الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ﴾ إلى قوله: ﴿كُلُّ﴾ يعني الطوالع كلها. ﴿فِي فَلَكٍ﴾ قال الليث: الفلك في الحديث [[في "تهذيب اللغة" 10/ 254: جاء في الحديث أنه دوران السماء. والمراد بالحديث ما رواه أبو عيد في غريب الحديث 4/ 96: أن رجلاً أتى رجلاً وهو جالس عند عبد الله بن مسعود فقال: إني تركت فرسك يدور كأنه في فلك، قال عبد الله للرجل: اذهب فافعل به كذا وكذا.]] دوران [[في (أ): (دور).]] السماء. وهو اسم الدوران خاصة، وأما المُنجمون فيقولون: سبعة أطواق [[جمع طوق، وهو: كل ما استدار بشيء. "تهذيب اللغة" للأزهري 9/ 242 "طوق"، "القاموس المحيط" 3/ 259.]] دون السماء قد رُكِّبت فيها النجوم السبعة، في كل طوق منه [[(منه): ساقطة من (د)، (ع)، وفي (أ): (ومنه)، وفي "تهذيب اللغة" للأزهري 10/ 254 منها.]] نجم، وبعضها أرفع من بعض، يدور فيها بإذن الله [[قول الليث في "تهذيب اللغة" للأزهري 10/ 54 "فلك". وهو في "العين" 5/ 374 "فلك" مع اختلاف يسير، وليس فيه: في الحديث. وما ذكره الليث عن المنجمين لا دليل عليه من كتاب أو سنة صحيحة أو مشاهدة.]]. وروى أبو عبيدة عن الأصمعي: الفلك: قطع من الأرض تستدير وترتفع عما حولها [[في (أ): (حوله).]]، والواحدة فلكة. قال الراعي: إذا جِفْنَ هَوْلَ بُطونِ [[هكذا في (أ)، (ت) والمطبوع من ديوان الراعي بطبعتيه -طبعة راينهرت فايبرت ص 107، وطبعة نوري القيسي وهلال ناجي ص 208. وفي (د)، (ع): (إذا خفن هولا بطول)، وفي المطبوع من "تهذيب اللغة" للأزهري 10/ 254: (بصون).]] البِلادِ ... تَضَمَّنَها فَلَكٌ مُزْهِرُ [[البيت في "ديوانه" ص 208، "تهذيب اللغة" للأزهري 10/ 254. "فلك"، واللسان 10/ 478: (فلك).]] يَقول: إذا خافت الأدغال [[في جميع النسخ: (الإدخال)، والتصويب من "تهذيب اللغة" و"اللسان".]] وبطون الأرض ظهرت الفلك [[رواية أبي عبيد عن الأصمعي في "تهذيب اللغة" 10/ 254.]]. والفلك في كلام العرب: كل شيء مستدير، وجمعه أفلاك، ومنه فَلْكةُ المغزل، وتفلك ثدي الجارية [[انظر: (فلك) في: "الصحاح" 4/ 1604، "لسان العرب" 10/ 478.]]. هذا [[في (ت): (وهذا).]] معنى الفلك في قول أهل اللغة. وأما المفسرون، فقال السدي في قوله: ﴿كُلٌّ فِي فَلَكٍ﴾: كل في مجرى واستداره [[ذكر الماوردي 3/ 445 عن السدي قال: الفلك: السماء.]]. وقال الكلبي: الفلك استدارة السماء، وكل شيء استدار فهو فلك [[ذكر الأزهري في "تهذيب اللغة" 10/ 254، والبغوي 5/ 317 عن الكلبي الشطر الأول منه. وروي عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 24 عن الكلبي الشطر الثاني منه. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 627 وعزاه لعبد الرزاق وابن المنذر.]]. وعلى هذا المراد بالفلك: السماء، والسماء مستديرة، والنجوم تدور فيها وهذا معنى قول مجاهد: كهيئة حديدة الرحى [[الرَّحى: هي الحجر التي يطحن بها. "لسان العرب" 14/ 312 (رحا).]] [[رواه الطبري 17/ 22، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 5/ 628 وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.]]. يريد: أن النجوم تسير وتجري حول القطب [[القُطْب: كوكب بين الجدي والفرقدين. قيل: وهو كوكب صغير أبيض، لا يبرح مكانه أبدًا، والجدي والفرقدان تدور عليه. "الصحاح" للجوهري 1/ 204 (قطب)، "لسان العرب" 1/ 682 (قطب).]] كدوران [[في (ع): (كودان).]] الرحى على حديدته [[في (د)، (ع): (حديدة).]]. وعلى [[في (أ)، (ت): (وهذا) معنى.]] هذا معنى قول أكثرُ المفسرين، قالوا: الفلك مدار النجوم الذي يضمها [[هذا قول الثعلبي 3/ 29 أبنصّه.]]. وقال الحسن: الفلك طاحونة [كهيئة فَلْكة المغزل [[ذكره البخاري تعليقًا في صحيحه (كتاب التفسير- سورة الأنبياء 8/ 435) ووصله ابن حجر في "تغليق التعليق" 4/ 257 فقال: قال ابن عيينة في تفسيره عن عمرو، عن الحسن في قوله "كل في فلك يسبحون" قال: مثل فلكة المغزل تدور.]]. يريد أن الذي يجري فيه النجوم مستدير كاستدارة الطاحونة] [[ما بين المعقوفين ساقط من (أ).]]. وقال ابن زيد: الفلك الذي بين السماء والأرض [من] [[زيادة من الطبري 17/ 23، والدر المنثور.]] مجاري النجوم والشمس والقمر [[رواه الطبري 17/ 23، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 5/ 627 وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم.]]. وهذا كقول المنجمين، جعلوا الفلك في السماء. وقال أبو عبيدة: الفلك: القطب الذي تدور به النجوم [["مجاز القرآن" لأبي عبيدة 2/ 38.]]. وهذا القول بعيد؛ لأن الله تعالى قال: ﴿وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ فيجب أن يكون الفلك اسمًا لما يتضمن النجوم وتجري فيه، ويكون مدورًا. وقوله تعالى: ﴿يَسْبَحُونَ﴾ أي: يجرون بسرعة كالسابح في الماء، وقد قال في موضع آخر في صفة النجوم: ﴿وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا﴾ [النازعات: 3]، والسبح لا يختص بالجري في الماء فقد يقال للفرس الذي يمد يديه في الجري [[في (أ)، (ت): (البحر)، وما أثبتناه من (د)، (ع) هو الصحيح والموافق لما في "تهذيب اللغة".]]: سابح [["تهذيب اللغة" للأزهري 4/ 338 (سبح)، بتصرف.]]، ومنه قول الأعشى: وَسَابحٍ ذِي مَيْعَةٍ [[في (أ)، (ت): (منعة)، والمثبن من (د)، (ع). وهو الموافق لما في "تهذيب اللغة"، وديوان الأعشى.]] ضَامِر [[هذا عجز البيت، وصدره: كم فيهم من شَطْبَة خَيْفق وهو في "ديوانه" ص 417، وفيه: ضابر، و"تهذيب اللغة" للأزهري 4/ 338 "سبح"، و"اللسان" 2/ 471 (سبح). وهو أحد أبيات قصيدة يفضل فيها عامر بن الطفيل على علقمة بن علاثة في المنافرة التي جرت بينهما. والمعنى: كم فيهم من جواد سابح نشيط سابق. انظر: "لسان العرب" 8/ 345 (ميع)، "القاموس المحيط" 2/ 76، "ديوان الأعشى مع التعليق عليه" ص 417.]] وتَوهَّم بعضهم أن السبح يختص بالسير في الماء، فجعل الفلك موجًا من الماء تسير فيه النجوم لما رأى قوله: ﴿يُسَبحُونَ﴾ [[هذا قول الكلبي، فقد ذكر الرازي 22/ 167 أنه قال: الفلك ماء تجري فيه الكواكب، واحتج بأن السباحة لا تكون إلا في الماء. ثم ردّ عليه بقوله: لا يسلم فإنه يقال في الفرس يمد يديه في الجري: سابح.]]. وحكى الفراء هذا القول في "تفسير الفلك" [[انظر: "معاني القرآن" 2/ 201.]]. ولما وصف النجوم بفعل ما يعقل [[في (ع): (ما تعقل).]] جُمِعَ [[جمع: ساقطة من (ع).]] فعلها جَمْعَ فعل ما يعقل، قال أبو إسحق: قيل ﴿يَسْبَحُونَ﴾ هو كما يقال لما يعقل: لأنَّ هذه الأشياء وصفت بالفعل [[في (ع): (بالعقل).]] كما يوصف ما يعقل، كما قالت العرب -في رواية جميع النحويين-: "أكلوني البراغيث" لما وصفت بالأكل قيل: أكلوني [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 391 مع اختلاف يسير.]]، وأنشد للجعدي: تَمرَّزْتُها والدِّيكُ يدعو صباحَه ... إذا ما بَنوُ نَعَش دَنَوْا فَتَصَوَّبُوا [[البيت أنشده الزجاج في "معاني القرآن" 3/ 391 من غير نسبة، وروايته فيه: شربت بها والديك يدعو صباحه وهو في مجاز القرآن لأبي عبيدة 2/ 38، "لسان العرب" 6/ 355 (نعش) بمثل رواية الواحدي منسوبًا للجعدي. وفي "ديوانه" ص 4 والكتاب لسيبويه 2/ 47 بمثل رواية الزَّجاج. وفي "معاني القرآن" للأخفش 2/ 644: بكرتها والديك .. من غير نسبة. قال السيرافي في "شرح أبيات سيبويه" 1/ 476: تمززتها: شربنها قليلاً قليلاً، وقوله: يدعو صباحه: أي: يدعو في وقت إصباحه، وقوله: دنوا: مالت بنات نعش إلى جانب السماء. اهـ. قال ابن منظور 6/ 355: وبنات نعش: سبعة كواكب.]] وهذا قول أبي عبيدة [[انظر: "مجاز القرآن" لأبي عبيدة 2/ 38.]]، والفراء [[انظر: "معاني القرآن" للفراء 2/ 201.]]، والمبرد، وجميع أهل اللغة [[كالخليل وسيبويه وغيرهما. انظر "الكتاب" 2/ 47، "إعراب القرآن" للنحاس 3/ 69 - 75، "إعراب القرآن" لابن الأنباري 2/ 16.]]. وذكرنا هذا عند قوله: ﴿رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾ [يوسف: 4].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب