الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا﴾ الآية. هذا احتجاج من الله تعالى عليهم بالمعجزة، أعلمهم -وهم أهل البيان وتأليف الكلام- عجزهم عن الإتيان بمثل ما أتى به الرسول -ﷺ- وإن تعاونوا عليه، قال المفسرون: هذا تكذيب للنضر بن الحارث حين قال: ﴿لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا﴾ [[ورد في "تفسير الثعلبي" 7/ 120 ب، بنحوه، انظر: "تفسير ابن الجوزي" 5/ 84.]] [الأنفال: 31]. وقال مقاتل: إن نبيّ الله -ﷺ- تحداهم أولاً فقال: ﴿فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ﴾ [هود: 13]، فعجزوا عن ذلك، فتحداهم وقال: ﴿فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ﴾ [البقرة: 23]، فعجزوا، فآيسهم الله تعالى عن معارضته بمثل ما أتى به في هذه الآية [["تفسير مقاتل" 1/ 219 أ، بنحوه.]]. قال أهل المعاني: والمثل الذي طُلب منهم في التحدي كلام له نظم كنظم القرآن في أعلى طبقات البلاغة، إذا قُوبل به ظهر أنه في تلك المنزلة، كما يكون بين الشعراء من معارضة القصيدة بالقصيدة؛ كمعارضة علقمة [[علقمة بن عَبَدَة بن النعمان، شاعر جاهلي من بني تميم، لقب بالفحل لأنه خلف على امرأة امرئ القيس لما حكمت له بأنه أشعر منه، فطلقها، عدّه الجمحي في الطبقة الرابعة من فحول شعراء الجاهلية، وله قصيدة طويلة في معارضة امرئ القيس. انظر: "طبقات فحول الشعراء" 1/ 137، و"الشعر والشعراء" ص 125، و"الأغاني" 21/ 205، و"المنتخب في محاسن أشعار العرب" 1/ 17، و"الخزانة" 3/ 282.]] لامرئ القيس، ومعارضة جرير للفرزدق [[ورد في "تفسير الطوسي" 6/ 517، بنحوه.]]، ثم لمّا عرضوا القرآن على جميع أجناس كلامهم عجزوا عن المعارضة في النظم بَلْهَ البلاغة، وذلك أن كلامهم لم يخرج من أجناس ثمانية؛ أربعة معقودة وأربعة منثورة؛ فالمنثورة منها أربعة أجناس: منها الكلام الذي يدور بين الناس فيما يحتاجون إليها، ومنها الرسائل، ومنها الخُطَب، ومنها السجع، فلم يكن واحد من هذه الأجناس يشبه نظم القرآن، وبعض ما يُحتَاج إليه في هذه الآية قد ذكرنا في قوله: ﴿فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ﴾ في سورة البقرة [[آية: [23].]]. وقوله تعالى: ﴿لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ﴾ هذا جواب (لئن) بالرفع [[قال الطوسي 6/ 517: وإنما رفعه لأنه غلب جواب القسم على جواب (إن) لوقوعه في صدر الكلام.]]. قال الفراء: والعرب إذا أجابت (لئن) بـ (لا) جعلوا ما بعد (لا) رفعًا، لأن (لئن) كاليمين، وجواب اليمين بـ (لا) مرفوعٌ، وربما جزم الشاعر بـ (لئن) وجوابها؛ لأن (لئن): (إن) التي يجازى بها زيدت عليها لام، وأنشد للأعشى: لئن مُنِيْتَ بنا عن غِبّ معركة ... لا تُلْفِنا من دماء القوم ننتَفِلُ [["ديوانه" ص 149 وفيه: لم تلفنا، وورد في "تفسير الطبري" 15/ 159، و"الطوسي" 6/ 517، و"ابن عطية" 9/ 186، و"اللسان" (نفل) 8/ 4510، و"تفسير أبي حيان" 6/ 78، و"الدر المصون" 7/ 407، و"الخزانة" 11/ 329، وورد بلا نسبة في: "شرح ابن عقيل" 4/ 45، و"شرح الأشموني" 4/ 69، (منيت): ابتليت، ننتفل، الانتفال: التبرؤ، يقال: انتفل من الشيء تبرأ منه.]] فجزم الجواب بـ (لا) [[وكان حقه الرفع لا تلفينا بإثبات الياء، جوابًا للقسم المتقدم على الشرط، لكنه جزمه بحذفها لأنه جعله جوابًا للشرط بإنْ ولم يُجِب القسم، بل حذفه لدلالة جواب الشرط عليه. انظر: "شرح ابن عقيل" 4/ 45.]]. قال: وأنشدني الكسائي [[البيت للكميت بن معروف.]]: لَئِنْ تَكُ قد ضَاقتْ عليكم بلادُكُم ... لَيَعْلَمْ ربي [[ساقطة من (د).]] أن بيتي لواسعُ [[ورد في "الخزانة" 10/ 68، 11/ 331 وفيه: بيوتكم، وواسع، وورد بلا نسبة في: "الدر المصون" 2/ 46، و"شرح التصريح" 2/ 254، و"شرح الأشموني" 3/ 397، 4/ 72.]] [["معاني القرآن" للفراء 2/ 131، بتصرف واختصار.]] فجزم بلئن [[يقول السمين: ولا يحذف جواب الشرط إلا وفعله ماضٍ، وقد يكون مضارعًا. وهنا قد حذف للضرورة -كما قال البغدادي- لأن القياس يقتضي أن يقول: لئن كانت. وأن يقول في الجواب؛ ليعْلَمنّ. انظر: "الدر المصون" 2/ 46،و"شرح التصريح" 2/ 254، و"شرح الأشموني" 4/ 72 ، و"الخزانة" 10/ 68 ، 11/ 351.]]. وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ الظهير: المعين المظاهر لك، وهو فعيل بمعنى المظاهر. قال ابن عباس: يريد معينًا [[لم أقف عليه منسوبًا إليه، وأخرجه "الطبري" 15/ 159، عن ابن جريج، وورد في "معاني القرآن" للنحاس 4/ 193، وبلا نسبة في "تفسير السمرقندي" 2/ 283.]]، مثل ما يتعاون الشعراء على بيت شعر فيقيمونه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب