الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَقاتِلُوا في سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ لِلْعُلَماءِ:
لْأوَّلُ: أنَّ المُرادَ - بِالَّذِينَ يُقاتِلُونَكم مِن شَأْنِهِمُ القِتالُ؛ أيْ: دُونَ غَيْرِهِمْ، كالنِّساءِ والصِّبْيانِ والشُّيُوخِ الفانِيَةِ وأصْحابِ الصَّوامِعِ.
الثّانِي: أنَّها مَنسُوخَةٌ بِآياتِ السَّيْفِ الدّالَّةِ عَلى قِتالِهِمْ مُطْلَقًا.
الثّالِثُ: أنَّ المُرادَ بِالآيَةِ تَهْيِيجُ المُسْلِمِينَ وتَحْرِيضُهم عَلى قِتالِ الكُفّارِ، فَكَأنَّهُ يَقُولُ لَهم: هَؤُلاءِ الَّذِينَ أمَرْتُكم بِقِتالِهِمْ، هم خُصُومُكم وأعْداؤُكُمُ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكم، وأظْهَرُها الأوَّلُ، وعَلى القَوْلِ الثّالِثِ فالمَعْنى يُبَيِّنُهُ ويَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَقاتِلُوا المُشْرِكِينَ كافَّةً كَما يُقاتِلُونَكم كافَّةً﴾ [التوبة: ٣٦] .
⁕ ⁕ ⁕
* قال المؤلف في (دفع إيهام الإضطراب عن آيات الكتاب):
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَقاتِلُوا في سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكم ولا تَعْتَدُوا﴾ الآيَةَ.
(p-٢٢٢)هَذِهِ الآيَةُ تَدُلُّ بِظاهِرِها عَلى أنَّهم لَمْ يُؤْمَرُوا بِقِتالِ الكُفّارِ إلّا إذا قاتَلُوهم، وقَدْ جاءَتْ آياتٌ أُخَرُ تَدُلُّ عَلى وُجُوبِ قِتالِ الكُفّارِ مُطْلَقًا قاتَلُوا أمْ لا، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَقاتِلُوهم حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ [البقرة: ١٩٣] .
وَقَوْلِهِ: ﴿فَإذا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الحُرُمُ فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وجَدْتُمُوهم وخُذُوهم واحْصُرُوهم واقْعُدُوا لَهم كُلَّ مَرْصَدٍ﴾ [التوبة: ٥] .
وَكَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿تُقاتِلُونَهم أوْ يُسْلِمُونَ﴾ [الفتح: ٦] .
والجَوابُ عَنْ هَذا بِأُمُورٍ:
الأوَّلُ: وهو أحْسَنُها وأقْرَبُها، أنَّ المُرادَ بِقَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ﴾ تَهْيِيجُ المُسْلِمِينَ وتَحْرِيضُهم عَلى قِتالِ الكُفّارِ، فَكَأنَّهُ يَقُولُ لَهم: هَؤُلاءِ الَّذِينَ أمَرْتُكم بِقِتالِهِمْ هم خُصُومُكم وأعْداؤُكُمُ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكم، ويَدُلُّ لِهَذا المَعْنى قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَقاتِلُوا المُشْرِكِينَ كافَّةً كَما يُقاتِلُونَكم كافَّةً﴾ [التوبة: ٣٦]، وخَيْرُ ما يُفَسَّرُ بِهِ القُرْآنُ القُرْآنُ.
الوَجْهُ الثّانِي: أنَّها مَنسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وجَدْتُمُوهُمْ﴾ وهَذا مِن جِهَةِ النَّظَرِ ظاهِرٌ حَسَنٌ جِدًّا، وإيضاحُ ذَلِكَ أنَّ مِن حِكْمَةِ اللَّهِ البالِغَةِ في التَّشْرِيعِ، أنَّهُ إذا أرادَ تَشْرِيعَ أمْرٍ عَظِيمٍ عَلى النُّفُوسِ رُبَّما يَشْرَعُهُ تَدْرِيجًا لِتَخِفَّ صُعُوبَتُهُ بِالتَّدْرِيجِ، فالخَمْرُ مَثَلًا لَمّا كانَ تَرْكُها شاقًّا عَلى النُّفُوسِ الَّتِي اعْتادَتْها، ذَكَرَ أوَّلًا بَعْضَ مَعائِبِها بِقَوْلِهِ: ﴿قُلْ فِيهِما إثْمٌ كَبِيرٌ﴾ [البقرة: ٢١٩] .
ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ حَرَّمَها في وقْتٍ دُونَ وقْتٍ، كَما دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وأنْتُمْ سُكارى﴾ الآيَةَ [البقرة: ٤٣] .
ثُمَّ لَمّا اسْتَأْنَسَتِ النُّفُوسُ بِتَحْرِيمِها في الجُمْلَةِ حَرَّمَها تَحْرِيمًا باتًّا بِقَوْلِهِ: ﴿رِجْسٌ مِن عَمَلِ الشَّيْطانِ فاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكم تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة: ٩٠] .
وَكَذَلِكَ الصَّوْمُ لَمّا كانَ شاقًّا عَلى النُّفُوسِ شَرَعَهُ أوَّلًا عَلى سَبِيلِ التَّخْيِيرِ بَيْنَهُ وبَيْنَ الإطْعامِ ثُمَّ رَغَّبَ في الصَّوْمِ مَعَ التَّخْيِيرِ بِقَوْلِهِ: وأنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكم [البقرة: ١٨٤]، ثُمَّ لَمّا اسْتَأْنَسَتْ بِهِ النُّفُوسُ أوْجَبَهُ إيجابًا حَتْمًا بِقَوْلِهِ تَعالى ﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ الآيَةَ [البقرة: ١٨٥] .
(p-٢٢٣)وَكَذَلِكَ القِتالُ عَلى هَذا القَوْلِ شاقٌّ عَلى النُّفُوسِ، أذِنَ فِيهِ أوَّلًا مِن غَيْرِ إيجابٍ بِقَوْلِهِ: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأنَّهم ظُلِمُوا﴾ الآيَةَ [الحج: ٣٩] .
ثُمَّ أوْجَبَ عَلَيْهِمْ قِتالَ مَن قاتَلَهم دُونَ مَن لَمْ يُقاتِلْهم بِقَوْلِهِ: ﴿وَقاتِلُوا في سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ﴾ .
ثُمَّ اسْتَأْنَسَتْ نُفُوسُهم بِالقِتالِ أوْجَبَهُ عَلَيْهِمْ إيجابًا عامًّا بِقَوْلِهِ: ﴿فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وجَدْتُمُوهم وخُذُوهم واحْصُرُوهُمْ﴾ الآيَةَ.
الوَجْهُ الثّالِثُ: وهو اخْتِيارُ ابْنِ جَرِيرٍ، ويَظْهَرُ لِي أنَّهُ الصَّوابُ، أنَّ الآيَةَ مُحْكَمَةٌ وأنَّ مَعْناها: قاتِلُوا الَّذِينَ يُقاتِلُونَكم، أيْ مِن شَأْنِهِمْ أنْ يُقاتِلُوكم.
أمّا الكافِرُ الَّذِي لَيْسَ مِن شَأْنِهِ القِتالُ كالنِّساءِ والذَّرارِيِّ والشُّيُوخِ الفانِيَةِ والرُّهْبانِ وأصْحابِ الصَّوامِعِ، ومَن ألْقى إلَيْكُمُ السَّلَمَ فَلا تَعْتَدُوا بِقِتالِهِمْ لِأنَّهم لا يُقاتِلُونَكم، ويَدُلُّ لِهَذا الأحادِيثُ المُصَرِّحَةُ بِالنَّهْيِ عَنْ قَتْلِ الصَّبِيِّ، وأصْحابِ الصَّوامِعِ، والمَرْأةِ والشَّيْخِ الهَرِمِ إذا لَمْ يُسْتَعَنْ بِرَأْيِهِ.
وَأمّا صاحِبُ الرَّأْيِ فَيُقْتَلُ كَدُرَيْدِ بْنِ الصِّمَّةِ، وقَدْ فَسَّرَ هَذِهِ الآيَةَ بِهَذا المَعْنى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وابْنُ عَبّاسٍ والحَسَنُ البَصْرِيُّ.
{"ayah":"وَقَـٰتِلُوا۟ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِینَ یُقَـٰتِلُونَكُمۡ وَلَا تَعۡتَدُوۤا۟ۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق