الباحث القرآني
﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ﴾ كَلامٌ مُسْتَأْنَفٌ مَسُوقٌ لِبَيانِ بَعْضٍ آخَرَ مِن أحْوالِهِمُ الفَظِيعَةِ، وتَأْخِيرُهُ في الذِّكْرِ مَعَ تَقَدُّمِهِ في الوُجُودِ عَلى بَعْضِ أحْوالِهِمُ المَحْكِيَّةِ سابِقًا لِلْإيذانِ بِاسْتِقْلالِ كُلٍّ مِنَ السّابِقِ واللّاحِقِ بِالِاعْتِبارِ، ولَوْ رُوعِيَ التَّرْتِيبُ الخارِجِيُّ لَعُدَّ الكُلُّ شَيْئًا واحِدًا، كَما مَرَّ في قِصَّةِ البَقَرَةِ، ولِذَلِكَ فُصِّلَ عَمّا قَبْلَهُ، و(يَوْمَ) مَنصُوبٌ عَلى المَفْعُولِيَّةِ بِمُضْمَرٍ، أيْ: أنْذِرْهم أوْ ذَكِّرْهُمْ، وضَمِيرُ (نَحْشُرُهُمْ) لِكِلا الفَرِيقَيْنِ الَّذِي أحْسَنُوا والَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ؛ لِأنَّهُ المُتَبادَرُ مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿جَمِيعًا﴾ ومِن إفْرادِ الفَرِيقِ الثّانِي بِالذِّكْرِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أشْرَكُوا﴾ أيْ: نَقُولُ لِلْمُشْرِكِينَ مِن بَيْنِهِمْ، ولِأنَّ تَوْبِيخَهم وتَهْدِيدَهم عَلى رُءُوسِ الأشْهادِ أفْظَعُ، والإخْبارُ بِحَشْرِ الكُلِّ في تَهْوِيلِ اليَوْمِ أدْخَلُ، وتَخْصِيصُ وصْفِ إشْراكِهِمْ بِالذِّكْرِ في حَيِّزِ الصِّلَةِ مِن بَيْنِ سائِرِ ما اكْتَسَبُوهُ مِنَ السَّيِّئاتِ لِابْتِناءِ التَّوْبِيخِ والتَّقْرِيعِ عَلَيْهِ مَعَ ما فِيهِ مِنَ الإيذانِ بِكَوْنِهِ مُعْظَمَ جِناياتِهِمْ وعُمْدَةَ سَيِّئاتِهِمْ، وقِيلَ لِلْفَرِيقِ الثّانِي خاصَّةً فَيَكُونُ وضْعُ المَوْصُولِ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ لِما ذُكِرَ آنِفًا.
﴿مَكانَكُمْ﴾ نُصِبَ عَلى أنَّهُ في الأصْلِ ظَرْفٌ لِفِعْلٍ أُقِيمَ مَقامَهُ، لا عَلى أنَّهُ اسْمُ فِعْلٍ وحَرَكَتُهُ حَرَكَةُ بِناءٍ، كَما هو رَأْيُ الفارِسِيِّ، أيِ: الزَمُوهُ حَتّى تَنْظُرُوا ما يُفْعَلُ بِكم ﴿أنْتُمْ﴾ تَأْكِيدٌ لِلضَّمِيرِ المُنْتَقِلِ إلَيْهِ مِن عامِلِهِ لِسَدِّهِ مَسَدَّهُ ﴿وَشُرَكاؤُكُمْ﴾ عَطْفٌ عَلَيْهِ، وقُرِئَ بِالنَّصْبِ عَلى أنَّ الواوَ بِمَعْنى مَعَ ﴿فَزَيَّلْنا﴾ مِن (زِلْتُ) الشَّيْءَ عَنْ مَكانِهِ أُزِيلُهُ، أيْ: أزَلْتُهُ، والتَّضْعِيفُ لِلتَّكْثِيرِ لا لِلتَّعْدِيَةِ، وقُرِئَ (فَزايَلْنا) بِمَعْناهُ، نَحْوُ: كَلَّمْتُهُ وكالَمْتُهُ، وهو مَعْطُوفٌ عَلى (نَقُولُ) وإيثارُ صِيغَةِ الماضِي لِلدَّلالَةِ عَلى التَّحَقُّقِ المَوْرُوثِ لِزِيادَةِ التَّوْبِيخِ والتَّحْسِيرِ، والفاءُ لِلدَّلالَةِ عَلى وُقُوعِ التَّزْيِيلِ ومَبادِئِهِ عَقِيبَ الخِطابِ مِن غَيْرِ مُهْلَةٍ إيذانًا (p-140)بِكَمالِ رَخاوَةِ ما بَيْنَ الفَرِيقَيْنِ مِنَ العَلاقَةِ والوَصْلَةِ، أيْ: فَفَرَّقْنا بَيْنَهم وقَطَّعْنا أقْرانَهم والوُصَلَ الَّتِي كانَتْ بَيْنَهم في الدُّنْيا، لَكِنْ لا مِنَ الجانِبَيْنِ، بَلْ مِن جانِبِ العَبَدَةِ فَقَطْ لِعَدَمِ احْتِمالِ شُمُولِ الشُّرَكاءِ لِلشَّياطِينِ - كَما سَيَجِيءُ - فَخابَتْ آمالُهم وانْصَرَمَتْ عُرى أطْماعِهِمْ، وحَصَلَ لَهُمُ اليَأْسُ الكُلِّيُّ مِن حُصُولِ ما كانُوا يَرْجُونَهُ مِن جِهَتِهِمْ، والحالُ - وإنْ كانَتْ مَعْلُومَةً لَهم مِن حِينِ المَوْتِ والِابْتِلاءِ بِالعَذابِ - لَكِنَّ هَذِهِ المَرْتَبَةَ مِنَ اليَقِينِ إنَّما حَصَلَتْ عِنْدَ المُشاهَدَةِ والمُشافَهَةِ، وقِيلَ: المُرادُ بِالتَّزْيِيلِ التَّفْرِيقُ الحِسِّيُّ، أيْ: فَباعَدْنا بَيْنَهم بَعْدَ الجَمْعِ في المَوْقِفِ وتَبَرُّؤِ شُرَكائِهِمْ مِنهم ومِن عِبادَتِهِمْ،كَما في قَوْلِهِ: ﴿أيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ﴾ ﴿مِن دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنّا﴾ فالواوُ حِينَئِذٍ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ﴾ حالِيَّةٌ بِتَقْدِيرِ كَلِمَةِ (قَدْ) عِنْدَ مَن يَشْتَرِطُها وبِدُونِهِ عِنْدَ غَيْرِهِ لا عاطِفَةٌ كَما في التَّفْسِيرِ الأوَّلِ، لِاسْتِدْعاءِ المُحاوَرَةِ المُحاضَرَةَ الفائِتَةَ بِالمُباعَدَةِ، ولَيْسَ في تَرْتِيبِ التَّزْيِيلِ بِهَذا المَعْنى عَلى الأمْرِ بِلُزُومِ المَكانِ ما في تَرْتِيبِهِ عَلَيْهِ بِالمَعْنى الأوَّلِ مِنَ النُّكْتَةِ المَذْكُورَةِ، لِيُصارَ لِأجْلِ رِعايَتِها إلى تَغْيِيرِ التَّرْتِيبِ الخارِجِيِّ، فَإنَّ المُباعَدَةَ بَعْدَ المُحاوَرَةِ حَتْمًا، وأمّا قَطْعُ الأقْرانِ والعَلائِقِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلِ ابْتِداؤُهُ حاصِلٌ مِن حِينِ الحَشْرِ، بَلْ بَعْضُ مَراتِبِهِ حاصِلٌ قَبْلَهُ أيْضًا، وإنَّما الحاصِلُ عِنْدَ المُحاوَرَةِ أقْصاها كَما أُشِيرَ إلَيْهِ فَلا اعْتِدادَ بِما في تَقْدِيمِهِ مِنَ التَّغْيِيرِ، لا سِيَّما مَعَ رِعايَةِ ما ذُكِرَ مِنَ النُّكْتَةِ، ولَوْ سُلِّمَ تَأخُّرُ جَمِيعِ مَراتِبِهِ عَنِ المُحاوَرَةِ فَمُراعاةُ تِلْكَ النُّكْتَةِ كافِيَةٌ في اسْتِدْعاءِ تَقْدِيمِهِ عَلَيْها، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ حالِيَّةً عَلى هَذا التَّقْدِيرِ أيْضًا، والمُرادُ بِالشُّرَكاءِ – قِيلَ -: المَلائِكَةُ وعُزَيْرٌ والمَسِيحُ، وغَيْرُهم مِمَّنْ عَبَدُوهُ مِن أُولِي العِلْمِ، فَفِيهِ تَأْيِيدٌ لِرُجُوعِ الضَّمِيرِ إلى الكُلِّ.
وَقَوْلُهُمْ: ﴿ما كُنْتُمْ إيّانا تَعْبُدُونَ﴾ عِبارَةٌ عَنْ تَبَرُّئِهِمْ مِن عِبادَتِهِمْ، وأنَّهم إنَّما عَبَدُوا في الحَقِيقَةِ أهْواءَهم وشَياطِينَهُمُ الَّذِينَ أغْوَوْهُمْ؛ لِأنَّها الآمِرَةُ لَهم بِالإشْراكِ دُونَهُمْ، كَقَوْلِهِمْ: ﴿سُبْحانَكَ أنْتَ ولِيُّنا مِن دُونِهِمْ﴾ ... الآيَةَ، وقِيلَ: الأصْنامُ يُنْطِقُها اللَّهُ الَّذِي أنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَتُشافِهُهم بِذَلِكَ مَكانَ الشَّفاعَةِ الَّتِي كانُوا يَتَوَقَّعُونَها.
{"ayah":"وَیَوۡمَ نَحۡشُرُهُمۡ جَمِیعࣰا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِینَ أَشۡرَكُوا۟ مَكَانَكُمۡ أَنتُمۡ وَشُرَكَاۤؤُكُمۡۚ فَزَیَّلۡنَا بَیۡنَهُمۡۖ وَقَالَ شُرَكَاۤؤُهُم مَّا كُنتُمۡ إِیَّانَا تَعۡبُدُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق