الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿لَهم مِن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِن النارِ ومِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ يا عِبادِ فاتَّقُونِ﴾ ﴿والَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطاغُوتَ أنْ يَعْبُدُوها وأنابُوا إلى اللهِ لَهُمُ البُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِ﴾ ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وأُولَئِكَ هم أُولُو الألْبابِ﴾ هَذِهِ صِفَةُ حالِ أهْلِ جَهَنَّمَ، و"الظُلَّةُ": ما غَشِيَ وغَمَّ كالسَحابَةِ وسَقْفِ البَيْتِ ونَحْوِهِ، فَأمّا ما فَوْقَهم فَكَوْنُهُ ظُلَّةً بَيِّنٌ، وأمّا ما تَحْتَهُمْ، فَقالَتْ فِرْقَةٌ: سُمِّيَ ظُلَّةً لِأنَّهُ يَتَلَهَّبُ، ويَصْعَدُ مِمّا تَحْتَهم شَيْءٌ كَثِيرٌ ولَهَبٌ حَتّى يَكُونَ ظُلَّةً، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فَوْقَهم شَيْءٌ لَكَفى فَرْعُ الَّذِي تَحْتَهم في أنْ يَكُونَ ظُلَّةً، وقالَتْ فِرْقَةٌ: جَعَلَ ما تَحْتَهم ظُلَّةً، لِأنَّهُ فَوْقَ آخَرِينَ، وهَكَذا هي حالُهم إلّا الطَبَقَةَ الأخِيرَةَ الَّتِي في القَعْرِ. وقَوْلُهُ: ﴿ "عِبادَهُ"﴾ يُرِيدُ جَمِيعَ العالَمِ، خَوَّفَهُمُ اللهُ النارَ وحَذَّرَهم مِنها، فَمَن هُدِيَ وآمَنَ نَجا، ومَن كَفَرَ حَصَلَ فِيما خَوَّفَ مِنهُ. واخْتَلَفَتِ القِراءَةُ في قَوْلِهِ: ﴿يا عِبادِ﴾، وقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿والَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطاغُوتَ﴾ الآيَةَ. قالَ ابْنُ زَيْدٍ: إنَّ سَبَبَ نُزُولِها زَيْدُ بْنُ عَمْرٍو بْنِ نُفَيْلٍ، وسَلْمانُ الفارِسِيُّ، وأبُو ذَرٍّ الغِفارِيُّ، والإشارَةُ إلَيْهِمْ. وقالَ ابْنُ إسْحَقَ: الإشارَةُ بِها إلى عَبْدِ الرَحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وسَعْدِ بْنِ أبِي وقاصٍّ، وسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، والزُبَيْرِ رَضِيَ اللهُ تَعالى عنهُمْ، وذَلِكَ أنَّهُ لَمّا أسْلَمَ أبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ سَمِعُوا ذَلِكَ فَجاؤُوهُ فَقالُوا: أسْلَمْتَ؟ قالَ: نَعَمْ، وذَكَّرَهم بِاللهِ فَآمَنُوا بِأجْمَعِهِمْ، فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الآيَةُ، وهي عَلى كُلِّ حالٍ عامَّةٌ في الناسِ إلى يَوْمِ القِيامَةِ، يَتَناوَلُهم حُكْمُها. و"الطاغُوتُ" كُلُّ ما يُعْبَدُ مِن دُونِ اللهِ تَعالى، و"الطاغُوتُ" أيْضًا الشَيْطانُ، وبِهِ فَسَّرَ هَنا مُجاهِدٌ، والسُدِّيُّ، وابْنُ زَيْدٍ. وأوقَعَهُ هُنا عَلى جَماعَةِ الشَياطِينِ، ولِذَلِكَ أنَّثَ الضَمِيرَ في ﴿ "يَعْبُدُوها".﴾ وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أحْسَنَهُ﴾ كَلامٌ عامٌّ في جَمِيعِ الأقْوالِ، وإنَّما القَصْدُ الثَناءُ عَلى هَؤُلاءِ بِبَصائِرَ هي لَهم وقِوامٍ في نَظَرِهِمْ، حَتّى أنَّهم إذا سَمِعُوا (p-٣٨٤)قَوْلًا مَيَّزُوهُ واتَّبَعُوا أحْسَنَهُ، واخْتَلَفَ المُفَسِّرُونَ في العِبارَةِ عن هَذا، فَقالَتْ فِرْقَةٌ: أحْسَنُ القَوْلِ كِتابُ اللهِ تَعالى، أيْ إذا سَمِعُوا الأقاوِيلَ وسَمِعُوا القُرْآنَ اتَّبَعُوا القُرْآنَ،وَقالَتْ فِرْقَةٌ: "القَوْلُ" هو القُرْآنُ، وأحْسَنُهُ ما فِيهِ مِن عَفْوٍ وصَفْحٍ واحْتِمالٍ عَلى صَبْرٍ ونَحْوِ ذَلِكَ، وقالَ قَتادَةُ: أحْسَنُ القَوْلِ طاعَةُ اللهِ تَعالى، وهَذِهِ أمْثِلَةٌ وما قُلْناهُ أوَّلًا يَعُمُّها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب