الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِن عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنّا فاغْفِرْ لَنا وارْحَمْنا وأنْتَ خَيْرُ الرّاحِمِينَ﴾ ﴿فاتَّخَذْتُمُوهم سِخْرِيًّا حَتّى أنْسَوْكم ذِكْرِي وكُنْتُمْ مِنهم تَضْحَكُونَ﴾ . قَدْ تَقَرَّرَ في الأُصُولِ في مَسْلَكِ الإيماءِ والتَّنْبِيهِ، أنَّ إنَّ المَكْسُورَةَ المُشَدَّدَةَ مِن حُرُوفِ التَّعْلِيلِ، كَقَوْلِكَ: عاقِبْهُ إنَّهُ مُسِئٌ، أيْ: لِأجْلِ إساءَتِهِ، وقَوْلُهُ في هَذِهِ الآيَةِ: ﴿إنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِن عِبادِي﴾، يَدُلُّ فِيهِ لَفْظُ إنَّ المَكْسُورَةِ المُشَدَّدَةِ، عَلى أنَّ الأسْبابَ الَّتِي أدْخَلَتْهُمُ النّارَ هو اسْتِهْزاؤُهم، وسُخْرِيَتُهم مِنَ الفَرِيقِ المُؤْمِنِ الَّذِي يَقُولُ: ﴿رَبَّنا آمَنّا فاغْفِرْ لَنا وارْحَمْنا وأنْتَ خَيْرُ الرّاحِمِينَ﴾، فالكُفّارُ يَسْخَرُونَ مِن ضُعَفاءِ المُؤْمِنِينَ في الدُّنْيا حَتّى يُنْسِيَهم ذَلِكَ ذِكْرَ اللَّهِ، والإيمانَ بِهِ فَيَدْخُلُونَ بِذَلِكَ النّارَ.
وَما ذَكَرَهُ تَعالى في هاتَيْنِ الآيَتَيْنِ الكَرِيمَتَيْنِ أشارَ لَهُ في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ أجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وإذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ﴾ [المطففين: ٢٩ - ٣٠] وكَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَكَذَلِكَ فَتَنّا بَعْضَهم بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِن بَيْنِنا﴾ الآيَةَ [الأنعام: ٥٣] وكُلُّ ذَلِكَ احْتِقارٌ مِنهم لَهم، وإنْكارُهم أنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَيْهِمْ بِخَيْرٍ، وكَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أهَؤُلاءِ الَّذِينَ أقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ﴾ الآيَةَ [الأعراف: ٤٩]، وقَوْلِهِ تَعالى عَنْهم: ﴿لَوْ كانَ خَيْرًا ما سَبَقُونا إلَيْهِ﴾ [الأحقاف: ١١] وكُلُّ ذَلِكَ احْتِقارٌ مِنهم لَهم، وقَوْلُهُ: ﴿فاتَّخَذْتُمُوهم سِخْرِيًّا﴾ [المؤمنون: ١١٠] والسُّخْرِيُّ بِالضَّمِّ والكَسْرِ: مَصْدَرُ سَخِرَ مِنهُ، إذا اسْتَهْزَأ بِهِ عَلى سَبِيلِ الِاحْتِقارِ، قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ في ياءِ النَّسَبِ: زِيادَةٌ في الفِعْلِ، كَما قِيلَ في الخُصُوصِيَّةِ بِمَعْنى الخُصُوصِ، ومَعْناهُ: أنَّ الياءَ المُشَدَّدَةَ في آخِرِهِ تَدُلُّ عَلى زِيادَةِ سُخْرِهِمْ مِنهم ومُبالَغَتِهِمْ في ذَلِكَ، وقَرَأ نافِعٌ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ: سُخْرِيًّا بِضَمِّ السِّينِ، والباقُونَ بِكَسْرِها ومَعْنى القِراءَتَيْنِ واحِدٌ، وهو سُخْرِيَةُ الكُفّارِ واسْتِهْزاؤُهم بِضُعَفاءِ المُؤْمِنِينَ، كَما بَيَّنّا، ومِمَّنْ قالَ بِأنَّ مَعْناهُما واحِدٌ: الخَلِيلُ وسِيبَوَيْهِ، وهو الحَقُّ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى. وعَنِ الكِسائِيِّ والفَرّاءِ: أنَّ السِّخْرِيَّ بِكَسْرِ السِّينِ مِن قَبِيلِ ما ذَكَرْنا مِنَ الِاسْتِهْزاءِ، وأنَّ السُّخْرِيَّ بِضَمِّ السِّينِ مِنَ التَّسْخِيرِ، الَّذِي هو التَّذْلِيلُ والعُبُودِيَّةُ.
(p-٣٦١)والمَعْنى: أنَّ الكُفّارَ يُسَخِّرُونَ ضُعَفاءَ المُؤْمِنِينَ، ويَسْتَعْبِدُونَهم كَما كانَ يَفْعَلُهُ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ بِبِلالٍ، ولا يَخْفى أنَّ الصَّوابَ هو ما ذَكَرْنا إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى، وحَتّى في قَوْلِهِ: ﴿حَتّى أنْسَوْكم ذِكْرِي﴾ حَرْفُ غايَةٍ؛ لِاتِّخاذِهِمْ إيّاهم سِخْرِيًّا، أيْ: لَمْ يَزالُوا كَذَلِكَ، حَتّى أنْساهم ذَلِكَ ذِكْرَ اللَّهِ والإيمانَ بِهِ، فَكانَ مَأْواهُمُ النّارَ، والعِياذُ بِاللَّهِ.
{"ayah":"إِنَّهُۥ كَانَ فَرِیقࣱ مِّنۡ عِبَادِی یَقُولُونَ رَبَّنَاۤ ءَامَنَّا فَٱغۡفِرۡ لَنَا وَٱرۡحَمۡنَا وَأَنتَ خَیۡرُ ٱلرَّ ٰحِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق