الباحث القرآني

(p-٢٦٩)﴿أفَتَطْمَعُونَ أنْ يُؤْمِنُوا لَكم وقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنهم يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وهم يَعْلَمُونَ﴾ ﴿وإذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنّا وإذا خَلا بَعْضُهم إلى بَعْضٍ قالُوا أتُحَدِّثُونَهم بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكم لِيُحاجُّوكم بِهِ عِنْدَ رَبِّكم أفَلا تَعْقِلُونَ﴾ ﴿أوَلا يَعْلَمُونَ أنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وما يُعْلِنُونَ﴾ [البقرة: ٧٧] ﴿ومِنهم أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الكِتابَ إلّا أمانِيَّ وإنْ هم إلّا يَظُنُّونَ﴾ [البقرة: ٧٨] ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكِتابَ بِأيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذا مِن عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهم مِمّا كَتَبَتْ أيْدِيهِمْ ووَيْلٌ لَهم مِمّا يَكْسِبُونَ﴾ [البقرة: ٧٩] ﴿وقالُوا لَنْ تَمَسَّنا النّارُ إلّا أيّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أمْ تَقُولُونَ عَلى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٨٠] ﴿بَلى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وأحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أصْحابُ النّارِ هم فِيها خالِدُونَ﴾ [البقرة: ٨١] الطَّمَعُ: تَعَلُّقُ النَّفْسِ بِإدْراكِ مَطْلُوبٍ، تَعَلُّقًا قَوِيًّا، وهو أشَدُّ مِنَ الرَّجاءِ؛ لِأنَّهُ لا يَحْدُثُ إلّا عَنْ قُوَّةِ رَغْبَةٍ وشِدَّةِ إرادَةٍ، وإذا اشْتَدَّ صارَ طَمَعًا، وإذا ضَعُفَ كانَ رَغْبَةً ورَجاءً. يُقالُ: طَمِعَ يَطْمَعُ طَمَعًا وطَماعَةً وطَماعِيَةً مُخَفَّفًا، كَطَواعِيَةٍ، قالَ الشّاعِرُ: ؎طَماعِيَةٌ أنْ يَغْفِرَ الذَّنْبَ غافِرُهْ واسْمُ الفاعِلِ: طَمِعٌ وطامِعٌ، ويُعَدّى بِالهَمْزَةِ، ويُقالُ: طامَعَهُ مُطامَعَةً، ويُقالُ: طَمُعَ بِضَمِّ المِيمِ، كَثُرَ طَمَعُهُ، وضِدُّ الطَّمَعِ: اليَأْسُ، قالَ كُثَيِّرٌ: ؎لا خَيْرَ في الحُبِّ وقْفًا لا يُحَرِّكُهُ ∗∗∗ عَوارِضُ اليَأْسِ أوْ يَرْتاجُهُ الطَّمَعُ ويُقالُ: امْرَأةٌ مِطْماعٌ، أيْ تَطْمَعُ ولا تُمَكَّنُ، وقَدْ تَوَسَّعَ في الطَّمَعِ فَسُمِّيَ بِهِ رِزْقُ الجُنْدِ، يُقالُ: أمَرَ لَهُمُ الأمِيرُ بِأطْماعِهِمْ، أيْ أرْزاقِهِمْ، وهو مِن وضْعِ المَصْدَرِ مَوْضِعَ المَفْعُولِ. الكَلامُ: هو القَوْلُ الدّالُّ عَلى نِسْبَةٍ إسْنادِيَّةٍ مَقْصُودَةٍ لِذاتِها، ويُطْلَقُ أيْضًا عَلى الكَلِمَةِ، ويُعَبَّرُ بِهِ أيْضًا عَنِ الخَطِّ والإشارَةِ، وما يُفْهَمُ مِن حالِ الشَّيْءِ. وهَلْ يُطْلَقُ عَلى المَعانِي القائِمَةِ بِالذِّهْنِ الَّتِي يُعَبَّرُ عَنْها بِالكَلامِ ؟ في ذَلِكَ خِلافٌ، وتَقالِيبُهُ السِّتُّ مَوْضُوعَةٌ، وتَرْجِعُ إلى مَعْنى القُوَّةِ والشِّدَّةِ، وهي: كَلَمَ، كَمَلَ، لَكَمَ، لَمَكَ، مَلَكَ، مَكَلَ. التَّحْرِيفُ: إمالَةُ الشَّيْءِ مِن حالٍ إلى حالٍ، والحَرْفُ: الحَدُّ المائِلُ. التَّحْدِيثُ: الإخْبارُ عَنْ حادِثٍ، ويُقالُ مِنهُ يَحْدُثُ، وأصْلُهُ مِنَ الحُدُوثِ، وأصْلُ فِعْلِهِ أنْ يَتَعَدّى إلى واحِدٍ بِنَفْسِهِ، وإلى آخَرَ بِعَنْ، وإلى ثالِثٍ بِالباءِ، فَيُقالُ: حَدَّثْتُ زَيْدًا عَنْ بَكْرٍ بِكَذا، ثُمَّ إنَّهُ قَدْ يُضَمَّنُ مَعْنى أعْلَمَ المَنقُولَةِ مِن عَلَّمَ المُتَعَدِّيَةِ إلى اثْنَيْنِ، فَيَتَعَدّى إلى ثَلاثَةٍ، وهي مِن إلْحاقِ غَيْرِ سِيبَوَيْهِ بِأعْلَمَ، ولَمْ يَذْكُرْ سِيبَوَيْهِ مِمّا يَتَعَدّى إلى ثَلاثَةٍ غَيْرِ أعْلَمَ، وأرى ونَبَّأ، وأمّا حَدَّثَ فَقَدْ أنْشَدُوا بَيْتَ الحارِثِ بْنِ حِلِّزَةَ: ؎أوْ مَنَعْتُمْ ما تُسْألُونَ فَمَن ∗∗∗ حَدَّثْتُمُوهُ لَهُ عَلَيْنا العَلاءُ وجَعَلُوا حَدَّثَ فِيهِ مُتَعَدِّيَةً إلى ثَلاثَةٍ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: حَدَّثْتُمُوا عَنْهُ. والجُمْلَةُ بَعْدَهُ حالٌ. كَما خَرَّجَ سِيبَوَيْهِ قَوْلَهُ: ونُبِّئْتُ عَبْدَ اللَّهِ، أيْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، مَعَ احْتِمالِ أنْ يَكُونَ ضَمَّنَ نُبِّئْتُ مَعْنى: أُعْلِمْتُ، لَكِنْ رَجَحَ عِنْدَهُ حَذْفُ حَرْفِ الجَرِّ عَلى التَّضْمِينِ. وإذا احْتَمَلَ أنْ يُخَرَّجَ بَيْتُ الحارِثِ عَلى أنْ يَكُونَ مِمّا حُذِفَ مِنهُ الحَرْفُ، لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلِيلٌ عَلى إثْباتِ تَعَدِّي حَدَثٍ إلى ثَلاثَةٍ بِنَفْسِهِ، فَيَنْبَغِي أنْ لا يُذْهَبَ إلى ذَلِكَ، إلّا أنْ يَثْبُتَ مِن لِسانِ العَرَبِ. الفَتْحُ: القَضاءُ بِلُغَةِ اليَمَنِ، ﴿وهُوَ الفَتّاحُ العَلِيمُ﴾ [سبإ: ٢٦] . والأذْكارُ: فَتْحٌ عَلى الإمامِ، والظَّفَرُ: ﴿فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْحُ﴾ [الأنفال: ١٩] . قالَ الكَلْبِيُّ: وبِمَعْنى القَصَصِ. قالَ الكِسائِيُّ: وبِمَعْنى التَّبْيِينِ. قالَ الأخْفَشُ: وبِمَعْنى المَنِّ. وأصْلُ الفَتْحِ: خَرْقُ الشَّيْءِ، والسَّدُّ ضِدُّهُ. المُحاجَّةُ: مِنَ الِاحْتِجاجِ، وهو القَصْدُ لِلْغَلَبَةِ، حاجَّهُ: قَصَدَ أنْ يَغْلِبَ. والحُجَّةُ: الكَلامُ المُسْتَقِيمُ، مَأْخُوذٌ مِن مَحَجَّةِ الطَّرِيقِ. أسَرَّ الشَّيْءَ: أخْفاهُ، وأعْلَنَهُ: أظْهَرُهُ. الأُمِّيُّ: الَّذِي لا يَقْرَأُ في كِتابٍ ولا يَكْتُبُ، نُسِبَ إلى الأُمِّ لِأنَّهُ لَيْسَ مِن شُغْلِ النِّساءِ أنْ يَكْتُبْنَ أوْ يَقْرَأْنَ في كِتابٍ، أوْ لِأنَّهُ بِحالِ ولَدَتْهُ أُمُّهُ لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْها، أوْ نُسِبَ إلى الأُمَّةِ، وهي القامَةُ والخِلْقَةُ، أوْ إلى الأمَةِ، إذْ هي ساذِجَةٌ قَبْلَ أنْ تَعْرِفَ المَعارِفَ. الأمانِيُّ: جَمْعُ أُمْنِيَّةٍ، وهي أُفْعُولَةٌ، أصْلُهُ: أُمْنُويَةٌ، اجْتَمَعَتْ ياءٌ وواوٌ وسُبِقَتْ إحْداهُما بِالسُّكُونِ، فَقُلِبَتِ الواوُ ياءً، وأُدْغِمَتِ الياءُ في الياءِ، وهي مِن مَنّى، إذا قَدَّرَ؛ لِأنَّ المُتَمَنِّيَ يُقَدِّرُ في نَفْسِهِ ويُحْزِرُ ما يَتَمَنّاهُ، أوْ مِن تَمَنّى: أيْ كَذَبَ. قالَ أعْرابِيٌّ لِابْنٍ دَأبَ (p-٢٧٠)فِي شَيْءٍ حَدَثَ بِهِ: أهَذا شَيْءٌ رَوَيْتَهُ أمْ تَمَنَّيْتَهُ. أيِ اخْتَلَقْتَهُ. وقالَ عُثْمانُ: ما تَمَنَّيْتُ ولا تَغَنَّيْتُ مُنْذُ أسْلَمْتُ، أوْ مِن تَمَنّى إذا تَلا، قالَ تَعالى: ﴿إلّا إذا تَمَنّى ألْقى الشَّيْطانُ في أُمْنِيَّتِهِ﴾ [الحج: ٥٢]، أيْ إذا تَلا وقَرَأ، وقالَ الشّاعِرُ: ؎تَمَنّى كِتابَ اللَّهِ أوَّلَ لَيْلِهِ ∗∗∗ وآخِرَهُ لاقى حِمامَ المَقادِرِ والتِّلاوَةُ والكَذِبُ راجِعانِ لِمَعْنى التَّقْدِيرِ، فالتَّقْدِيرُ أصْلُهُ، قالَ الشّاعِرُ: ؎ولا تَقُولَنْ لِشَيْءٍ سَوْفَ أفْعَلُهُ ∗∗∗ حَتّى تَبَيَّنَ ما يَمْنِي لَكَ المانِي أيْ يُقَدِّرُ، وجَمْعُها بِتَشْدِيدِ الياءِ لِأنَّهُ أفاعِيلُ. وإذا جُمِعَ عَلى أفاعِلَ خُفِّفَتِ الياءُ، والأصْلُ التَّشْدِيدُ؛ لِأنَّ الياءَ الأُولى في الجَمْعِ هي الواوُ الَّتِي كانَتْ في المُفْرَدِ الَّتِي انْقَلَبَتْ فِيهِ ياءً، ألا تَرى أنَّ جَمْعَ أُمْلُودٍ أمالِيدُ ؟ ويْلٌ: الوَيْلُ مَصْدَرٌ لا فِعْلَ لَهُ مِن لَفْظِهِ، وما ذُكِرَ مِن قَوْلِهِمْ. وألَ مَصْنُوعٌ، ولَمْ يَجِئْ مِن هَذِهِ المادَّةِ الَّتِي فاؤُها واوٌ وعَيْنُها ياءٌ إلّا: ويْلٌ، ووَيْحٌ، ووَيْسٌ، ووَيْبٌ، ولا يُثَنّى ولا يُجْمَعُ. ويُقالُ: ويْلَهُ، ويُجْمَعُ عَلى ويْلاتٍ. قالَ: ؎فَقالَتْ لَكَ الوَيْلاتُ إنَّكَ مُرْجِلِي وإذا أُضِيفَ ويْلٌ، فالأحْسَنُ فِيهِ النَّصْبُ، قالَ تَعالى: ﴿ويْلَكم لا تَفْتَرُوا عَلى اللَّهِ كَذِبًا﴾ [طه: ٦١] . وزَعَمَ بَعْضٌ أنَّهُ إذا أُضِيفَ لا يَجُوزُ فِيهِ إلّا النَّصْبُ، وإذا أفْرَدْتَهُ اخْتِيرَ الرَّفْعُ، قالَ: ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ﴾ [البقرة: ٧٩]، ويَجُوزُ النَّصْبُ، قالَ: ؎فَوَيْلًا لِتَيْمٍ مِن سَرابِيلِها الخُضْرِ والوَيْلُ: مَعْناهُ الفَضِيحَةُ والحَسْرَةُ، وقالَ الخَلِيلُ: الوَيْلُ: شِدَّةُ الشَّرِّ، وقالَ المُفَضَّلُ وابْنُ عَرَفَةَ: الوَيْلُ: الحُزْنُ، يُقالُ: تَوَيَّلَ الرَّجُلُ: دَعا بِالوَيْلِ، وإنَّما يُقالُ ذَلِكَ عِنْدَ الحُزْنِ والمَكْرُوهِ. وقالَ غَيْرُهُ: الوَيْلُ: الهَلَكَةُ، وكُلُّ مَن وقَعَ في هَلَكَةٍ دَعا بِالوَيْلِ، وقالَ الأصْمَعِيُّ: هي كَلِمَةُ تَفَجُّعٍ، وقَدْ يَكُونُ تَرَحُّمًا، ومِنهُ: ؎ويْلُ أُمِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ الأيْدِي: جَمْعُ يَدٍ، ويَدٌ مِمّا حُذِفَ مِنهُ اللّامُ، ووَزْنُهُ فَعْلٌ، وقَدْ صُرِّحَ بِالأصْلِ. قالُوا: يَدْيٌ، وقَدْ أبْدَلُوا مِنَ الياءِ الأُولى هَمْزَةً، قالُوا: قَطَعَ اللَّهُ أدْيَهُ، وأبْدَلُوا مِنها أيْضًا جِيمًا، قالُوا: لا أفْعَلُ ذَلِكَ جَدَ الدَّهْرِ، يُرِيدُونَ يَدَ الدَّهْرِ، وهي حَقِيقَةٌ في الجارِحَةِ، مَجازٌ في غَيْرِها. وأمّا الأيادِي فَجَمْعُ الجَمْعِ، وأكْثَرُ اسْتِعْمالِ الأيادِي في النِّعَمِ، والأصْلُ: الأيْدِي، اسْتَثْقَلْنا الضَّمَّةَ عَلى الياءِ فَحُذِفَتْ، فَسَكَنَتِ الياءُ، وقَبْلَها ضَمَّةٌ، فانْقَلَبَتْ واوًا، فَصارَ الأيْدُو. وكَما قِيلَ في مُيْقِنٍ مُوقِنٌ، ثُمَّ إنَّهُ لا يُوجَدُ في لِسانِهِمْ واوٌ ساكِنَةٌ قَبْلَها ضَمَّةٌ في اسْمٍ، وإذا أدّى القِياسُ إلى ذَلِكَ، قُلِبَتْ تِلْكَ الواوُ ياءً وتِلْكَ الضَّمَّةُ قَبْلَها كَسْرَةٌ، فَصارَ الأيْدِي. وقَدْ تَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى اليَدِ عِنْدَ الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ: ﴿لِما بَيْنَ يَدَيْها﴾ [البقرة: ٦٦] . الكَسْبُ: أصْلُهُ اجْتِلابُ النَّفْعِ، وقَدْ جاءَ في اجْتِلابِ الضُّرِّ، ومِنهُ: بَلى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً، والفِعْلُ مِنهُ يَجِيءُ مُتَعَدِّيًا إلى واحِدٍ، تَقُولُ: كَسَبْتُ مالًا، وإلى اثْنَيْنِ تَقُولُ: كَسَّبْتُ زَيْدًا مالًا. وقالَ ابْنُ الأعْرابِيِّ؛ يُقالُ: كَسَبَ هو نَفْسُهُ وأكْسَبَ غَيْرَهُ، وأنْشَدَ: ؎فَأكْسَبَنِي مالًا وأكْسَبْتُهُ حَمْدا المَسُّ: الإصابَةُ، والمَسُّ: الجَمْعُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ عَلى نِهايَةِ القُرْبِ، واللَّمْسُ: مِثْلُهُ لَكِنْ مَعَ الإحْساسِ، وقَدْ يَجِيءُ المَسُّ مَعَ الإحْساسِ. وحَقِيقَةُ المَسِّ واللَّمْسِ بِاليَدِ. ونُقِلَ مِنَ الإحْساسِ إلى المَعانِي مِثْلَ: ﴿أنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ﴾ [ص: ٤١] ﴿يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ المَسِّ﴾ [البقرة: ٢٧٥]، ومِنهُ سُمِّي الجُنُونُ مَسًّا، وقِيلَ: المَسُّ واللَّمْسُ والجَسُّ مُتَقارِبٌ، إلّا أنَّ الجَسَّ عامٌّ في المَحْسُوساتِ، والمَسَّ فِيما يَخْفى ويَدِقُّ، كَنَبْضِ العُرُوقِ، والمَسُّ واللَّمْسُ بِظاهِرِ البَشْرَةِ، والمَسُّ كِنايَةٌ عَنِ النِّكاحِ وعَنِ الجُنُونِ. المَعْدُودُ: اسْمُ مَفْعُولٍ مِن عَدَّ، بِمَعْنى حَسَبَ، والعَدَدُ هو الحِسابُ. الإخْلافُ: عَدَمُ الإيفاءِ بِالشَّيْءِ المَوْعُودِ. بَلى: حَرْفُ جَوابٍ لا يَقَعُ إلّا بَعْدَ نَفْيٍ في اللَّفْظِ أوِ المَعْنى، ومَعْناها: رَدُّهُ، سَواءٌ كانَ مَقْرُونًا بِهِ أداةُ الِاسْتِفْهامِ، أوْ لَمْ يَكُنْ، وقَدْ وقَعَ جَوابًا لِلِاسْتِفْهامِ في مِثْلِ: هَلْ يَسْتَطِيعُ زَيْدٌ مُقاوَمَتِي ؟ إذا كانَ مُنْكِرًا لِمُقاوَمَةِ زَيْدٍ لَهُ، لِما كانَ مَعْناهُ النَّفْيَ، ومِمّا وقَعَتْ فِيهِ جَوابًا لِلِاسْتِفْهامِ قَوْلُ الحُجافِ بْنِ حَكِيمٍ: ؎بَلْ سَوْفَ نُبْكِيهِمْ بِكُلِّ مُهَنَّدٍ ∗∗∗ ونُبْكِي نُمَيْرًا بِالرِّماحِ الخَواطِرِ (p-٢٧١)وقَعَتْ جَوابًا لِلَّذِي قالَ لَهُ، وهو الأخْطَلُ: ؎ألا فاسْألِ الحُجافَ هَلْ هو ∗∗∗ ثائِرٌ بِقَتْلى أُصِيبَتْ مِن نُمَيْرِ بْنِ عامِرِ وبَلى عِنْدَنا ثُلاثِيُّ الوَضْعِ، ولَيْسَ أصْلُهُ بَلْ، فَزِيدَتْ عَلَيْها الألْفُ خِلافًا لِلْكُوفِيِّينَ. السَّيِّئَةُ: فَيْعِلَةٌ مِن ساءَ يَسُوءُ مَساءَةً، إذا حَزِنَ، وهي تَأْنِيثُ السَّيِّيءِ، وقَدْ تَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى هَذا الوَزْنِ عِنْدَ الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ: ﴿أوْ كَصَيِّبٍ﴾ [البقرة: ١٩]، فَأغْنى عَنْ إعادَتِهِ. * * * ﴿أفَتَطْمَعُونَ أنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ﴾: ذَكَرُوا في سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّها نَزَلَتْ في الأنْصارِ، وكانُوا حُلَفاءَ لِلْيَهُودِ، وبَيْنَهم جِوارٌ ورَضاعَةٌ، وكانُوا يَوَدُّونَ لَوْ أسْلَمُوا. وقِيلَ: كانَ النَّبِيُّ ﷺ والمُؤْمِنُونَ يَوَدُّونَ إسْلامَ مَن بِحَضْرَتِهِمْ مِن أبْناءِ اليَهُودِ، لِأنَّهم كانُوا أهْلَ كِتابٍ وشَرِيعَةٍ، وكانُوا يَغْضَبُونَ لَهم ويَلْطُفُونَ بِهِمْ طَمَعًا في إسْلامِهِمْ. وقِيلَ: نَزَلَتْ فِيمَن بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ ﷺ مِن أبْناءِ السَبْعِينَ الَّذِينَ كانُوا مَعَ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - في الطُّورِ، فَسَمِعُوا كَلامَ اللَّهِ، فَلَمْ يَمْتَثِلُوا أمْرَهُ، وحَرَّفُوا القَوْلَ في أخْبارِهِمْ لِقَوْمِهِمْ، وقالُوا: سَمِعْناهُ يَقُولُ إنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ تَفْعَلُوا هَذِهِ الأشْياءَ فافْعَلُوا، وإنْ شِئْتُمْ فَلا تَفْعَلُوا. وقِيلَ: نَزَلَتْ في عُلَماءِ اليَهُودِ الَّذِينَ يُحَرِّفُونَ التَّوْراةَ، فَيَجْعَلُونَ الحَلالَ حَرامًا، والحَرامَ حَلالًا، اتِّباعًا لِأهْوائِهِمْ. وقِيلَ: إنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «لا يَدْخُلُ عَلَيْنا قَصَبَةَ المَدِينَةِ إلّا مُؤْمِنٌ» . قالَ كَعْبُ بْنُ الأشْرَفِ، ووَهَبُ بْنُ يَهُوذا وأشْباهُهُما: اذْهَبُوا وتَجَسَّسُوا أخْبارَ مَن آمَنَ، وقُولُوا لَهم آمَنّا، واكْفُرُوا إذا رَجَعْتُمْ، فَنَزَلَتْ. وقِيلَ: نَزَلَتْ في قَوْمٍ مِنَ اليَهُودِ قالُوا لِبَعْضِ المُؤْمِنِينَ: نَحْنُ نُؤْمِنُ أنَّهُ نَبِيٌّ، لَكِنْ لَيْسَ إلَيْنا، وإنَّما هو إلَيْكم خاصَّةً، فَلَمّا خَلَوْا، قالَ بَعْضُهم: أتُقِرُّونَ بِنُبُوَّتِهِ وقَدْ كُنّا قَبْلُ نَسْتَفْتِحُ بِهِ ؟ فَهَذا هو الَّذِي فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِن عِلْمِهِ. وقِيلَ: نَزَلَتْ في قَوْمٍ مِنَ اليَهُودِ كانُوا يَسْمَعُونَ الوَحْيَ، ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ ما عَقَلُوهُ. وهَذِهِ الأقاوِيلُ كُلُّها لا تَخْرُجُ عَنْ أنَّ الحَدِيثَ في اليَهُودِ الَّذِينَ كانُوا في زَمانِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لِأنَّهُمُ الَّذِينَ يَصِحُّ فِيهِمُ الطَّمَعُ أنْ يُؤْمِنُوا؛ لِأنَّ الطَّمَعَ إنَّما يَصِحُّ في المُسْتَقْبَلِ، والضَّمِيرُ في ﴿أنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ﴾ لِلْيَهُودِ. والمَعْنى: اسْتِبْعادُ إيمانِ اليَهُودِ، إذْ قَدْ تَقَدَّمَ لِأسْلافِهِمْ أفاعِيلُ، وجَرى أبْناؤُهم عَلَيْها. فَبَعِيدٌ صُدُورُ الإيمانِ مِن هَؤُلاءِ، فَإنْ قِيلَ: كَيْفَ يَلْزَمُ مِن إقْدامِ بَعْضِهِمْ عَلى التَّحْرِيفِ حُصُولُ اليَأْسِ مِن إيمانِ الباقِينَ ؟ قِيلَ: قالَ القَفّالُ: يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المَعْنى: كَيْفَ يُؤْمِنُ هَؤُلاءِ وهم إنَّما يَأْخُذُونَ دِينَهم ويَتَعَلَّمُونَهُ مِن قَوْمٍ يُحَرِّفُونَ عِنادًا ؟ فَإنَّما يُعَلِّمُونَهم ما حَرَّفُوهُ وغَيَّرُوهُ عَنْ وجْهِهِ، والمُقَلِّدُونَ يَقْبَلُونَ ذَلِكَ مِنهم، فَلا يَلْتَفِتُونَ إلى الحَقِّ. وقِيلَ: إياسُهم مِن إيمانِ فِرْقَةٍ بِأعْيانِهِمْ. والهَمْزَةُ في أفَتَطْمَعُونَ لِلِاسْتِفْهامِ، وفِيها مَعْنى التَّقْرِيرِ، كَأنَّهُ قالَ: قَدْ طَمِعْتُمْ في إيمانِ هَؤُلاءِ، وحالُهم ما ذُكِرَ. وقِيلَ: فِيهِ ضَرْبٌ مِنَ النَّكِيرِ عَلى الرَّغْبَةِ في إيمانِ مَن شَواهِدُ امْتِناعِهِ قائِمَةٌ. واسْتُبْعِدَ إيمانُهم، لِأنَّهم كَفَرُوا بِمُوسى، مَعَ ما شاهَدُوا مِنَ الخَوارِقِ عَلى يَدَيْهِ، ولِأنَّهم ما اعْتَرَفُوا بِالحَقِّ، مَعَ عِلْمِهِمْ، ولِأنَّهم لا يَصْلُحُونَ لِلنَّظَرِ والِاسْتِدْلالِ. والخِطابُ في أفَتَطْمَعُونَ، لِلنَّبِيِّ ﷺ خاصَّةً. خاطَبَهُ بِلَفْظِ الجَمْعِ تَعْظِيمًا لَهُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ ومُقاتِلٌ، أوْ لِلْمُؤْمِنِينَ، قالَهُ أبُو العالِيَةِ وقَتادَةُ، أوْ لِلْأنْصارِ، قالَهُ النَّقّاشُ، أوْ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ والمُؤْمِنِينَ، أوْ لِجَماعَةٍ مِنَ المُؤْمِنِينَ، أوْ لِجَماعَةٍ مِنَ الأنْصارِ. والفاءُ بَعْدَ الهَمْزَةِ أصْلُها التَّقْدِيمُ عَلَيْها، والتَّقْدِيرُ: فَأتَطْمَعُونَ، فالفاءُ لِلْعَطْفِ، لَكِنَّهُ اعْتَنى بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهامِ، فَقُدِّمَتْ عَلَيْها. والزَّمَخْشَرِيُّ يَزْعُمُ أنَّ بَيْنَ الهَمْزَةِ والفاءِ فِعْلٌ مَحْذُوفٌ، ويُقِرُّ الفاءَ عَلى حالِها، حَتّى تُعْطَفَ الجُمْلَةُ بَعْدَها عَلى الجُمْلَةِ المَحْذُوفَةِ قَبْلَها، وهو خِلافُ مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ، ومَحْجُوجٌ بِمَواضِعَ لا يُمْكِنُ تَقْدِيرُ فِعْلٍ فِيها، نَحْوَ قَوْلِهِ: ﴿أوَمَن يُنَشَّأُ في الحِلْيَةِ﴾ [الزخرف: ١٨] ﴿أفَمَن يَعْلَمُ أنَّما أُنْزِلَ إلَيْكَ﴾ [الرعد: ١٩]، ﴿أفَمَن هو قائِمٌ﴾ [الرعد: ٣٣] . أنْ يُؤْمِنُوا: مَعْمُولٌ لِتَطْمَعُونَ عَلى إسْقاطِ حَرْفِ الجَرِّ، التَّقْدِيرُ: في أنْ يُؤْمِنُوا، فَهو في (p-٢٧٢)مَوْضِعِ نَصْبٍ، عَلى مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ، وفي مَوْضِعِ جَرٍّ، عَلى مَذْهَبِ الخَلِيلِ والكِسائِيِّ. ولَكم: مُتَعَلِّقٌ بِيُؤْمِنُوا، عَلى أنَّ اللّامَ بِمَعْنى الباءِ، وهو ضَعِيفٌ، ولامُ السَّبَبِ أيْ أنْ يُؤْمِنُوا لِأجْلِ دَعْوَتِكم لَهم. ﴿وقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنهم يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ﴾، الفَرِيقُ: قِيلَ: الأحْبارُ الَّذِينَ حَرَّفُوا التَّوْراةَ في صِفَةِ مُحَمَّدٍ ﷺ قالَهُ مُجاهِدٌ والسُّدِّيُّ. وقِيلَ: جَماعَةٌ مِنَ اليَهُودِ كانُوا يَسْمَعُونَ الوَحْيَ إذا نَزَلَ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَيُحَرِّفُونَهُ، قَصْدَ أنْ يُدْخِلُوا في الدِّينِ ما لَيْسَ فِيهِ، ويَحْصُلَ التَّضادُّ في أحْكامِهِ. وقِيلَ: كُلُّ مَن حَرَّفَ حُكْمًا أوْ غَيَّرَهُ، كَفِعْلِهِمْ في آيَةِ الرَّجْمِ ونَحْوِها. وقِيلَ: هُمُ السَبْعُونَ الَّذِينَ سَمِعُوا مَعَ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - كَلامَ اللَّهِ، ثُمَّ بَدَّلُوا بَعْدَ ذَلِكَ، وقَدْ أُنْكِرَ أنْ يَكُونُوا سَمِعُوا كَلامَ اللَّهِ تَعالى. قالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: أنْكَرَ ذَلِكَ أهْلُ العِلْمِ، مِنهم: التِّرْمِذِيُّ، صاحِبُ النَّوادِرِ، وقالَ: إنَّما خُصَّ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - بِالكَلامِ وحْدَهُ. وكَلامُ اللَّهِ الَّذِي حَرَّفُوهُ، قِيلَ: هو التَّوْراةُ، حَرَّفُوها بِتَبْدِيلِ ألْفاظٍ مِن تِلْقائِهِمْ، وهو قَوْلُ الجُمْهُورِ. وقِيلَ: بِالتَّأْوِيلِ، مَعَ بَقاءِ لَفْظِ التَّوْراةِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. وقِيلَ: هو كَلامُ اللَّهِ الَّذِي سَمِعُوهُ عَلى الطُّورِ‌ . وقِيلَ: ما كانُوا يَسْمَعُونَهُ مِنَ الوَحْيِ المُنَزَّلِ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ . وقَرَأ الأعْمَشُ: كَلِمَ اللَّهِ، جَمْعُ كَلِمَةٍ، وقَدْ يُرادُ بِالكَلِمَةِ الكَلامُ، فَتَكُونُ القِراءَتانِ بِمَعْنًى واحِدٍ. وقَدْ يُرادُ المُفْرَداتُ، فَيُحَرِّفُونَ المُفْرَداتِ، فَتَتَغَيَّرُ المُرَكَّباتُ وإسْنادُها بِتَغَيُّرِ المُفْرَداتِ. ﴿ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ﴾: التَّحْرِيفُ الَّذِي وقَعَ، قِيلَ: في صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَإنَّهم وصَفُوهُ بِغَيْرِ الوَصْفِ الَّذِي هو عَلَيْهِ، حَتّى لا تَقُومَ عَلَيْهِمْ بِهِ الحُجَّةُ. وقِيلَ: في صِفَتِهِ، وفي آيَةِ الرَّجْمِ. ﴿مِن بَعْدِ ما عَقَلُوهُ﴾ أيْ مِن بَعْدِ ما ضَبَطُوهُ وفَهِمُوهُ، ولَمْ تَشْتَبِهْ عَلَيْهِمْ صِحَّتُهُ. وما مَصْدَرِيَّةٌ، أيْ مِن بَعْدِ عَقْلِهِمْ إيّاهُ، والضَّمِيرُ في عَقَلُوهُ عائِدٌ عَلى كَلامِ اللَّهِ. وقِيلَ: ما مَوْصُولَةٌ، والضَّمِيرُ عائِدٌ عَلَيْها، وهو بَعِيدٌ. ﴿وهم يَعْلَمُونَ﴾: ومُتَعَلِّقُ العِلْمِ مَحْذُوفٌ، أيْ أنَّهم قَدْ حَرَّفُوهُ، أوْ ما في تَحْرِيفِهِ مِنَ العِقابِ، أوْ أنَّهُ الحَقُّ، أوْ أنَّهم مُبْطِلُونَ كاذِبُونَ. والواوُ في قَوْلِهِ: ﴿وقَدْ كانَ فَرِيقٌ﴾، وفي قَوْلِهِ: ﴿وهم يَعْلَمُونَ﴾، واوُ الحالِ. ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ العامِلُ في الحالِ قَوْلَهُ: ﴿أفَتَطْمَعُونَ﴾ ؟ ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ: ﴿أنْ يُؤْمِنُوا﴾ . فَعَلى الأوَّلِ يَكُونُ المَعْنى: أفَيَكُونُ مِنكم طَمَعٌ في إيمانِ اليَهُودِ وأسْلافِهِمْ مَن عادَتُهم تَحْرِيفُ كَلامِ اللَّهِ، وهم سالِكُو سُنَنِهِمْ ومُتَّبِعُوهم في تَضْلِيلِهِمْ، فَيَكُونُ الحالُ قَيْدًا في الطَّمَعِ المُسْتَبْعَدِ، أيْ يُسْتَبْعَدُ الطَّمَعُ في إيمانِ هَؤُلاءِ وصِفَتُهم هَذِهِ. وعَلى الثّانِي يَكُونُ المَعْنى: اسْتِبْعادُ الطَّمَعِ في أنْ يَقَعَ مِن هَؤُلاءِ إيمانٌ، وقَدْ كانَ أسْلافُهم عَلى ما نَصَّ مِن تَحْرِيفِ كَلامِ اللَّهِ تَعالى. فَعَلى هَذا يَكُونُ الحالُ قَيْدًا في إيمانِهِمْ. وعَلى كِلا التَّقْدِيرَيْنِ، فَكُلٌّ مِنهُما، أعْنِي مِن ”أفَتَطْمَعُونَ“، ومِن ”يُؤْمِنُوا“، مُقَيَّدٌ بِهَذِهِ الحالِ مِن حَيْثُ المَعْنى. وإنَّما الَّذِي ذَكَرْناهُ تَقْتَضِيهِ صِناعَةُ الإعْرابِ. وبَيانُ التَّقْيِيدِ مِن حَيْثُ المَعْنى أنَّكَ إذا قُلْتَ: أتَطْمَعُ أنْ يَتْبَعَكَ زَيْدٌ ؟ وهو مُتَّبِعٌ طَرِيقَةَ أبِيهِ، فاسْتِبْعادُ الطَّمَعِ مُقَيَّدٌ بِهَذِهِ الحالِ، ومُتَعَلِّقُ الطَّمَعِ، الَّذِي هو الِاتِّباعُ المَفْرُوضُ وُقُوعُهُ، مُقَيَّدٌ بِهَذِهِ الحالِ. فَحُصُولُهُ أنَّ وُجُودَ هَذِهِ الحالِ لا يُجامِعُ الِاتِّباعَ، ولا يُناسِبُ الطَّمَعَ، بَلْ إنَّما كانَ يُناسِبُ الطَّمَعَ ويُتَوَقَّعُ الِاتِّباعُ، مَعَ انْتِفاءِ هَذِهِ الحالِ. وأمّا العامِلُ في قَوْلِهِ: ﴿وهم يَعْلَمُونَ﴾، فَقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ﴾، أيْ يَقَعُ التَّحْرِيفُ مِنهم بَعْدَ تَعَقُّلِهِ وتَفَهُّمِهِ، عالِمِينَ بِما في تَحْرِيفِهِ مِن شَدِيدِ العِقابِ، ومَعَ ذَلِكَ فَهم يُقْدِمُونَ عَلى ذَلِكَ، ويَجْتَرِئُونَ عَلَيْهِ. والإنْكارُ عَلى العالِمِ أشَدُّ مِنَ الإنْكارِ عَلى الجاهِلِ؛ لِأنَّ عِنْدَ العالِمِ دَواعِيَ الطّاعَةِ، لِما عَلِمَ مِن ثَوابِها، وتَوانِيَ المَعْصِيَةِ لِما عَلِمَ مِن عِقابِها. وذَهَبَ بَعْضُهم إلى أنَّ العامِلَ في قَوْلِهِ: ﴿وهم يَعْلَمُونَ﴾، قَوْلُهُ: ﴿عَقَلُوهُ﴾، والظّاهِرُ القَوْلُ الأوَّلُ، وهو قَوْلُهُ: ﴿يُحَرِّفُونَهُ﴾ . ﴿وإذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنّا﴾: قَرَأ ابْنُ السَّمَيْقَعِ: ”لاقَوْا، قالُوا: عَلى التَّكْثِيرِ. (p-٢٧٣)ولا يَظْهَرُ التَّكْثِيرُ، إنَّما هو مِن فاعَلَ الَّذِي هو بِمَعْنى الفِعْلِ المُجَرَّدِ. فَمَعْنى لاقَوْا، ومَعْنى لَقُوا واحِدٌ، وتَقَدَّمَ شَرْحُ مُفْرَداتِ هَذِهِ الجُمْلَةِ الشَّرْطِيَّةِ. ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ هَذِهِ الجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةً مُنْبِئَةً عَنْ نَوْعٍ مِن قَبائِحِ اليَهُودِ الَّذِينَ كانُوا في زَمانِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وكاشِفَةً عَمّا أكَنُّوهُ مِنَ النِّفاقِ. ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ جُمْلَةً حالِيَّةً مَعْطُوفَةً عَلى قَوْلِهِ: ﴿وقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنهُمْ﴾ الآيَةَ، أيْ كَيْفَ يُطْمَعُ في إيمانِهِمْ، وقَدْ كانَ مِن أسْلافِهِمْ مَن يُحَرِّفُ كَلامَ اللَّهِ، وهَؤُلاءِ سالِكُو طَرِيقَتِهِمْ، وهم في أنْفُسِهِمْ مُنافِقُونَ، يُظْهِرُونَ مُوافَقَتَكم إذا لَقُوكم، وأنَّهم مِنكم وهم في الباطِنِ كُفّارٌ. فَمَن جَمَعَ بَيْنَ هاتَيْنِ الحالَتَيْنِ، مِنِ اقْتِدائِهِمْ بِأسْلافِهِمُ الضُّلّالِ، ومُنافِقَتِهِمْ لِلْمُؤْمِنِينَ لا يُطْمَعُ في إيمانِهِمْ. والَّذِينَ آمَنُوا هُنا هم: أبُو بَكْرٍ وعُمَرُ وجَماعَةٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ، قالَهُ جُمْهُورُ المُفَسِّرِينَ. وقالَ بَعْضُهم: المُؤْمِنُونَ هُنا جَماعَةٌ مِنَ اليَهُودِ آمَنُوا وأخْلَصُوا في إيمانِهِمْ، والضَّمِيرُ في لَقُوا لِجَماعَةٍ مِنَ اليَهُودِ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ باقِينَ عَلى دِينِهِمْ، أوْ لِجَماعَةٍ مِنهم أسْلَمُوا ثُمَّ نافَقُوا، أوْ لِلْيَهُودِ الَّذِينَ أمَرَهم رُؤَساؤُهم مِن بَنِي قُرَيْظَةَ أنْ يَدْخُلُوا المَدِينَةَ ويَتَجَسَّسُوا أخْبارَ النَّبِيِّ ﷺ قالُوا: ادْخُلُوا المَدِينَةَ وأظْهِرُوا الإيمانَ، فَإنَّهُ نَهى أنْ يَدْخُلَ المَدِينَةَ إلّا مُؤْمِنٌ. ﴿وإذا خَلا بَعْضُهم إلى بَعْضٍ﴾ أيْ: وإذا انْفَرَدَ بَعْضُهم بِبَعْضٍ، أيِ الَّذِينَ لَمْ يُنافِقُوا إلى مَن نافَقَ. وإلى، قِيلَ: بِمَعْنى مَعَ، أيْ وإذا خَلا بَعْضُهم مَعَ بَعْضٍ، والأجْوَدُ أنْ يُضَمَّنَ مِن خَلا مَعْنى فِعْلٍ يُعَدّى بِإلى، أيِ انْضَوى إلى بَعْضٍ، أوِ اسْتَكانَ، أوْ ما أشْبَهَهُ؛ لِأنَّ تَضْمِينَ الأفْعالِ أوْلى مِن تَضْمِينِ الحُرُوفِ. (قالُوا): أيْ ذَلِكَ البَعْضُ الخالِي بِبَعْضِهِمْ. ﴿أتُحَدِّثُونَهُمْ﴾: أيْ قالُوا عاتِبِينَ عَلَيْهِمْ، أتُحَدِّثُونَ المُؤْمِنِينَ ؟ ﴿بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾: وما مَوْصُولَةٌ، والضَّمِيرُ العائِدُ عَلَيْها مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: بِما فَتَحَهُ اللَّهُ عَلَيْكم. وقَدْ جَوَّزُوا في ما أنْ تَكُونَ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً، وأنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً، أيْ بِفَتْحِ اللَّهِ عَلَيْكم. والأوْلى الوَجْهُ الأوَّلُ، والَّذِي حَدَّثُوا بِهِ هو ما تَكَلَّمَ بِهِ جَماعَةٌ مِنَ اليَهُودِ مِن صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قالَهُ أبُو العالِيَةِ وقَتادَةُ، أوْ ما عَذَّبَ بِهِ أسْلافَهم، قالَهُ السُّدِّيُّ. وقالَ مُجاهِدٌ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ لِبَنِي قُرَيْظَةَ:“ يا إخْوَةَ الخَنازِيرِ والقِرَدَةِ ”» . فَقالَ الأحْبارُ لِأتْباعِهِمْ: ما عَرَفَ هَذا إلّا مِن عِنْدِكم. وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: كانُوا إذا سُئِلُوا عَنْ شَيْءٍ قالُوا: في التَّوْراةِ كَذا وكَذا، فَكَرِهَ ذَلِكَ أحْبارُهم، ونَهَوْا في الخُلْوَةِ عَنْهُ. فَعَلى ما قالَهُ أبُو العالِيَةِ يَكُونُ الفَتْحُ بِمَعْنى الإعْلامِ والإذْكارِ، أيْ أتُحَدِّثُونَهم بِما أعْلَمَكُمُ اللَّهُ مِن صِفَةِ نَبِيِّهِمْ ؟ ورَواهُ الضَّحّاكُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. وعَلى قَوْلِ السُّدِّيِّ: يَكُونُ بِمَعْنى الحاكِمِ والقَضاءِ، أيْ أتُحَدِّثُونَهم بِما حَكَمَ اللَّهُ بِهِ عَلى أسْلافِكم وقَضاهُ مِن تَعْذِيبِهِمْ ؟ وعَلى قَوْلِابْنِ زَيْدٍ يَكُونُ بِمَعْنى: الإنْزالِ، أيْ أتُحَدِّثُونَهم بِما أنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكم في التَّوْراةِ ؟ وقالَ الكَلْبِيُّ: المَعْنى بِما قَضى اللَّهُ عَلَيْكم، وهو راجِعٌ لِمَعْنى الإنْزالِ. وقِيلَ: المَعْنى بِما بَيَّنَ اللَّهُ لَكم مِن أمْرِ مُحَمَّدٍ ﷺ وصِفَتِهِ، وشَرِيعَتِهِ، وما دَعاكم إلَيْهِ مِنَ الإيمانِ بِهِ، وأخْذِ العُهُودِ عَلى أنْبِيائِكم بِتَصْدِيقِهِ ونُصْرَتِهِ. وقِيلَ: المَعْنى بِما مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكم مِنَ النَّصْرِ عَلى عَدُوِّكم، ومِن تَأْوِيلِ كِتابِكم. ﴿لِيُحاجُّوكُمْ﴾: هَذِهِ لامُ كَيْ، والنَّصْبُ بِأنْ مُضْمَرَةٍ بَعْدَها، وهي جائِزَةُ الإضْمارِ، إلّا إنْ جاءَ بَعْدَها لا، فَيَجِبُ إظْهارُها. وهي مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ: ﴿أتُحَدِّثُونَهُمْ﴾، فَهي لامُ جَرٍّ، وتُسَمّى لامَ كَيْ، بِمَعْنى أنَّها لِلسَّبَبِ، كَما أنَّ كَيْ لِلسَّبَبِ. ولا يَعْنُونَ أنَّ النَّصْبَ بَعْدَها بِإضْمارِ كَيْ، وإنْ كانَ يَصِحُّ التَّصْرِيحُ بَعْدَها بِكَيْ، فَتَقُولَ: لِكَيْ أُكْرِمَكَ؛ لِأنَّ الَّذِي يُضْمَرُ إنَّما هو:“ أنْ ”لا“ كَيْ ”، وقَدْ أجازَ ابْنُ كَيْسانَ والسِّيرافِيُّ أنْ يَكُونَ المُضْمَرُ بَعْدَ هَذِهِ اللّامِ كَيْ، أوْ أنْ. وذَهَبَ الكُوفِيُّونَ إلى أنَّ النَّصْبَ بَعْدَ هَذِهِ اللّامِ إنَّما هو بِها نَفْسِها، وأنَّ ما يَظْهَرُ بَعْدَها مِن كَيْ وأنْ، إنَّما ذَلِكَ عَلى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ. وتَحْرِيرُ الكَلامِ في ذَلِكَ مَذْكُورٌ في مَبْسُوطاتِ النَّحْوِ. وذَهَبَ بَعْضُ المُعْرِبِينَ إلى أنَّ اللّامَ تَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ: فَتَحَ، ولَيْسَ بِظاهِرٍ؛ لِأنَّ المُحاجَّةَ لَيْسَتْ عِلَّةً لِلْفَتْحِ، إنَّما المُحاجَّةُ ناشِئَةٌ عَنِ التَّحْدِيثِ، إلّا أنْ تَكُونَ (p-٢٧٤)اللّامُ لامَ الصَّيْرُورَةِ عِنْدَ مَن يُثْبِتُ لَها هَذا المَعْنى، فَيُمْكِنَ أنْ يَصِيرَ المَعْنى: إنَّ الَّذِي فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِهِ حَدَّثُوا بِهِ، فَآلَ أمْرُهُ إلى أنْ حاجُّوهم بِهِ، فَصارَ نَظِيرَ: ﴿فالتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهم عَدُوًّا وحَزَنًا﴾ [القصص: ٨] . لَمْ يَلْتَقِطُوهُ لِهَذا الأمْرِ، إنَّما آلَ أمْرُهُ إلى ذَلِكَ. ومَن لَمْ يُثْبِتْ لامَ الصَّيْرُورَةِ، جَعَلَها لامَ كَيْ، عَلى تَجَوُّزٍ؛ لِأنَّ النّاشِئَ عَنْ شَيْءٍ وإنْ لَمْ يُقْصَدْ، كالعِلَّةِ. ولا فَرْقَ بَيْنَ أنْ يَجْعَلَها مُتَعَلِّقَةً بِقَوْلِهِ: أتُحَدِّثُونَهم، وبَيْنَ: بِما فَتَحَ، إلّا أنَّ جَعْلَها مُتَعَلِّقَةً بِالأوَّلِ أقْرَبُ وساطَةً، كَأنَّهُ قالَ: أتُحَدِّثُونَهم فَيُحاجُّوكم. وعَلى الثّانِي يَكُونُ أبْعَدَ، إذْ يَصِيرُ المَعْنى: فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكم بِهِ، فَحَدَّثْتُمُوهم بِهِ، فَحاجُّوكم. فالأوْلى جَعْلُهُ لِأقْرَبِ وساطَةٍ، والضَّمِيرُ في (بِهِ) عائِدٌ إلى“ ما ”مِن قَوْلِهِ: ﴿بِما فَتَحَ اللَّهُ﴾، وبِهَذا يَبْعُدُ قَوْلُ مَن ذَهَبَ إلى أنَّها مَصْدَرِيَّةٌ؛ لِأنَّ المَصْدَرِيَّةَ لا يَعُودُ عَلَيْها ضَمِيرٌ. ﴿عِنْدَ رَبِّكُمْ﴾ مَعْمُولٌ لِقَوْلِهِ: لِيُحاجُّوكم، والمَعْنى: لِيُحاجُّوكم بِهِ في الآخِرَةِ. فَكَنّى بِقَوْلِهِ: ﴿عِنْدَ رَبِّكُمْ﴾ عَنِ اجْتِماعِهِمْ بِهِمْ في الآخِرَةِ، كَما قالَ تَعالى: ﴿ثُمَّ إنَّكم يَوْمَ القِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكم تَخْتَصِمُونَ﴾ [الزمر: ٣١] . وقِيلَ: مَعْنى عِنْدَ رَبِّكم: في رَبِّكم، أيْ فَيَكُونُونَ أحَقَّ بِهِ، جَعَلَ عِنْدَ بِمَعْنى في. وقِيلَ: هو عَلى حَذْفِ مُضافٍ، أيْ لِيُحاجُّوكم بِهِ عِنْدَ ذِكْرِ رَبِّكم. وقِيلَ مَعْناهُ: أنَّهُ جَعَلَ المُحاجَّةَ في كِتابِكم مُحاجَّةً عِنْدَ اللَّهِ، ألا تُراكَ تَقُولُ هو في كِتابِ اللَّهِ كَذا، وهو عِنْدَ اللَّهِ كَذا، بِمَعْنًى واحِدٍ ؟ وقِيلَ: هو مَعْمُولٌ لِقَوْلِهِ: بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكم عِنْدَ رَبِّكم، أيْ مِن عِنْدِ رَبِّكم لِيُحاجُّوكم، وهو بَعْثُ النَّبِيِّ ﷺ وأخْذُ مِيثاقِهِمْ بِتَصْدِيقِهِ. قالَ ابْنُ أبِي الفَضْلِ: وهَذا القَوْلُ هو الصَّحِيحُ؛ لِأنَّ الِاحْتِجاجَ عَلَيْهِمْ هو بِما كانَ في الدُّنْيا. انْتَهى. والأوْلى حَمْلُ اللَّفْظِ عَلى ظاهِرِهِ مِن غَيْرِ تَقْدِيمٍ ولا تَأْخِيرٍ، إذا أمْكَنَ ذَلِكَ، وقَدْ أمْكَنَ بِجَعْلِ قَوْلِهِ: ﴿عِنْدَ رَبِّكُمْ﴾ عَلى بَعْضِ المَعانِي الَّتِي ذَكَرْناها. وأمّا عَلى ما ذَهَبَ إلَيْهِ هَذا الذّاهِبُ، فَبَعِيدٌ جِدًّا؛ لِأنَّ“ لِيُحاجُّوكم " مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: أتُحَدِّثُونَهم، وعِنْدَ رَبِّكم مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكم، فَتَكُونُ قَدْ فَصَلْتَ بَيْنَ قَوْلِهِ: عِنْدَ رَبِّكم، وبَيْنَ العامِلِ فِيهِ الَّذِي هو: فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكم، بِقَوْلِهِ: لِيُحاجُّوكم، وهو أجْنَبِيٌّ مِنهُما، إذْ هو مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: أتُحَدِّثُونَهم عَلى الأظْهَرِ، ويَبْعُدُ أنْ يَجِيءَ هَذا التَّرْكِيبُ هَكَذا في فَصِيحِ الكَلامِ، فَكَيْفَ يَجِيءُ في كَلامِ اللَّهِ الَّذِي هو أفْصَحُ الكَلامِ ؟ . ﴿أفَلا تَعْقِلُونَ﴾: ظاهِرُهُ أنَّهُ مُنْدَرِجٌ تَحْتَ قَوْلِ مَن قالَ: أتُحَدِّثُونَهم بِما يَكُونُ حُجَّةً لَهم عَلَيْكم ؟ أفَلا تَعْقِلُونَ فَلا تُحَدِّثُونَهم بِذَلِكَ ؟ وقِيلَ: هو خِطابٌ مِنَ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ، أيْ أفَلا تَعْقِلُونَ أنَّ هَؤُلاءِ اليَهُودَ لا يُؤْمِنُونَ، وهم عَلى هَذِهِ الصِّفاتِ الذَّمِيمَةِ، مِنِ اتِّباعِ أسْلافِهِمُ المُحَرِّفِينَ كَلامَ اللَّهِ، والتَّقْلِيدِ لَهم فِيما حَرَّفُوهُ، وتَظاهُرِهِمْ بِالنِّفاقِ، وغَيْرِ ذَلِكَ مِمّا نَعى عَلَيْهِمُ ارْتِكابَهُ ؟ .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب