا عَلَيْه من أن يُضَامَ خَفِيرُ [[هو عدي بن زيد العبادي، والبيت في ديوانه.]]
عدين: أي تركن وجاوزن.
قال: والعرب تقول: لا أكلمك آخر المنون. أي: آخر الدهر [[انظر: "الوسيط" 4/ 189، ولم ينسبه.]] وكلا القولين في المنون ذكره المفسرون.
قال ابن عباس في رواية عطاء: يريد حدثان الموت [[انظر: "تنوير المقباس" 5/ 286.]].
وقال الكلبي عنه: أوجاع الموت [[لعل مراد المؤلف رحمه الله من قوله (وقال مقاتل) أي فيما يرويه عن ابن عباس، حيث روى ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبخاري عن ابن عباس في قوله ﴿رَيْبَ الْمَنُونِ﴾ قال: الموت. وفي "تفسير مقاتل" قال: حوادث الدهر.
انظر: "تفسير مقاتل" 129 أ، "جامع البيان" 27/ 19، "فتح الباري" 8/ 602، "الدر" 6/ 120.]].
وقال مقاتل: يعني الموت. وهو قول مقاتل [[انظر: "تفسير مجاهد" 2/ 626، "جامع البيان" 27/ 19.]].
وقال مجاهد: حوادث الدهر [[أخرجه ابن الأنباري عن ابن عباس في الوقف والابتداء، وابن دريد في "الجمهرة" 1/ 259، وفي "اللسان" 1/ 1106 (ربص) ولم ينسبه لقائل. والذي ذكره المفسرون لا يدل على إنشاد ابن عباس لهذا البيت، وإنما ذكروا قوله ثم قالوا: وقال الشاعر، وربما ذكروا القول ونسبوه لغيره.
انظر: "جامع البيان" 27/ 19، "القرطبي" 17/ 72، "فتح القدير" 5/ 99.]]. والمعنى: ما يصيبه من الدهر أو من الموت. ومعنى التربص بالشيء: انتظار الدوائر به. وأنشد ابن عباس: تَربَّصْ بها رَيْبَ المَنُونِ لعلّها ... تُطَلَّقُ يومًا أو يَمُوتُ حَلِيلهُا [[أخرج ابن جرير نحوه عن ابن عباس بإسناد حسن، وأخرجه ابن إسحاق في السيرة. انظر: "جامع البيان" 27/ 19، "فتح الباري" 8/ 602، "معالم التنزيل" 4/ 240، "مرويات ابن عباس" للحميدي 2/ 829.]]
قال المفسرون: قال المشركون: ننتظر بمحمد الموت وحوادث الدهر فيهلك كما هلك من قبله من الشعراء زهير والنابغة، وأن أباه توفي شابًّا ونحن نرجو أن يموت كما مات أبوه شابًّا [[انظر: "الجامع لأحكام القرآن" 17/ 72، "فتح القديرِ" 5/ 99.]]. وقال الأخفش: يريد نتربص به إلى ريب المنون، فحذف الجر كما تقول:
قصدت زيدًا وقصدت إلى زيد، وعمدت زيدًا وعمدت إلى زيد [[في "معاني القرآن" للأخفش 2/ 697، قال: وقال ﴿نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ﴾ لأنك تقول: تربصتُ زيدًا، أي تربصت به.]]
وأصله من المنِّ، قال الله تعالى:
{"ayah":"أَمۡ یَقُولُونَ شَاعِرࣱ نَّتَرَبَّصُ بِهِۦ رَیۡبَ ٱلۡمَنُونِ"}