الباحث القرآني
قال الله تعالى: ﴿قُمِ اللَّيْلَ إلاَّ قَلِيلًا نِصْفَهُ أوِ انْقُصْ مِنهُ قَلِيلًا أوْ زِدْ عَلَيْهِ﴾ [المزمل: ٢ ـ ٤].
أمَر اللهُ نبيَّه بقيامِ الليلِ وهو ما زال بمَكَّةَ وفي أولِ نزولِ الوحيِ، وهذا يدُلُّ على فضلِ صلاةِ الليلِ وعبادةِ الخَلَواتِ، فهي مِن أعظَمِ المثبِّتاتِ للعبدِ، وما مِن نبيٍّ مِن الأنبياءِ إلاَّ أمَره اللهُ بالعبادةِ قبلَ الرِّسالةِ، لأنّ الإصلاحَ يَتْبَعُهُ شِدَّةٌ، والشِّدَّةُ تحتاجُ إلى ثَباتٍ، ولا يُثبِّتُ المُصلِحَ شيءٌ كتقويةِ صِلَتِه باللهِ بالعبادةِ، ولهذا قال اللَّهُ لنبيِّه: ﴿قُمِ اللَّيْلَ إلاَّ قَلِيلًا ﴾، ثمَّ بيَّن سببَ ذلك: ﴿إنّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ﴾ [المزمل: ٥].
وصلاةُ الليلِ أفضلُ النوافلِ، كما قال ﷺ: (أفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ المَكْتُوبَةِ: الصَّلاةُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ) [[أخرجه مسلم (١١٦٣).]]، وإنّما فضَّل اللهُ نافلةَ الليلِ على بقيَّةِ النوافلِ لأمورٍ، أعظَمُها:
الأولُ: أنّ الليلَ هو وقتُ نزولِ الخالقِ سبحانَهُ إلى السماءِ الدُّنيا، ويبسُطُ يدَهُ ويستجيبُ لمَن دعاهُ أسرَعَ وأعظَمَ مِن بقيَّةِ الأوقاتِ، كما في الصحيحِ، عن أبي هريرةَ، عن رسولِ اللهِ ﷺ، قال: (يَنْزِلُ اللهُ إلى السَّماءِ الدُّنْيا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَمْضِي ثُلُثُ اللَّيْلِ الأَوَّلُ، فَيَقُولُ: أنا المَلِكُ، أنا المَلِكُ، مَن ذا الَّذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَن ذا الَّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَن ذا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟ فلا يَزالُ كَذَلِكَ حَتّى يُضِيءَ الفَجْرُ) [[أخرجه مسلم (٧٥٨).]].
الثـاني: أنّ الليلَ محلُّ غفلةِ الناسِ وغفوتِهم، والعبادةُ فيه يخلو بها العبدُ بربِّه، وهذا أعظَمُ في خُلُوِّ القلبِ وتجرُّدِه وصِدْقِ لجوئِهِ إلى ربِّه، وعبادةُ الخَفاءِ أعظَمُ مِن عبادةِ العَلانِيَةِ، ولا يكادُ يشوبُ عبادةَ قيامِ الليلِ رِياءٌ وسُمْعةٌ كما يشوبُ عبادةَ العلانيَةِ في النهارِ.
الثالثُ: أنّ في قيامِ الليلِ تثبيتًا للعبدِ وعونًا له مِن ربِّه أشَدَّ مِن غيرِه مِن العباداتِ، ولهذا جعَلَهُ اللهُ لنبيِّه أولَ أمرٍ في تعبُّدِه لربِّه مِن أركانِ أعمالِهِ.
وقولُه تعالى: ﴿إلاَّ قَلِيلًا ﴾، فيه: أنّه لا يُشرَعُ قيامُ الليلِ كاملًا، فلم يَشرَعْهُ اللهُ لنبيِّه ﷺ ولا لغيرِه، حيثُ إنّ اللهَ جعَلَ الليلَ سُباتًا ومَنامًا وسَكَنًا، وفطَرَ البشرَ على ذلك، ويُستثنى مِن ذلك ما كان اعتراضًا كالأزمِنةِ الفاضلةِ، كالعَشْرِ الأواخرِ مِن رمضانَ.
وفي «الصحيحَيْنِ» قصةُ النَّفَرِ الثلاثةِ الذين سألوا عن عبادةِ النبيِّ ﷺ، وأنّهم تَقالُّوها حتى إنّ أحدَهم قال: أنا أقومُ ولا أنامُ، فقال النبيُّ ﷺ: (لَكِنِّي أُصَلِّي وأَنامُ... فَمَن رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي، فَلَيْسَ مِنِّي) [[أخرجه البخاري (٥٠٦٣)، ومسلم (١٤٠١)، من حديث أنسٍ رضي الله عنه.]].
قولُه تعالى: ﴿نِصْفَهُ أوِ انْقُصْ مِنهُ قَلِيلًا أوْ زِدْ عَلَيْهِ﴾: السُّنَّةُ في قيامِ الليلِ: عدمُ قيامِهِ كلِّه، وإنّما يقومُ بعضَه، وأفضَلُهُ آخِرُه، والسُّنَّةُ: أن ينامَ أولَهُ ويقومَ في نصفِهِ الأخيرِ قَدْرَ الثُّلُثِ منه، كما في «الصحيحَيْنِ»، مِن حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو، عن النبيِّ ﷺ، أنّه قال: (أحَبُّ الصَّلاةِ إلى اللهِ صَلاةُ داوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ، وأَحَبُّ الصِّيامِ إلى اللهِ صِيامُ داوُدَ، وكانَ يَنامُ نِصْفَ اللَّيْلِ ويَقُومُ ثُلُثَهُ، ويَنامُ سُدُسَهُ، ويَصُومُ يَوْمًا، ويُفْطِرُ يَوْمًا) [[أخرجه البخاري (١١٣١)، ومسلم (١١٥٩/١٨٩).]].
وقد كان النبيُّ ﷺ ينامُ أولَ الليلِ حتى ينتصِفَ، وقد جاء ذلك في أحاديثَ كثيرةٍ، ومنها: ما رواهُ ابنُ عبّاسٍ في مَبِيتِه عندَ خالتِه ميمونةَ، وفيه قال: «نامَ رَسُولُ اللهِ ﷺ حَتّى انْتَصَفَ اللَّيْلُ ـ أوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ، أوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ ـ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَجَلَسَ، فَمَسَحَ النَّوْمَ عَنْ وجْهِهِ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَرَأَ العَشْرَ آياتٍ خَواتِيمَ سُورَةِ آلِ عِمْرانَ، ثُمَّ قامَ إلى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ، فَتَوَضَّأَ مِنها، فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ قامَ يُصَلِّي»[[أخرجه البخاري (١١٩٨)، ومسلم (٧٦٣).]].
وفيهما: أنّه كان يقومُ إذا سَمِعَ الصارخَ، كما روى مسروقٌ قال: سألتُ عائشةَ رضي الله عنها: أيُّ العملِ كان أحَبَّ إلى النبيِّ ﷺ؟ قالتِ: الدّائِمُ، قال: قلتُ: فأيَّ حينٍ كان يقومُ؟ قالتْ: «كانَ يَقُومُ إذا سَمِعَ الصّارِخَ»[[أخرجه البخاري (١١٣٢)، ومسلم (٧٤١).]]، والمرادُ بذلك هو صِياحُ الدِّيكِ.
وأولُ ما يَصرُخُ الدِّيكُ نصفُ الليلِ غالبًا، وربَّما قبلَهُ بقليلٍ، وقد رَوى أحمدُ، وأبو داودَ، عن زيدِ بنِ خالدٍ الجُهَنِيِّ، أنّ النبيَّ ﷺ قال: (لا تَسُبُّوا الدِّيكَ، فَإنَّهُ يُوقِظُ لِلصَّلاةِ) [[أخرجه أحمد (٥ /١٩٢)، وأبو داود (٥١٠١)، والنسائي في «السنن الكبرى» (١٠٧١٥).]].
ويُستحَبُّ أنْ يكونَ الوِتْرُ آخِرَ الليلِ، وإنْ أوتَرَ أيَّ وقتٍ منه، فلا حرَجَ، كما رَوى مسروقٌ، قال: قلتُ لعائشةَ: متى كان يُوتِرُ رسولُ اللهِ ﷺ؟ قالتْ: «كُلَّ ذَلِكَ قَدْ فَعَلَ، أوْتَرَ أوَّلَ اللَّيْلِ، ووَسَطَهُ، وآخِرَهُ، ولَكِنِ انْتَهى وِتْرُهُ حِينَ ماتَ إلى السَّحَرِ»[[أخرجه البخاري (٩٩٦)، ومسلم (٧٤٥)، وأبو داود (١٤٣٥)، واللفظ له.]].
{"ayahs_start":2,"ayahs":["قُمِ ٱلَّیۡلَ إِلَّا قَلِیلࣰا","نِّصۡفَهُۥۤ أَوِ ٱنقُصۡ مِنۡهُ قَلِیلًا","أَوۡ زِدۡ عَلَیۡهِ وَرَتِّلِ ٱلۡقُرۡءَانَ تَرۡتِیلًا"],"ayah":"نِّصۡفَهُۥۤ أَوِ ٱنقُصۡ مِنۡهُ قَلِیلًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق