الباحث القرآني
﴿قالَ اخْسَئُوا فِيها ولا تُكَلِّمُونِ﴾ ﴿إنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِن عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنّا فاغْفِرْ لَنا وارْحَمْنا وأنْتَ خَيْرُ الرّاحِمِينَ﴾ ﴿فاتَّخَذْتُمُوهم سُخْرِيًّا حَتّى أنْسَوْكم ذِكْرِي وكُنْتُمْ مِنهم تَضْحَكُونَ﴾ ﴿إنِّي جَزَيْتُهُمُ اليَوْمَ بِما صَبَرُوا أنَّهم هُمُ الفائِزُونَ﴾
(p-١٢٩)(اخْسَئُوا) زَجْرٌ وشَتْمٌ بِأنَّهم خاسِئُونَ، ومَعْناهُ عَدَمُ اسْتِجابَةِ طَلَبِهِمْ. وفِعْلُ خَسَأ مِن بابِ مَنَعَ ومَعْناهُ ذَلَّ. ونُهُوا عَنْ خِطابِ اللَّهِ والمَقْصُودُ تَأيِيسُهم مِنَ النَّجاةِ مِمّا هم فِيهِ.
وجُمْلَةُ ﴿إنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِن عِبادِي﴾ إلى آخِرِها اسْتِئْنافٌ قُصِدَ مِنهُ إغاظَتُهم بِمُقابَلَةِ حالِهِمْ يَوْمَ العَذابِ بِحالِ الَّذِينَ أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وتَحْسِيرُهم عَلى ما كانُوا يُعامِلُونَ بِهِ المُسْلِمِينَ.
والإخْبارُ في قَوْلِهِ: ﴿إنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِن عِبادِي﴾ إلى قَوْلِهِ: (سِخْرِيًّا) مُسْتَعْمَلٌ في كَوْنِ المُتَكَلِّمِ عالِمًا بِمَضْمُونِ الخَبَرِ بِقَرِينَةِ أنَّ المُخاطَبَ يَعْلَمُ أحْوالَ نَفْسِهِ. وتَأْكِيدُ الخَبَرِ بِـ (إنَّ) وضَمِيرِ الشَّأْنِ لِلتَّعْجِيلِ بِإرْهابِهِمْ.
وجُمْلَةُ (إنِّي جَزَيْتُهم) خَبَرُ (إنَّ) الأُولى لِزِيادَةِ التَّأْكِيدِ. وتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ في قَوْلِهِ: ﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ إنّا لا نُضِيعُ أجْرَ مَن أحْسَنَ عَمَلًا﴾ [الكهف: ٣٠] في سُورَةِ الكَهْفِ.
والسُّخْرِيُّ بِضَمِّ السِّينِ في قِراءَةِ نافِعٍ والكِسائِيِّ وأبِي جَعْفَرٍ وخَلَفٍ، وبِكَسْرِ السِّينِ في قِراءَةِ الباقِينَ، وهُما وجْهانِ ومَعْناهُما واحِدٌ عِنْدَ المُحَقِّقِينَ مِن أيِمَّةِ اللُّغَةِ لا فَرْقَ بَيْنَهُما خِلافًا لِأبِي عُبَيْدَةَ والكِسائِيِّ والفَرّاءِ الَّذِينَ جَعَلُوا المَكْسُورَ مَأْخُوذًا مِن سَخِرَ بِمَعْنى هَزَأ، والمَضْمُومُ مَأْخُوذًا مِنَ السُّخْرَةِ بِضَمِّ السِّينِ وهي الِاسْتِخْدامُ بِلا أجْرِ. فَلَمّا قُصِدَ مِنهُ المُبالَغَةُ في حُصُولِ المَصْدَرِ أُدْخِلَتْ ياءُ النِّسْبَةِ كَما يُقالُ: الخُصُوصِيَّةُ لِمَصْدَرِ الخُصُوصِ.
وسُلِّطَ الِاتِّخاذُ عَلى المَصْدَرِ لِلْمُبالَغَةِ كَما يُوصَفُ بِالمَصْدَرِ. والمَعْنى: اتَّخَذْتُمُوهم مَسْخُورًا بِهِمْ، فَنَصَبَ (سِخْرِيًّا) عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ ثانٍ لِـ (اتَّخَذْتُمُوهم) . و(حَتّى) ابْتِدائِيَّةٌ ومَعْنى (حَتّى) الِابْتِدائِيَّةِ مَعْنى فاءِ السَّبَبِيَّةِ فَهي اسْتِعارَةٌ تَبَعِيَّةٌ. شُبِّهَ التَّسَبُّبُ القَوِيُّ بِالغايَةِ فاسْتُعْمِلَتْ فِيهِ (حَتّى) . والمَعْنى: أنَّكم لَهَوْتُمْ عَنِ التَّأمُّلِ فِيما جاءَ بِهِ القُرْآنُ مِنَ الذِّكْرِ؛ لِأنَّهم سَخِرُوا مِنهم لِأجْلِ أنَّهم مُسْلِمُونَ فَقَدْ سَخِرُوا مِنَ الدِّينِ الَّذِي كانَ اتِّباعُهم إيّاهُ سَبَبَ السُّخْرِيَةِ بِهِمْ فَكَيْفَ (p-١٣٠)يُرْجى مِن هَؤُلاءِ التَّذَكُّرُ بِذَلِكَ الذِّكْرِ وهو مِن دَواعِي السُّخْرِيَةِ بِأهْلِهِ. وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى فِعْلِ (سَخِرَ) عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنهُمْ﴾ [الأنعام: ١٠] في سُورَةِ الأنْعامِ وقَوْلِهِ: ﴿فَيَسْخَرُونَ مِنهُمْ﴾ [التوبة: ٧٩] في سُورَةِ بَراءَةٌ.
فَإسْنادُ الإنْساءِ إلى الفَرِيقِ مَجازٌ عَقْلِيٌّ لِأنَّهم سَبَبُهُ أوْ هو مَجازٌ بِالحَذْفِ بِتَقْدِيرِ: حَتّى أنْساكُمُ السُّخْرِيُّ بِهِمْ ذِكْرِي، والقَرِينَةُ عَلى الأوَّلِ مَعْنَوِيَّةٌ وعَلى الثّانِي لَفْظِيَّةٌ.
وقَوْلُهُ: ﴿أنَّهم هُمُ الفائِزُونَ﴾ قَرَأهُ الجُمْهُورُ بِفَتْحِ هَمْزَةِ (أنَّ) عَلى مَعْنى المَصْدَرِيَّةِ والتَّأْكِيدِ أيْ: جَزَيْتُهم بِأنَّهم. وقَرَأهُ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ بِكَسْرِ هَمْزَةِ (إنَّ) عَلى التَّأْكِيدِ فَقَطْ فَتَكُونُ اسْتِئْنافًا بَيانِيًّا لِلْجَزاءِ.
وضَمِيرُ الفَصْلِ لِلِاخْتِصاصِ، أيْ: هُمُ الفائِزُونَ لا أنْتُمْ.
وقَوْلُهُ: ﴿بِما صَبَرُوا﴾ إدْماجٌ لِلتَّنْوِيهِ بِالصَّبْرِ، والتَّنْبِيهِ عَلى أنَّ سُخْرِيَّتَهم بِهِمْ كانَتْ سَبَبًا في صَبْرِهِمُ الَّذِي أكْسَبَهُمُ الجَزاءَ. وفي ذَلِكَ زِيادَةُ تَلْهِيفٍ لِلْمُخاطَبِينَ بِأنْ كانُوا هُمُ السَّبَبُ في ضُرِّ أنْفُسِهِمْ ونَفْعِ مَن كانُوا يَعُدُّونَهم أعْداءَهم.
{"ayahs_start":108,"ayahs":["قَالَ ٱخۡسَـُٔوا۟ فِیهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ","إِنَّهُۥ كَانَ فَرِیقࣱ مِّنۡ عِبَادِی یَقُولُونَ رَبَّنَاۤ ءَامَنَّا فَٱغۡفِرۡ لَنَا وَٱرۡحَمۡنَا وَأَنتَ خَیۡرُ ٱلرَّ ٰحِمِینَ","فَٱتَّخَذۡتُمُوهُمۡ سِخۡرِیًّا حَتَّىٰۤ أَنسَوۡكُمۡ ذِكۡرِی وَكُنتُم مِّنۡهُمۡ تَضۡحَكُونَ","إِنِّی جَزَیۡتُهُمُ ٱلۡیَوۡمَ بِمَا صَبَرُوۤا۟ أَنَّهُمۡ هُمُ ٱلۡفَاۤىِٕزُونَ"],"ayah":"إِنَّهُۥ كَانَ فَرِیقࣱ مِّنۡ عِبَادِی یَقُولُونَ رَبَّنَاۤ ءَامَنَّا فَٱغۡفِرۡ لَنَا وَٱرۡحَمۡنَا وَأَنتَ خَیۡرُ ٱلرَّ ٰحِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق