الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أحْسَنَهُ﴾ . أظْهَرُ الأقْوالِ في الآيَةِ الكَرِيمَةِ، أنَّ المُرادَ بِالقَوْلِ، ما جاءَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ، مِن وحْيِ الكِتابِ والسَّنَةِ، ومِن إطْلاقِ القَوْلِ عَلى القُرْآنِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أفَلَمْ يَدَّبَّرُوا القَوْلَ﴾ الآيَةَ [المؤمنون: ٦٨] . وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وما هو بِالهَزْلِ﴾ [الطارق: ١٣ - ١٤] . وقَوْلُهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿فَيَتَّبِعُونَ أحْسَنَهُ﴾ [الزمر: ١٨] أيْ: يُقَدِّمُونَ الأحْسَنَ، الَّذِي هو أشَدُّ حُسْنًا، عَلى الأحْسَنِ الَّذِي هو دُونَهُ في الحُسْنِ، ويُقَدِّمُونَ الأحْسَنَ مُطْلَقًا عَلى الحَسَنِ. ويَدُلُّ لِهَذا آياتٌ مِن كِتابِ اللَّهِ.
أمّا الدَّلِيلُ عَلى أنَّ القَوْلَ الأحْسَنَ المُتَّبَعَ. ما أُنْزِلَ عَلَيْهِ ﷺ مِنَ الوَحْيِ، فَهو في آياتٍ مِن كِتابِ اللَّهِ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿واتَّبِعُوا أحْسَنَ ما أُنْزِلَ إلَيْكم مِن رَبِّكُمْ﴾ [الزمر: ٥٥] وقَوْلِهِ تَعالى لِمُوسى يَأْمُرُهُ بِالأخْذِ بِأحْسَنِ ما في التَّوْراةِ: ﴿فَخُذْها بِقُوَّةٍ وأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأحْسَنِها﴾ [الأعراف: ١٤٥] .
وَأمّا كَوْنُ القُرْآنِ فِيهِ الأحْسَنُ والحَسَنُ، فَقَدْ دَلَّتْ عَلَيْهِ آياتٌ مِن كِتابِهِ.
واعْلَمْ أوَّلًا أنَّهُ لا شَكَّ في أنَّ الواجِبَ أحْسَنُ مِنَ المَندُوبِ، وأنَّ المَندُوبَ أحْسَنُ مِن (p-٣٥٧)مُطْلَقِ الحَسَنِ، فَإذا سَمِعُوا مَثَلًا قَوْلَهُ تَعالى: ﴿وافْعَلُوا الخَيْرَ لَعَلَّكم تُفْلِحُونَ﴾ [الحج: ٧٧] قَدَّمُوا فِعْلَ الخَيْرِ الواجِبَ، عَلى فِعْلِ الخَيْرِ المَندُوبِ، وقَدَّمُوا هَذا الأخِيرَ، عَلى مُطْلَقِ الحَسَنِ الَّذِي هو الجائِزُ، ولِذا كانَ الجَزاءُ بِخُصُوصِ الأحْسَنِ الَّذِي هو الواجِبُ والمَندُوبُ، لا عَلى مُطْلَقِ الحَسَنِ، كَما قالَ تَعالى: ﴿وَلَنَجْزِيَنَّهم أجْرَهم بِأحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: ٩٧] وقالَ تَعالى ﴿وَيَجْزِيَهم أجْرَهم بِأحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الزمر: ٣٥] كَما قَدَّمْنا إيضاحَهُ في سُورَةِ النَّحْلِ، في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿مَن عَمِلَ صالِحًا مِن ذَكَرٍ أوْ أُنْثى وهو مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً ولَنَجْزِيَنَّهم أجْرَهم بِأحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: ٩٧]، وبَيَّنّا هُناكَ دَلالَةَ الآياتِ عَلى أنَّ المُباحَ حَسَنٌ، كَما قالَ صاحِبُ المَراقِي:
ما رَبُّنا لَمْ يَنْهَ عَنْهُ حَسَنُ وغَيْرُهُ القَبِيحُ والمُسْتَهْجَنُ
وَمِن أمْثِلَةِ التَّرْغِيبِ في الأخْذِ بِالأحْسَنِ وأفْضَلِيَّتِهِ مَعَ جَوازِ الأخْذِ بِالحَسَنِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ ولَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهو خَيْرٌ لِلصّابِرِينَ﴾ [النحل: ١٢٦] فالأمْرُ في قَوْلِهِ: ﴿فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾ لِلْجَوازِ، واللَّهُ لا يَأْمُرُ إلّا بِحَسَنٍ. فَدَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّ الِانْتِقامَ حَسَنٌ، ولَكِنَّ اللَّهَ بَيَّنَ أنَّ العَفْوَ والصَّبْرَ، خَيْرٌ مِنهُ وأحْسَنُ في قَوْلِهِ: ﴿وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهو خَيْرٌ لِلصّابِرِينَ﴾ وأمْثالُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ في القُرْآنِ، كَقَوْلِهِ تَعالى في إباحَةِ الِانْتِقامِ: ﴿وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِن سَبِيلٍ﴾ [الشورى: ٤٣]، مَعَ أنَّهُ بَيَّنَ أنَّ الصَّبْرَ والغُفْرانَ خَيْرٌ مِنهُ، في قَوْلِهِ بَعْدَهُ: ﴿وَلَمَن صَبَرَ وغَفَرَ إنَّ ذَلِكَ لَمِن عَزْمِ الأُمُورِ﴾ [الشورى: ٤٣]، وكَقَوْلِهِ في جَوازِ الِانْتِقامِ: ﴿لا يُحِبُّ اللَّهُ الجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ القَوْلِ إلّا مَن ظُلِمَ﴾ [النساء: ١٤٨] مَعَ أنَّهُ أشارَ إلى أنَّ العَفْوَ خَيْرٌ مِنهُ، وأنَّهُ مِن صِفاتِهِ جَلَّ وعَلا مَعَ كَمالِ قُدْرَتِهِ وذَلِكَ في قَوْلِهِ بَعْدَهُ: ﴿إنْ تُبْدُوا خَيْرًا أوْ تُخْفُوهُ أوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيرًا﴾ [النساء: ١٤٩] . وكَقَوْلِهِ جَلَّ وعَلا مُثْنِيًا عَلى مَن تَصَدَّقَ، فَأبْدى صَدَقَتَهُ: ﴿إنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمّا هِيَ﴾ [البقرة: ٢٧١] ثُمَّ بَيَّنَ أنَّ إخْفاءَها وإيتاءَها الفُقَراءَ، خَيْرٌ مِن إبْدائِها الَّذِي مَدَحَهُ بِالفِعْلِ الجامِدِ، الَّذِي هو لِإنْشاءِ المَدْحِ الَّذِي هو نَعِمَّ، في قَوْلِهِ: ﴿إنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمّا هي وإنْ تُخْفُوها وتُؤْتُوها الفُقَراءَ فَهو خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٧١] .
(p-٣٥٨)وَكَقَوْلِهِ في نِصْفِ الصَّداقِ اللّازِمِ، لِلزَّوْجَةِ بِالطَّلاقِ، قَبْلَ الدُّخُولِ، ﴿فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٣٧] ولا شَكَّ أنَّ أخْذَ كُلِّ واحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ النِّصْفَ حَسَنٌ، لِأنَّ اللَّهَ شَرَعَهُ في كِتابِهِ في قَوْلِهِ: ﴿فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ﴾ مَعَ أنَّهُ رَغَّبَ كُلَّ واحِدٍ مِنهُما، أنْ يَعْفُوَ لِلْآخَرِ عَنْ نِصْفِهِ، وبَيَّنَ أنَّ ذَلِكَ أقْرَبُ لِلتَّقْوى وذَلِكَ في قَوْلِهِ بَعْدَهُ﴿وَأنْ تَعْفُوا أقْرَبُ لِلتَّقْوى ولا تَنْسَوُا الفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٣٧] .
وَقَدْ قالَ تَعالى: ﴿وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها﴾ [الشورى: ٤٠] ثُمَّ أرْشَدَ إلى الأحْسَنِ بِقَوْلِهِ: ﴿فَمَن عَفا وأصْلَحَ فَأجْرُهُ عَلى اللَّهِ﴾ [الشورى: ٤٠] وقالَ تَعالى: ﴿والجُرُوحَ قِصاصٌ﴾ [المائدة: ٤٥] ثُمَّ أرْشَدَ إلى الأحْسَنِ، في قَوْلِهِ: ﴿فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهو كَفّارَةٌ لَهُ﴾ [المائدة: ٤٥] .
واعْلَمْ أنَّ في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ أقْوالًا غَيْرَ الَّذِي اخْتَرْنا.
مِنها ما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، في مَعْنى ﴿فَيَتَّبِعُونَ أحْسَنَهُ﴾ قالَ: ”هو الرَّجُلُ يَسْمَعُ الحَسَنَ والقَبِيحَ فَيَتَحَدَّثُ بِالحَسَنِ، ويَنْكَفُّ عَنِ القَبِيحِ، فَلا يَتَحَدَّثُ بِهِ“ .
وَقِيلَ يَسْتَمِعُونَ القُرْآنَ وغَيْرَهُ، فَيَتَّبِعُونَ القُرْآنَ.
وَقِيلَ: إنَّ المُرادَ بِأحْسَنِ القَوْلِ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، وبَعْضُ مَن يَقُولُ بِهَذا يَقُولُ: إنِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِيمَن كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ قَبْلَ بَعْثِ الرَّسُولِ ﷺ، كَزَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ العَدَوِيِّ، وأبِي ذَرٍّ الغِفارِيِّ، وسَلْمانَ الفارِسِيِّ، إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأقْوالِ.
{"ayah":"ٱلَّذِینَ یَسۡتَمِعُونَ ٱلۡقَوۡلَ فَیَتَّبِعُونَ أَحۡسَنَهُۥۤۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ هَدَىٰهُمُ ٱللَّهُۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمۡ أُو۟لُوا۟ ٱلۡأَلۡبَـٰبِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق