الباحث القرآني
قال تعالى: ﴿فَأَقِمْ وجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ ولَكِنَّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ مُنِيبِينَ إلَيْهِ واتَّقُوهُ وأَقِيمُوا الصَّلاةَ ولا تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وكانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ [الروم: ٣٠ ـ ٣٢].
أمَر اللهُ نبيَّه بتوجيهِ وجْهِهِ إلى اللهِ وتسليمِهِ له، وبيَّن أنّ التوحيدَ هو الفِطْرةُ التي خُلِقَ الناسُ مَفطورِينَ عليها، وفي «الصحيحَيْنِ»، عن أبي هريرةَ، قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: (ما مِن مَوْلُودٍ إلاَّ يُولَدُ عَلى الفِطْرَةِ، فَأَبَواهُ يُهَوِّدانِهِ، أوْ يُنَصِّرانِهِ، أوْ يُمَجِّسانِهِ، كَما تُنْتَجُ البَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيها مِن جَدْعاءَ؟!) [[أخرجه البخاري (١٣٥٨)، ومسلم (٢٦٥٨).]].
يعني: أنّ الإنسانَ يُولَدُ مفطورًا على الإيمانِ بخالقٍ واحدٍ، ومفطورًا على عبادتِهِ والخضوعِ له، وجعَلَ اللهُ فِطْرةَ الإنسانِ مُوافِقةً لشرائعِه، فلا يوجدُ شيءٌ منها خلافَ الآخر، ولكنَّ الإنسانَ ينحرفُ بتسويلِ الشيطانِ والنَّفْسِ، كما في «صحيحِ مسلمٍ»، عن عِياضِ بنِ حِمارٍ، قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: يقولُ اللهُ: (إنِّي خَلَقْتُ عِبادِي حُنَفاءَ كُلَّهُمْ، وإنَّهُمْ أتَتْهُمُ الشَّياطِينُ فاجْتالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ ما أحْلَلْتُ لَهُمْ) [[أخرجه مسلم (٢٨٦٥).]].
وقد جعَلَ اللهُ الفِطْرةَ هي الدِّينَ، كما في هذه الآيةِ: ﴿لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ﴾، ولهذا لا يجوزُ تغييرُ الفِطْرةِ وتبديلُها على ما تستنكِرُهُ الشريعة والأوامر الربانية، وقد تقدَّم الكلامُ على الفِطرةِ وحُكْمِ تغييرِها عندَ قولِهِ تعالى: ﴿ولآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾ [النساء: ١١٩]، وقولِه تعالى: ﴿ياأَيُّها النّاسُ كُلُوا مِمّا فِي الأَرْضِ حَلالًا طَيِّبًا ولا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [البقرة: ١٦٨]، ونبَّهْنا على ذلك في صدرِ كتابِ «العقليَّةِ الليبراليَّةِ».
وفي قولِه تعالى: ﴿وأَقِيمُوا الصَّلاةَ ولا تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ ﴾: قرينةٌ على كفرِ تاركِ الصلاةِ في مُشابَهَتِهِ لهم بتركِه لها، وتقدَّمَت الإشارةُ إلى ذلك في قولِه: ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أضاعُوا الصَّلاةَ واتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ﴾ [مريم: ٥٩]، ويأتي الكلامُ على كفرِ تاركِها في سورةِ الماعونِ بإذنِ اللهِ.
وفي قولِه تعالى: ﴿مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وكانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾: أنّ الفِرَقَ والأحزابَ في المُسلِمينَ ليس مِن أمرِ الفِطْرةِ التي فُطِرَ الناسُ عليها، فاللهُ جعَلَهُمْ أُمَّةً واحدةً: ﴿إنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً ﴾ [الأنبياء: ٩٢]، فالفِطْرةُ تُحِبُّ الجماعةَ والوَحْدةَ، والواجبُ نفيُ وجوهِ التمايُزِ والتفرُّقِ، للاجتماعِ على الحقِّ على الصِّراطِ الذي خَطَّهُ النبيُّ ﷺ لأمَّتِهِ بقولِهِ وفعلِه.
وأمّا تمايُزُ أهلِ الحقِّ عن أهلِ الضلالِ والبدعِ والكفرِ، فهذا حقٌّ، ويدُلُّ على ذلك حديثُ الافتراقِ، فقد مَدَحَ النبيُّ ﷺ الفِرْقةَ المُتَّبِعَةَ ولو تمايَزتْ عن فِرَقِ الضَّلالِ، في قولِهِ ﷺ: (إنَّ أُمَّتِي سَتَفْتَرِقُ عَلى ثِنْتَيْنِ وسَبْعِينَ فِرْقَةً، كُلُّها فِي النّارِ، إلاَّ واحِدَةً) [[أخرجه أحمد (٣ /١٢٠)، وابن ماجه (٣٩٩٣).]]، ومِن وجوهِ الحِرْمانِ والضلالِ: أنْ تتعدَّدَ الفِرَقُ في الأمَّةِ والأحزابُ بدَعْوى أنّ كلَّ واحدةٍ تَرى أنّها هي تلك الفِرْقةُ الناجية وليستْ هي إلاَّ ما كان عليه النبيُّ ﷺ وأصحابُه.
والمُسلِمونَ في بَلَدِ الكفرِ يجبُ عليهم أن يَتمايَزُوا عن المشرِكِين، ولو بأحزابٍ وجماعاتٍ ومنظَّماتٍ، ولكنَّه تمايُزٌ بينَ إسلامٍ وكفرٍ، لا تمايُزٌ بينَ مُسلِمينَ ومُسلِمينَ.
{"ayahs_start":30,"ayahs":["فَأَقِمۡ وَجۡهَكَ لِلدِّینِ حَنِیفࣰاۚ فِطۡرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِی فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَیۡهَاۚ لَا تَبۡدِیلَ لِخَلۡقِ ٱللَّهِۚ ذَ ٰلِكَ ٱلدِّینُ ٱلۡقَیِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یَعۡلَمُونَ","۞ مُنِیبِینَ إِلَیۡهِ وَٱتَّقُوهُ وَأَقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَلَا تَكُونُوا۟ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِینَ","مِنَ ٱلَّذِینَ فَرَّقُوا۟ دِینَهُمۡ وَكَانُوا۟ شِیَعࣰاۖ كُلُّ حِزۡبِۭ بِمَا لَدَیۡهِمۡ فَرِحُونَ"],"ayah":"مِنَ ٱلَّذِینَ فَرَّقُوا۟ دِینَهُمۡ وَكَانُوا۟ شِیَعࣰاۖ كُلُّ حِزۡبِۭ بِمَا لَدَیۡهِمۡ فَرِحُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق