الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ﴾. قال الزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 151.]]: الباء في موضع رفع مع الاسم، المعنى: كفى الله، وشهيدًا منصوب على التمييز، والكلام في مثل هذا قد مضى قديمًا، وقال غيره من النحويين: إنما جاز: كفى بالله، في موضع كفى الله، لتحقيق إضافة الفعل، وذلك أن الفعل لما جاز أن يضاف إلى غير فاعله، بمعنى: أنه أمر به، أزيل هذا الاحتمال بهذا التأكيد، ونظيره في تأكيد الإضافة قوله ﴿لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ [ص: 75] ومعنى ﴿كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ أي [["زاد المسير" 4/ 341.]]: بما أظهر من الآيات، وأبان من الدلالة على صحة نبوتك؛ لأنه لا يشهد بصحة نبوته إلا على هذه الصفة. وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾ قال مجاهد [[الطبري 13/ 177، وابن المنذر وابن أبي حاتم كما في "الدر" 4/ 129، وابن كثير 2/ 572، و"زاد المسير" 4/ 342، والقرطبي 9/ 336، وهذا القول مروي عن الحسن وغيره، انظر المراجع السابقة. وانظر: "تفسير كتاب الله العزيز" 2/ 317.]]: هو الله -عز وجل-، واختار أبو إسحاق [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 151.]] هذا القول، قال: لأن الأشبه أن الله لا يستشهد على خلقه بغيره. قال أبو بكر: فعلى هذا القول عطف "من" على اسم الله تعالى، وهو لزيادة معنى في المعطوف، كما تقول: قام عبد الله والظريف العاقل، وجلس زيد والذي يفوق في الخير أصحابه، فيعطفون الثاني على الأول، لما يريد فيه من معنى المدح. وقال ابن عباس [[المروي عن ابن عباس قوله: هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى. انظر: الطبري 13/ 176، و"الدر" 128/ 4، و"زاد المسير" 4/ 341، وابن كثير 2/ 572، و"تفسير كتاب الله العزيز" 2/ 317.]] وقتادة [[عبد الرزاق 2/ 339، والطبري 13/ 176، 177، وابن المنذر وابن أبي حاتم كما في "الدر" 4/ 128، و"زاد المسير" 4/ 341، والقرطبي 9/ 335، و"البحر المحيط" 5/ 401، وابن كثير 2/ 572.]]: ﴿وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾ يعني الذين آمنوا من اليهود والنصارى، منهم عبد الله بن سلام، وسلمان الفارسي، وتميم الداري. وأنكر سعيد بن جبير [[الطبري: 13/ 178 وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه كما في "الدر" 4/ 129، الثعلبي 7/ 144 ب، ابن كثير 2/ 572.]] أن يكون عبد الله بن سلام من هذه الجملة، لأن السورة مكية، وإسلامه كان بعد هذه السورة. قال ابن الأنباري: وعلى هذا القول شهادة هؤلاء قاطعة لقول الخصوم، واحتج عليهم بشهادتهم؛ لأنهم رضوا بقولهم، وقالوا: هم الرؤساء في العلوم، والعالمون بالأخبار القديمة وكتب الله تعالى، فقيل لهم: كفى بهؤلاء شهودًا عليكم، إذ كان محلكم في أنفسكم محل من يلزمكم قبول قوله. وقال عطاء عن ابن عباس [[القرطبي 9/ 336. وأخرجه ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير كما في "الدر" 4/ 129.]]: ﴿وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾ يعني جبريل -عليه السلام- [[قلت: الراجح -والله أعلم- من هذه الأقوال هو قول ابن عباس: أن المراد به علماء اليهود والنصارى من غير تخصيص، فإن المشركين في مكة كانوا يسألونهم ويستشهدون بأقوالهم، وقد ورد آيات أخر فيها الاستشهاد بهم، وبما يعلمونه من تجهم من صحة رسالة محمد ﷺ؛ ومن ذلك قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ﴾ [الأعراف: 157] وقوله ﴿أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ الشعراء: 197، وغير ذلك، وقد رجح هذا القول الإمام الطبري: 13/ 176، وابن كثير: 2/ 572 فقال: والصحيح في هذا: أن ﴿وَمَنْ عِنْدَهُ﴾ اسم جنس يشمل علماء الكتاب الذين يجدون صفة محمد ﷺ ونعته في كتبهم المتقدمة، من بشارات الأنبياء به.]]. قال ابن الأنباري: على القول الأول وهو قول مجاهد، يكون في محل (من) أربعة أوجه: الخفض بالنسق على اسم الله في اللفظ، والرفع بالنسق في المعنى؛ لأن التقدير: كفى الله شهيدًا، والنصب على المدح بمعنى: واذكر الذي عنده علم الكتاب، والرفع على المدح أيضاً بإضمار هو، كما تقول العرب: سعى عبد الله في حاجتك، والبارُّ المتفضِّلُ، والبارَّ المتفضِّلَ بالنصب والرفع على ما ذكرنا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب