الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا﴾، قال ابن عباس [[ذكره المؤلف في "الوسيط" 2/ 546، وذكره مختصرًا بن الجوزي في "زاد المسير" 4/ 26، والفيروزأبادي في "تنوير المقباس" ص 212.]]، ومقاتل [["تفسير مقاتل" 140 أ.]]، والكلبي [["تنوير المقباس" ص 212 عنه، عن ابن عباس.]]: ويوم نجمع المشركين وشركاءهم والكفار [[في (ى): (وشركاءهم الكفار).]] وآلهتهم، والحشر: الجمع من كل أوب [[من كل أوب: أي من كل وجه، وجاءوا من كل أوب: أي من كل طريق ووجه وناحية. "لسان العرب" (أوب) 1/ 168.]] إلى الموقف. وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ﴾، قال الزجاج: مكانكم منصوب على الأمر؛ كأنه [[في (ى): (كأنهم)، وهو مخالف لما في المصدر.]] قيل لهم: انتظروا مكانكم حتى نفصل بينكم، قال: والعرب تتوعد فتقول: مكانك، وانتظر، وهي كلمة جرت على الوعيد [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 16.]]. وقوله تعالى: ﴿أَنْتُمْ﴾ مبتدأ ﴿وَشُرَكَاؤُكُمْ﴾ عطف عليه، والخبر في قوله: ﴿مَكَانَكُمْ﴾ على ما ذكرنا من التقدير كأنه قيل: ثم نقول أنتم وشركاؤكم انتظروا مكانكم، واثبتوا وقفوا والزموا مكانكم، ومعنى ﴿شُرَكَاؤُكُمْ﴾ أي: الذين جعلتموهم شركاء في العبادة وفي أموالكم من الأوثان، كما قالوا: ﴿هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا﴾ [الأنعام: 136]. وقوله تعالى: ﴿فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ﴾ جاء هذا على لفظ المضي بعد قوله ﴿ثُمَّ نَقُولُ﴾ وهو منتظر؛ لأن الكائن [[في (ى): (الكافرين)، وهو خطأ جلي.]] يومًا في علم الله تعالى وقدره كالكائن الراهن [[ساقط من (ح) و (ز).]] الآن، وذكرنا نظير هذا في قوله: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ﴾ [[انظر تفسير الآية في "تفسير البسيط" ولم يذكر المؤلف هذا المعنى في تفسيرها.]] [الأعراف: 44]. ومعنى (زيلنا) فرقنا وميزنا، ومنه قوله الفرزدق: أنت الفداء لذكر عام لم يكن ... نحسًا ولا بين الأحبة زيلا [["ديوان الحماسة" 2/ 55 غير منسوب، وبعده (وقال الفرزدق) فيبدو أن هذا سبب الخطأ في النسبة.]] وأنشد المبرد فقال [[ساقط من جميع النسخ عدا (م)، وانظر إنشاد المبرد في "الكامل" 1/ 273.]]: سائل مجاور جَرْم هل جنيت لهم ... حربًا تُزيّل بين الجيرة الخُلُطِ [[البيت لوعلة الجرمي كما في "الأغاني" 19/ 140. وجرم: هو جرم بن ربان بن حلوان، جد جاهلي من قضاعة، ينتسب إليه بنو جشم وبنو قدامة، وبنو عوف. انظر: "جمهرة الإنساب" ص 451، "اللباب" 1/ 222.]] قال أبو إسحاق: هو [[في (ى): (هذا)، والضمير غير موجود في "معاني القرآن وإعرابه".]] من قولك [زلت الشيء عن مكانه أزيله، وزيّلنا -للكثرة- من [[في "معاني القرآن وإعرابه": ومن.]] هذا: إذا نحيته [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 16.]]. وحكى سلمة [[هو ابن عاصم النحوي.]]، عن الفراء في قوله: ﴿فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ﴾، قال: ليس من زُلت، إنما هي من زِلت الشيء فأنا أزيله: إذا فرقت ذا من ذا [["تهذيب اللغة" مادة: (زول) 2/ 1577، والنص بنحوه في "معاني القرآن" للفراء 1/ 462.]]، ونحو هذا قال الكسائي، قال: وتقول العرب زلت الضأن من المعز فلم تزل ومزتها فلم تنمز [[انظر النص بلا نسبة في: "الصحاح" (زيل) 4/ 1720، "تفسير الرازي" 17/ 67، و"البحر المحيط" 5/ 154.]]. هذا كلامه، فالزيل [[في (م): (والزيل).]] والتزييل والمزايلة: التمييز والتفريق، قال ذو الرمة: وبيضاء لا تنحاش منا وأمها ... إذا ما رأتنا زيل منا زويلها [[انظر: "ديوان ذي الرمة" 1/ 554، و"البصريات" للفارسي 1/ 584، و"الصحاح" (زيل) 4/ 1720، و"لسان العرب" (زول) 3/ 1891، و"خزانة الأدب" 4/ 242، و"غريب الحديث" للخطابي 2/ 484، و"جمهرة اللغة" 2/ 827، و"مقاييس اللغة" (حوش - زول).]] أراد بيض النعامة وأن البيضة لا تنفر منا، وأن النعامة التي باضتها فإنها إذا رأتنا نفرت، وزيل منا زويلها، أي نُحي عنا حركة شخصها. وقرئ (فَزَيَلْنَا بَيْنَهُمْ) [[هي قراءة شاذة قرأ بها ابن أبي عبلة كما في "زاد المسير" 4/ 27، وذكرها بلا نسبة الفراء في "معاني القرآن" 1/ 462، وابن جرير 11/ 111، والزمخشري 2/ 235، ولم يذكر هذه القراءة ابن جني ولا ابن خالويه في كتابيهما في الشواذ.]]، وهو مثل: (فَزَيَّلْنَا) والتزايل والانزيال: التباين والافتراق، والزيال بمعنى الفراق (فِعَال) من المزايلة. وقال ابن قتيبة في هذه الآية: هو من زال يزول وأزلته أنا [["تفسير غريب القرآن" ص 203.]]. قال الأزهري: هذا غلط وأراه لم يميز بين زال يزول، وزال يزيل، وبينهما بنون بعيد، والقول ما قال الفراء، وكان القتيبي قليل البصر بمقاييس النحو والتصريف وهو مع ذلك ذو بيان عذب [["تهذيب اللغة" (زول) 2/ 1577 - 1578، وقد لطف الواحدي عبارة الأزهري ونصها: إلا أنه منحوس الحظ من النحو والصرف ومقاييسهما. اهـ. والأزهرى متأثر بالهجمة الشرسة الموجهة ضد ابن قتيبة بغير حق والتي قادها جمع من الأدباء والعلماء وفي مقدمتهم أبو بكر ابن الأنباري. انظر: "مقدمة تأويل مشكل القرآن" ص70، "مقدمة تهذيب اللغة" 1/ 50، ولعل الأزهري -رحمه الله- نسي ثناءه العطر على ابن قتيبة حيث قال في صدد التعريف به وبأبي تراب: وكانا من المعرفة والإتقان بحيث تثنى بهما الخناصر، وهما من الشهرة وذهاب الصيت والتأليف الحسن بحيث يعفى لهما عن خطيئة غلط، ونبذ زلة تقع في كتبهما. "تهذيب اللغة" 1/ 52، كما أن ابن قتيبة ليس وحده قال هذا القول، فأبو البقاء العكبري جزم بصوابه حيث قال: قوله: (فزيلنا) عين الكلمة واو؛ لأنه من زال يزول، وإنما قلبت ياء؛ لأن وزن الكلمة (فعيل) أي: زَيْوَلنا، مثل: بيطر وبيقر، فلما اجتمعت الياء والواو على الشرط المعروف قلبت ياء، وقيل: هو من زلت ... إلخ. "التبيان في إعراب القرآن" ص 437 - 438، وإلى ذلك ذهب أيضًا السمرقندي في "تفسيره" 2/ 96، واعتبر الجوهري قول القائل: زِلت الشيء من مكانه أزيله زيلًا، لغة في أزلته، ورد عليه ابن بري، انظر: "لسان العرب" (زيل) 3/ 1891. وبذلك يتبين أن المسألة موضع نظر، ومحل اجتهاد، فلا يشنع على من خالف غيره، ولو لم يحالفه الصواب.]]. قال المفسرون: فرقنا بين المشركين وبين شركائهم من الآلهة والأصنام، وانقطع ما كان بينهم من التواصل في الدنيا، وذلك حين يتبرأ كل معبود من دون الله ممن عبده [[انظر: "تفسير الثعلبي" 7/ 14 أ، والبغوي 4/ 131، وبنحوه في "تفسير ابن جرير" 11/ 111.]]، وهو قوله تعالى: ﴿وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ﴾، قال ابن عباس: أنكروا عبادتهم [[ذكره المؤلف في "الوسيط" 2/ 546، وبنحوه ابن الجوزي في "زاد المسير" 4/ 27.]]. قال مجاهد: يقول ذلك كل شيء يعبدون من دون الله يعني أن الله تعالي ينطق الأوثان فتقول: ما كنا نشعر بأنكم إيانا تعبدون [[هذا معنى أثر طويل عن مجاهد، رواه ابن جرير 11/ 111، وابن أبي حاتم 6/ 1948، وابن أبي شيبة وابن المنذر وأبو الشيخ كما في "الدر المنثور" 3/ 550.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب