الباحث القرآني

يَذْكُرُ تَعَالَى نِعَمَهُ عَلَى عَبِيدِهِ [[في ف، أ: "عبده".]] الَّتِي لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى، فِي إِنْزَالِهِ القَطْر مِنَ السَّمَاءِ ﴿بِقَدَرٍ﴾ أَيْ: بِحَسْبِ الْحَاجَةِ، لَا كَثِيرًا فَيُفْسِدُ الْأَرْضَ وَالْعُمْرَانَ، وَلَا قَلِيلًا فَلَا يَكْفِي الزُّرُوعَ وَالثِّمَارَ، بَلْ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ مِنَ السَّقْيِ وَالشُّرْبِ وَالِانتِفَاعِ بِهِ، حَتَّى إِنَّ الْأَرَاضِيَ الَّتِي تَحْتَاجُ مَاءً كَثِيرًا لِزَرْعِهَا وَلَا تَحْتَمِلُ دِمْنتها إِنْزَالَ الْمَطَرِ عَلَيْهَا، يَسُوقُ إِلَيْهَا الْمَاءَ مِنْ بِلَادٍ أُخْرَى، كَمَا فِي أَرْضِ مِصْرَ، وَيُقَالُ لَهَا: "الْأَرْضُ الجرُز"، يَسُوقُ اللَّهُ إِلَيْهَا مَاءَ النِّيلِ مَعَهُ طِينٌ أَحْمَرُ يَجْتَرِفُهُ مِنْ بِلَادِ الْحَبَشَةِ فِي زَمَانِ أَمْطَارِهَا، فَيَأْتِي الْمَاءُ يَحْمِلُ طِينًا [[في ف: "الطين".]] أَحْمَرَ، فَيَسْقِي أَرْضَ مِصْرَ، وَيَقَرُّ الطِّينُ عَلَى أرضهم ليزدرعوا فِيهِ، لِأَنَّ أَرْضَهُمْ سِبَاخٌ يَغْلِبُ عَلَيْهَا الرِّمَالُ، فَسُبْحَانَ اللَّطِيفِ الْخَبِيرِ الرَّحِيمِ الْغَفُورِ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأرْضِ﴾ أَيْ: جَعَلَنَا الْمَاءَ إِذَا نَزَلَ مِنَ السَّحَابِ يَخْلُدُ فِي الْأَرْضِ، وَجَعَلَنَا [[في ف، أ: "وجعل".]] فِي الْأَرْضِ قابليَّة لَهُ، تَشْرَبُهُ وَيَتَغَذَّى بِهِ مَا فِيهَا مِنَ الْحَبِّ وَالنَّوَى. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ﴾ أَيْ: لَوْ شِئْنَا أَلَّا تُمْطِرَ لَفَعَلْنَا، وَلَوْ شِئْنَا لَصَرَفْنَاهُ عَنْكُمْ إِلَى السِّبَاخِ وَالْبَرَارِيِّ [وَالْبِحَارِ] [[زيادة من ف، أ.]] وَالْقِفَارِ لَفَعَلْنَا، وَلَوْ شِئْنَا لَجَعَلْنَاهُ أُجَاجًا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ لشُرب وَلَا لِسَقْيٍ لَفَعَلْنَا، وَلَوْ شِئْنَا لَجَعَلْنَاهُ لَا يَنْزِلُ فِي الْأَرْضِ، بَلْ ينجَرّ عَلَى وَجْهِهَا لَفَعَلْنَا. وَلَوْ شِئْنَا لَجَعَلْنَاهُ إِذَا نَزَلَ فِيهَا يَغُورُ إِلَى مَدَى لَا تَصِلُونَ إِلَيْهِ وَلَا تَنْتَفِعُونَ بِهِ لَفَعَلْنَا. وَلَكِنْ بِلُطْفِهِ وَرَحْمَتِهِ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمُ الْمَاءَ مِنَ السَّحَابِ عَذْبًا فُرَاتًا زُلَالًا فَيُسْكِنُهُ فِي الْأَرْضِ ويَسْلُكُه يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ، فَيَفْتَحُ [[في ف: "فيفجر".]] الْعُيُونَ وَالْأَنْهَارَ، فَيَسْقِي [[في ف، أ: "ويسقي".]] بِهِ الزُّرُوعَ وَالثِّمَارَ، وَتَشْرَبُونَ منه ودوابكم وأنعامكم، وتغتسلون [[في ف: "ويغتسلون وتغتسلون".]] منه وتتطهرون وَتَتَنَظَّفُونَ، فَلَهُ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ﴾ يَعْنِي: فَأَخْرَجْنَا لَكُمْ بِمَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْمَاءِ ﴿جَنَّاتٍ﴾ أَيْ: بَسَاتِينَ وَحَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ، أَيْ: ذَاتَ مَنْظَرٍ حَسَنٍ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ﴾ أَيْ: فِيهَا نَخِيلٌ وَأَعْنَابٌ. وَهَذَا مَا كَانَ يَأْلَفُ أَهْلُ الْحِجَازِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّيْءِ وَبَيْنَ نَظِيرِهِ، وَكَذَلِكَ فِي حَقِّ كُلِّ أَهْلِ إِقْلِيمٍ، عِنْدَهُمْ مِنَ الثِّمَارِ مِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ مَا يَعْجِزُون عَنِ الْقِيَامِ بِشُكْرِهِ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ﴾ أَيْ: مِنْ جَمِيعِ الثِّمَارِ، كَمَا قَالَ: ﴿يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾ [النَّحْلِ: ١١] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ كَأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى شَيْءٍ مُقَدَّرٍ، تَقْدِيرُهُ: تَنْظُرُونَ إِلَى حُسْنِهِ وَنُضْجِهِ، وَمِنْهُ تَأْكُلُونَ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ﴾ يَعْنِي: الزَّيْتُونَةَ. وَالطُّورُ: هُوَ الْجَبَلُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا يُسَمَّى طُورًا إِذَا كَانَ فِيهِ شَجَرٌ، فَإِنْ عَرى عَنْهَا سُمِّيَ جَبَلا لَا طُورًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَطُورُ سَيْنَاءَ: هُوَ طُورُ سِينِينَ، وَهُوَ الْجَبَلُ الَّذِي كَلَّم [اللَّهُ] [[زيادة من ف، وفي أ: "والله تعالى".]] عَلَيْهِ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَمَا حَوْلَهُ مِنَ الْجِبَالِ الَّتِي فِيهَا شَجَرُ الزَّيْتُونِ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ﴾ : قَالَ بَعْضُهُمُ: الْبَاءُ زَائِدَةٌ، وَتَقْدِيرُهُ: تَنْبُتُ الدُّهْنَ، كَمَا فِي قَوْلِ الْعَرَبِ: أَلْقَى فَلَانٌ بِيَدِهِ، أَيْ: يَدَهُ. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يُضَمِّن الْفِعْلَ فَتَقْدِيرُهُ: تَخْرُجُ بِالدُّهْنِ، أَوْ [[في ف، أ: "أي".]] تَأْتِي بِالدُّهْنِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَصِبْغٍ﴾ أَيْ: أدْم، قَالَهُ قَتَادَةُ. ﴿لِلآكِلِينَ﴾ أَيْ: فِيهَا مَا يَنْتَفِعُ بِهِ مِنَ الدُّهْنِ وَالِاصْطِبَاغِ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيع، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى، عَنْ عَطَاءٍ الشَّامِيِّ، عَنْ أَبِي أسَيْد -وَاسْمُهُ مَالِكُ بْنُ رَبِيعَةَ السَّاعِدِيُّ الْأَنْصَارِيِّ-قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "كُلُوا الزَّيْتَ وَادَّهِنُوا بِهِ [[في أ: "بالزيت".]] ؛ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ" [[المسند (٣/٤٩٧) .]] . وَقَالَ عَبْدُ بْنُ حُمَيد فِي مُسْنَدِهِ وَتَفْسِيرُهُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَر، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "ائْتَدِمُوا بِالزَّيْتِ وَادَّهِنُوا بِهِ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ". وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ [[المنتخب لعبد بن حميد برقم (١٣) وسنن الترمذي برقم (١٨٥١) وسنن ابن ماجه برقم (٣٣١٩) .]] . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَلَا يُعْرَفُ إلا من حَدِيثِهِ، وَكَانَ يَضْطَرِبُ فِيهِ، فَرُبَّمَا ذَكَرَ فِيهِ عُمَرَ [[في أ: "عمرو".]] وَرُبَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ. قَالَ [[في ف، أ: "وقال".]] أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنِي الصَّعْب بْنُ حَكِيمِ بْنِ شَرِيكِ بْنِ نَمْلَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: ضِفْت عمرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَيْلَةَ عَاشُورَاءَ [[في ف: "ضفت ليلة عمر بن الخطاب".]] ، فَأَطْعَمَنِي [[في ف: فأطعمني "عودا". وفي أ: "عسورا".]] مِنْ رَأْسِ بَعِيرٍ بَارِدٍ، وَأَطْعَمَنَا زَيْتًا، وَقَالَ: هَذَا الزَّيْتُ الْمُبَارَكُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ ﷺ [[المعجم الكبير (١/٧٤) والصعب بن حكيم لا يعرف كما قال الذهبي.]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ﴾ : يَذْكُرُ تَعَالَى مَا جَعَلَ لِخَلْقِهِ فِي الْأَنْعَامِ مِنَ الْمَنَافِعِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَشْرَبُونَ مِنْ ألْبَانِهَا الْخَارِجَةِ مِنْ بَيْنِ فرْث وَدَمٍ، وَيَأْكُلُونَ مِنْ حُمْلَانِهَا، وَيَلْبَسُونَ مِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا، وَيَرْكَبُونَ ظُهُورَهَا وُيُحَمِّلُونَهَا [[في ف: "ويحملون".]] الْأَحْمَالَ الثِّقَالَ إِلَى الْبِلَادِ النَّائِيَةِ عَنْهُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلا بِشِقِّ الأنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [النَّحْلِ: ٧] ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ. وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ. وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ﴾ [يس: ٧١-٧٣] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب