الباحث القرآني
(p-٤٧٧٨)القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[٣٠ - ٣٢] ﴿فَأقِمْ وجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ ولَكِنَّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ ﴿مُنِيبِينَ إلَيْهِ واتَّقُوهُ وأقِيمُوا الصَّلاةَ ولا تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ﴾ [الروم: ٣١] ﴿مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهم وكانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [الروم: ٣٢]
﴿فَأقِمْ وجْهَكَ لِلدِّينِ﴾ أيْ: فَقَوِّمْهُ لَهُ، واجْعَلْهُ مُسْتَقِيمًا مُتَوَجِّهًا لَهُ. وفي النَّظْمِ الكَرِيمِ اسْتِعارَةٌ تَمْثِيلِيَّةٌ، بِتَشْبِيهِ المَأْمُورِ بِالتَّمَسُّكِ بِالدِّينِ، ورِعايَةِ حُقُوقِهِ، وعَدَمِ مُجاوَزَةِ حُدُودِهِ والِاهْتِمامِ بِأُمُورِهِ، بِمَن أمَرَ بِالنَّظَرِ إلى أمْرِ، وعَقْدِ طَرْفِهِ بِهِ، وتَسْدِيدِ نَظَرِهِ وتَوْجِيهِ وجْهِهِ لَهُ، لِمُراعاتِهِ والِاهْتِمامِ بِحِفْظِهِ: ﴿حَنِيفًا﴾ أيْ: مائِلًا عَنْ كُلِّ ما سِواهُ إلَيْهِ. قالَ المَهايِمِيُّ: ولا يَعْسُرُ الرُّجُوعُ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ: ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها﴾ أيْ: لِأنَّ عَقْلَ كُلِّ واحِدٍ يَدُلُّ عَلى أنَّهُ حادِثٌ يَفْتَقِرُ إلى مُحْدِثٍ، ولا دَلالَةَ عَلى الِافْتِقارِ إلى مُتَعَدِّدٍ أبَدًا. فالقَوْلُ بِتَعَدُّدِهِ تَغْيِيرٌ لِلْفِطْرَةِ، لَكِنْ: ﴿لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ أيْ: لا تَغْيِيرَ لِأمْرِ العَقْلِ الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ لِلِاسْتِدْلالِ: ﴿ذَلِكَ﴾ أيِ: الدِّينُ المَأْمُورُ بِإقامَةِ الوَجْهِ لَهُ، أوِ الفِطْرَةُ: ﴿الدِّينُ القَيِّمُ﴾ أيِ: المُسْتَقِيمُ الَّذِي لا عِوَجَ فِيهِ. قالَ المَهايِمِيُّ: وإنْ لَمْ يَقُمْ عِنْدَ المُبْدِلِينَ دَلِيلٌ عَلى اسْتِحالَةِ التَّعَدُّدِ، فَهَذا هو مُقْتَضى الفِطْرَةِ: ﴿ولَكِنَّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ أيْ: أنَّهُ مُقْتَضى الفِطْرَةِ، وهي أقْطَعُ قاطِعٍ وأحْسَمُ حاسِمٍ لِشَغَبِ المُشاغِبِ؛ لِأنَّها مِنَ الأُمُورِ الَّتِي لا تَدْخُلُ تَحْتَ الكَسْبِ والِاخْتِيارِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿مُنِيبِينَ إلَيْهِ﴾ [الروم: ٣١] أيْ: راجِعِينَ إلَيْهِ بِالتَّوْبَةِ والإنابَةِ: ﴿ومَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلا اللَّهُ﴾ [آل عمران: ١٣٥] وهو حالٌ مِن فاعِلِ (الزَمُوا)، المُقَدَّرِ ناصِبًا لِـ: "فِطْرَةَ" أوْ مِن فاعِلِ: "أقِمْ" عَلى المَعْنى؛ إذْ لَمْ يُرَدْ بِهِ واحِدٌ بِعَيْنِهِ، أوْ لِأنَّ الخِطابَ لَهُ ﷺ، ولِأُمَّتِهِ، أوْ عَلى أنَّهُ عَلى حَذْفِ المَعْطُوفِ عَلَيْهِ؛ أيْ: أقِمْ أنْتَ وأُمَّتُكَ، والحالُ مِنَ الجَمِيعِ: (p-٤٧٧٩)﴿واتَّقُوهُ وأقِيمُوا الصَّلاةَ ولا تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ﴾ [الروم: ٣١] ﴿مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ﴾ [الروم: ٣٢] أيْ: جَعَلُوهُ أدْيانًا مُخْتَلِفَةً، لِاخْتِلافِ أهْوائِهِمْ: ﴿وكانُوا شِيَعًا﴾ [الروم: ٣٢] أيْ: فِرَقًا: ﴿كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [الروم: ٣٢] أيْ: كُلُّ حِزْبٍ مِنهم فَرِحٌ بِمَذْهَبِهِ، مَسْرُورٌ، يَحْسَبُ باطِلَهُ حَقًّا.
قالَ القاشانِيُّ: يَعْنِي المُفارِقِينَ الدِّينَ الحَقِيقِيَّ، المُتَفَرِّقِينَ شِيَعًا مُخْتَلِفَةً، كُلُّ حِزْبٍ عِنْدَ تَكَدُّرِ الفِطْرَةِ، وتَكاثُفِ الحِجابِ، يَفْرَحُ بِما يَقْتَضِيهِ اسْتِعْدادُهُ مِنَ الحِجابِ، لِكَوْنِهِ مُقْتَضى طَبِيعَةِ حِجابِهِ، فَيُناسِبُ حالُهُ مِن الِاسْتِعْدادِ العارِضِيِّ، وإنْ لَمْ يُلائِمِ الحَقِيقَةَ بِحَسَبِ الِاسْتِعْدادِ، ولِهَذا يَجِبُ بِهِ التَّعْذِيبُ عِنْدَ زَوالِ العارِضِ.
ثُمَّ احْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِرُجُوعِهِمْ إلَيْهِ عِنْدَ الشَّدائِدِ، مِمّا يُحْمَلُ أنْ يَرْجِعَ إلَيْهِ بِعِبادَتِهِ دائِمًا، بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ:
{"ayahs_start":30,"ayahs":["فَأَقِمۡ وَجۡهَكَ لِلدِّینِ حَنِیفࣰاۚ فِطۡرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِی فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَیۡهَاۚ لَا تَبۡدِیلَ لِخَلۡقِ ٱللَّهِۚ ذَ ٰلِكَ ٱلدِّینُ ٱلۡقَیِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یَعۡلَمُونَ","۞ مُنِیبِینَ إِلَیۡهِ وَٱتَّقُوهُ وَأَقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَلَا تَكُونُوا۟ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِینَ","مِنَ ٱلَّذِینَ فَرَّقُوا۟ دِینَهُمۡ وَكَانُوا۟ شِیَعࣰاۖ كُلُّ حِزۡبِۭ بِمَا لَدَیۡهِمۡ فَرِحُونَ"],"ayah":"مِنَ ٱلَّذِینَ فَرَّقُوا۟ دِینَهُمۡ وَكَانُوا۟ شِیَعࣰاۖ كُلُّ حِزۡبِۭ بِمَا لَدَیۡهِمۡ فَرِحُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق