الباحث القرآني

﴿وأنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ﴾ ماءً هو المَطَرُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ المُفَسِّرِينَ، والمُرادُ بِالسَّماءِ جِهَةُ العُلُوِّ أوِ السَّحابُ أوْ مَعْناها المَعْرُوفُ ولا يَعْجِزُ اللَّهَ تَعالى شَيْءٌ، وكانَ الظّاهِرُ عَلى هَذا- مِنها- بَدَلُ ( السَّماءِ ) لِيَعُودَ الضَّمِيرُ عَلى الطَّرائِقِ إلّا أنَّهُ عَدَلَ عَنْهُ إلى الإضْمارِ لِأنَّ الإنْزالَ مِنها لا يُعْتَبَرُ فِيهِ كَوْنُها طَرائِقَ بَلْ مُجَرَّدَ كَوْنِها جِهَةَ العُلُوِّ، وتَقْدِيمُ الجارِّ والمَجْرُورِ عَلى المَفْعُولِ الصَّرِيحِ لِلِاعْتِناءِ بِالمُقَدَّمِ والتَّشْوِيقِ إلى المُؤَخَّرِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿بِقَدَرٍ﴾ صِفَةُ ماءٍ أيْ أنْزَلَنا ماءً مُتَلَبِّسًا بِمِقْدارِ ما يَكْفِيهِمْ في حاجِهِمْ ومَصالِحِهِمْ أوْ بِتَقْدِيرٍ لائِقٍ لِاسْتِجْلابِ مَنافِعِهِمْ ودَفْعِ مُضارِّهِمْ، وجَوَّزَ عَلى هَذا أنْ يَكُونَ في مَوْضِعِ الحالِ مِنَ الضَّمِيرِ، وقِيلَ: هو صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أيْ إنْزالًا مُتَلَبِّسًا بِذَلِكَ، وقِيلَ: في الجارِّ والمَجْرُورِ غَيْرُ ذَلِكَ ﴿فَأسْكَنّاهُ في الأرْضِ﴾ أيْ جَعَلْناهُ ثابِتًا قارًّا فِيها ومِن ذَلِكَ ماءُ العُيُونِ ونَحْوُها، ومُعْظَمُ الفَلاسِفَةِ يَزْعُمُونَ أنَّ ذَلِكَ الماءَ مِنِ انْقِلابِ البُخارِ المُحْتَبَسِ في الأرْضِ ماءٍ إذا مالَ إلى جِهَةٍ مِنها وبَرْدٍ ولَيْسَ لِماءِ المَطَرِ دَخْلٌ فِيهِ، وكَوْنُهُ مِنَ السَّماءِ بِاعْتِبارِ أنَّ لِأشِعَّةِ الكَواكِبِ الَّتِي فِيها مُدْخَلًا فِيهِ مِن حَيْثُ الفاعِلِيَّةِ. وقالَ ابْنُ سِينا في نَجاتِهِ: هَذِهِ الأبْخِرَةُ المُحْتَبِسَةُ في الأرْضِ إذا انْبَعَثَ عُيُونًا أمَدَّتِ البِحارَ بِصَبِّ الأنْهارِ إلَيْها ثُمَّ ارْتَفَعَ مِنَ البِحارِ والبَطائِحِ وبُطُونِ الجِبالِ خاصَّةً أبْخِرَةً أُخْرى ثُمَّ قُطِّرَتْ ثانِيًا إلَيْها فَقامَتْ بَدَلَ ما يَتَحَلَّلُ مِنها عَلى الدَّوْرِ دائِمًا. وما في الآيَةِ يُؤَيِّدُ ما ذَهَبَ إلَيْهِ أبُو البَرَكاتِ البَغْدادِيُّ مِنهم فَقَدْ قالَ في المُعْتَبَرِ: إنَّ السَّبَبَ في العُيُونِ والقَنَواتِ وما يَجْرِي مَجْراها هو ما يُسِيلُ مِنَ الثُّلُوجِ ومِياهِ الأمْطارِ لِأنّا نَجِدُها تَزِيدُ بِزِيادَتِها وتَنْقُصُ (p-19)بِنُقْصانِها وإنَّ اسْتِحالَةَ الأهْوِيَةِ والأبْخِرَةِ المُنْحَصِرَةِ في الأرْضِ لا مَدْخَلَ لَها في ذَلِكَ فَإنَّ باطِنَ الأرْضِ في الصَّيْفِ أشَدُّ بَرْدًا مِنهُ في الشِّتاءِ فَلَوْ كانَ ذَلِكَ سَبَبَ اسْتِحالَتِها لَوَجَبَ أنْ تَكُونَ العُيُونُ والقَنَواتُ ومِياهُ الآبارِ في الصَّيْفِ أزْيَدُ وفي الشِّتاءِ أنْقَصُ مَعَ أنَّ الأمْرَ بِخِلافِ ذَلِكَ عَلى ما دَلَّتْ عَلَيْهِ التَّجْرِبَةُ انْتَهى، واخْتارَ القاضِي حُسَيْنٌ المُبِيدِيُّ أنَّ لِكُلٍّ مِنَ الأمْرَيْنِ مَدْخَلًا، واعْتَرَضَ عَلى دَلِيلِ أبِي البَرَكاتِ بِأنَّهُ لا يَدُلُّ إلّا عَلى نَفْيِ كَوْنِ تِلْكَ الِاسْتِحالَةِ سَبَبًا تامًّا وأمّا عَلى أنَّها لا مَدْخَلَ لَها أصْلًا فَلا. والحُقُّ ما يَشْهَدُ لَهُ كِتابُ اللَّهِ تَعالى فَهو سُبْحانُهُ أعْلَمُ بِخَلْقِهِ، وكُلُّ ما يَذْكُرُهُ الفَلاسِفَةُ في أمْثالِ هَذِهِ المَقاماتِ لا دَلِيلَ لَهم عَلَيْهِ يُفِيدُ اليَقِينَ كَما أشارَ إلَيْهِ شارِحُ حِكْمَةِ العَيْنِ، وقِيلَ: المُرادُ بِهَذا الماءِ ماءُ أنْهارٍ خَمْسَةٍ، فَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: ««أنْزَلَ اللَّهُ تَعالى مِنَ الجَنَّةِ إلى الأرْضِ خَمْسَةَ أنْهارٍ سَيِّحُونَ وهو نَهْرُ الهِنْدِ وجِيحُونُ وهو نَهْرُ بِلَخٍ ودِجْلَةُ والفُراتُ وهُما نَهْرا العِراقِ والنِّيلُ وهو نَهْرُ مِصْرَ أنْزَلَها اللَّهُ تَعالى مِن عَيْنٍ واحِدَةٍ مِن عُيُونِ الجَنَّةِ مِن أسْفَلِ دَرَجَةٍ مِن دَرَجاتِها عَلى جَناحَيْ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ فاسْتَوْدَعَها الجِبالَ وأجْراها في الأرْضِ»» وجَعَلَها مَنافِعَ لِلنّاسِ في أصْنافِ مَعايِشِهِمْ وذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وأنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ﴾ ماءً ﴿بِقَدَرٍ فَأسْكَنّاهُ في الأرْضِ﴾ فَإذا كانَ عِنْدَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ أرْسَلَ اللَّهُ تَعالى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ فَرَفَعَ مِنَ الأرْضِ القُرْآنَ والعِلْمَ كُلَّهُ والحَجَرَ مِن رُكْنِ البَيْتِ ومَقامِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ وتابُوتَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ بِما فِيهِ وهَذِهِ الأنْهارَ الخَمْسَةَ فَيَرْفَعُ كُلَّ ذَلِكَ إلى السَّماءِ فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعالى: ﴿وإنّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ﴾ فَإذا رُفِعَتْ هَذِهِ الأشْياءُ مِنَ الأرْضِ فَقَدْ أهَلَها خَيْرُ الدُّنْيا والآخِرَةِ. ولا يَخْفى عَلى المُتَتَبِّعِ أنَّ هَذا الخَبَرَ أخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدُويَهٍ والخَطِيبُ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، نَعَمْ حَدِيثُ أرْبَعَةِ أنْهارٍ مِنَ الجَنَّةِ سَيْحانَ وجِيحانَ وهُما غَيْرُ سَيْحُونَ وجِيحُونَ لِأنَّهُما نَهْرانِ بِالعَواصِمِ عِنْدَ المُصِيصَةِ وطَرْسُوسَ وسِيحُونَ وجِيحُونَ نَهْرا الهِنْدِ وبِلَخٍ كَما سَمِعْتَ عَلى ما قالَهُ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ والفُراتُ والنِّيلُ صَحِيحٌ لَكِنَّ الكَلامَ في تَفْسِيرِ الآيَةِ بِذَلِكَ. وعَنْ مُجاهِدٍ أنَّهُ حَمَلَ الماءَ عَلى ما يَعُمُّ ماءَ المَطَرِ وماءَ البَحْرِ وقالَ لَيْسَ في الأرْضِ ماءٌ إلّا وهو مِنَ السَّماءِ، وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ الأوْفَقَ بِالأخْبارِ وبِما يَذْكُرُ بَعْدُ في الآيَةِ الكَرِيمَةِ كَوْنُ المُرادُ بِهِ ما عَدا ماءُ البَحْرِ. ﴿وإنّا عَلى ذَهابٍ بِهِ﴾ أيْ عَلى إزالَتِهِ بِإخْراجِهِ عَنِ المائِيَّةِ أوْ بِتَغْوِيرِهِ بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ اسْتِخْراجُهُ أوْ بِنَحْوِ ذَلِكَ ﴿لَقادِرُونَ﴾ كَما كُنّا قادِرِينَ عَلى إنْزالِهِ، فالجُمْلَةُ في مَوْضِعِ الحالِ وفي تَنْكِيرِ ﴿ذَهابٍ﴾ إيماءٌ إلى كَثْرَةِ طَرْقِهِ لِعُمُومُ النَّكِرَةِ وإنْ كانَتْ في الإثْباتِ وبِواسِطَةِ ذَلِكَ تُفْهَمُ المُبالِغَةُ في الإثْباتِ، وهَذِهِ الآيَةُ أكْثَرُ مُبالَغَةً مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلْ أرَأيْتُمْ إنْ أصْبَحَ ماؤُكم غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكم بِماءٍ مَعِينٍ﴾ [المُلْكُ: 30] . وذَكَرَ صاحِبُ التَّقْرِيبِ ثَمانِيَةَ عَشَرَ وجْهًا لِلْأبْلَغِيَّةِ، الأوَّلُ أنَّ ذَلِكَ عَلى الفُرُوضِ والتَّقْدِيرِ، وهَذا الجَزْمُ عَلى مَعْنى أنَّهُ أدَلُّ عَلى تَحْقِيقِ ما أُوعِدُ بِهِ وإنْ لَمْ يَقَعِ، الثّانِي التَّوْكِيدُ بِأنَّ الثّالِثَ اللّامُ في الخَبَرِ الرّابِعِ أنَّ هَذِهِ في مُطْلَقِ الماءِ المُنَزَّلِ مِنَ السَّماءِ وتِلْكَ في ماءٍ مُضافٍ إلَيْهِمُ الخامِسُ أنَّ الغائِرَ قَدْ يَكُونُ باقِيًا بِخِلافِ الذّاهِبِ السّادِسُ ما في تَنْكِيرِ ﴿ذَهابٍ﴾ مِنَ المُبالَغَةِ السّابِعُ إسْنادُهُ هاهُنا إلى مَذْهَبٍ بِخِلافِهِ تَمُتُّ حَيْثُ قِيلَ ﴿غَوْرًا﴾ . الثّامِنُ ما في ضَمِيرِ المُعَظِّمِ نَفْسِهِ مِنَ الرَّوْعَةِ التّاسِعُ ما في «قادِرُونَ» مِنَ الدَّلالَةِ عَلى القُدْرَةِ عَلَيْهِ والفِعْلُ الواقِعُ مِنَ القادِرِ أبْلَغُ. العاشِرُ ما في جَمْعِهِ. الحادِيُ عَشَرَ ما في لَفْظِ ﴿بِهِ﴾ مِنَ الدَّلالَةِ عَلى أنَّ ما يُمْسِكُهُ (p-20)فَلا مُرْسَلَ لَهُ، الثّانِي عَشَرَ إخْلاؤُهُ مِنَ التَّعْقِيبِ بِأطْماعٍ وهُنالِكَ ذَكَرَ الإتْيانَ المَطْمَعَ. الثّالِثَ عَشَرَ تَقْدِيمُ ما فِيهِ الإيعادُ وهو الذَّهابُ عَلى ما هو كالمُتَعَلِّقِ لَهُ أوْ مُتَعَلِّقَةٍ عَلى المَذْهَبَيْنِ البَصَرِيِّ والكُوفِيِّ. الرّابِعَ عَشَرَ ما بَيْنَ الجُمْلَتَيْنِ الِاسْمِيَّةِ والفِعْلِيَّةِ مِنَ التَّفاوُتِ ثَباتًا وغَيْرِهِ. الخامِسَ عَشَرَ ما في لَفْظِ «أصْبَحَ» مِنَ الدَّلالَةِ عَلى الِانْتِقالِ والصَّيْرُورَةِ. السّادِسُ عَشَرَ أنَّ الإذْهابَ هاهُنا مُصَرَّحٌ بِهِ. وهُنالِكَ مَفْهُومٌ مِن سِياقِ الِاسْتِفْهامِ. السّابِعَ عَشَرَ أنَّ هُنالِكَ نَفْيَ ماءٍ خاصٌّ أعْنِي المُعِينَ بِخِلافِهِ هاهُنا. الثّامِنَ عَشَرَ اعْتِبارُ مَجْمُوعِ هَذِهِ الأُمُورِ الَّتِي يَكْفِي كُلٌّ مِنها مُؤَكَّدًا. ثُمَّ قالَ: هَذا ما يَحْضُرُنا الآنَ واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ اْهْـ. وفي النَّفْسِ مَن عَدَّ الأخِيرَ وجْهًا شَيْءٌ. وقَدْ يُزادُ عَلى ذَلِكَ فَيُقالُ: التّاسِعَ عَشَرَ إخْبارُهُ تَعالى نَفْسُهُ بِهِ مِن دُونِ أمْرٍ لِلْغَيْرِ هاهُنا بِخِلافِهِ هُنالِكَ فَإنَّهُ سُبْحانُهُ أمَرَ نَبِيَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أنْ يَقُولَ ذَلِكَ. العِشْرُونَ عَدَمُ تَخْصِيصِ مُخاطِبٍ هاهُنا وتَخْصِيصُ الكَفّارِ بِالخِطابِ هُنالِكَ. الحادِي والعِشْرُونَ التَّشْبِيهُ المُسْتَفادُ مِن جَعْلِ الجُمْلَةِ حالًا كَما أشَرْنا إلَيْهِ فَإنَّهُ يُفِيدُ تَحْقِيقَ القُدْرَةِ ولا تَشْبِيهَ ثُمَّتَ. الثّانِي والعِشْرُونَ إسْنادُ القُدْرَةِ إلَيْهِ تَعالى مَرَّتَيْنِ، وقَدْ زادَ بَعْضُ أجِلَّةِ أهْلِ العَصْرِ المُعاصِرِينَ سُلافَ التَّحْقِيقِ مِن كَرَمِ أذْهانِهِمُ الكَرِيمَةِ أكْرَمَ عَصْرٍ أعْنِي بِهِ ثالِثَ الرّافِعِيِّ والنَّواوِيَّ أخِي المُلّا مُحَمَّدٍ أفَنْدِيٍّ الزَّهاوِيُّ فَقالَ: الثّالِثُ والعِشْرُونَ تَضْمِينُ الإيعادِ هُنا إيعادُهم بِالإبْعادِ عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعالى لِأنَّ ذَهَبَ بِهِ يَسْتَلْزِمُ مُصاحِبَةَ الفاعِلِ المَفْعُولِ وذَهابُ اللَّهِ تَعالى عَنْهم مَعَ الماءِ بِمَعْنى ذَهابِ رَحْمَتِهِ سُبْحانَهُ عَنْهم ولَعْنِهِمْ وطَرْدِهِمْ عَنْها ولا كَذَلِكَ ما هُناكَ. الرّابِعُ والعِشْرُونَ أنَّهُ لَيْسَ الوَقْتُ لِلذَّهابِ مُعَيَّنًا هُنا بِخِلافِهِ في ﴿إنْ أصْبَحَ﴾ فَإنَّهُ يَفْهَمُ مِنهُ أنَّ الصَّيْرُورَةَ في الصُّبْحِ عَلى أحَدِ اسْتِعْمالَيْ أصْبَحَ ناقِصًا. الخامِسُ والعِشْرُونَ أنَّ جِهَةَ الذَّهابِ بِهِ لَيْسَتْ مُعَيَّنَةً بِأنَّها السُّفْلَ. السّادِسُ والعِشْرُونَ أنَّ الإيعادَ هُنا بِما لَمْ يُبْتَلَوْا بِهِ قَطُّ بِخِلافِهِ بِما هُنالِكَ. السّابِعُ والعِشْرُونَ إنَّ المَوْعِدَ بِهِ هُنا إنْ وقَعَ فَهم هالِكُونَ البَتَّةَ. الثّامِنُ والعِشْرُونَ أنَّهُ لَمْ يَبْقَ هُنا لَهم مُتَشَبِّثٌ ولَوْ ضَعِيفًا في تَأْمِيلِ امْتِناعِ المَوْعِدِ بِهِ وهُناكَ حَيْثُ أسْنَدَ الإصْباحَ غَوْرًا إلى الماءِ ومَعْلُومٌ أنَّ الماءَ لا يُصْبِحُ غَوْرًا بِنَفْسِهِ كَما هو تَحْقِيقُ مَذْهَبِ الحَكِيمِ أيْضًا احْتَمَلَ أنْ يَتَوَهَّمَ الشُّرْطِيَّةَ مَعَ صِدْقِها مُمْتَنِعَةَ المُقَدَّمِ فَيَأْمَنُوا وُقُوعَهُ. التّاسِعُ والعِشْرُونَ أنَّ المَوْعِدَ بِهِ هُنا يَحْتَمِلُ في بادِي النَّظَرِ وُقُوعَهُ حالًا بِخِلافِهِ هُناكَ فَإنَّ المُسْتَقْبَلَ مُتَعَيِّنٌ لِوُقُوعِهِ لِمَكانِ ( إنْ ) وظاهِرٌ أنَّ التَّهْدِيدَ بِمُحْتَمَلِ الوُقُوعِ في الحالِ أهْوَلُ ومُتَعَيِّنُ الوُقُوعِ في الِاسْتِقْبالِ أهْوَنُ. الثَّلاثُونَ أنَّ ما هُنا لا يَحْتَمِلُ غَيْرَ الإيعادِ بِخِلافِ ما هُناكَ فَإنَّهُ يَحْتَمِلُ ولَوْ عَلِمَ بَعْدَ أنْ يَكُونَ المُرادُ بِهِ الِامْتِنانَ بِأنَّهُ ﴿إنْ أصْبَحَ ماؤُكم غَوْرًا﴾ فَلا يَأْتِيكم بِماءٍ مَعِينٍ سِوى اللَّهِ تَعالى، ويُؤَيِّدُهُ ما سَنَّ بَعْدَهُ مِن قَوْلِ اللَّهِ رَبُّنا ورَبُّ العالَمِينَ انْتَهى فَتَأمَّلْ ولا تَغْفُلْ واللَّهُ تَعالى الهادِي لِأسْرارِ كِتابِهِ. واخْتِيرَتِ المُبالَغَةُ هاهُنا عَلى ما قالَهُ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ لِأنَّ المَقامَ يَقْتَضِيها إذْ هو لِتَعْدادِ آياتِ الآفاقِ والأنْفُسِ عَلى وجْهٍ يَتَضَمَّنُ الدَّلالَةَ عَلى القُدْرَةِ والرَّحْمَةِ مَعَ كَمالِ عَظَمَةِ المُتَّصِفِ بِهِما ولِذا ابْتُدِئَ بِضَمِيرِ العَظَمَةِ مَعَ التَّأْكِيدِ بِخِلافِ ما تَمَّتْ فَإنَّهُ تَتْمِيمٌ لِلْحَثِّ عَلى العِبادَةِ والتَّرْغِيبِ فِيها وهو كافٍ في ذَلِكَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب