الباحث القرآني

ولَمّا بَيَّنَ سُبْحانَهُ أنَّ قُلُوبَهم صارَتْ مِن كَثْرَةِ المَعاصِي وتَوالِي التَّجَرُّؤِ عَلى بارِئِها مَحْجُوبَةً بِالرَّيْنِ كَثِيفَةَ الطَّبْعِ بِحَيْثُ إنَّها أشَدُّ قَسْوَةً مِن (p-٤٨٥)الحِجارَةِ تَسَبَّبَ عَنْ ذَلِكَ بُعْدُهم عَنِ الإيمانِ فالتَفَتَ إلى المُؤْمِنِينَ يُؤَيِّسُهم مِن فَلاحِهِمْ تَسْلِيَةً لِلنَّبِيِّ ﷺ عَمّا كانَ يَشْتَدُّ حِرْصُهُ عَلَيْهِ مِن طَلَبِ إيمانِهِمْ في مَعْرِضِ التَّنْكِيتِ عَلَيْهِمْ والتَّبْكِيتِ لَهم مُنْكِرًا لِلطَّمَعِ في إيمانِهِمْ بَعْدَما قَرَّرَ أنَّهُ تَكَرَّرَ مِن كُفْرانِهِمْ فَقالَ: ﴿أفَتَطْمَعُونَ﴾ والطَّمَعُ تَعَلُّقُ البالِ بِالشَّيْءِ مِن غَيْرِ تَقَدُّمِ سَبَبٍ لَهُ ﴿أنْ يُؤْمِنُوا﴾ أيْ هَؤُلاءِ الَّذِينَ بَيْنَ أظْهُرِكم وقَدْ سَمِعْتُمْ ما اتَّفَقَ لِأسْلافِهِمْ مِنَ الكَثافَةِ وهم (p-٤٨٦)راضُونَ بِذَلِكَ وإلّا لَآمَنُوا بِمُجَرَّدِ هَذا الإخْبارِ عَنْ هَذِهِ القِصَصِ مِن هَذا النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يَحْصُلُ التَّحْقِيقُ بِأنَّهُ لا مُعْلِمَ لَهُ بِها إلّا اللَّهُ مُعْتَرِفِينَ ”لَكم وقَدْ“ أيْ والحالُ أنَّهُ قَدْ ﴿كانَ فَرِيقٌ﴾ أيْ ناسٌ يَقْصِدُونَ الفُرْقَةَ والشَّتاتَ ﴿مِنهُمْ﴾ قالَ الحَرالِّيُّ: مِنَ الفَرْقِ وهو اخْتِصاصٌ بِرَأْيِ وُجْهَةٍ عَمَّنْ حَقُّهُ أنْ يَتَّصِلَ بِهِ ويَكُونَ مَعَهُ. انْتَهى. و﴿يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ﴾ المُسْتَحِقِّ لِجَمِيعِ صِفاتِ الكَمالِ، والكَلامُ قالَ الحَرالِّيُّ: هو إظْهارُ ما في الباطِنِ عَلى الظّاهِرِ لِمَن يَشْهَدُ ذَلِكَ الظّاهِرَ بِكُلِّ نَحْوٍ مَن أنْحاءِ الإظْهارِ. انْتَهى. ﴿ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ﴾ أيْ يُزِيلُونَهُ عَنْ وجْهِهِ بِرَدِّهِ عَلى حَرْفِهِ، وفي ذِكْرِ الفَرِيقِ مَعَ المَعْطُوفاتِ عَلَيْهِ تَأْكِيدٌ لِعَظِيمِ تَهَكُّمِهِمْ في العِصْيانِ (p-٤٨٧)بِأنَّهم كانُوا بَعْدَما وُصِفَ مِن أحْوالِهِمُ الخَبِيثَةِ فِرَقًا في الكُفْرِ والعُدْوانِ والتَّبَرُّؤِ مِن جِلْبابِ الحَياءِ، وقَوْلُهُ: ﴿مِن بَعْدِ ما عَقَلُوهُ﴾ مَعَ كَوْنِهِ تَوْطِيَةً لِما يَأْتِي مِن أمْرِ الفَسْخِ مُشِيرًا إلى أنَّ تَحْرِيفَهم لَمْ يَكُنْ في مَحَلِّ إشْكالٍ لِكَوْنِهِ مُدْرَكًا بِالبَدِيهَةِ، وأثْبَتَ الجارَّ لِاخْتِلافِ أحْوالِهِمْ. ولَمّا كانَ هَذا مَعَ أنَّهُ إشارَةٌ إلى أنَّهم عَلى جِبِلّاتِ إبائِهِمْ وإلى أنَّ مَنِ اجْتَرَأ عَلى اللَّهِ لَمْ يَنْبَغِ لِعِبادِ اللَّهِ أنْ يَطْمَعُوا في صَلاحِهِ لَهم، لِأنَّهُ إذا اجْتَرَأ عَلى العالِمِ بِالخَفِيّاتِ كانَ عَلى غَيْرِهِ أجْرَأ مُشِيرًا إلى أنَّهُ لا يَفْعَلُهُ عاقِلٌ خَتَمَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وهم يَعْلَمُونَ﴾ أيْ والحالُ أنَّهم مَعَ العَقْلِ حامِلُونَ لِلْعِلْمِ فاهِمُونَ لَهُ غَيْرُ غافِلِينَ بَلْ مُتَعَمِّدُونَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب